عدنان تانريفردي.. مستشار "أردوغان" العسكري صاحب حلم القوة الإسلامية الموحدة

داود علي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في يوم 4 أغسطس/ آب 2024، رحل رائد الصناعات العسكرية التركية، ورئيس شركة سادات (SADAT) للاستشارات والتدريب العسكري في مجال الدفاع، عدنان تانريفردي، عن عمر ناهز 79 عاما، بعد معاناة مع مرض السرطان.

ووري جثمان العسكري التركي في مقابر منطقة "أيوب سلطان" بإسطنبول، بعد جنازة مهيبة حضرها والي إسطنبول داود غول، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية علي إحسان يافوز، وبرلمانيون من حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، منهم وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو.

ولم يكن تانريفردي بالرجل العادي في مسيرته، لكونه عسكريا تركيا خرج من رحم الجيش التركي، بميول إسلامية، ومن المعروف أن المؤسسة العسكرية التركية، هي حامي حمى العلمانية في البلاد.

كما أنه شغل (سابقا) منصب المستشار العسكري للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أولاه ثقة كبيرة، إضافة لمساهمته القوية في ترسيخ الصناعات الدفاعية وتطويرها. 

وفاة عدنان تانريفردي أحدثت جدلا في الأوساط الإعلامية التركية، فبينما حزنت الأوساط الإسلامية والمحافظة، أظهرت الأحزاب ووسائل الإعلام العلمانية فرحا في موته.

كذلك احتفت دولة الاحتلال الإسرائيلي برحيل تانريفردي، بعد أن اتهمته بدعم المقاومة، والسعي إلى تأسيس ميليشيات إسلامية، وهو ما خلف سؤالا مفاده، لماذا أقلق تانريفردي في حياته تلك الأحزاب والحركات ومن قبلهم إسرائيل؟. 

تانريفردي في سطور 

ولد عدنان تانريفردي يوم 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1944، في مدينة "أكشهير" بولاية قونية، وسط الأناضول، وهي الولاية ذات الطابع الإسلامي المحافظ، ومن معالمها التاريخية ضريح "نصرالدين هوجا"، الشخصية الفكاهية المشهورة بـ"جحا".

درس تانريفردي المراحل الدراسية من الابتدائية إلي الثانوية في أكشهير.

وفي عام 1962، التحق بجامعة اسطنبول، ليدرس في كلية العلوم قسم علم الحيوان لمدة سنة واحدة.

وفي العام الدراسي 1963 التحق بالكلية الحربية التركية، ليتخرج فيها يوم 30 أغسطس/ آب 1966، ويبدأ مشواره العسكري كضابط في سلاح المدفعية. وفي عام 1967 تخرج من الدورة الأساسية لضباط مدرسة المدفعية والصواريخ وحصل على المركز الثاني.

ثم رقي إلى رتبة ملازم أول عام 1970 وإلى رتبة نقيب عام 1973.

وقد شغل عدنان تانريفردي عديد من المناصب داخل القوات المسلحة التركية، منها قائد في لواء المشاة الثالث والعشرين.

وقائد كتيبة المدفعية الثامنة بـ "إسطنبول"، وفي فوج مدفعية فرقة المشاة العاشرة بـ"تاتفان"، وفي مقر لواء التدريب الخاص الثامن والخمسين، وكتيبة المدفعية الأولى بـ "بوردور". 

كما شغل منصب قائد سرية ضباط الاحتياط في فوج مدرسة المدفعية والصواريخ بـ "أنقرة". 

وشغل تانريفردي، بين عامي 1976 و1978، منصب ضابط أركان، في 1980 تخرج من دورة خاصة بأكاديمية القوات المسلحة.

ليصبح بعدها في منصب مدير فرع الاستخبارات ونائب رئيس الأركان في قيادة فرقة المشاة الثانية (Ada pazarı).

وعمل كذلك كعضو هيئة تدريس في أكاديمية الحرب البرية، ومدير فرع اللوجستيات والعمليات في إدارة الحرب الخاصة في هيئة الأركان العامة، إلى أن بلغ منصب نائب رئيس الأركان.

في 30 أغسطس 1987 جرت ترقيته إلى رتبة عقيد، قبل أن يلتحق بالأكاديمية العسكرية مرة أخرى ليحضر دورات التطور الخاص، ثم الدورة الأساسية الفرنسية والدورة العسكرية غير النظامية.

وبين عامي 1986 إلى 1988 شغل منصب رئيس منظمة الدفاع المدني للجمهورية التركية لشمال قبرص، وكعضو عسكري ونائب رئيس الغرفة الأولى للمحكمة الإدارية العسكرية العليا.

وفي عام 1990 تم تعيينه قائدا لفوج مدفعية الفيلق الثامن بـ "ملاذ جيرت". وأثناء وجوده في هذا المنصب، تمت ترقيته إلى رتبة عميد في 30 أغسطس 1992.

بعدها شغل منصب قائد اللواء المدرع الثاني في منطقة "كارتال" بإسطنبول، لمدة ثلاث سنوات بين عامي 1992 و1995.

خلفية إسلامية

كان آخر منصب شغله عدنان تانريفردي، هو رئيس إدارة الصحة في القوات البرية بين عامي 1995 و1996.

وفي 30 أغسطس 1996 تمت إحالته للتقاعد، لكن تم الترويج وقتها أن تقاعد تانريفردي، بسبب ما يطلق عليه داخل المنظومة العسكرية "الأنشطة الرجعية".

وتعني وجود ميول إسلامية ودينية لدى الضابط، وهو أمر كفيل بإنهاء مستقبل الشخصية العسكرية داخل الجيش المخول بحفظ مبادئ أتاتورك العلمانية. 

وفي 30 مايو/ أيار 2004، شارك تانريفردي رفقة مجموعة من الضباط وضباط الصف المتقاعدين، أو الذين تم فصلهم من الجيش، في تأسيس جمعية المدافعين عن العدالة "ASDER".

في الفترة من 2004 إلى 2009 نشط تانريفردي من خلال جمعيته، التي أسهمت بقوة في تعزيز أفكار إلغاء الوصاية العسكرية وتعزيز الديمقراطية.

ثم بدأت أفكاره لإعادة هيكلة الجيش التركي في الظهور من خلال أبحاث ودراسات، جمعية مركز البحوث الإستراتيجية (ASSAM).

وقتها أجرى تانريفردي دراسات حول كيفية تشغيل الشركات الأميركية الخاصة التي تقدم الاستشارات في مجال الإستراتيجية العسكرية والتدريب والتسليح. 

 

تأسيس سادات

في 28 فبراير/ شباط 2012، اتخذ العميد متقاعد عدنان تانريفردي، واحدة من أهم الخطوات في مسيرته عندما أسس شركة الاستشارات والتدريب العسكري في مجال الدفاع، سادات (SADAT).

فالشركة التي يقع مقرها في منطقة "بيلك دوزو" في مدينة إسطنبول، تأسست برأس مال قدره 643 ألف ليرة تركية.

كما ساعد نحو 23 ضابطا متقاعدا من القوات المسلحة التركية، تانريفردي، في تدشين مشروعه الأهم والأضخم.

وأعلنت الشركة عبر موقعها الرسمي تقديم خدمات مثل التدريب العسكري والداخلي، والاستشارات الدفاعية وشراء الذخيرة على الساحة الدولية.

لكن المهمة الأسمى التي شددت عليها "سادات" بشكل علني، هي "خلق بيئة للتعاون في مجال الدفاع والصناعة الدفاعية بين الدول الإسلامية".

مع تمكين العالم الإسلامي أن يصبح قوة عسكرية مكتفية ذاتيا من خلال تقديم الخدمات في مجالات تنظيم القوات المسلحة والأمن الداخلي.

وهو الأمر الذي طالما عبر عنه "تانريفردي" في أحاديثه، وقال إنه استلهمه من الزعيم الإسلامي التركي، رئيس وزراء البلاد الراحل، نجم الدين أربكان، في أن يعمل على أخذ العالم الإسلامي مكانه الصحيح بين القوى العظمى في العالم.

الانقلاب العسكري 

لكن على المستوى العملي كان لـ"تانريفردي" وشركته "سادات" إسهامات ضخمة ومؤثرة. 

فالشركة تقول إنها قدمت الخدمة لـ 20 دولة إسلامية في مجال التدريب والاستشارات الأمنية، والتدريب العسكري، منها الصومال وليبيا وجيبوتي والسودان.

في 2015 تحدثت الصحف التركية أن شركة "سادات" كان لها دور بارز في القضاء على التمرد الذي قام به تنظيم حزب الشعب الكردستاني بي كا كا (مصنف إرهابيا داخل تركيا)، في مدن جنوب شرق تركيا بعد أن أعلن حكما ذاتيا فيها.

لعبت الشركة دورها الأكبر في مساعدتها للتصدي للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا يوم 15 يوليو/ تموز 2016. 

وتحدثت تقارير صحفية تركية مثل "سوزجو" و"هابر ترك" أن الشركة ساهمت في تسليح عناصر أمنية للتصدي للقوات الانقلابية، التي كانت تحاول السيطرة على المؤسسات الرسمية في إسطنبول وأنقرة. 

الذي يؤكد على ذلك أن الرئيس أردوغان أصدر قراره في أغسطس 2016، بتعيين عدنان تانريفردي، كمستشار عسكري كبير، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى تقدم باستقالته منه عام 2020. 

إسرائيل والمعارضة

دخلت شركة "سادات" برئاسة "تانريفردي" في صدام مباشر مع إسرائيل، في فبراير/ شباط 2018، عندما اتهمت دولة الاحتلال، الشركة التركية بالمساهمة في تعزيز قوة حماس العسكرية من خلال دعمها للمقاومة عسكريا وماليا. 

بعدها اتهمت روسيا الشركة بأنها هي التي تسوق للسلاح التركي في دول العالم الإسلامي وأنها شحنت قرابة 10 آلاف قطعة من الأسلحة "مركبات مدرعات، قاذفات صواريخ، طائرات مسيرة"، إلى حكومة الوفاق الوطني في ليبيا.

أما السبب الرئيس للخصومة بين المعارضة وشركة "سادات" تحديدا، فتعود إلى الاتهامات ضد مؤسس الشركة تانريفردي، بأنه هو من أشار لـ أردوغان بالتحول للنظام الرئاسي لمنع أي انقلاب مستقبلي للجيش.

تطور الأمر بين "سادات" والمعارضة في آتون معركة انتخابات الرئاسة التركية الشرسة التي حسمها أردوغان بالفوز يوم 28 مايو 2023. 

فقبلها بأشهر قليلة وضعت المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، وزعيمه (آنذاك) كمال كليجدار أوغلو، شركة سادات على جدول أولوياتها

حيث قام مرشح المعارضة، بزيارة مفاجئة لمقر الشركة، وأعلن لوسائل الإعلام التي رافقته، أتيت إلى هنا لكنهم أغلقوا الباب بوجهي.

ثم توعدهم قائلا: "لا تستعجلوا ولا تنسوا في هذا البلد يوجد حزب اسمه CHP"

في نفس التوقيت دعمت ميرال أكشنار زعيمة حزب "الجيد"، حينها كليجدار أوغلو، وقالت: "إن سادات يوجد لديهم معسكر تدريب في قونيا".

وهو الأمر الذي رد عليه رئيس الشركة الحالي "مليح تانريفردي" نجل عدنان، ووصف التهم بأنها ترديد لما تقوله جماعة فتح الله كولن الانقلابية، المصنفة إرهابية.

وقال: إن الادعاء التركي فتح تحقيقا بالقضية في 2018 وعندما لم يجد دليلا استدعى الصحفيين، الذين قالوا إنهم سمعوا ذلك من أكشنار، وعندما سأل الادعاء أكشنار عن مصدر ادعاءاتها رفضت الحديث. 

أفكار تانريفردي 

وبالحديث عن طبيعة أفكار وتصورات عدنان تانريفردي، فإن "مؤتمر الاتحاد الإسلامي" الثالث الذي عقده مركز البحوث الإستراتيجية (ASSAM) بمدينة إسطنبول في ديسمبر/ كانون الأول 2019، يصور جزءا من تلك التصورات.

حينها تحدث تانريفردي في المؤتمر عن ما أسماه نموذج "دستور اتحاد الدول الإسلامية".

وأشار إلى اسم الدولة الجامعة لذلك الاتحاد بـ "آسريقا"، ويعتي قارتي آسيا وأفريقيا، حيث تقع البلدان الإسلامية في الغالب، وقال إن شكلها هو جمهورية كونفدرالية.

ووفق النموذج الدستوري الذي أعلن عنه تانريفردي، يخضع اتحاد الدول الإسلامية، لنظام الفصل بين السلطات والنظام رئاسي.

وشدد أن عاصمتها ستكون إسطنبول ولغتها الرسمية هي العربية، كما أضاف تانريفردي، أن تكوين الوحدة الإسلامية هو ضرورة العصر.

وقال: "إن الدول الإسلامية تحتاج إلى التجمع تحت وصية، ولهذا يجب إنشاء وزارة الوحدة الإسلامية في حكومات الدول الإسلامية".

كما شدد على أهمية توفير اتحاد اقتصادي نقدي خلال المؤتمرات، وإنشاء عملة إلكترونية إسلامية باسم "آسريقا دينار".