زيارة مسؤول إيراني إلى أفغانستان.. مؤشرات على تقارب مع حكومة طالبان؟

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

في إطار توطيد العلاقات الثنائية، أجرى مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب‌ آبادي، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2025، زيارة رسمية إلى أفغانستان التقى خلالها عددا من المسؤولين البارزين.

وبحسب صحيفة "جوان أونلاين" الفارسية، تناولت اللقاءات ملفات متعددة شملت القضايا الحدودية والمائية إلى جانب التعاون القانوني والقضائي بين البلدين؛ حيث شدد الطرفان على ضرورة "تعزيز الرقابة على الحدود لمكافحة تهريب المخدرات والاتجار بالبشر ومنع تسلل العناصر الإرهابية".

ووفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، أعلن آبادي أن الجانبين توصلا إلى تفاهم بشأن استئناف مشروع تجديد العلامات الحدودية المتوقف منذ سبع سنوات. 

كما تقرر عقد اجتماع مشترك للجنة الفنية والقانونية الإيرانية الأفغانية في الوقت نفسه، على أن يركز على "معالجة النقاط الحدودية الغامضة بأسرع وقت ممكن".

نتيجة عادلة

وأفادت الصحيفة بأن آبادي شدد خلال اللقاء على ضرورة التنفيذ الكامل لمعاهدة نهر هلمند لعام 1972، وضمان حصول إيران الكامل على حصتها المائية من النهر التي تقدر بـ820 مليون متر مكعب سنويا.

 بما يضمن تدفق المياه الكافي إلى بحيرات هامون للحفاظ على التوازن البيئي في الأراضي الرطبة المحيطة بها، ويشمل حماية التنوع الحيوي ومنع التصحر وتحقيق الاستدامة البيئية في المنطقة.

إلى جانب ذلك، تطرق آبادي إلى موضوع الحصة المائية لإيران من نهر هري رود، موضحا أن طهران لها الحق في الاستفادة من هذه الموارد المائية، وأن هذه القضية تناقش مع السلطات الأفغانية حتى التوصل إلى نتيجة عادلة.

ولفت إلى أن قيام السلطات في كابول ببناء السدود يعيق تدفق المياه باتجاه الأراضي الإيرانية. 

وأوضح أن هذا الملف إلى جانب إزالة المعوقات التي تحول دون وصول الحصة المائية المخصصة لإيران؛ يُعد من أبرز محاور النقاش في المباحثات الجارية مع أفغانستان.

في هذا السياق، أفاد نائب وزير الخارجية الإيرانية بأنه اتفق على عقد اجتماع لمفوضي المياه في البلدين في أقرب وقت ممكن داخل إيران، لمناقشة القضايا المائية في إطار التزامات الجانبين وبنهج تعاوني.

كما أعلن آبادي عن اتفاق على تبادل قوائم السجناء الإيرانيين والأفغان، وتهيئة الإجراءات اللازمة لنقلهم المتبادل وفقا للاتفاقيات القائمة.

ولفت الموقع الفارسي إلى أن "هذه الزيارة تأتي في ظل تطورات إقليمية لافتة، أبرزها اعتراف روسيا بالحكومة المؤقتة في أفغانستان، ما أثار تكهنات حول احتمال تغير مواقف بعض الدول المجاورة تجاه كابول".

وتابع: "في المقابل، تشهد العلاقات بين أفغانستان وباكستان تصعيدا أمنيا، الأمر الذي يثير قلق إيران من تداعيات ذلك على حدودها الشرقية، ويضفي بعدا إضافيا على أهمية هذه الزيارة".

يُذكر أن مساعد وزير الخارجية ومدير عام شؤون جنوب آسيا في الخارجية الإيرانية، محمد رضا بهرامي، كان قد زار كابول أخيرا، معلنا استعداد بلاده للوساطة بين إسلام آباد وكابول.

اعتراف ضمني 

وللوقوف على أبعاد هذه الزيارة وأهميتها، وكذلك التطورات الجارية في شرق البلاد، أجرت الصحيفة الفارسية حوارا مع السفير الإيراني السابق لدى باكستان، ما شاء الله شاكري.

وأكد، بدوره على أهمية هذه التحركات الدبلوماسية، خاصة في ظل التوترات الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وتزايد اهتمام الرأي العام الإيراني بالعلاقات مع كابول.

وأوضح شاكري أن "الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول الأخرى تشكل البنية التحتية للعلاقات الرسمية والمؤسسية بين الدول، لا سيما عندما يتعلق الأمر بدول الجوار ذات الحدود المشتركة".

وأضاف أن "مثل هذه التفاهمات تبرم وفق المعايير القانونية والضوابط الدولية المتعارف عليها، وتُضفي شرعية على العلاقات الثنائية، بل وتعد في بعض الأحيان بمثابة اعتراف ضمني بشرعية الحكومات المعنية".

في هذا السياق، أشار السفير السابق إلى أن طهران "تتعامل مع الحكومة الحالية في أفغانستان بصفتها سلطة قائمة بحكم الأمر الواقع، بينما تسعى كابول للحصول على اعتراف رسمي من الدول الأخرى".

ولفت إلى أن "بعض دول المنطقة بادرت بالفعل إلى الاعتراف بحكومة (الإمارة الإسلامية)، وعلى رأسها روسيا".

وأردف: "من خلال توقيع الاتفاقيات وتبادل الزيارات السياسية، تسعى إيران عمليا إلى التأكيد على وجود سلطة قائمة في أفغانستان، وأنها تنوي التعامل والتعاون معها في مختلف المجالات".

وأكد شاكري أن "صياغة الاتفاقيات القانونية بين إيران وأفغانستان تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسين، أولا، تعزيز التعاون العملي والقانوني مع السلطة القائمة في كابول، وثانيا، توفير أرضية تنظيمية لعقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم مستقبلية في مجالات متعددة". 

وشدد على أن "هذه التفاهمات القانونية تعد بمثابة وثائق تأسيسية تمهد الطريق أمام اتفاقيات تنفيذية واقتصادية لاحقة".

في هذا الصدد، أوضح شاكري أن العلاقات بين البلدين "تواجه ملفات متشابكة تشمل التعاون الاقتصادي والتجاري، وتبادل السجناء والمجرمين، وتنظيم عودة المهاجرين الأفغان، إلى جانب تنظيم وجودهم وعملهم داخل الأراضي الإيرانية".

كما تبرز موضوعات أخرى، مثل استثمارات المواطنين الأفغان في إيران، والمشاريع الاستثمارية المشتركة داخل أفغانستان، وتطوير البنية التحتية للربط الإقليمي، بما في ذلك مشروع سكة حديد خواف-هرات، كأبرز محاور التعاون الاقتصادي التي يمكن تنفيذها ضمن اتفاقيات تفصيلية تستند إلى التفاهمات القانونية الكبرى.

وفي معرض الحديث عن هذه التفاهمات، سأل الموقع شاكري: "من خلال هذه التبادلات القانونية والاقتصادية، هل تسير إيران في اتجاه الاعتراف الرسمي بالحكومة المؤقتة في أفغانستان، على غرار دول مثل الصين وروسيا؟ أي بمعنى آخر، هل يمكن أن تؤدي هذه الخطوات إلى تحول في الموقف الإيراني تجاه كابول؟".

وأجاب الدبلوماسي السابق: "على المستوى الإقليمي، تعمل دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا على تحسين علاقاتها مع أفغانستان، فقد اعترفت روسيا بحكومة كابول رسميا وتبادلت معها السفراء".

وتابع: "أما الصين فتحافظ على حضور نشط في أفغانستان على مستويات اجتماعية واقتصادية متعددة، وتخطط للاستثمار في مواردها الطبيعية".

وأردف: "من وجهة نظري، تُبدي إيران، كمبدأ عام، احتراما كاملا لاختيار الشعب الأفغاني"، مضيفا: "نحن لا نتبع قرارات أو سياسات حكومات أخرى، بل ننطلق من مصالحنا الوطنية التي تتشكل بناء على إرادة واختيار الشعب الأفغاني نفسه".

الخيار العقلاني

وأكد شاكري على أن "القضايا الحدودية، خاصة في المناطق الشرقية، تعد من أبرز أولويات السياسة الإيرانية، وهي من الأسباب الجوهرية التي دفعت غريب‌ آبادي إلى إبرام التفاهمات الأخيرة".

وأشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمتحدث باسم الوزارة إسماعيل بقائي شددا مرارا على أن التوترات الأخيرة على الحدود بين أفغانستان وباكستان “لا تعد مسألة ثنائية فحسب، بل لها انعكاسات أمنية على مجمل المنطقة”.

وتساءل الموقع عن الإجراءات الإضافية التي يمكن أن تتخذها الدبلوماسية الإيرانية لمعالجة هذه التوترات والمخاوف الأمنية على الحدود الشرقية.

ليجيب المسؤول الإيراني السابق: "فيما يتعلق بالاشتباكات الأخيرة بين جارتينا الشرقيتين، أفغانستان وباكستان، فإننا نأسف لأي شكل من أشكال الاضطراب أو عدم الاستقرار في جوارنا". 

وتابع: "فسواء كان التوتر بين أفغانستان وباكستان أو بين أي دولتين أخريين، فإن مثل هذه الأوضاع لا تخدم استقرار المنطقة ولا تصب في مصلحة إيران، بل إنها قد تمتد وتؤثر سلبا على دول أخرى مجاورة".

وأفاد الموقع بأن شاكري "أعرب عن أمله في أن يتوصل قادة البلدين إلى تفاهم عبر الحوار". مشيرا إلى أن "بعض دول المنطقة بدأت بالفعل جهود الوساطة وتهيئة أرضية للتفاوض بين كابول وإسلام آباد".

وبحسب وجهة نظره، فإن "الرهان الحقيقي يكمن في تغليب العقلانية لدى الطرفين، بما يُفضي إلى إدراك أن (الأمن) هو الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة".

إذ يرى أنه "بمجرد تحقق الأمن، تُفتح آفاق التنمية الاقتصادية، وتتسع فرص التعاون بين الدول".

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن إيران استضافت في الأيام الأخيرة اجتماع وزراء داخلية دول منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو).

وشدد على أن "طهران تسعى، في إطار سياستها الإقليمية، إلى ترسيخ أمن شامل ومستدام في المنطقة، وتأمل أن تنتهي العلاقات بين أفغانستان وباكستان إلى أجواء من الصداقة والهدوء والاستقرار".