احتقان شعبي.. ماذا وراء التعزيزات العسكرية الأجنبية في المهرة اليمنية؟

"هناك وجود حساسية من سكان المهرة تجاه النفوذ السعودي"
تشهد محافظة المهرة اليمنية، توترات بين قوى سياسية وجهات تابعة للسعودية، إضافة إلى تعزيزات عسكرية أميركية، الأمر الذي وصفه وكيل المحافظة، بدر كلشات، بأن المدينة أمام "منعطف خطير"، يتطلب من الجميع التوحّد، ورصّ الصفوف.
التوترات الحالية المصاحبة إلى دخول تعزيزات عسكرية أميركية وأخرى لقوات مدعومة من السعودية، أثارت تساؤلات عن تفسير ما يجرى في المدينة اليمنية المطلة على بحر العرب، والتي تتمركز في مطارها "الغيضة" قوات بريطانية وأميركية منذ سنوات.
خيارات مفتوحة
وفي 16 فبراير/ شباط 2025، صعّدت لجنة الاعتصام السلمي، في محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، ضد استحداث وحدات هناك من "قوات درع الوطن"، فقد صدر قرار بإنشائها من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لتكون تابعة له.
"درع الوطن" هي جماعة مسلحة تشكلت نهاية يناير/ كانون الثاني 2023، بمرسوم جمهوري من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وأن الرياض تشرف عليها تدريبا وتسليحا وتمويلا، وأن معظم عناصرها من التيار السلفي الموالي للسعودية.
وشنّت لجنة الاعتصام السلمي (حركة احتجاج سلمية تأسست عام 2018) هناك هجوما على الرياض، واتهمتها باستهداف المحافظة من خلال تشكيل قوات تابعة لها، وفق تعبير رئيس اللجنة الشيخ علي سالم الحريزي.
وزار رئيس اللجنة، الشيخ الحريزي، مديرية حصوين التابعة لمحافظة المهرة، في 16 فبراير، في إطار ما عده الناطق باسم اللجنة، علي مبارك محامد، "تصعيدها الشعبي ضد المخططات السعودية التي تستهدف السيطرة على المهرة"، على حد قوله.
وذكر أن الحريزي التقى بالشيوخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية وأعضاء لجنة الاعتصام السلمي بالمديرية، وذلك ضمن برنامج تصعيدي لإفشال "مؤامرات" تحاول فرض واقع جديد في المحافظة عبر أداتها المسماة "درع الوطن".
وشدد على أن "أبناء المهرة، الذين عُرفوا منذ الأزل بانتمائهم الشافعي الوسطي، يرفضون أي أفكار دخيلة أو جماعات متطرفة"، في إشارة إلى عدّ من تم تجنيدهم ضمن هذه القوات ينتمون للتيار السلفي.
التحركات تزامنت مع وصول قوات أميركية إلى مطار الغيضة، في عاصمة المهرة، وأن الأخيرة مؤلفة من ضباط وجنود وآليات ومعدات عسكرية، في تطورات أثارت رفضا واسعا في المحافظة الحدودية مع سلطنة عمان.
ونقل موقع "26 سبتمبر" اليمني، عن مصادر (لم يسمها) أن دفعة من المارينز الأميركي وصلت إلى مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة، مضيفة أن القوة مكونة من ضباط وجنود ترافقهم آليات ومعدات عسكرية.
وأشارت إلى أن القوة هي الثانية التي تصل للمهرة خلال شهرين؛ إذ وصلت دفعة من القوات الأميركية والفرنسية إلى المهرة أواخر ديسمبر/كانون الثاني 2024.
وكانت لجنة الاعتصام السلمي في المهرة قد نظمت بمديرية الغيضة، في 14 فبراير، ما سمته اللقاء التوعوي للشباب "الذي يهدف إلى توعية الشباب وتحذيرهم من الجماعات المتطرفة والمتشددة، وكذلك من المشاريع أو المخططات التي تستهدف أمن واستقرار محافظة المهرة".
وفي اللقاء، قال الشيخ الحريزي: إن "كل الخيارات مفتوحة أمام أبناء المهرة في حال استمر الاحتلال الأجنبي في استهداف المحافظة".
صراعات للنفوذ
وبخصوص تفسير ما يجرى في المهرة، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: إن "المحافظة أصبحت مساحة لصراع نفوذ إقليمي، رغم أنها مستقرة نسبيا وتوجد فيها قوات من بقايا الجيش اليمني السابق، وهي تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان".
وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أن "هناك حراكا اجتماعيا في المهرة يبدو أنه مناهض بصورة كبيرة لنفوذ السعودية، لكنه يجرى احتواؤه بشكل متدرج عبر تفكيك الحراك وقياداته، وعن طريق البناء المتراكم لقوى النفوذ العسكرية في المحافظة".
وتابع: "لا أعتقد أن هناك شيئا جديدا في وصول تعزيزات لقوات درع الوطن، فهي بالأساس تضم عناصر من أبناء محافظة المهرة أنفسهم، وهي جزء من مراكمة النفوذ وبناء أدواته".
وأشار التميمي إلى أنه "من ضمن هذه الأدوات هي قوات درع الوطن، وبعض المراكز السلفية، وهذه الحساسية تجاه الاثنين تنبع من إحساس أبناء محافظة المهرة الذين يعتقدون أن هذا الطارئ العقائدي في محافظتهم قد يولّد الصراعات في المدينة".
وأردف: "لكن الحقيقة، أن الصراعات موجودة على أرض الواقع، وما نراه بالمجمل هو صراع للنفوذ الإقليمي في المهرة".
أما موضوع القوات الأميركية والبريطانية، فقد أكد التميمي أنها "ليست جديدة، فهما يوجدان بشكل مستمر في مطار الربضة المدني المعطل، لكن المسألة ربما مرتبطة بنشاط الرقابة الذي يمارس على الخطوط الملاحية في بحر العرب، وربما مراقبة عمليات التهريب".
وبحسب التميمي، فإن "تواجد قوات الأميركية و(درع الوطن) ليس له علاقة بالمصلحة العليا لليمن، ولا تعبير دقيق عنها، لأن وجود قوات طارئة في المهرة غير مبرر بالمرة، كون هناك تشكيلات عسكرية رسمية، بالإمكان تحديثها عبر إضافة عناصر لها من أبناء المحافظة".
وخلص الخبير اليمني إلى أن "ما نراه اليوم يحدث في محافظة المهرة ليس له علاقة بالمصلحة العليا اليمنية، وإنما بأولويات أمنية وجيوإستراتيجية للدول المهيمنة، سواء كانت إقليمية أو دولية".
من جهته، كتب أنس منصور رئيس مركز "هنا عدن" اليمني، على "إكس" في 13 فبراير، قائلا: "محافظة المهرة ترفض الاحتلال الأميركي البريطاني السعودي، وأنها ترفض كل قوة تابعة للاحتلال الأجنبي".
وشدد الباحث على أن "أحرار وشرفاء المهرة لا يرضون بالمذلة، لذلك نطلب من الاحتلال الرحيل بأسرع وقت ممكن قبل الندم وعض الأصابع"، مؤكدا أن "المهرة ترفض الاحتلال وأدواته".
منعطف خطير
وعلى وقع التوترات الحاصلة، قال وكيل محافظة المهرة، بدر كلشات، إن المحافظة "تمرّ بمنعطف خطير، يتطلب منا أن نكون كبارا بحجم أرضنا وثرواتها، وأبطالًا كالذين سبقونا".
نقل موقع "المهرية" عن كلشات في 17 فبراير، قوله: "لا خيار أمامنا سوى التوحّد، ورصّ الصفوف، وترك الفرقة والخلافات التي لا يستفيد منها إلا العدو المتربص بنا، سواء في الداخل أو الخارج".
ووجّه كلشات نداء إلى أبناء المحافظة، قائلاً: "المهرة لم تكن يوما مجرد جغرافيا، بل كانت إرثًا وحضارة، حمتها سيوف أجدادنا وصانت وجودها عزائم رجالها. اليوم نواجه تحديات تهدد كياننا وتكويننا المجتمعي العربي الأصيل، ذاك النسيج الذي فقده كثير من القبائل العربية بفعل التشرذم والخلافات الداخلية".
وتابع: "إن تأملنا في تضحيات أجدادنا، فسنجد أنهم بذلوا أرواحهم للحفاظ على هذه الأرض الشاسعة، التي تُعد أكبر محافظات الجمهورية من حيث المساحة. ومع ذلك، فقد نالها التقسيم الإداري الجائر واستُقطعت أراضٍ واسعة منها بحجم بعض المحافظات، نتيجة لخذلان البعض واستغلال الحكومات السابقة لهذا التراخي".
وفي الوقت الذي أكد فيه وكيل محافظة المهرة أن المسؤولية على عاتق الجميع، فقد شدد على "ضرورة الحفاظ على هذا الإرث العظيم، الذي تركه أجدادنا الذين استطاعوا التصدي للغزو الأجنبي في مختلف المراحل التاريخية، ومازالت آثارهم وبطولاتهم تحكي عنهم حتى اليوم".
وختم حديثه بالقول: "إنها مرحلة قصيرة، لكنها مصيرية، إن صمدنا فيها وحافظنا على وحدتنا وأرضنا وثرواتنا، فسنخرج منها سالمين، رافعين رؤوسنا، تاركين لأجيالنا مستقبلا زاهرا ومستقرًا كما ورثنا أرضنا من أجدادنا الأبطال. كونوا على قدر المسؤولية، كونوا على قدر المهرة".
ومنذ ثلاثة أعوام توجد قوات بريطانية وأميركية خاصة في مطار الغيضة، عاصمة المحافظة، إلى جانب قوات سعودية تتمركز فيه منذ 5 سنوات تقريبا، وسط حالة من الرفض الشعبي والسياسي لذلك.
محافظة المهرة التي تشترك بحدود ومنافذ برية مع سلطنة عمان، تعيش منذ العام 2017 حراكا شعبيا رافضا لسياسات الرياض وهيمنتها على منفذي شحن صرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي وإغلاقها.
كما وتشترك محافظة المهرة الساحلية بمنفذين بريين مع سلطنة عُمان، فيما تمتلك أطول شريط ساحلي في اليمن يقدر بـ560 كم على بحر العرب، الذي يُعد أحد ممرات الملاحة الدولية.
المصادر
- اليمن: لجنة الاعتصام السلمي في المهرة تُصعّد ضد استحداث «قوات درع الوطن»
- توتر في المهرة اليمنية عقب إرسال السعودية تشكيلات عسكرية.. وقوات أمريكية تصل الغيضة
- تحذيرات في المهرة مخططات السيطرة على المحافظة وتلويح بالتصعيد
- بدر كلشات: المهرة تمرّ بمنعطف خطير يتطلب وحدة الصف وترك الخلافات
- وصول قوة أمريكية إلى المهرة