دعوة تركيا إلى الجامعة العربية لأول مرة منذ 13 عاما.. ما دلالتها؟
تركيا أسهمت في الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار والسلام والازدهار
لأول مرة منذ 13 عاما، شاركت تركيا في اجتماع مجلس وزراء الخارجية بجامعة الدول العربية بدورته العادية رقم 162، والذي عقد في 10 سبتمبر/أيلول 2024 في العاصمة المصرية القاهرة.
وتطرق الاجتماع إلى عدد من القضايا الإقليمية على رأسها العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، بالإضافة إلى العلاقات بين تركيا والجامعة العربية.
ورأت صحيفة يني شفق التركية أن عدم صدور قرار ضد تركيا في هذا الاجتماع الذي عُقد بعد فترة طويلة، قد زاد من أهمية هذه الدعوة.
وخلال العقد الماضي، كانت الجامعة تدين تركيا على الدوام بذريعة تدخلها في الشؤون العربية خاصة في سوريا وليبيا، لكنها امتنعت عن ذلك بعد تحسن علاقات أنقرة مع محيطها العربي خاصة مصر وحلفاءها من دول الخليج وأبرزهم السعودية والإمارات.
فرص جديدة
وبينت الصحيفة في مقال للكاتب "نجم الدين أجار" أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، تلقّى دعوة لحضور اجتماع جامعة الدول العربية، وألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية تطرقت إلى القضايا الإقليمية، لا سيما العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأشار الكاتب إلى أن "تركيا بسياستها الخارجية القوية والفاعلة أسهمت بصورة متزايدة في الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار والسلام والازدهار".
وأكد أن الكثير من المواضيع التي طرحت على جدول أعمال الجامعة العربية، وخاصة فلسطين، تعد من بين القضايا ذات الأولوية في أجندة السياسة الخارجية التركية.
ولفت إلى أن علاقات تركيا المتطورة مع الدول العربية خلال السنوات الأخيرة توفر فرصا جديدة في سياق البحث عن حلول للمشكلات القائمة في المنطقة والتعاون المستقبلي الملموس على أساس المنفعة المتبادلة.
وهذه الدعوة والاتصالات رفيعة المستوى التي أجراها فيدان في الاجتماع جرى تفسيرها على أنها علامة على تطبيع العلاقات بين تركيا والدول العربية.
ومن هنا توقع الكاتب تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري في المستقبل القريب.
ولفت إلى أن هذه الدعوة تحمل معنىً أعمق بكثير من مجرد تطبيع العلاقات بين تركيا والدول العربية، خاصة في ظل السياسات التوسعية لإسرائيل التي تثير مخاوف أمنية عميقة في دول المنطقة.
وذكر أن دعوة تركيا لحضور الاجتماع تشير ضمنيا إلى قبول بعض الدول العربية بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن تحقيقه دون مشاركة أنقرة الفعالة.
فترة التوتر
واستدرك: مع بدء عملية الربيع العربي، ظهرت توجهات مناهضة للوضع القائم في المنطقة، مما أثار قلقا عميقا بين الفاعلين الرئيسين في المنطقة.
هذا التغيير الكبير في الديناميكيات الاجتماعية والسياسية أدى إلى زعزعة الهياكل الحاكمة والقوى القائمة.
فخلال هذه الفترة اتهمت العديد من الدول العربية تركيا وإيران بالتدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية لها.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن إستراتيجيات تركيا وإيران الإقليمية خلال هذه الفترة جرى تفسيرها على أنها محاولات لتغيير توازن القوى القائم في المنطقة.
بالإضافة إلى أن تركيا لفتت الانتباه بدعمها للجماعات المعارضة في سوريا وموقفها الداعم لحركات التغيير الاجتماعي في المنطقة.
من ناحية أخرى، دعمت إيران المليشيات الشيعية والجهات الفاعلة الأخرى بالعراق ولبنان، مما زاد تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وبسبب موقف كل من إيران وتركيا، رأت الدول العربية في إستراتيجيات هذين البلدين تهديدا للأمن الإقليمي وجرى اتهامهما بأنهما مصدر رئيس لعدم الاستقرار والاضطرابات الداخلية.
ولهذا، بدأت بعض الدول العربية في اتباع سياسة تهدف إلى استبعاد تركيا وإيران من القضايا الإقليمية.
هذا النهج شمل تعريف الشؤون الداخلية للدول العربية كمناطق ذات سيادة، واتخاذ تدابير لمنع تدخل بلدان أخرى بشؤونها خاصة تركيا وإيران.
على سبيل المثال وكجزءٍ من ردة فعل البلدان العربية تجاه تركيا وإيران، دعم بعضها دولاً أخرى تتنافس جيوسياسيا مع تركيا، مثل اليونان، كجزء من إستراتيجية الحد من النفوذ التركي في المنطقة.
هيكل أمني
ولكن، يبدو أن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وامتدت أخيرا إلى لبنان وتهدف إلى الانتشار إلى الشرق الأوسط قد أحدثت تغييرا كبيرا في نظرة الدول العربية إلى الهيكل الأمني الإقليمي.
فلم تؤثر هذه الحرب فقط على الديناميكيات القائمة في المنطقة، بل أثرت أيضا بعمق على النهج الإستراتيجي للدول العربية تجاه تركيا.
وأردف الكاتب التركي: العمليات العسكرية الإسرائيلية المتوسعة باستمرار أثارت تهديدا مباشرا أو غير مباشر في العديد من الدول العربية.
فالسياسات التوسعية الإسرائيلية أدت إلى انعدام الثقة العميق في بعض الدول العربية.
في هذا السياق، أجبرت إستراتيجياتُ إسرائيل العدوانية وتأثيرها السلبي على الأمن الإقليمي الدولَ العربية على تطوير منظور أمني مشترك.
لكن المشاكل الحالية للدول العربية تجعل من الصعب عليها موازنة القدرات العسكرية الإسرائيلية بمفردها أو من خلال تحالف، وفق الكاتب.
نتيجة لذلك، فإن الهجمات الإسرائيلية على غزة ومحاولات التوسع الإقليمي دفعت الدول العربية إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها الأمنية الإقليمية والبحث عن جبهة موحدة أقوى ضد سياسات الاحتلال.
هذا التحول يعيد تشكيل توازن القوى والحسابات الإستراتيجية في المنطقة، ويحدث تغييرا واضحا في العلاقات الدولية للدول العربية.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: دعوة فيدان لحضور الاجتماع الـ162 لجامعة الدول العربية مهمة للغاية في هذا السياق.
ورأى أن هذه الدعوة تمثل تغييرا جذريا في النهج الذي تبنته بعض الدول العربية تجاه تركيا خلال فترة الربيع العربي، حيث كانت تعد أنقرة مضرّة بالأمن والاستقرار الإقليميين.
كما تعني هذه الدعوة ضمنيا قبول بعض الدول العربية بأن تشكيل جبهة موحدة ضد إسرائيل يتطلب وجود تركيا في هذا الهيكل، وأنه بدونها لن تكون هذه الجبهة فعالة في الحد من السياسات الإسرائيلية.