آيات من سورة الأحزاب في البرلمان البلجيكي تشعل غضب إسرائيل.. ماذا حدث؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار مقطع فيديو لإمام يقرأ آيات من سورة الأحزاب في البرلمان البلجيكي ردود فعل غاضبة في أوساط اليمين المتطرف داخل أوروبا وخارجها، لا سيما في إسرائيل.

ونشر الإمام البلجيكي من أصل باكستاني محمد أنصار بوت على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا له يتلو الآيتين 46 و47 من سورة الأحزاب على منصة برلمان بروكسل إثر تكريمه، بحسب موقع "أتلانتيكو" الفرنسي

كما ظهر في مقطع آخر يتلو الآيات من 41 إلى 43 من السورة نفسها. لكن على خلاف ما ورد بمقطعي الفيديو، زعم منتقدون أن الإمام رتل الآية 26 من سورة الأحزاب.

المشهد، الذي لم ينكشف للعلن إلا أخيرا، حدث يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2024 خلال حفل لتوزيع جوائز نظمه حسن كويونغو نائب رئيس البرلمان (من الحزب الاشتراكي) مع جمعية أصدقاء بلجيكا. 

 

بدورها أعربت "عيديت روزنزويغ أبو" السفيرة الإسرائيلية لدى بلجيكا عن صدمتها، قائلة إنها شعرت بالرعب الشديد عندما اكتشفت أن داعية مسلما ضيفا بالبرلمان في بروكسل اختار قراءة آية من سورة الأحزاب، وهي سورة تتحدث عن معركة بين المسلمين واليهود، حسب زعمها.

وزعمت السفيرة أن الإمام رتل الآية 26 من سورة الأحزاب والتي جاء فيها: "وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا"، مدعية أنها "تدعو صراحة إلى قتل اليهود وسبيهم".

وذكّرت أن هذا الحدث يأتي وسط تصاعد معاداة السامية والخوف في بروكسل، حيث يعيش 18 ألف يهودي، حسب قولها.

رمزية قوية

من جانبه، تساءل موقع "أتلانتيكو": "كيف نفسر أن مثل هذا الحدث يمكن أن يحدث داخل حدود هذه المؤسسة في بروكسل؟ وهل يعد هذا مؤشرا على الانجراف ونوعا من الرضا من جانب السلطات الأوروبية أو البلجيكية تجاه الأصولية الإسلامية".

ويجيب على ذلك التساؤل كلود مونيكيه، أحد مؤسسي شركة خاصة للاستخبارات والأمن في أوروبا والآن مستشار خاص لشبكة "سي إن إن"، قائلا: "لا بد أولا من التأكيد على أن هذه الصلاة، من أعلى قمة برلمان بروكسل، لم تتم في إطار الأنشطة البرلمانية الرسمية"، موضحا أن "كل شيء حدث خارج الجلسة الرسمية".

ويشير الموقع الفرنسي إلى أن الدعوة للإمام تمت من قبل المسؤول الاشتراكي المنتخب من أصل تركي حسن كويونجو. 

وإثر ما حدث، يذكر مونيكيه أن وزيرة الدولة، نوال بنحمو التي كانت حاضرة في القاعة، غادرت على الفور بعد التلاوة.

كما أدان رئيس البرلمان رشيد مادران هذا التصرف، مذكرا بأن "الحياد مطلوب". 

ومع ذلك، بحسب ما ينقله الموقع، يؤكد مونيكيه على أن رمزية هذا الحدث قوية للغاية: "قراءة نص ديني إسلامي، من صالة البرلمان، في قلب العاصمة الأوروبية". 

وفي مقابل ما حدث، يلفت الموقع إلى أن المعارضة تطالب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية. 

وفي رأي مونيكيه، يؤكد هذا الاعتراض حقيقة مفادها أن "جزءا كبيرا من الطيف السياسي البلجيكي -اليسار واليسار المتطرف- قد شرع منذ فترة طويلة في انجراف مجتمعي".

جدل كبير

نظرا للسياق الدولي الحساس جدا للصراع في غزة، توجه "أتلانتيكو" سؤالا إلى مستشار الشبكة الأميركية: "هل يمكننا افتراض أن محتوى الرسالة المعنية -سورة الأحزاب- كان مقلقا ومثيرا للجدل بشكل خاص؟".

وفي هذا الصدد، يقول مونيكيه إن "سورة الأحزاب هي في الواقع جدلية". 

كما لفت إلى أن السورة القرآنية تشير إلى "معركة "الخندق" التي وقعت في مكة عام 627 م، والتي واجه فيها المسلمون قبائل عربية مشركة متحالفة مع قبيلة يهودية". 

وبحسب المستشار، يشير مصطلح "أهل الكتاب"، المذكور في الآية السادسة والعشرين من سورة الأحزاب، إلى المسيحيين واليهود.

وفي السياق التاريخي الذي نزلت فيه هذه السورة، يؤكد مونيكيه أنه "لا شك أن اليهود هم الذين ورد ذكرهم في الآية 26 من سورة الأحزاب".

Absolutely horrified to discover that in Brussels Parliament, an invited Muslim preacher chose to recite parts of Surah "Al-Ahzab", a Surah about a battle between Muslims and Jews.

This is a Surah that explicitly (verse 26) calls for the KILLING and TAKING CAPTIVE of Jews! In… pic.twitter.com/2jO7maJQrg

— Ambassador Idit Rosenzweig-Abu (@IditAbu) February 16, 2024

وبحسب ما ورد عن الموقع الفرنسي، فقد شدد مونيكيه على أنه "من غير الممكن تجاهل السياق الحالي والحرب في غزة". 

ومن وجهة نظره، من غير المرجح أن يكون الإمام محمد أنصار بوت لم يفكر في ذلك عندما اختار قراءة هذه الآيات.

في ضوء ما حدث، يشير الموقع الفرنسي إلى أن "هذه الحالة قد تُعد مثالا على النفوذ المتزايد للأصولية الدينية أو الضغوط التي يمارسها الإسلاميون داخل الهيئات الأوروبية".

وفي هذا الصدد، يقول مونيكيه: "بصفتها العاصمة الأوروبية ومقر حلف شمال الأطلسي، كانت بروكسل، على مدى عقود، هدفا من قبل الإسلاميين". 

وزعم أنهم "أنشأوا عددا لا يُحصى من الجمعيات هناك بهدف التأثير على المؤسسات الأوروبية واختراقها". 

أما بالنسبة للمؤسسات البلجيكية نفسها، ونظرا لموقف اليسار، يؤكد المستشار أنها "موضع نفس الاهتمام من جانب الحركات المؤيدة للإسلام السياسي".

وكما توضح "أتلانتيكو"، يبرز مونيكيه ما يسميه "الإستراتيجية الواضحة للإسلاميين"، "فقد أدركوا أن بلجيكا كانت بمثابة نقطة الضعف الناعمة في أوروبا"، على حد زعمه. 

العين على المسلمين

وفي اعتقاد مونيكيه، بما أنها تضم أهم مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فإنهم يأملون في "التقليل من تأثيرها وزيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي". 

وفي هذا السياق، يلفت الموقع الفرنسي إلى أنه قبل بضعة أسابيع فقط، صوت المجلس البلدي لبلدة أندرلخت الواقعة غرب بروكسل لـ "صالح نص يسمح بارتداء الحجاب في الإدارة". 

وفي هذا الصدد، يستنكر مونيكيه ما حدث لأنه "يمثل انفصالا واضحا عن مبدأ (الحياد)".

ومع الإشارة إلى الخوف من أن يكون هذا سابقة، يزعم مونيكيه أن "هذا التصويت تم تحت الضغط، حيث كانت غرفة التصويت مكتظة بالنشطاء الإسلاميين وكانت الأجواء متوترة للغاية".

ورغم ذلك، يلفت المستشار إلى أن "بعض المسؤولين المنتخبين لم يخفوا عدم شعورهم بالارتياح أثناء المناقشة والتصويت على هذا القرار". 

بعد تذكير رئيس برلمان بروكسل، رشيد مادران، باحترام "حياد" هذه المؤسسة، يتساءل "أتلانتيكو": "هل الرد من جانب المؤسسات الأوروبية والطبقة السياسية حازم بالدرجة الكافية لمنع تكرار مثل هذه الأحداث؟".

وللإجابة على هذا السؤال، يوضح مونيكيه أولا أن "مادران علماني أصيل، لكنه على خلاف مع حزبه الاشتراكي".

كما يشير إلى أنه "من غير المؤكد ما إذا كان مادران لا يزال يمثل اليوم أغلبية تيارية بين الاشتراكيين في بروكسل". 

وفي اعتقاده، يمكننا النظر إلى موقف رئيس البرلمان بأنه حازم للغاية بافتراض أن "البرلمان لم يكن متورطا بشكل مباشر في هذه الحادثة، بل كانت مبادرة من جمعية محاماة خاصة".

ولكن في نفس الوقت، يشدد مونيكيه على حقيقة أن "تذكير النائب بالمبادئ الأساسية لن يحل أي شيء"، وفق الموقع الفرنسي. 

وفي هذا الإطار، يحذر مونيكيه من أن "دخول الإسلاميين إلى الأحزاب والمؤسسات ليس بالأمر الجديد، حيث تتمتع هذه الحركة بدعم شبكات ضغط راسخة".  

بل ومن المرجح أن يصبح الوضع أسوأ -كما يصفه مونيكيه- في الأشهر المقبلة.