المقاومة الشعبية في السودان.. هل تكون الحل الأخير لمواجهة حميدتي؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

شهد السودان في 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، واحدة من أكثر الفصول شراسة وحسما في المعارك الدائرة بين قوات الجيش السوداني ووحدات الدعم السريع "المتمردة" أو ما يطلق عليها مليشيا "الجنجويد".

وفي ذلك التاريخ، سقطت في يد قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة الإستراتيجية، واجتاحت عاصمتها "ود مدني"، بعد الانسحاب المفاجئ للجيش. 

بعدها ارتكب "الجنجويد" انتهاكات واسعة من اغتصاب للنساء ونهب وسلب وقتل وتنكيل للمدنيين، مما دفع قطاعات كبيرة من المواطنين إلى تشكيل "المقاومة الشعبية المسلحة"، وذلك للدفاع عن أعراضهم وأنفسهم وممتلكاتهم المستباحة.

وسرعان ما أطلقت دعوات استنفار وتدريب وتسليح للمواطنين في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وسنار والقضارف ونهر النيل والشمالية وكسلا والبحر الأحمر تحت مسمى "المقاومة الشعبية المسلحة".

ووصل الأمر أن نظم بعض حكام الولايات والقيادات العسكرية في مناطق سيطرة الجيش العسكرية لقاءات جماهيرية تصدرتها قيادات شعبية وقبلية، لحث المواطنين على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم.

وعلى رأس من نظم الدعوات قبائل رفاعة والشكرية والكواهلة والجعليين والبجا والرشايدة، الذين أعلنوا حمل السلاح، وحذروا قوات الدعم السريع من مغبة الانتهاكات.

وطالبت القبائل بالكف عن قتل المواطنين ونهب ممتلكاتهم، ودعت أبناءها إلى مواجهة المعتدين.

ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بزعامة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حربا خلّفت أكثر من 12 ألف قتيل وما يزيد على7 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

ترحيب البرهان 

ولم تكن تلك الدعوات الأخيرة فردية أو بدافع قبلي فقط، بل ساهم فيها قائد الجيش بنفسه، الذي أعلن في 5 يناير/كانون الثاني 2024، عبر كلمة له أمام الفرقة 15 بالقوات المسلحة السودانية، أنهم سيقاتلون الدعم السريع "حتى تنتهي أو ننتهي". 

وتحدث البرهان عن "تسليح المقاومة الشعبية بأي سلاح لدينا". وقد استجابت العديد من القوى السودانية لإشارات البرهان.

ففي اليوم التالي، أعلن رئيس حركة تحرير السودان مصطفى تمبور أن "الشعب السوداني سيتطوع للقتال إلى جانب القوات المسلحة".

وقال في مؤتمر ضم أفراد حركته إن "عشرات الآلاف ذهبوا إلى قيادات الفرق العسكرية في الخرطوم والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار لخوض المعركة الفاصلة مع مليشيات الدعم السريع".

وأضاف أن "المقاومة الشعبية المسلحة ستدحر هذه المليشيات ما سيساعد القوات المسلحة على خوض المعارك المباشرة مع الدعم السريع في ميادين القتال بعيدا عن المدنيين".

وكان حاكم ولاية نهر النيل محمد البدوي، قد قال أمام آلاف من مواطني مدينة شندي، إنهم سيدربون الشباب على حمل السلاح.

فيما تعهد قائد سلاح المدفعية اللواء محمد الأمين في 26 ديسمبر 2023، بأنه سيفتح مخازن الأسلحة لتوزيعها على المتطوعين.

وفي لقاء بمدينة سواكن الساحلية، أعلن حاكم ولاية البحر الأحمر مصطفى محمد نور تدشين "المقاومة الشعبية المسلحة"، وأكد جاهزية مواطني ولايته للدفاع عن منطقتهم.



بيعة دم 

ومن أبرز الذين انضموا للمقاومة الشعبية ضد الدعم السريع، محمد الأمين زعيم قبائل البجا التي يقدر تعدادها بنحو مليوني إنسان وتوجد في شرق السودان.

وقال الأمين في الأول من يناير 2024، أمام آلاف من رجال القبيلة إن "زمن المفاوضات مع الدعم السريع انتهى"، وإنهم "جاهزون لحمل السلاح لدحر التمرد، وسيكون الشرق مقبرتهم إذا حاولوا مهاجمته".

وفي منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا، دعا عيد الزين ناظر قبيلة "اللوحين" المسيطرة على تلك البقعة انطلاق المقاومة الشعبية.

ونظم الزين حشدا كبيرا خاطب من خلاله جموع القبيلة، وقال إن "الانتهاكات الجسيمة" التي ارتكبتها قوات الدعم كانت الدافع للخروج.

وأعلن تقديم 20 ألفا من شباب القبيلة لما أسماها معركة الكرامة والدفاع عن الوطن والشرق.

كما قدم ما أسماها "بيعة الدم" لقائد الجيش باسم قبيلة اللحوين في السودان. وشدد على أن المقاومة الشعبية هي التي ستحسم المعركة ضد قوات حميدتي. 

وفي 8 يناير 2024، كشف رئيس لجنة الإسناد الشعبي للجيش السوداني ياسر الفاضلابي في كلمة ألقاها بولاية نهر النيل خلال التجمع الحاشد جاهزية أكثر من 30 ألف شاب بالولاية، حيث تم تدريبهم في 210 معسكرات تمهيدا لمشاركتهم في الدفاع عن الولاية.

وقد اتهم قوات الدعم السريع بالإصرار على الهجوم على المناطق السكنية دون مواجهة الجيش السوداني.



تورط الإمارات 

ولم يخف قادة الجيش خلال دعوتهم إلى استنهاض المقاومة الشعبية تورط دولة إقليمية فيما وصلت إليه أوضاع السودان.

ففي 26 ديسمبر 2023 أعلن ياسر العطا مساعد قائد الجيش السوداني، أن هناك دولة في الإقليم ساهمت بإرسال إمداد عسكري لقوات الدعم السريع، بتواطؤ مع بعض القادة النافذين في دول الجوار.

بعدها كتب الصحفي السوداني الهندي عز الدين، عبر صفحته الخاصة بموقع "إكس" في 15 يناير 2024، قائلا: "9 أشهر على دخول شحنات السلاح من الإمارات وتشاد وانتشاره في أيدي الجنجويد النهابة القتلة مغتصبي الحرائر". 

ويبدو أن دعوات الاستنفار الشعبي ألقت بصداها على قائد الجنجويد حميدتي الذي صرح في الأول من يناير 2024، بأن قواته مصممة وقادرة على ملاحقة من أسماهم "الانقلابيين المستنفرين الذين يدقون طبول الحرب".

وتابع "بعد شهور من الانتصارات العسكرية المتواصلة، وهزيمة العدو في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة، يجب عليهم الإقرار علنا بأنهم خسروا هذه الحرب وفشلوا فيها".

وتابع أن "عليهم التوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد والتمهيد لإنهاء الحرب وبدء العملية السياسية". 

وخلص تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أخيرا إلى أن الإمارات تؤجج الحرب الدائرة بالسودان منذ أبريل 2023، ولها دور رئيس في استمرار القتال.

الصحيفة الأميركية قالت إن الإمارات تدعو علنا لتسوية سلمية في السودان، ولكنها تغذي الحرب سرا، وتنقل من قاعدة بعيدة في تشاد، الأسلحة وتقدم العناية الطبية لجانب من الصراع المتصاعد في السودان.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأدلة تؤكد دعم الإمارات قوات "الدعم السريع"، القوة شبه العسكرية المرتبطة بجماعة فاغنر الروسية المتهمة بارتكاب جرائم، لافتة إلى أنها تخوض حربا ضد الجيش النظامي.

 

معركة الإنقاذ

واعتبر السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي أن "لجان المقاومة الشعبية" تخوض معركة الإنقاذ الأخيرة للسودان الذي "إما أن يكون دولة قائمة أو شبه دولة تتقاسمها المليشيات وتتحكم فيها القوى الخارجية لا سيما الإمارات التي تسببت في كل تلك الفوضى". 

وقال عبد العاطي في حديثه لـ"الاستقلال": إن المقاومة باستنفارها الحالي تنفذ مجرد ردة فعل على فشل الجيش في حمايتهم، ولما رأوه من انتهاكات (الجنجويد) في مناطق انتشارهم". 

وأضاف: "اغتصاب النساء وقتل الرجال والشباب وأخذ الأراضي والبيوت، دفع المواطنين لحمل السلاح وحماية أنفسهم، فالأمر خرج حتى عن قدرة أي حزب سياسي أو قبيلة أو جهة تنظيمية على تبنيها، فهي هبة شعبية طبيعية وتلقائية". 

واستطرد: "أخطأ من يظن أن المقاومة الشعبية تمثل مزيدا من اشتعال التوتر في السودان، أو أن الصراع من أساسه حرب أهلية، بل تصد واضح لغزو أجنبي".

وذكر أن "الجنجويد جاؤوا بكثير من عناصرهم من خارج السودان وسلحوهم ليقتلوا الشعب السوداني، فكثير من أفراد ذلك الجيش الأجنبي من (النيجر وتشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى وتنزانيا ومن أطلق عليهم عربان الشتات)".

وكشف السياسي السوداني أن تشكيلات المقاومة باتت تنتشر بكثافة في كل المدن والولايات التي لا تزال تحت سيطرة الجيش وعددها 12، فضلا عن وجودها أيضا في ولايات الدعم السريع حيث باتت تخوض معارك حقيقية لتحريرها.

وأتبع أن أهم دور لهم حاليا هو الدفاع عن الأحياء المدنية والمنازل حتى لا تسقط مزيد من الأماكن في يد المليشيات.

وأردف أن مهمة الجيش تتركز في الدفاع عن المعسكرات والمواقع العسكرية، إضافة إلى تنفيذه عمليات استعادة المواقع التي سقطت في يد المليشيات

وأقر عبد العاطي أن الجيش أسهم في التحشيد للجان المقاومة، وأن تنظيم تلك العملية يجرى تحت إشراف كبار ضباطه.

وشدد أن من مظاهر لجان المقاومة الجديدة أن أغلب عناصرها من العسكريين المتقاعدين، الذين عملوا في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية والشرطية.

لذلك من المنتظر أن تغير مسار الحرب الحالية، وتستطيع إنجاز الكثير من المهام وتحرير الولايات المحتلة، وفق تقديره.