تغيير لافت مع قيادة السنوار.. ماذا وراء بيان التفاوض وحادثة الأسرى؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

حمل اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، تغييرات على صعيد المفاوضات الدائرة لوقف إطلاق النار في غزة وإبرام صفقة تبادل أسرى.

وكان من آخر ملامح ذلك، إعلان أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، مقتل أسير إسرائيلي وإصابة أسيرتين بجراح خطيرة.

وقال في تدوينة عبر قناة "تلغرام"، أنه "في حادثتين منفصلتين قام مجندان من المكلفين بحراسة أسرى العدو بإطلاق النار على أسير صهيوني وقتله على الفور، بالإضافة إلى إصابة أسيرتين بجراح خطيرة، وتجرى محاولات لإنقاذ حياتيهما".

وحمّل الناطق باسم القسام حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه المجازر، وما يترتب عليها من ردات الفعل، التي تؤثر على أرواح الأسرى الصهاينة، مشيرا إلى أنه "تم تشكيل لجنة لمعرفة التفاصيل، وسيتم لاحقا الإعلان عنها".

إعلان القسام جاء بعد يوم واحد من مطالبة الحركة الوسطاء “بتقديم خطة لتنفيذ ما عرضوه علينا ووافقنا عليه في 2 يوليو/تموز، استنادا لرؤية (الرئيس الأميركي جو) بايدن وقرار مجلس الأمن، وإلزام الاحتلال بذلك”.

ودعت حماس إلى تحقيق ذلك "بدلا من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات أو مقترحات جديدة توفر الغطاء لعدوان الاحتلال".

ويبدو من إعلان القسام والحركة، اتباع تكتيكات مختلفة في التفاوض عبر الضغط في ملف الأسرى، والتأكيد على مبادئ بايدن الأخيرة لوقف إطلاق النار لإغلاق الباب أمام مراوغات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يضيف في كل جولة شروطا جديدة. 

وجاء إعلان القسام بعد يومين من استهداف الاحتلال لمصلين في مركز إيواء بمدرسة التابعين بحي الدرج بمدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة آخرين، كما جاء في أعقاب الكشف عن اغتصاب جنود إسرائيليين لأسرى فلسطينيين بقاعدة سدي تيمان.

كما يتزامن مع تصاعد الخلافات بين نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت الذي يطالب بإتمام الصفقة ويعد شعار النصر المطلق في الحرب، "محض هراء وثرثرة".

واعترف غالانت لأول مرة في 12 أغسطس/آب أن "إسرائيل" هي من تعرقل الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى، وهو ما أثار امتعاض نتنياهو.

وتحدث ناشطون في وسوم عدة أبرزها #أبوعبيدة، #كتائب_القسام، #القسام، وغيرها، عن خلفيات إعلان أبو عبيدة الأخير وقيمته التفاوضية.

تحليلات وقراءات

وتحليلا لما أعلنه أبو عبيدة، أوضح الباحث في القانون الدولي معتز المسلوخي، أن الحادثة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عشرة شهور  من الإبادة الجماعية حرص نتنياهو خلالها على قتل الأسرى الإسرائيليين بشكل متعمد عبر تفعيل تطبيق بروتوكول هانيبال.

وأشار إلى اعتراف جيش الاحتلال بقتل عدد من الأسرى عن طريق الخطأ أو بسبب القصف الوحشي أو أثناء عملية تحرير الأسرى الأربعة في مخيم النصيرات.

ورأى المسلوخي، أن الحادثة تأتي في إطار ردات الفعل المتوقعة بسبب الضغوط النفسية والتروما ومشاهد الجثث المتفحمة للأطفال والمدنيين الذين تجاوز عددهم 50 ألف شهيد مدني وجريمة التعذيب والاعتداء الجنسي على الأسرى.

وتوقع أن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، بل ربما نشهد حوادث متسلسلة كردات فعل طبيعية والآن متوقعة ويتحمل مسؤوليتها نتنياهو شخصيا وحكومة الاحتلال الصهيوني وباتت حياة باقي الأسرى الـ100 في يدهم.

وعد الباحث عبده فايد، الحدث "تاريخيا"؛ إذ لأول مرة جنود حماس يقومون بقتل أسرى إسرائيليين لديهم، واصفا الخطوة بالممتازة.

ورأى أن الحدث رسالة بأن "الشهيد منا، بطلقة في عين أسير منكم.. وأخرى في كبد آخر ثم نتركه يتلوى من الألم كالضباع، فإن نجا، فليذق الأمرين في العلاج كأهل غزة، وإن نفق.. فسوف نحتجز جثته، ونبادلها.. جيفته بألف أسير منّا..وفي الحالتين سوف تذوق أسرته ألف ألم وهي تنتظر خبر موته أو حياته..كحال ألوف العوائل الفلسطينية التي لا تعرف مصير أبنائها".

وذكر فايد، بأن المقاومة راعت في أسرى الاحتلال كل خلق وكل دين، وأسراهم كانوا يأكلون في وقت أهل غزة لا يجدون ورقة شجر.. وأسرانا من الرجال يتم اغتصابهم أمام أعين الكاميرات.. أسراهم يتلقون الرعاية.. وأسرانا يخرجون فاقدي العقل من هول التعذيب".

واختصر المحلل السياسي هاني الدالي، كلمة أبو عبيدة، بـ"فقدنا السيطرة على التحكم بعواطف شبابنا وأنتم تتحملون المسؤولية بسبب شدة نازيتكم وإجرامكم  ومجازركم الدموية ضد شعبنا في غزة".

وتوقع المحلل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية عريب الرنتاوي، أن يكون من بين ضحايا مجزرة مدرسة التابعين عدد من أقارب وذوي المقاتلين من كتائب القسام الذين أطلقا النار على الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة.

ورأى الباحث بمركز حوار للدراسات محمد عبدالعزيز الرنتيسي، أن رسالة القسام عن مقتل أسير مجند وإصابة أسيرتين على أيدي آسريهم ردا على المجازر المتكررة من العدو وردا على التعدي وقتل أسرى فلسطينيين.

وعدها رسالة قوية للعالم "إن كنا نضبط أنفسنا كحركة رغم المجازر لن نستطيع ضبط الأفراد ومشاعرهم أمام استمرار قتل عائلاتهم"، مضيفا أنها "رسالة مبطنة سيفهمها العدو قبل الصديق".

وقال الناشط الإنساني أدهم أبو سلمية، إن ميثاق المسلم مع الأسير معروف، وجميعنا رأى التزام مقاومتنا وسلوكها الراقي مع أسرى الاحتلال. ولكن من الغباء أن يراهن نتنياهو على أخلاق حراس الأسرى، فالميدان له حيثياته! وحتى الآن لم تُكشَف التفاصيل.

وعد الحادثتان رسالة واضحة من القسام إلى جمهور العدو "ها هو نتنياهو لا يأبه بأرواح أولادكم. هل تقبلون أن يراهن على أخلاق عدوّه في مسألة حياتهم؟ وبالمناسبة، كل الاحتمالات واردة. والرهان على الأخلاق في حرب لا أخلاقية ولا إنسانية يتطلب التفكير مرتين. وحراس أولادكم ليسوا أنبياء".

وكتب الإعلامي سلطان العجلوني: "كان بإمكان المقاومة أن تتكتم على الأمر وتخفي أسرى العدو تحت الركام وتقول إن العدو قتلهم لكنها مستمرة في تلقين العالم دروسا في الأخلاق والنزاهة وفي فنون السياسة والمفاوضات أيضا.. هذه الحادثة ستزيد الضغط على حكومة العدو وستردعه من استمرار التنكيل بأسرانا".

ردة فعل

ودافع ناشطون عن مجندي القسام وتضامنوا معهما، مرجعين تصرفهم إلى غضبهم وعدم تحملهم ما جرى في معتقل سْدي تيمان من اغتصاب للأسرى الفلسطينيين، ومذبحة الفجر في مدرسة التابعين، وعدوا الحدثين شرارة لتفجير الغضب.

وكانت القناة 12 العبرية قد نشرت أخيرا فيديو مسربا يوثق واقعة اعتداء جنود إسرائيليين جنسيا على أسير فلسطيني من غزة في معتقل سدي تيمان سيئ السمعة الواقع جنوبي الأراضي المحتلة والخاضع لمسؤولية جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ويظهر توثيق السجن، الذي لم يحدد تاريخه ولا كيفية وصوله إلى القناة، عددا من جنود الاحتياط الإسرائيليين وهم يختارون سجينا من بين أكثر من 30 أسيرا كانوا ملقين على الأرض في ساحة المعتقل وعيونهم معصوبة، ويأخذونه لزاوية ويستخدمون الدروع من أجل إخفاء ما قاموا به.

وقالت القناة الإسرائيلية: ""من الواضح أن الجنود على علم بالكاميرات الأمنية وكانوا يحاولون إخفاء أفعالهم بالدروع"، مضيفة أن الفيديو يتضمن توثيقا للمخالفة المنسوبة إلى جنود الاحتياط وهي "فعل اللواط في ظل هذه الظروف".

وفي 10 أغسطس، نفذ جيش الاحتلال مجزرة جديدة، في حي الدرج وسط مدينة غزة، باستهدافه مدرسة "التابعين" التي تؤوي نازحين بقصفهم بثلاثة صواريخ مباشرة أثناء أدائهم صلاة الفجر، ما أسفر عن استشهاد نحو 100 شخص، فيما سقط عشرات الجرحى.

ودفاعا عن رجال القسام، قال الصحفي ماهر جاويش: "لقد نفذ صبرهم أمام البهيمية المطلقة والحيوانية المنفلتة من عقالها وسياسة التوحش الصهيوني غير المسبوقة".

وأكد أن ما جرى في معتقل أو بالأحرى مسلخ سدي تيمان ومذبحة الفجر في مدرسة التابعين ليسا بعيدين عن كونهما صواعق تفجير لهذا الحدث.

وحمل المحامي خالد عبدالله المهندي نتنياهو المجرم وحكومته الإرهابية المتطرفة مسؤولية إطلاق الحرس النار على الأسرى الصهاينة، كردة فعل على مجزرة الفجر في غزة، قائلا: "لا يمكن لأي عقل أن يستوعب ما حدث في مجزرة الفجر في غزه".

وأضاف أن الجنديين في المقاومة كردة فعل للصدمة أطلقوا النار على الأسرى، مستطردا: "دماء أسراهم ليست أغلى من دماء الأطفال والشهداء في غزة، وعلى نتنياهو وغالانت وبن غفير المتطرفين الإرهابيين تحمل مغبة خططهم الإرهابية الفاشلة بقصف المدنيين".

وقالت الكاتبة آيات عرابي، إن ما يهمها في بيان أبو عبيدة، أن الحالة النفسية لجنود المقاومة والتي بالتأكيد تأثرت من مشاهد المجزرة المرعبة التي حدثت في مسجد مدرسة التابعين مجزرة الفجر وهي المجزرة التي خلفت أشلاءً لا حصر لها.

ودعت لتخيل أن يكون أحد المقاومين القائمين على حراسة هؤلاء الأسرى ويحافظون على حياتهم عملا بتعاليم الإسلام، فجأة شاهد على قناة الجزيرة أشلاء أهله أو جيرانه أو حتى أصدقائه وقد جمعت في كيس ليتسلمها أحد أفراد عائلته بالكيلو، قائلة: "ما أبشع هذا المشهد".

وأوضحت عرابي، أن البيان به عدة رسائل منها ما هو موجه للداخل الإسرائيلي حيث يقول إن ما حدث من قتل للأسير وإصابة الاثنين الآخرين هو عمل انتقامي لشهداء مذبحة الفجر، وتقول "لقد نفد الوقت ومعه نفد صبر جنودنا نتيجة المجازر الواحدة تلو الأخرى".

وأضافت أن الرسالة الأهم هي العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، والرسالة الثانية هي رسالة يرسلها السنوار الذي أراد أن يقول للنتن ياهو أن هذا هو المصير الحتمي للأسرى في حالة استمرار المجازر الوحشية وعمليات الإبادة الجماعية.

وأكدت أنه في نفس الوقت هي رسالة للمجتمع الدولي الذي وقف مكتوف الأيدي أمام الدبابات الصهيونية التي تسحق جماجم الفلسطينيين.

وقالت الأكاديمية التونسية كوثر جلال، إن "الجزاء من جنس العمل، أفعالكم ترد إليكم .. كما لملم إخوتنا أشلاء شهدائهم في أكياس بالكيلو.. سيعود خنازيرهم إليهم في أكياس.. تسلم سواعدكم كتائب القسام".

تصريحات غالانت

وتطرق ناشطون لتصاعد الخلافات وتجددها بين غالانت ونتنياهو، إذ سبق وأعرب وزير الجيش عن رفضه تأسيس حكم عسكري إسرائيلي في القطاع وأعلن إصراره على إنجاز خطة "اليوم التالي" للحرب.

ويرجع تصاعد الخلاف بين نتنياهو وغالانت إلى مارس/آذار 2023 بسبب رفض الأخير التعديلات بالجهاز القضائي، والتي عززها خروج مظاهرات واحتجاجات رافضة للتعديلات.

وهو ما دفع نتنياهو إلى إقالته، لكنه تراجع عن الخطوة التي هددت بإحداث تمرد وانشقاق داخل حزب الليكود بزعامة نتنياهو.

وتحت عنوان "وزير دفاع الغزاة حين يستخفّ بنتنياهو"، أشار المحلل السياسي ياسر الزعاترة، إلى ما قال غالانت بحسب القناة 12 إن "الحديث عن نصر مُطلق ما هو إلا هُراء"، موضحا أن التصريح أثار أعصاب نتنياهو، فرد مهاجما، ويبدو أنه سيسرِّع في إقالة غالانت واستبداله بآخر.

وأكد أن ما من مصطلح تعرّض للتسخيف في "الكيان" منذ 7 أكتوبر، مثل مصطلح نتنياهو المذكور.

وأوضح السياسي فايز أبو شمالة، أن الخلاف بين غالانت ونتنياهو يذكر بالصراع الذي كان قائما بين وزير الحرب إيهود براك، ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، عشية هزيمتهم في العدوان على غزة سنة 2009، مؤكدا أن هذا الصراع يفرض على كل عاقل أن يقول: "لقد انجلت معركة طوفان الأقصى عن هزيمة العدو الإسرائيلي".

وأكد الصحفي فايد أبو شمالة، أن الخلاف بين المجرمين يكشف عادة بعضا من خبايا جرائمهم، مشيرا إلى أن الخلاف بين غالانت ونتنياهو قديم يعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر حيث أقال نتنياهو غالانت ثم اضطر لإعادته بسبب الضغط الشعبي والأميركي.

ولفت إلى أن الاثنين من معسكر الليكود الذي يمثل يمين الوسط في الطيف السياسي الإسرائيلي، الذي يؤمن بإسرائيل الكبرى ويرفض الدولة الفلسطينية واتفاقيات أوسلو والسلطة الفلسطينية ويؤيد الاستيطان وبسط السيادة على الضفة الغربية.

وأشار إلى أن تصريحات غالانت الأخيرة لم تأتِ من فراغ فقد تردد دوما تسريبات عن خلافات غالانت ونتنياهو وفي بعض الأحيان ثارت تكهنات أن نتنياهو سيقيل غالانت ويعين بدلا منه جدعون ساعر، لكن توقيتها هذه المرة وعلانيتها هو ما يحمل معاني جديدة.

وعد الناشط محمد النجار، تصريحات غالانت خطاب انكسار الجيش الإسرائيلي بكل مقاييسه، الجيش الذي يبدي يأسه من قيادته السياسية لن ينتصر.