زيارتان في أسبوع.. ماذا يفعل رئيس جهاز الاستخبارات التركية بالعراق؟

15005 | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 29 يناير/ كانون الثاني 2024، أجرى رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، سلسلة من اللقاءات بمحافظة أربيل شمالي العراق، في إطار زيارة إلى البلاد، هي الثانية خلال أسبوع.

وكان قالن، التقى الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وممثلين عن السنة والشيعة والتركمان، خلال زيارة إلى بغداد في 23 يناير.

وفي العراق، عقد قالن سلسلة من الاجتماعات المهمة، والتقى بالرئيس عبد اللطيف رشيد. وتصدر جدول أعماله في هذه الزيارة موضوع "مكافحة الإرهاب".

وقدم قالن معلومات حول هجمات حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الأخيرة ضد تركيا، مؤكدا أن أنقرة ستواصل عملياتها في المنطقة بما يتماشى مع حقوقها المنبثقة عن اتفاقيات الأمم المتحدة.

وفي 13 يناير، قُتل 9 جنود أتراك وأصيب 4 جنود آخرون خلال اشتباكات، ليست الأولى من نوعها، مع مسلحين من حزب العمال الكردستاني حاولوا التسلل إلى قاعدة تركية في شمال العراق.

حدود شائكة

بحسب بيان أدلت به الرئاسة العراقية، ذكر قالن خلال الاجتماع مع رشيد الأهمية التي توليها تركيا لأمن العراق واستقراره، مؤكدا على تطوير التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وخاصة حزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية الأخرى.

وقبل 10 أيام من هذه الزيارة، عُقد اجتماع أمني في مكتب عمل قصر "دولمة بهجة" برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

وكان جدول الأعمال الرئيسي للاجتماع هو مكافحة الإرهاب أيضا. وإلى جانب قالن، حضر هذا الاجتماع كل من وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الداخلية علي يرلي كايا، ووزير الدفاع يشار جولر، ورئيس الأركان العامة الجنرال متين جوراك، ومدير دائرة الاتصالات فخر الدين ألتون، وكبير مستشاري السياسة الخارجية والأمن عاكف تشاتاي كيليش.

وأكد الاجتماع في بيان صادر بنهايته، أن "التنظيم الإرهابي الانفصالي (بي كا كا)، الذي وصل إلى حد الانقراض داخل حدودنا، تكبدت خسائر فادحة للغاية نتيجة لعملياتنا الناجحة عبر الحدود". 

وأضاف: "ومع محاصرة التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، اكتسبت محاولات تعزيز التنظيم وتنشيطه زخما كذلك. والهجمات الإرهابية المتزايدة ضد قواتنا العاملة خارج حدودنا هي جزء خبيث من سيناريوهات تسمين التنظيم". 

وتابع: "ومن المؤكد أن تركيا لن تسمح بإقامة ممر إرهابي على طول حدودها الجنوبية، تحت أي ذريعة أو سبب". 

وأكد البيان على أنه "في إطار حقنا في الدفاع عن النفس والاتفاقيات الثنائية، أينما يوجد تهديد إرهابي أو معسكر أو ملجأ أو تشكيل أو تجمع، فإن أولويتنا الرئيسة هي تدميره بشكل دائم، بغض النظر عمن يقف وراءه". 

وختم قائلا إن "الأوغاد الانفصاليين الذين هم متعاقدون من الداخل مع أعداء تركيا، سيحاسبون على كل قطرة دماء أراقوها. نحن مصممون على إحباط أولئك الذين يلعبون دورا في الفخاخ الموضوعة لعرقلة هدفنا المتمثل في القرن التركي وأولئك الذين يمسكون بخيوطهم".

وفي جلسة للبرلمان، قال وزير الخارجية هاكان فيدان: "على الرغم من العقوبات التي فرضناها على مدينة السليمانية، إذا لم يغير الاتحاد الوطني الكردستاني موقفه الداعم لحزب العمال الكردستاني، فلن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات".

وحملت زيارة قالن للمنطقة في وقت وقوع هذين الحدثين رسائل حول تدمير الإرهاب في الأراضي التي كان يوجد فيها. 

وخلال لقاء قالن بالرئيس رشيد في العراق، ناقش قالن، الذي كان من المرجح أن ينقل سياسات تركيا إلى رشيد، المعروف بقربه من الاتحاد الوطني الكردستاني، في مكافحة الإرهاب في العراق. 

حيث أوضحت تركيا لبغداد مدى حساسيتها تجاه الهياكل الإرهابية في العراق.

اهتمام كبير

وقد نوقش هذا الحدث على نطاق واسع في وسائل الإعلام التركية. إذ طرح الكاتب في صحيفة "حريت" التركية، عبد القادر سيلفي، هذه القضية في عموده وأدرجها في 7 بنود.

1- بعد وفاة رئيس العراق السابق جلال الطالباني، قامت أميركا وإيران بدعم نجله بافل طالباني في المنطقة. وأصبح بافل طالباني الحاكم الوحيد للسليمانية بدعم من إيران والولايات المتحدة.

2- تحاول الولايات المتحدة منذ فترة تسليط الضوء على ممثلي حزب العمال الكردستاني مظلوم عبدي في سوريا وبافل طالباني في العراق. 

وتوجه منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، راعي حزب العمال الكردستاني، إلى السليمانية وزار بافل طالباني. 

وكان قائد قوات المهام المشتركة في عملية العزم الصلب الجنرال ماثيو ماكفارلين، والمعروف بدعمه لحزب العمال الكردستاني، قد كشف سابقا لقاءه مع مظلوم عبدي وبافل طالباني للصحافة.

3- تحاول الولايات المتحدة منذ فترة زيادة قدرات حزب العمال الكردستاني في المنطقة التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني. حيث يفتح بافل طالباني مناطق إيواء لحزب العمال الكردستاني في مدينة السليمانية.

4- تمكين حزب العمال الكردستاني من استخدام مطار السليمانية، وهكذا تنفتح المنظمة على العالم الخارجي.

5- تمكين عناصر حزب العمال الكردستاني من تلقي التدريب ضمن القوات الخاصة لحكومة إقليم كردستان.

6- أعطت الولايات المتحدة الفرصة للتنظيم الإرهابي لفتح مستشفى في السليمانية.

7- سمح المحافظ المقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني لحزب العمال الكردستاني بدخول كركوك.

وبينما كانت تركيا تناقش أسباب الزيارة ونتائجها، جاءت خطوة جديدة من المخابرات التركية؛ حيث ذهب رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن إلى العراق للمرة الثانية.

وبحسب المعلومات التي أفصحت عنها مصادر أمنية، في 31 يناير 2024، أجرى قالن، اتصالات في أربيل بعد زيارته لبغداد قبلها بأسبوع. 

وعقد قالن اجتماعات مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي مسعود بارزاني، ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، ووزير الداخلية ريبر أحمد والإداريين المحليين، بالإضافة إلى رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران، ونائب مركز التجارة الدولية في كركوك إرشاد صالحي.

وخلال الاجتماعات، نُوقشت التطورات في المنطقة والعلاقات الثنائية والحرب الفعالة ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني. وأُكد بوضوح خلال اللقاءات والحوارات على تصميم تركيا في الحرب ضد الإرهاب. 

كما طُرح أيضا موضوع وجود حزب العمال الكردستاني في السليمانية وعدم ارتياح تركيا لهذا الوضع على جدول الأعمال.

مخاوف حقيقية

وفي تعليقه على المشهد قال الخبير السياسي الأكاديمي التركي عبدالله أيدين، لـ"الاستقلال" إن تعيين قالن رئيسا لجهاز الاستخبارات خلفا لهاكان فيدان قبل عام يشير بشكل أساسي إلى السياسة الخارجية والاستخبارية التركية الجديدة. 

وتابع: "يجب النظر إلى زيارة قالن الأخيرة إلى أربيل، بصفتها انعكاسا لموقفه الاستباقي بزيارة بغداد. فكان من المهم أن يزور كلا من بغداد وأربيل في غضون أسبوع".

وأضاف: "وهذه الزيارة تمت على مستوى رئيس جهاز الاستخبارات التركية، وليس على مستوى آخر. كما كانت اللقاءات التي عُقدت خلال الزيارة لافتة أيضا".

وتابع أيدن حديثه بالقول: "قام قالن بهذه الزيارة بعد أن بدأ حزب العمال الكردستاني وامتداداته الأخرى بفتح مناطق جديدة لأنفسهم في منطقتي العراق وسوريا أخيرا". 

وشدد على أن "هذا الهدف في الواقع يهدف إلى اتخاذ احتياطات لتركيا ضد الوضع الفعلي الذي تحاول خلقه هنا".

وأوضح أن "حزب العمال الكردستاني، بالتماشي مع المثقفين الأميركيين، يبذل قصارى جهده للانفصال عن هويته كمنظمة مسلحة". 

وتباع أيدن أنه "لهذا الغرض، اتجه الحزب إلى مدينة السليمانية، المركز المهم للبنية الحضرية لحزب العمال الكردستاني".

ويشدد أيدن على أنه "بالنسبة لحكومة إقليم كردستان، فإن كل خطوة اقتصادية واجتماعية وسياسية تتخذها تركيا تعد حاسمة للغاية وفائدتها العرضية مرتفعة للغاية". 

وأكد على ذلك بقوله إنه "قد يُنظر إلى تعليق الرحلات الجوية إلى السليمانية على أنه موقف غير مهم، لكن انعكاسه على الميدان ليس كذلك".

واسترسل على النحو التالي: "تركيا لا تريد نشوء دولة إرهابية على حدودها، سواء حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب أو حزب الاتحاد الديمقراطي أو قوات سوريا الديمقراطية". 

ولهذا السبب، تقوم بتحركات دبلوماسية وعسكرية في كل من سوريا والعراق، وفق الخبير السياسي التركي.

وفي هذا السياق، أشار أيدن إلى أنه بدءا من فترة الربيع، كان هناك احتمال كبير أن تنتقل العمليات التي تُنفذ حاليا في منطقة بعمق 40-50 كيلومترا داخل الحدود العراقية، إلى مرحلة تالية بشكل أكثر تقدما وأكثر دقة".

لذا، وفق أيدن، أطلقت تركيا عملية "المخلب-القفل"، في عام 2019، والتي كانت تهدف إلى منع دخول الإرهاب إلى الداخل من الحدود العراقية، حيث يصعب على تركيا حماية حدودها عسكريا وحيث تتكبد الخسائر باستمرار".

ويوضح أيدن أن اسم عملية "المخلب-القفل" وُضع على هذا الأساس، متوقعا أنه من الممكن أيضا أن تصبح القواعد المؤقتة في العراق دائمة بعد زيارة قالن. 

وواصل حديثه: "ومن ناحية أخرى، فإن أحد أسباب تصاعد التوتر في المنطقة هو إسرائيل. إن رغبة إسرائيل في نشر المذبحة والحرب في غزة إلى منطقة أوسع تعني أيضا أن الاضطرابات الأخرى في العراق والمنطقة تشعلها هياكل الاستخبارات الإسرائيلية". 

وختم بالقول إن "الانخراط الفعلي لدول معينة في الحرب وتوسيع الجبهة، سيخفف الضغط على إسرائيل التي تكبدت خسائر كبيرة في غزة".