عبر الحدود السورية.. لماذا تستهدف إيران أمن الأردن بالسلاح والمخدرات؟
عادت حدود الأردن الشمالية المقابلة لسوريا إلى الواجهة من جديد، مع تمكن الجيش الأردني في عملية هي الأولى من نوعها من اعتقال مهربين بحوزتهم أسلحة ومخدرات.
وأكد الجيش الأردني خلال بيان له في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، اعتقال تسعة مهربين من الجنسية السورية بحوزتهم مخدرات وأسلحة متنوعة بعد اشتباكات على الحدود مع سوريا أوقعت إصابات في صفوف حرس الحدود الأردنيين حالتهم الصحية بين خفيفة ومتوسطة.
عملية نوعية
وأوضح الجيش الأردني أنه ضبط مع هؤلاء المهربين "صاروخ نوع روكيت لانشر عدد 4، وصاروخ نوع آر بي جي عدد 4، وألغام ضد الأفراد عدد 10، وبندقية قنص نوع جي 3، وبندقية نوع إم 16 مجهزة بمنظار قنص، وتدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة".
وذكرت وكالة "بترا" الأردنية الرسمية، أن الاشتباكات على الحدود الشمالية أدت إلى مقتل وجرح عدد من المهربين.
وأضافت أن القوات الأردنية ضبطت 4 ملايين و926 ألف حبة كبتاغون، و12858 ورقة من الحشيش بحجم كف اليد.
ونقل البيان المذكور عن مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة قوله: "إن التحقيقات الأولية لهذه العمليات والمضبوطات تستهدف الأمن الوطني الأردني".
وبين أن "القوات المسلحة تتابع تحركات المجموعات المسلحة وما تهدف إليه من محاولات لزعزعة الأمن الوطني وستقوم بكل ما يلزم لردعها وملاحقتها أينما كانت".
مصدر عسكري للمملكة: المعتقلون من مهربي المخدرات جميعهم يحملون الجنسية السورية#عاجل #الجيش_العربي #الحدود_الشمالية #هنا_المملكةhttps://t.co/Cwi5m5IJSo
— قناة المملكة (@AlMamlakaTV) December 18, 2023
وللرد على "الخرق الأمني" القادم من الأراضي السورية التي تربطها حدود تصل إلى 375 كيلو مترا مع الأردن، نفذ الطيران الحربي الأردني غارات جوية استهدفت مزرعة في بلدة ذيبين بريف السويداء الجنوبي، بالقرب من الحدود السورية الأردنية، ما أدى إلى تدمير المزرعة بشكل كامل.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن "إحدى الضربات على منطقة صلخد بريف السويداء أدت إلى مقتل تاجر المخدرات ناصر فيصل السعدي المقرب من حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية للنظام السوري".
ويكافح الجيش الأردني عمليات تسلل وتهريب أسلحة ومخدرات، برا من سوريا، لا سيما حبوب الكبتاغون.
ويقول الأردن الذي يستضيف نحو 1,6 مليون لاجئ سوري، إن عمليات التهريب هذه باتت "منظمة" وتستخدم فيها أحيانا طائرات مسيرة وتحظى بحماية مجموعات مسلحة، ما دفع عمان لاستخدام سلاح الجو غير مرة لضرب هؤلاء وإسقاط طائراتهم المسيرة.
وقد حذر وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي خلال لقاء جمعه مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان بجنيف في 13 ديسمبر 2023 من "استمرار محاولات تهريب المخدرات والسلاح من سوريا" إلى بلاده.
وقال الصفدي إن "المملكة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد لأمن الأردن، بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين المعتدين أينما وجدوا".
كما سبق أن أكد الصفدي في 3 يوليو/تموز 2023 خلال لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد بالعاصمة دمشق على ضرورة التعاون لمواجهة تهريب المخدرات عند الحدود.
اللافت أن مكافحة الأردن لعمليات التهريب عند حدوده مع سوريا لم يوقفها إعادة التطبيع مع نظام الأسد بشكل كامل عام 2021، بعد 10 سنوات من الجفاء السياسي والاقتصادي بين عمّان ودمشق على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.
كما كان تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية موضوعا رئيسا للنقاش خلال إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023 بعد سحب المقعد منها عام 2011 إبان قمع الثورة السورية بالحديد والنار.
من يدير اللعبة؟
ما إن تناقلت وسائل الإعلام الأردنية المحلية والخارجية تفاصيل العملية النوعية الجديدة للجيش الأردني عند الحدود الشمالية، حتى توجهت الأنظار لمن يقف خلف تلك الحدود السورية ويدير مثل هذه "الاختراقات الأمنية" المتكررة والمتزايدة بشكل منظم.
وتتهم عمّان بشكل مباشر المليشيات الإيرانية التابعة لنظام الأسد وأذرعها المتمركزة جنوب سوريا، بالوقوف وراء عمليات تهريب المخدرات إليها.
حتى إن الكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب- الشيوخ) أقر في 15 ديسمبر 2022، مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام الأسد.
إذ لم تهدأ جبهة الأردن الشمالية منذ أعوام مضت من التصدي لعمليات التهريب من سوريا، لدرجة أن ملك الأردن عبد الله الثاني شارك بتمارين "ضربة الصقور" التي نفذها الجيش الأردني في فبراير/شباط 2022 وتحاكي سيناريو القضاء على "عناصر إرهابية ومهربي مخدرات" عند الحدود الأردنية السورية.
ومنذ عام 2023 ومع تزايد عمليات التهريب، لجأ الأردن لتغيير قواعد الاشتباك مع مهربي المخدرات القادمين عبر تنفيذ ضربات جوية داخل الشريط الحدودي السوري.
فخلال النصف الأول من شهر ديسمبر 2023 وحده وقعت ثلاثة اشتباكات أدى أحدها لمقتل أحد أفراد حرس الحدود الأردنيين وإصابة آخر ومقتل عدد من المهربين، فيما أسفر اشتباكان آخران عن مقتل أربعة مهربين وإصابة آخرين.
وبحسب أرقام القوات المسلحة الأردنية، جرى تسجيل إجمالي 194 محاولة تهريب وتسلل خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب من عام 2023.
وقال الجيش إن قوات الأمن على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا تعاملت أيضا مع 88 محاولة تهريب باستخدام طائرات بدون طيار تحمل مخدرات ومتفجرات.
وفي عام 2022، قال الجيش إنه تعامل مع 383 محاولة تهريب وتسلل، أسفرت أيضا عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة.
وأصبح نظام بشار الأسد يدير إنتاج المخدرات، وحول سوريا إلى ممر لتوزيعها وتصديرها إلى العالم بتأكيد الولايات المتحدة والدول الغربية.
وباتت عائدات تجارة المخدرات لنظام الأسد تبلغ نحو 57 مليار دولار سنويا، بحسب ما أكدت "روزي دياز" المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تغريدة لها بتاريخ 28 مارس/آذار 2023.
أسلحة ومخدرات
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد: "إن المهربين في المنطقة الجنوبية بسوريا يتبعون بالكامل لإيران ويشرف عليهم العميد لؤي العلي رئيس فرع المخابرات السورية في المنطقة الجنوبية، إضافة للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام)".
وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال": "هؤلاء مجموعات منظمة تعمل بإدارة إيران وخاصة أن عمليات تهريب المخدرات فيه منفعة اقتصادية لطهران ولنظام الأسد".
ووفقا للتقارير فإن أرباح النظام السوري من المخدرات نحو سبعة مليارات دولار سنويا، وفق الأسعد.
ونوه إلى أن "تهريب الأسلحة هي المرحلة التالية لإيران لتخريب الأردن والاتجاه نحو الخليج".
وتابع الخبير العسكري: "إيران تسلح العشائر في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء جنوب سوريا، عبر حزب الله اللبناني وشخصيات إيرانية متمركزة هناك في مركز للواء 313 التابع للحرس الثوري الإيراني".
وعلى الرغم من الشروط الإسرائيلية والأردنية، بإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدودهما، تحاول إيران الالتفاف على حضورها المباشر هناك.
ونجحت إيران في ذلك بتشكيل مليشيات محلية تتبع مباشرة لـ"الحرس الثوري"، مثل "اللواء 313" الذي يضم مرتزقة محليين جرى تجنيدهم بإغراءات مالية منذ عام 2017 وينتشرون حاليا في أكثر من نقطة بمحافظة درعا.
وأدرك الأردن مبكرا تلاشي سلطة نظام بشار الأسد عند حدوده الشمالية مع سوريا، وأنها أصبحت تابعة بشكل شبه مباشر لإيران ومليشياتها.
وضمن هذه الجزئية شرح العقيد الأردني المتقاعد محمد المقابلة، واقع الحال عند الحدود السورية الأردنية بقوله إنه "عقب خروج روسيا من الجنوب السوري عام 2015 ألبست إيران مليشيات أفغانية شيعية جلبتها من الخارج يصل عددها إلى عشرة آلاف عنصر لباس الجيش السوري النظامي".
ونشرتهم على طول الحدود السورية الأردنية لتوهم الأردن بأن من يوجد هم الجيش السوري ولكي يشعر بالاطمئنان، وفق ما قال المقابلة لإذاعة "حسنى" في 19 ديسمبر 2023.
في المقابل أبعدت طهران مليشياتها لمسافة 25 كيلومترا عن حدود الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل.
وأضاف: "جرى إقامة القاعدة الزينبية في محيط دمشق والتي تديرها كتائب الرضوان التابعة لحزب الله وهي التي تمد القوات على الحدود السورية الأردنية بالسلاح والتدريب".
ومضى العقيد المتقاعد يقول: "عندما اكتشفت عمان أن تلك القوات ليست نظامية سورية، وأنه جرى احتلال كل القرى الحدودية مع الأردن لمسافة الصفر، أصبح الأخير يفاوض ولم يحصل على نتيجة حتى الآن".
ولفت المقابلة إلى أنه "نتيجة انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا زادت إيران تمددها قرب الحدود الأردنية".
ونوه إلى أن "الأردن أراد في البداية دعم العشائر في سوريا لكي تكون خطا أولا في مقارعة المليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية، قبل أن يقتحم قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد عام 2018 درعا ويسيطر على مناطق هناك ويتلاقى مع المليشيات الأفغانية".
وذهب للقول: "بعد ذلك جرى نقل مصانع المخدرات للجنوب السوري (المقابل لشمال الأردن) وذلك بهدف إغراق عمان بها لإنهاك الجبهة الداخلية".
حتى أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق وصل إلى طريق درعا - عمّان وقال حينها وهو يشير بيده "لقد أصبحت عمّان في متناول اليد"، بحسب المقابلة.
"استهداف الأردن"
وأمام ذلك، يبدو أن كل جهود الأردن في إنهاء ملف تهريب المخدرات عبر أراضيه لم تفلح، ولا سيما أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن نظام الأسد كان يستخدمه "كورقة ضغط لتمرير شروطه في التطبيع العربي معه".
وفق هؤلاء المراقبين، هناك من يضع عينه على الأردن وهو يقف خلف نظام الأسد الذي استرجع مقعد الجامعة العربية وجلس عليه بشار الأسد في القمة التي عقدت في جدة السعودية في مايو/أيار 2023.
وضمن إطار هذه النقطة، سبق أن سلطت صحيفة "مينا واتش" الألمانية الضوء على خارطة السيطرة الإيرانية في المنطقة، حيث تستحوذ طهران ويعلو نفوذها في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
ولفتت الصحيفة في تقرير لها نشر في 17 يوليو/تموز 2023 إلى أن "الأردن قد يكون الضحية التالية للإيرانيين، خاصة أنه يشهد اضطرابات وصراعات داخلية قد تستغلها طهران".
وساق حينها الأكاديمي الأميركي، كينيث بولاك في تحليلاته أن "إيران قادرة -عبر عملائها ووكلائها- على التسلل إلى الأردن من 3 جبهات من ضمنها سوريا التي لها حدود طويلة مع المملكة".
ومع ذلك، فإن الأوساط الأردنية باتت مستشعرة الآن أكثر من أي وقت مضى، الخطر الداهم عبر نفوذ المليشيات الإيرانية المتموضعة عند الحدود السورية.
فقد رأى اللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري، أن "هناك اتباعا لتكتيك الذئاب المنفردة والخلايا النائمة لتهديد الأردن عبر سوريا".
وأضاف الدويري لإذاعة "حسنى" في 19 ديسمبر 2023: "هذه الاختراقات الأمنية في الواجهة الشمالية لا يمكن فصلها عن محاولات إيران لإثبات الذات وهذا يستوجب مواجهة المشروع الإيراني ضد الأردن".
وختم بالقول: "الآن الأردن يواجه تحديا رئيسا هو تهريب المخدرات والسلاح، وهذا الأخير له أجندة أخرى المستهدف منها المملكة وأمنها".
كما أن إستراتيجية إغراق الأردن بالمخدرات عبر سوريا تستهدف في جزء كبير منه دول الخليج عبر الحدود الأردنية.
وهو أمر بات من الواضح أن يندرج ضمن "عمليات منظمة تدار من قبل أجهزة أمنية تتبع لإيران ونظام الأسد".
وهذا ما يشير إليه المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، بقوله إن "تجارة المخدرات وصناعتها بسوريا كلها تتبع للمليشيات الإيرانية وبإشراف حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة السورية التي يقودها ماهر الأسد وبإشراف بعض أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري".
وأضاف أيوب لـ "الاستقلال": "إن قادة الفرق الجنوبية بسوريا بالقرب من حدود الأردن سواء الفرقة 15 أو الفرقة الخامسة أو التاسعة، كلها منخرطة بتجارة المخدرات كون سيارات التهريب تمر من خلالها".
وأردف قائلا: "لكن رغم ذلك الجيش الأردني سبق وأن أوصل لنظام الأسد معلوماته بأن تهريب المخدرات تقف خلفها جهات رسمية، ولم يكتف بذلك بل عالج الأمر عبر قصف الجيش قبل شهرين موقعا بالسويداء وتمكن من قتل أحد زعماء التهريب".
وبين الخبير العسكري أنه: "خلال الفترة الأخيرة أخطر الأردن إيران بتهريب مليشياتها المخدرات وجرى التأكيد على ضرورة منع ذلك من الطرف المقابل للحدود الأردنية الذي تتحكم به طهران والنظام السوري".
وأردف أيوب: "الجيش الأردني يستخدم كل الوسائل المتاحة لضرب أوكار المخدرات والمهربين ومصانعها حتى لو تطلب الأمر الدخول إلى الأراضي السورية برا أو تنفيذ ضربات جوية".
وخاصة أن هناك طرحا داخل الأردن بإقامة منطقة عازلة عند الحدود الأردنية السورية ولكن لا قرار عند القيادة الأردنية لتنفيذها بل الأمر يقتصر حاليا على استخدام القوة المناسبة، وفق تقديره.