أفرو-أوراسيا والسيطرة على العالم الجديد.. ما مصير حلم هتلر وستالين؟
"قد لا نعرف ما إذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، ولكن اللعبة الكبرى قد بدأت بالفعل"
بوتيرة سريعة، تتغير التوازنات السياسية والاقتصادية حول العالم، وسط تنامي أحاديث في السنوات الأخيرة عن صعود وهبوط قوى في الشرق والغرب.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالا للكاتب “فرقان كايا” ذكر فيه أن قارات العالم تتفاعل سياسيا واقتصاديا منذ ما يقرب من خمسمائة عام.
وخلال هذه الفترة، كانت الحروب التي نشبت والعمليات السلمية التي تلتها في الغالب مرحلة حضانة للحرب التالية.
والسؤال هنا هو هل كان الهدف الحقيقي في الحروب التي خاضتها الدول والإمبراطوريات الكبرى، تحقيق سلام دائم أم تحقيق مصالح اقتصادية؟
ويمكن الإجابة على كل سؤال بـ"نعم" أو "لا" ، ولكن هناك حقيقة واحدة واضحة من الناحية الجيوسياسية والجيواقتصادية.
وهو أن قلب هذه المنافسة القوية هو قارة أوراسيا. وفي المستقبل القريب من المرجح حدوث تحولات بين القوى والتحالفات في العالم وسط الحديث حاليا عن “اللعبة الكبرى” وهي أفرو-أوراسيا.
السيطرة على العالم
في مطلع تقريره، يقول الكاتب إنه بعد انتقال القوة الاقتصادية من الشرق إلى الغرب، بدأت أوروبا في السيطرة على النبض الاقتصادي والسياسي للعالم.
ومع بداية القرن العشرين ازدادت أهمية الطاقة في الاقتصاد والدبلوماسية، مما فتح الباب أمام عودة الشرق كقوة مالية.
وبدأت القوى الامبراطورية التي لم تكن راضية عن تقاسم العالم بالاستعداد بسرعة للحرب العالمية الثانية.
وذلك نظرا لأنه لم تتمكّن أي دولة من السيطرة المطلقة على جغرافية أوراسيا.
فقبل اندلاع الحرب كان أدولف هتلر وجوزيف ستالين يقولان: "من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم".
وأضاف: تؤكد النظرية الشهيرة لبرزينسكي أن الولايات المتحدة يجب أن تمتلك جائزة جيوسياسية في أوراسيا لتكون قوة عالمية حقيقية.
ويمكن رؤية صحة برزينسكي على الخريطة؛ فأوراسيا، وهي أكبر قارة في العالم، تمتلك 75٪ من سكان العالم وحجم تجارة يساوي حوالي 2.5 تريليون دولار.
وعند إضافة جيوسياسية قارة إفريقيا، فإنه من الواضح أن مركز المنافسة الكبرى سيكون في جغرافيا أفرو-أوراسيا.
لأن سياسات الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والولايات المتحدة في إفريقيا تركز في المقام الأول على الاستيلاء الاقتصادي ومن ثم السيطرة على سياسات الدول القارية.
سياسات متعارضة
وأشار الكاتب التركي إلى طريق الحرير الجديد، وأنه في هذا الصراع يجب على القوى العالمية أولا أن تكتسب التفوق الاقتصادي على بعضها البعض.
في هذا السياق، يتم عد "مشروع الحزام والطريق الجديد" الذي تقوده الصين مشروعا ضخما للتكامل الاقتصادي. بحيث يشمل هذا المشروع حوالي 65 بالمئة من سكان العالم و68 دولة مشاركة.
ويهدف المشروع إلى تعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي بين الدول المشاركة وتطوير البنية التحتية في المناطق المعنية.
ومن المتوقع أن يكون للمشروع قدرة تجارية تبلغ 21 تريليون دولار، مما يعزز الفرص التجارية ويعزز النمو الاقتصادي في المنطقة. ويعد هذا المشروع مبادرة طموحة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة على المستوى العالمي.
وعند النظر إلى موقع هذه القوة الهائلة على الخريطة، تبرز جغرافيا أفرو-أوراسيا بشكل واضح.
وقد تم الإعلان عن الممر الاقتصادي للشرق الأوسط بين الهند وأوروبا، أي طريق بهارات جديد، كبديل لطريق الحرير الجديد في قمة جي 20 الأخيرة. وتم الإعلان عنه بشعار "عالم واحد، عائلة واحدة، مستقبل واحد".
بالإضافة إلى أنه سيكون هناك طرق بحرية وسكك حديدية في المشروع الذي يمتد من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم من هناك إلى المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى أوروبا.
ويلفت الحوض الشرقي للبحر المتوسط الانتباه كنقطة تقاطع حيوية للمشاريع المتنافسة. وذلك لأن الطرق الشمالية والوسطى والجنوبية في الطريق الحريري الجديد تمر عبر البحر المتوسط. وبهذا ستتنافس الصين والهند بشكل حاد الآن.
وفي هذا السياق، أنشأت الصين أول قاعدة خارجية لها في جيبوتي لأغراض لوجستية، خاصة مع فكرة أنها ستضمن أمن طريق الحرير البحري والبري وطريق الحرير الحديدي.
وبالتالي، أصبحت بكين ذات تأثير أيضا على قناة السويس، حيث ستدخل البحرَ المتوسط وتعزز وجودها العسكري.
وقامت الصين بالاستثمار في زيادة قدرة قناة السويس، بل وتولي اهتماما بالعلاقات مع مصر وتشغيل موانئ الإسكندرية وبورسعيد، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية في منطقة القناة.
إن السبب الحاسم لهذا الاهتمام الاستثنائي هو أن قناة السويس هي أهم نقطة تقاطع لطريق الحرير البحري.
وفي الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة والصين على الاستيلاء الاقتصادي والتوسع العسكري، فإنها تركز أيضا على تحييد روسيا وتركيا.
من ناحية أخرى، فقد تعمقت العلاقات بين الصين وإسرائيل، حيث إنها تدير موانئ أشدود وحيفا وتواصل بناء خط السكك الحديدية "ريد ميد" الذي سيربط إيلات بحيفا.
بوصلة تركيا
وعن موقع تركيا في هذه التغيرات، ذكر الكاتب أن دور تركيا المركزي والحاسم يبرز في الموقف الجيوسياسي الراهن بوضوح.
فبعد تغيرات النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فتحت تركيا النافذة أمامها للمسؤوليات الجديدة والفرص الجديدة.
ولفت إلى أن التطورات الإقليمية في العقد الماضي كانت قد أزالت تركيا من موقعها كدولة جناح لحلف الناتو وجعلتها مركز ثقل في الحزام الأوراسي والدائرة الأفرو-أوراسية.
وبهذه العملية، أخذت أنقرة على عاتقها مسؤولية أن تكون بوصلة الجغرافيا في القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية للمنطقة.
فتركيا تقع في منطقة جغرافية حيوية بين القارتين الأوروبية والآسيوية، وتعد بوابة للعديد من الشواطئ البحرية والممرات المائية الحيوية.
وتمتلك تركيا أيضا قوات مسلحة قوية واقتصادا ناميا، مما يجعلها قوة إقليمية مهمة.
وتلعب تركيا أيضا دورا مهما في القضايا الإقليمية الحساسة مثل الأزمة السورية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع في ليبيا.
وقد يكون من الصعب تحديد ما إذا كانت العملية الحالية هي "حرب عالمية" أو "حرب باردة" جديدة، ولكن من الواضح أن هناك "ستائر حديدية" جديدة واستعدادات لحروب ساخنة غير متكافئة حول الجغرافيا السياسية للأناضول.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هيمنة البترودولار وحقيقة أن الولايات المتحدة ستبني سلاسل أساسية في عقد النقل البحري في الفترة الجديدة قد تسبب صراعات كبيرة في الهوامش.
في هذا السياق، من المهم أن تسرع تركيا في سياسات التنمية الإقليمية لتكوين مركز سياسي واقتصادي في جغرافيتها.
وفي الختام، قال الكاتب التركي إن القدرة التي أنشأتها تركيا في دلتا النيل وحوض البحر المتوسط وحوض الخزر وبلاد ما بين النهرين ودائرة الدلتا الهندوسية هي تجسيد لقوة تركيا الكبيرة في العالم الجديد أفرو-أوراسيا.
وقد لا نعرف ما إذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، ولكن اللعبة الكبرى قد بدأت بالفعل، يختم الكاتب.