اليمين المتطرف في مواجهة اليسار.. من يفوز بانتخابات فرنسا التشريعية؟
الدعوة لانتخابات مبكرة تسببت في انتقادات من قبل أقرب حلفاء ماكرون السابقين
قبل أسبوع واحد من انعقاد الجولة الأولى، يدخل اليمين المتطرف في فرنسا الشوط الأخير من حملة الانتخابات التشريعية متصدرا استطلاعات الرأي ويضغط للحصول على الغالبية المطلقة.
وتخيم حالة من عدم اليقين في فرنسا قبل الانتخابات المصيرية التي يبدو أن اليمين المتطرف هو الأوفر حظا فيها في مواجهة جبهة اليسار.
وقالت صحيفة الباييس الإسبانية: إن عدم التوازن يهيمن على الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ فرنسا الحديث.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات المبكرة يومي 30 يونيو/ حزيران و7 يوليو/ تموز 2024، وذلك إثر قرار اتخذه الرئيس إيمانويل ماكرون، وفق صلاحياته الدستورية، بعد فوز حزب "التجمع الوطني" الشعبوي اليميني بأغلبية ساحقة في الانتخابات الأوروبية.
وسيختار الناخبون الفرنسيون (نحو 50 مليون) أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) البالغ عددهم 577 عضوا. وقد بدأت الحملة الانتخابية رسميا في 17 يونيو لتستمر أقل من أسبوعين.
صعود المتطرفين
وتؤكد استطلاعات الرأي أن الأغلبية ستكون من نصيب اليمين المتطرف، لكنها مع ذلك لن تتمكن من الظفر بالأغلبية المطلقة التي يسعى حزب التجمع الوطني الوصول إليها.
في الأثناء، يحتل تحالف اليسار، رغم انقساماته، المركز الثاني، يليه وبفارق كبير المعسكر الرئاسي الذي يتراجع.
وقالت صحيفة "الباييس" إن اليمين المتطرف أصبح على بعد خطوة واحدة من السلطة، لكن ليس من الواضح ما إذا كان سيتمكن من الدخول إليها دون صعوبات.
ووفقا لاستطلاعات الرأي، سيفوز حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان دون تحقيق الأغلبية المطلقة، لكنه سيكون قريبا منها للغاية.
وسيسعى الحزب للوصول إلى الأغلبية كي يتمكن من قيادة تغييرات جذرية في البلاد، لكن، يثير هذا الظرف مخاوف الكثيرين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكتلتين اللتين تسعيان إلى تجنب تشكيل حكومة يمينية متطرفة يسودها التوتر، على حد السواء، لكن في الآن ذاته، ترفضان التحالف مع بعضهما البعض في البرلمان.
وهنا نخص بالحديث التحالف اليساري (الجبهة الشعبية الجديدة)، والكتلة الوسطية (معا من أجل الجمهورية)، وهي مجموعة أحزاب متحالفة مع ماكرون.
ودعا ماكرون في 9 يونيو، إلى انتخابات مبكرة بعد خسارته أمام حزب الجبهة الوطنية بانتخابات البرلمان الأوروبي، والذي وضعته استطلاعات الرأي في المركز الثالث.
ونوهت الصحيفة إلى أن الجبهة الشعبية الجديدة، التي تحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي، ولكنها بعيدة كل البعد عن الأغلبية التي تسمح لها بالحكم، تسعى إلى إزالة شكوك الناخبين الأكثر اعتدالا.
وتحديدا، ترفض في المقام الأول الموقف السائد الذي يتبناه اليسار الراديكالي في حزب فرنسا الأبية وزعيمه المثير للجدل، جان لوك ميلينشون.
وأوردت الصحيفة أن ميلينشون خرج عن صمته النسبي الذي حافظ عليه خلال الأيام الأولى من الحملة الانتخابية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، ليوضح مرة أخرى طموحاته، بما في ذلك أن يصبح رئيسا للوزراء في حالة فوز اليسار.
في المقابل، لاقى معارضة واضحة من الرئيس الاشتراكي السابق، فرانسوا هولاند.
ونقلت الصحيفة أن قرار ماكرون الخاص بالدعوة إلى انتخابات مبكرة تسبب في سيل انتقادات من قبل أقرب حلفائه السابقين.
وتكشف هذه الانتقادات استياءهم من استطلاعات الرأي التي وضعتهم في المركز الثالث في الجمعية الوطنية الفرنسية المقبلة.
واتهم إدوارد فيليب رئيس الوزراء السابق وأحد حلفاء ماكرون السابقين، الرئيس بـ "القضاء على الأغلبية الرئاسية".
وبعدها أقر رئيس الوزراء الحالي غابرييل أتال، أنه يجب القيام بالأمور "بشكل أفضل" في المستقبل إذا تمكنوا من استعادة السلطة، وهو أمر أصبح أقل احتمالا على نحو متزايد.
خطر قادم
وبينت الصحيفة أن استطلاعات الرأي التي نشرت في 23 يونيو/حزيران، تؤكد أن حزب الجبهة الشعبية، الذي أحرز تقدما مستمرا في السنوات الأخيرة بفضل لوبان، لا يزال يقود نوايا التصويت للفرنسيين.
وكشف الاستطلاع الذي أجراه معهد إيلاب لصالح صحيفة "لا تريبيون" وقناة "بي إف إم تي في" أن حزب التجمع الوطني سيكون على حافة الأغلبية المطلقة في المقاعد.
وسوف تصل نية التصويت في الجولة الأولى إلى 36 بالمئة لصالح حزب لوبان إذا أضيفت أصوات جزء من الحزب المحافظ "الجمهوريون"، الذي استقطب للانضمام إلى اليمين المتطرف على يد رئيسها، إيريك سيوتي.
وسيمنحهم هذا التحالف، بحسب توقعات معهد إيلاب، ما بين 250 و280 مقعدا.
فيما سيحتل التحالف اليساري "الجبهة الشعبية الجديدة" المركز الثاني بنسبة 27 بالمئة من نية التصويت وما بين 150 و170 مقعدا.
وهو رقم ترفعه استطلاعات الرأي الأخرى، التي تعطي اليسار حوالي 29 بالمئة من الأصوات، إلى ما بين 180 و210 مقعدا.
وفي المركز الثالث تأتي المجموعة المؤيدة لماكرون، بمتوسط 20 بالمئة من الأصوات، وهذا من شأنه أن يترك لها ما بين 80 و110 مقعدا، وهو عدد بعيد عن 250 نائبا في الجمعية الوطنية التي جرى حلها أخيرا.
ونوهت الصحيفة إلى أن هناك توقعات أخرى في استطلاعات الرأي يجب أخذها في الحسبان؛ وهي نسبة المشاركة العالية المحتملة في الانتخابات، حوالي 62 بالمئة، وهو رقم أعلى بكثير من 47.5 بالمئة في سنة 2022.
وتعادل هذه النسبة أرقاما سجلت بالسابق في انتخابات حاسمة أخرى، وهي الانتخابات التشريعية لسنة 2002، والتي أجريت بعد وقت قصير من صدمة وصول زعيم اليمين المتطرف آنذاك، جان ماري لوبان، إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في ذلك العام.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها حزب لوبان هذه النسبة.
وأضافت الصحيفة أن الخوف من وصول اليمين المتطرف، بعد 22 سنة، أصبح أقل، على الرغم من أنه لا يزال يثير قلق جزء من السكان.
في هذا المعنى، وقع ما يصل إلى 170 دبلوماسيا مدونة في 23 يونيو، في صحيفة "لوموند الفرنسية" حذروا فيها من خطر حكومة حزب الجبهة الوطنية، القريبة تاريخيا من روسيا، في وقت تشهد فيه أوروبا حربا على أبوابها بتوقيع موسكو.
وبالمثل، حذر 800 عالم وباحث فرنسي، في مدونة أخرى في نفس الصحيفة الفرنسية، من السماح لأنفسهم "بغزو الظلامية".
ودون الاستشهاد صراحة باليمين المتطرف، فإن موقفهم واضح عندما يحذرون من أن "ضمان الديمقراطية المسؤولة والناضجة والدائمة" يتمثل في مبادئ مثل “الانفتاح على العالم وحرية حركة الأفراد”، كما يطالبون "بتعزيز وعدم تعريض" الاتحاد الأوروبي للخطر.