حميدتي يتهم مصر بضرب قواته في جبل موية.. وناشطون: هروب للأمام من الهزيمة
"لا يريد أن يعترف بتطور قوة الجيش السوداني"
تباينت ردود الفعل بشأن اتهام قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، النظام المصري، بالمشاركة في الضربات الجوية ضد مليشياته في منطقة جبل موية بولاية سنار وسط السودان، وما تبعها من نفي رسمي مصري.
وزارة الخارجية المصرية، قالت في بيان نشرته في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إن الجيش المصري لا يشارك في المعارك الدائرة بالسودان، ودعت المجتمع الدولي للوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ما ذكره حميدتي".
وجاء بيان الخارجية المصرية ردا على اتهام حميدتي للجيش المصري بقصف عناصر قواته في المعارك الدائرة بالسودان، قائلا إن قواته في منطقة جبل موية بولاية سنار "قُتلوا وضربوا غدرا بالطيران المصري".
واستطاع الجيش السوداني في 5 أكتوبر 2024، استعادة السيطرة على منطقة جبل موية الإستراتيجية الواقعة في ولاية سنار وسط السودان، بعد معارك ضارية استمرت أياما مع قوات الدعم السريع التي سيطرت على المنطقة التي تربط 3 ولايات في 25 يونيو/حزيران 2024.
وقال مجلس السيادة إن نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي أشرف على العمليات هناك من داخل منطقة النيل الأبيض العسكرية، وشاركت فيها قوات قادمة من ولاية سنار، وأخرى قادمة من ولاية النيل الأبيض.
والتحم الجيش مع قواته في ولاية سنار وولاية النيل الأبيض، منهيا بذلك عزلة هاتين الولايتين التي كانت مفروضة عليهما لنحو 3 أشهر، واحتفى مؤيدون للجيش ومواطنون بالتقدم الذي أحرزه الجيش وسيروا مواكب احتفالية لإنهاء الحصار الذي كان مفروضا عليهم.
وترجع أهمية منطقة جبل موية إلى كونها تربط بين ولايات النيل الأبيض غربا وولايات سنار شرقا والجزيرة شمالا، وأدّت سيطرة الدعم السريع عليها إلى عزل الولايات الثلاث عن بعضها.
وذهب فريق من الناشطين إلى القول إن اتهام حميدتي لمصر يعد "سكرات الهزيمة" التي يعانيها على يد الجيش السوداني في مختلف الجبهات، فيما ذهب آخرون إلى أن خطابه محاولة لقلب الطاولة على الجميع.
واستنكر ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حميدتي، #الجيش_المصري، #الدعم_السريع، مسارعة السلطات المصرية في نفي اتهام حميدتي، وعدوه رسالة لحليفتها الإمارات الداعمة للمليشيا.
وذكروا بالجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق الشعب السوداني بمختلف فئاتهم ودعمها من قبل الإمارات عسكريا وسياسيا، واستحضروا مقاطع فيديو وصورا توثق ذلك، مؤكدين أن دحر المليشيا شرف لا يستحقه النظام المصري.
مبرر للهزيمة
وتفاعلا مع التطورات، قال المفكر تاج السر عثمان، إن اتهام حميدتي لمصر بقصف مليشياته قد تكون محاولة إيجاد مبرر لهزيمتهم في جبل موية، مستبعدا أن يقصف السيسي أدوات الإمارات.
وأضاف: "لا أستبعد أن يدفع محمد بن زايد بمرتزقته لاستهداف مصر انطلاقا من هذا المبرر، فهو يقود دويلة وظيفية لا انتهاء لمؤامراتها حتى ضد أقرب حلفائها في الظاهر".
ورأى الشريف محمد سواني، أن سكرات الهزيمة تعيد حميدتي من مماته، ويتهم الطيران المصري بالمشاركة في الحرب، يحاول رفع الروح المعنوية لقواته المحرمة، ويتحدث عن استنفار الجيش للناس.
وأضاف: هو يعلم أن الشعب استنفر للدفاع عن نفسه وعرضه وممتلكاته، مؤكدا أنه خطاب صريح ومباشر يعكس الهزيمة وفرفرة المذبوح.
ووصف الكاتب قطب العربي، حديث حميدتي بأنه “خطاب منهزم يحاول تخفيف آثار الهزيمة في جبل موية على رجاله”.
لافتا إلى أنه ظهر وجهه مسودا وهو كظيم، يضرب بكلام عشوائي يمينا ويسارا، ويحاول اختزال الحرب في الحركة الإسلامية، بهدف جذب تعاطف دولي.
وأشار إلى أن حميدتي يبحث عن مبرر لهزيمة قواته في جبل موية اتهم الجيش المصري بضربهم بالطيران، لأنه لا يريد أن يعترف بتطور قوة الجيش السوداني وارتفاع روحه المعنوية بعد الالتفاف الشعبي خلفه أخيرا.
وأكد ماهر سامي، أن حميدتي وقواته على شفا حفرة من الاستسلام، وخطوط وقنوات الإمداد انقطعت كلها، واعترف أن قواته مارست القتل والسرقة والنهب وترويع المواطنين.
وقال إن حميدتي مصدوم لدرجة أنه رجع إلى عشوائيته في الكلام وكشح الأسرار وهذا دليل على أنه مصدوم صدمة كبرى.
وأشار الصحفي صلاح بديوي، إلى أنه تلقى ما قاله المجرم حميدتي بشك كبير لأنه لا يمكن لسلطات الانقلاب أن تضرب بطيران قوات الدعم السريع المدعومة إماراتيا، حتى لا يغضب كفيلها، قائلا: "ها هي تنفي ذلك".
وأضاف: "كما قلت كل من الجنرالين المطبعين المجرمين البرهان وحميدتي أكثر إجراما من بعضهما ولولا أن مصر إرادتها مختطفة لما استمرت معاناة أهلنا في السودان".
وسخر أحد المغردين قائلا إن طيرانا مجهولا جعل حميدتي يخرج عن طوره ويتهم دولا كبرى كثيرة بأنهم ضد مليشياته، مؤكدا أن حميدتي من شدة الصدمات المتكررة التي تعرض لها وضع السعودية وإيران في خندق واحد ضده.
تحليلات وقراءات
وفي قراءة لتصريحات حميدتي، عد الصحفي عمر الفتاري، التناقض بين تبعية السيسي الظاهرة للإمارات وتصريحات حميدتي التي هدد فيها مصر واتهام الطيران المصري بقصف قواته يكشف عن تعقيد شديد في العلاقات الإقليمية.
وقال إن ذلك يبرز عدة عوامل يمكن تفسيرها، أن رغم ما يبدو من تبعية السيسي للإمارات في ملفات عديدة، إلا أن كلا من مصر والإمارات لهما مصالح وأولويات متباينة في السودان.
وأضاف الفتاري، أن حميدتي قد يكون أدرك في لحظة معينة أن الدعم الإماراتي لم يعد كافيا أو ثابتا كما كان في السابق أو ربما تحاول الإمارات تقليل مستوى انخراطها في الصراع السوداني لتفادي التورط في نزاع طويل الأمد أو خسائر غير محسوب.
وتابع: "السيسي، رغم تبعيته الاقتصادية والسياسية الواضحة للإمارات في عدة ملفات إقليمية، ليس بالضرورة تابعا لها بالكامل في كل قضية من هنا قد يأتي التوتر مع حميدتي، الذي قد لا يتفق تماماً مع الأجندة المصرية".
وتوقع الفتاري، أن تصريحات حميدتي قد تكون أيضا محاولة للضغط على الإمارات من خلال مصر، أو قد تعكس تحركات لتغيير خريطة التحالفات في المنطقة، أو قد تكون موجهة بشكل أكبر نحو الإمارات نفسها.
ورأى خالد السيراتي، أن اتهام حميدتى يحتاج إلى تحليل ومكاشفة، مذكرا بأن قوات الدعم السريع مدعومة بالكامل من الكفيل الإماراتي صاحب النفوذ داخل مصر، والأمير محمد بن زايد فتى أحلام السيسي.
وتساءل: "هل خان السيسي ابن زايد؟ أم تحرك الجيش منفردا؟"، مطالبا بكشف الحقيقة للشعب ومعلنا بسخرية ترقبه للإعلامي المحسوب على السلطة أحمد موسي ليكشف حقيقة الموقف.
وكتب الباحث رمضان غيث: "يبدو أن حميدتي بعد انكشاف أعوانه الإقليميين دوليا يبحث عن تعليق الأمر على عاتق الجيش المصري، حتى تتوازن الأطراف الإقليمية في مساعدة قوى الصراع في السودان".
ورأى المغرد طالب، أن تصريحات حميدتي الأخيرة ضد دول الإقليم "مصر، إثيوبيا" وما سبقها من حملات ضد أميركا والأمم المتحدة، هي استعادة للخطابات الغوغائية التي سادت في سنوات حكم النظام البائد والتي أورثت السودان العزلة، ودفع شعبها ثمنها غاليا من حصار وتضييق، وتضرر منها جيراننا.
مليشيات إجرامية
وصب ناشطون جام غضبهم على قائد مليشيا الدعم السريع وذكروا بجرائمه، وأعربوا عن الاستياء من تطاوله على مصر.
وتجدر الإشارة إلى أن عشرات الآلاف من الأشخاص قُتلوا، ونزح الملايين منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين جيش السودان وقوات الدعم السريع بعد أن رفض جنرالاتهم الرئيسون خطة للاندماج.
وكشف النائب العام لجمهورية السودان، مولانا الفاتح طيفور، أخيرا أن مليشيا الدعم السريع ارتكبت 966 حالة انتهاكات جنسية وجرائم استرقاق جنسي واغتصاب بغرض تغيير التركيبة العرقية بقصد كسر كرامة السودانيين.
وأوضح أن أعداد حالات الاغتصاب والعنف الجنسي تفوق ما تم رصده، كون المجتمع السوداني يحجم عن التبليغ في مثل هذه الجرائم خوف الوصمة الاجتماعية.
ووفقا لما قاله مراقبون لصحيفة الغارديان، فإن الفرصة أتيحت للمحاكم الدولية لاستخدام مقاطع فيديو لمقاتلين متمردين في السودان يبدو أنهم يمجدون فيها حرق المنازل وتعذيب السجناء لملاحقتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وقبل يومين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شقيق قائد قوات الدعم السريع القوني حمدان دقلو موسى، لدوره في الحصول على أسلحة للمنظمة شبه العسكرية.
وفي السياق، أكد الناشط مكاوي الملك، أنه في وطن يمتد إرثه الحضاري والاجتماعي والسياسي لآلاف السنين، لا مكان لأمثال حميدتي إلا في صفحات سوداء من تاريخنا.
وتساءل: "كيف لشعب صنع الثورات وصاغ الحرية أن يتحمل ظهور أمثال هذا المجرم؟!"، مؤكدا أنه نتاج غباء سياسي وخلافاتٍ أوصلتنا لهذا الحال.
وقال أحمد مبارك، إن حميدتي كبير مليشيا الدعم السريع يتطاول على مصر، مشيرا إلى أن حميدتي تاجر المرتزقة الأكبر في إفريقيا وناهب ثروات وذهب السودان.
واستنكر وصف حميدتي لجيش مصر بالغدر، مضيفا أن الغدار انقلب على جيشه ووطنه بيقول إن مصر ضربت المرتزقة بتاعته غدر في منطقة جبل موية بولاية سنار.
ورأى محمد أمير، أن حميدتي قرر التصعيد وهاجم الكل بعدما تلقى عدة ضربات أخيرا، لافتا إلى أنه وجه اتهام صريح لمصر بأنها بتتدخل بشكل واضح وصريح.
سخرية واستهزأ
واستهزأ ببيان الخارجية المصرية وتحليلا لوصفه حميدتي بقائد المليشيا، قال محمد عثمان إن الأقمار الصناعية سوف تكشف كل شيء، واتهام حميدتي سيعقبه تقرير مفصل عن حركة الطيران الحربي المصري من جهات دولية، ناصحا من يريد معرفة الحقيقة بعدم الاستعجال.
وعرض الباحث سيف الإسلام عيد، نفي الخارجية المصرية، وعلق عليه قائلا: "ليه بقى النكد ده"، وذلك بعدما احتفى بتصريح حميدتي عن تدخل الجيش المصري وراءه أفضل ما فعله في الـ11 سنة الماضية.
ونقل أحد المغردين، عن محللين مصريين قولهم إن بيان الخارجية الذي وصف الدعم السريع لأول مرة بالمليشيا قد يكون إيذانا ببدء تحالف جديد مع الجيش السوداني ودعمه حتى التخلص من قائد المليشيا؛ إذ أكد السيسي في أكثر من مناسبة عدم قبوله لوجود المليشيات على الحدود.
وعرض محمد قاسم مشهد من أحد الأفلام المصرية يسخر من النفي المصري.
وذكر إيهاب شيحة بأن الخارجية المصرية أو المتحدث العسكري لا يعلقون على أي حدث إلا بعد وقت طويل، مرجعا إصدار الخارجية بيانا لنفي كلام حميدتي بعد دقائق من قوله حتى لا يغضب الكفيل الإماراتي الدعم لنظام السيسي.
وأوضح علي الكناري، أن مخاطبة حميدتي بقائد مليشيا هي لغة تتطابق تماما مع خطاب البرهان والإسلاميين الذين يديرون الحرب وتخفي الكثير.
مذكرا بأن كل الدول بما فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا ومجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية تخاطبه بقائد قوات الدعم السريع إلا مصر وبورتسودان فقط استخدمتا كلمة قائد مليشيا.