الأوسع منذ 7 أكتوبر.. ما سر تصعيد سلطة عباس الاعتقالات السياسية بالضفة؟

تبذل السلطة الفلسطينية قصارى جهدها، لإعادة تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل
بشكل هستيري، كثفت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عمليات الاعتقال السياسي في الضفة الغربية منذ مطلع مايو/أيار 2024، تزامنا مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية.
وكشف محامون وهيئات حقوقية أن الموجة الحالية هي الأكبر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولم يكن العدوان على غزة بمعزل عن الضفة الغربية التي صعد فيها الاحتلال انتهاكاته عبر حملات الاعتقال والقتل والاقتحامات المتكررة وتدمير البنية التحتية في المدن والمخيمات.
حملة شرسة
ووثقت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية 22 حالة اعتقال سياسي في الثاني من مايو، توزعت كالتالي: 3 في نابلس، و6 بالخليل، و3 بطولكرم، وواحد برام الله، واثنين بسلفيت، واثنان ببيت لحم، و3 بطوباس، واثنان بجنين.
كما استمرت الاعتقالات المتصاعدة في الأيام التالية بحق المواطنين على خلفية آرائهم وتوجهاتهم السياسية، وهو ما دفع اللجنة في 8 مايو، لإطلاق حملة لتوثيقها.
ودعت اللجنة أهالي الضفة الغربية إلى التواصل معها، للإبلاغ عن انتهاكات أجهزة السلطة، وحالات الاعتقال السياسي المتواصلة بحق المواطنين عبر قنواتها المعتمدة.
ولوحظ أن حملة الاعتقالات ركزت على قيادات ورموز وطنية خاصة من حركة المقاومة الإسلامية حماس، إضافة إلى ناشطين سياسيين وصحفيين وطلاب وأسرى ومحررين وغيرهم ممن يعبرون عن آرائهم برفض نهج السلطة الفلسطينية.
وعلى سبيل المثال، شملت الاعتقالات السياسية الأخيرة، القيادي في حركة حماس والأسير المحرر الشيخ علي خريوش (55 عاماً)، الذي نُقل إلى المستشفى جراء تدهور وضعه الصحي.
وهذا إضافة إلى الناشط السياسي والأسير المحرر أسيد الخراز (40 عاماً) وكلاهما من مدينة طوباس شمالي الضفة الغربية.
كما اعتقلت أجهزة أمن السلطة، سامي، شقيق رئيس حركة حماس في الضفة الغربية زاهر جبارين، إضافة إلى المهندس في بلدية نابلس بهاء تفاحة، والأسيرين المحررين مجدي القطب وعلاء الدين شبيري.
وشملت الاعتقالات أيضا همام نجل الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي القيادي في حماس عبد الباسط الحاج، وابن عمه حسان، من قرية جلقموس جنوب شرق جنين، بعد الاعتداء وإطلاق النار عليهما.
وفي تصريحات صحفية، أكد منسق مجموعة "محامون من أجل العدالة" المحامي مهند كراجة أن هناك تزايدا ملحوظا للاعتقالات السياسية، بحق المعارضين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتابع كراجة في 3 مايو: “نحن أمام أكبر حملة اعتقالات منذ 7 أكتوبر، حيث تشير الإحصائيات إلى اعتقال ما لا يقل عن 60 مواطنا من مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، وجلهم من الأسرى المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى 4 صحفيين اعتُقلوا في أبريل”.
وبدورها، استنكرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية “حملة الاعتقالات المسعورة التي تشنها أجهزة أمن السلطة المتصاعدة بشكل لافت منذ أيام، في الوقت الذي لا تزال تزج بمئات المواطنين في سجونها بذرائع وهمية وتهم ملفقة”.
وأكدت أن الأجهزة الأمنية تصر على ضرب حاضنة المقاومة والنسيج المجتمعي الفلسطيني وتهديد السلم الأهلي، من خلال مواصلة الاعتقالات والملاحقات السياسية.
ولفتت إلى أن السلطة “تضرب عرض الحائط بكل النداءات التي تدعو لوقف هذه الاعتقالات المهينة لتضحيات شعبنا الثائر، في سياسة تتماهى بشكل تام مع الاحتلال وعدوانه المتصاعد”.

سر التوقيت
وكان لافتا أن تصاعد الحملة جاء بعد يومين فقط من تصريحات لافتة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تجاه إسرائيل أطلقها في 28 أبريل 2024 من السعودية التي تشير تقارير عديدة إلى أنها تقترب من التطبيع مع تل أبيب.
وقال عباس في كلمة له خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض، إن “لإسرائيل الحق بالحصول على الأمن الكامل وهذا واجبنا”.
وأثارت هذه التصريحات موجة واسعة من الجدل والانتقادات كونها تأتي في ظل عدوان مدمر على غزة خلف أكثر من 113 ألفا بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وعن الرابط بين حديث عباس وموجة الاعتقالات الحالية، يقول الناشط السياسي في الضفة الغربية عامر حمدان إن “هذا ليس بجديد أو مستغرب، لأن التصريح هو تجلٍّ لمعاهدة أوسلو (1993 للسلام مع الاحتلال) ومرفقاتها الأمنية”.
وفي حديث لـ"الاستقلال" أوضح حمدان أن تصريحات عباس وتحركات الأجهزة الأمنية “تأتي في سبيل تجديد صلاحية عقد الالتزام الأمني ما بين السلطة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي”.
وهو “ما يعني تثبيت النموذج السلمي المفاوض أمام العالم ومحاولة رفد الخزينة الأمنية خاصة من قبل الداعمين والمعنيين ببقاء الحالة السلمية في الضفة الغربية”.
وذكر الناشط السياسي أن "هذا يتطلب مزيدا من العمل الأمني في سبيل حماية المشروع الأوسلوي من خلال تفكيك أي خلايا أو مظاهر تسلُّحية ضمن إطار الحفاظ على الأمن الداخلي الفلسطيني وتثبيت البرنامج السلمي للسلطة".
وتسير السلطة الفلسطينية في مسارات عدة من أجل إعادة تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل، في ظل رفض الأخيرة أي دور لها في اليوم التالي لما بعد العدوان على قطاع غزة.
ومنذ بدء العدوان في 7 أكتوبر بهدف "القضاء" على حركة حماس ردا على عملية طوفان الأقصى، ربطت حكومة بنيامين نتنياهو ما جرى بالسلطة الفلسطينية وأكدت أنه لن يكون لها أي دور في غزة بعد تنفيذ المهمة.
وهو ما دفعها للسير في مسارات عديدة كان آخرها تعيين حكومة جديدة للإيحاء بإجراء إصلاحات داخل السلطة المتهمة بالفساد، وكذلك تعزيز الواقع الأمني المساند لسلطات الاحتلال عبر تكثيف اعتقال المعارضين والمقاومين.
وشدد عامر حمدان على أن “عباس متمسك لأبعد الحدود باتفاقية أوسلو التي انتهت منذ الدقيقة التالية لعملية طوفان الأقصى”.
ولفت إلى أن تصريح عباس الأخير “ربما تكون له إشارات ذات بعد أعمق تفيد بضرورة توفير الأمن التام لإسرائيل مقابل الاقتصاد”، وما يرتبط بذلك من البقاء في الحكم وعدم انهيار السلطة.

تهم وأعداد
وتستهدف الأجهزة الأمنية الفلسطينية المقاومين والطلبة الجامعيين والناشطين السياسيين، والأسرى المحررين، وتعمل على الزج بهم في سجونها، مع توجيه عدة تهم تصنف غالبيتها على أنها غير قانونية وفقا لمؤسسات حقوقية محلية.
وتؤكد مؤسسات حقوقية أن ذلك يندرج في إطار الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي دون وجود أو إبراز أي مذكرة توقيف من جهات الاختصاص، الأمر الذي يخالف القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية وسط تسارع هذه الوتيرة واتباع السلطة الفلسطينية والاحتلال سياسة الباب الدوار.
وهذه السياسة تعني أن تعتقل قوات الاحتلال السجناء السياسيين والأمنيين والمعارضين بعد الإفراج عنهم من معتقلات السلطة أو العكس، وهي تعد ركنا من أركان التنسيق الأمني بين الطرفين.
لكن تقدر مؤسسات حقوقية من بينها مجموعة محامون من أجل العدالة أن عدد المعتقلين الدائمين (لا يفرج عنهم) يبلغ 40 شخصا، بينما يجرى اعتقال آخرين والإفراج عنهم بعد قضائهم فترات معينة، كل بحسب حالته.
ووثقت المجموعة ما يزيد على 300 حالة اعتقال سياسي في الضفة الغربية منذ بداية عام 2023 وحتى منتصف يوليو من نفس العام، مشيرة إلى أن الرقم "غير مستقر، لأن عمليات السجن والإفراج عن المعتقلين متواصلة".
وعن التهم التي توجه للمعتقلين، يقول المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك إنّ معظمها يتعلق بقضايا محددة مثل غسيل أموال، أو إثارة نعرات أو إساءة استخدام التكنولوجيا.
كما يجرى اعتقال البعض بناء على دعوة من النيابة العامة مع وجود بعض الشكاوى من المواطنين حول كتابات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفق ما أوضح دويك في تصريحات منتصف عام 2023.
ولفت إلى أن هذه التهم “فضفاضة” ويجرى الاعتقال بناء عليها كغطاء قضائي، لكنها تحمل في جوهرها “أبعادًا سياسية”.
وبدورها، قالت ديالا عايش وهي محامية تتابع ملفات عدد من طلاب الجامعات المعتقلين إن 90 بالمئة من عمليات الاعتقال لا يعرض فيها مذكرة توقيف من النيابة العامة، بوصفها المخولة قانوناً بهذا الأمر.
كما أن 40 بالمئة من الحالات التي يصدر بها قرارات بالإفراج من القضاء يُرفض تنفيذها، أو يجرى تحويل أصحابها على قضية أخرى لتمديد احتجازهم، وفق ما قالت عايش في تصريحات لها خلال يوليو 2023.
وتواجه السلطة الفلسطينية كذلك اتهامات بتعذيب المعتقلين السياسيين الذين يقبعون في أوضاع مزرية داخل سجون سيئة الصيت أبرزها سجن أريحا.