توقيفات بالآلاف.. هل تعلن حكومة المغرب العام الدراسي "سنة بيضاء"؟
تواصل الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش إدارة ملف أزمة التعليم وإضراب الأساتذة، بنهج "يزيد من الاحتقان"، وآخره اختيار إجراءات "التوقيف عن العمل" بحق آلاف الأساتذة.
وذكرت هيئات خاصة بالمعلمين، أن عدد الأساتذة الذين تم توقيفهم بلغ أكثر من 3 آلاف، مما دفع بأحزاب وبرلمانيين وفاعلين إلى التعبير عن "رفض هذه الخطوة"، ودعوة الحكومة ووزارة التعليم إلى "التراجع عنها".
وتأتي هذه التوقيفات بعد مذكرة أصدرتها الوزارة المعنية في 4 يناير/كانون الثاني 2024، موجهة إلى مسؤوليها في ولايات المملكة، "لاتخاذ الإجراءات الضرورية لتأمين الحصص الدراسية بمختلف المؤسسات التعليمية العمومية".
ودعت الوزارة مديري الأكاديميات التابعة لها إلى "العمل بالحزم والصرامة، بتنسيق مع السلطات المحلية، على اتخاذ الإجراءات كافة التي تتيحها الضوابط التنظيمية والقانونية الجاري بها العمل للتصدي لكل الأفعال التي تعيق التعليم، وعدم التساهل مع أية ممارسة من هذا القبيل".
ويواصل الأساتذة إضرابات أسبوعية منذ بداية الموسم الدراسي الحالي 2023/2024، للمطالبة بعدد من الحقوق، وعلى رأسها تحسين ظروف العمل والرفع من الأجور.
ورفض عدد من الأساتذة تسلّم قرارات التوقيف عن العمل، التي تتولى تبليغها المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية "لعدم قانونيتها"، في حين تسلّمها آخرون على أساس الطعن فيها أمام القضاء الإداري.
إجراء مرفوض
وأكدت البرلمانية سلوى البردعي، أن التوقيفات التي لجأت لها وزارة التربية الوطنية بحق عدد من رجال ونساء التعليم "مرفوضة"، وأن أسلوب العقوبات الذي تنهجه الوزارة مرفوض أيضا.
وشددت البردعي في حديث لـ"الاستقلال"، على أنه "لا يوجد أي أساس دستوري لهذه العقوبات، كما أنها تفتقد إلى المرجعية القانونية".
ودعت البرلمانية وزارة التربية الوطنية إلى "الحوار والاستماع لتنسيقيات الأساتذة، ولكل من يريد الحوار من أجل هدف أسمى وأكبر، ألا وهو مصلحة الوطن، وعودة التلاميذ إلى الأقسام، وعودة الأمن والأمان للأسر".
ونبهت البردعي إلى أن "الأسر المغربية خائفة من ضياع مستقبل أبنائها، مما جعلنا أمام واقع يتطلب التدخل السريع لإيقاف النزيف، ووقف هدر الزمن المدرسي".
ورأت أن "قطاع التعليم حاضر في جميع النقاشات العامة والخاصة"، مشيرة إلى أن "ملف النظام الأساسي (مشروع القانون الذي رفضه المعلمون) أخذ حيزا زمنيا كبيرا على مستوى التدبير، وأدى إلى هدر الزمن المدرسي بسبب ما جاء فيه من عقوبات ومن تعويضات مجحفة للأساتذة".
وأمام هذا الوضع، قالت البردعي إن "الحكومة ضيعت سنتين من الحوار الاجتماعي، بعد أن جاءت بهذا النظام الأساسي المرفوض، والذي خلقت به إشكالات ونقاشا واسعا داخل الأسر المغربية، في ظل معاناة ستة ملايين تلميذ وخوفهم من ضياع السنة الدراسية الحالية".
وتساءلت البردعي عن الطريقة التي ستعالج بها الوزارة "مخلفات الأزمة الحالية على مستوى المناهج، والامتحانات، وضياع مصاريف ونفقات الأسر، وكذا كيفية استرجاع ما ضاع من السنة الدراسية"، معبرة عن أملها "في الوصول إلى حل نهائي لهذه الأزمة الكبيرة في قطاع التعليم في أسرع وقت".
ورغم توصل الحكومة المغربية ونقابات قطاع التعليم لاتفاق في27 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد 10 أسابيع من إضراب المعلمين عن العمل، إلا أن بعض "التنسيقيات" لا تزال مستمرة في الإضراب.
والتنسيقيات هي تكتلات تعمل عمل النقابات، إلا أن الاختلاف بينها أن النقابات لها رخص قانونية، ما يسمح لها الجلوس على طاولة المفاوضات، عكس التنسيقيات.
وفي 27 ديسمبر، تضمن الاتفاق بين الحكومة ونقابات التعليم "زيادات في أجور وتقاعد المعلمين بحسب فئاتهم، مثل منحة سنوية للعاملين في مناطق نائية بنحو 5000 درهم (500 دولار)"، وفق بيان مشترك صادر عن الطرفين.
كما تضمن الاتفاق حذف "عقوبات نص عليها (مشروع) القانون"، بالإضافة إلى "إضفاء صفة الموظف العمومي على العاملين بقطاع التربية الوطنية كافة"، ما يعني حذف صفة "المعلمين المتعاقدين".
تأزيم الوضع
عدد من البرلمانيين عبروا خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، في 8 يناير 2024، عن رفضهم للتوقيفات المعلن عنها من لدن الوزارة.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عبدالله بووانو، أن التوقيفات التي قامت بها الوزارة بحق الأساتذة والأستاذات "غير دستورية وستؤجج وستؤزم الوضع".
وقال بووانو وفق ما نقل موقع "العدالة والتنمية" في 8 يناير، مخاطبا وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى إن "هذه التوقيفات لن تحل المشكلة".
واسترسل: "أتفهم حرجكم السيد الوزير، لكن، لقد ضيعنا سنتين وشهرين من الحوار، وخرج نظام أساسي فيه إيجابيات لا ننكرها.. لكن هناك أيضا توقيفات".
وطالب بووانو الوزير بالتحاور مع التنسيقيات، مستدركا: "إذا لم تستطيعوا فسنتوسط لكم، ولكن لا يمكن أن تحلوا المشكل بالأمن وبالتوقيفات لاستئناف الدراسة، أرجوكم ثم أرجوكم أن تراجعوا هذه المقاربة".
وعن مكونات الأغلبية، قال عضو الفريق البرلماني لحزب الاستقلال، منصف الطوب، إن "الموسم الدراسي الحالي بدأ بمجموعة من المشاكل، التي طبع أغلبها هدرا للزمن المدرسي نتيجة احتجاجات وإضرابات موظفي التعليم".
وتساءل الطوب خلال الجلسة البرلمانية نفسها، عن الإجراءات والحلول التي تعتزم الوزارة اتخاذها لإنقاذ الموسم الدراسي، مبرزا أن "هذا الاحتقان والتشنج بين الوزارة الوصية والتنسيقيات إلى جانب أسرة التعليم لا يصب في مصلحة أي أحد".
وأضاف: "وهو ما يستدعي استئناف الدراسة بأسرع وقت ممكن، تفاديا لضياع التحصيل الدراسي، وإنقاذ مستقبل التلاميذ بصفتهم المتضرر الأول من هذا الصراع الذي مازال مستمرا".
بدوره، قال عضو فريق حزب "الأصالة والمعاصرة" بالبرلمان، سعيد أتغلاست، إن "استمرار هذا الاحتقان يهدد بسنة بيضاء"، داعيا إلى "تغليب صوت العقل والحكومة في هذا الملف، وتفضيل مصلحة التلاميذ وذلك بوضع حد لهذه الإضرابات".
وتساءل أتغلاست عن خطة الوزير إلى جانب الهيئات المعنية لـ"إصلاح هذه المشاكل، بما يضمن حقوق الأستاذة إلى جانب التلاميذ، وكذا كيفية تدبير هذا الوقت المتبقي من الموسم الدراسي، الذي شهد منذ بدايته إشكالات عدة حالت دون انطلاقه بالشكل المطلوب".
وفي رده عن أسئلة واستفسارات البرلمانيين بخصوص التوقيفات المشار إليها، تلافى وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى الرد عليها، وركز على أن "الإضرابات حق مشروع يكفله الدستور"، مشيرا إلى أن "القانون يؤكد على مبدأ الأجر مقابل العمل".
وشدد بنموسى على أن الحكومة تهدف بالأساس إلى عودة الأساتذة إلى الفصول الدراسية، لذلك حرصت على الاستجابة لأهم مطالب الشغيلة التعليمية من خلال حوار اجتماعي مسؤول ومنفتح.
وأضاف: "الحوارات السابقة أسفرت عن تحقيق العديد من المكاسب تهم الارتقاء بالأوضاع المادية والمهنية لنساء ورجال التعليم، خاصة تحسين الدخل والمراجعة الشاملة للنظام الأساسي".
ورأى بنموسى أن "الحكومة بذلت كل المجهودات الضرورية للتوصل لعدد من الحلول للاستجابة لمختلف المطالب، وخصصت لإنجاح الحوار الاجتماعي القطاعي اعتمادات مالية مهمة، يتوخى منها انخراط وتعبئة كل نساء ورجال التعليم من أجل الالتزام بمواكبة تنزيل إصلاح منظومة التربية والتكوين".
وفي ردها على جواب الوزير، قالت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، مليكة الزخنيني، إن "الأزمة الحالية عنوانها العريض هو فشل الوزير في معالجتها، رغم كل الإجراءات المتخذة".
ورأت أن "تدبير الشأن العام بدون رؤية سياسية يؤدي إلى الآفات".
وخاطبت الزخنيني الوزير قائلة: "ألا ترون أن الحل الوحيد المتبقي لحل هذه الأزمة هو طلب إعفائكم من مهامكم على رأس الوزارة وتقديم الاستقالة، بسبب فشلكم وعجزكم عن إرجاع القطار إلى سكته الصحيحة؟"
تصعيد مستمر
وأكد بيان صادر عن "التنسيق الوطني لقطاع التعليم" (يضم 24 هيئة نقابية وفئوية)، رفضه لقرار التوقيفات، مشددا على أنها "تعسفية وغير قانونية".
وذكر "التنسيق الوطني" في 8 يناير 2024، أن "خطوة الحكومة صعدت منسوب الاحتقان من داخل قطاع التعليم"، مبرزا أن "التوقيفات التي نالت الأساتذة فيها خرق سافر للقوانين".
وأعلن "استعداده لتقديم الدعم المادي والمعنوي لجميع الأساتذة والكوادر الإدارية الموقوفين"، كما أعلن "إدانته لأساليب التهديد والترهيب التي تنهجها الوزارة في تعاملها مع مطالب المكونات التعليمية".
وأكد التنسيق الوطني تحميله الوزارة والحكومة "المسؤولية فيما ستؤول إليه الأوضاع، واستمرار الاحتقان، في حالة عدم التراجع عن التوقيفات والاقتطاعات، واستعداده لخوض أشكال نضالية تصعيدية؛ تحصينا للموقوفين ودفاعا عن مطالب الشغيلة التعليمية".
من جانبها، وجهت فاطمة التامني، عن الفريق النيابي لفيدرالية اليسار الديمقراطي سؤالا كتابيا إلى الوزير بنموسى، تساءلت فيه عن "التدابير التي تعمل وزارته عليها من أجل وقف هذا الاحتقان ووضع حد للتوقيفات والاقتطاعات للشغيلة التعليمية".
وبحسب موقع "كيفاش" المحلي، في 07 يناير 2024، وصفت التامني هذه التوقيفات بأنها "تتنافى والوثيقة الدستورية التي تنص على الحق في الإضراب".
وبالنسبة لقرارات التوفيق الصادرة بحق الأساتذة، بأنها وفق خبراء قانون، لم تحترم مبدأ تدرّج العقوبة، التي تبدأ، كإجراء أول، بتوجيه استفسار إلى المعني بالأمر، ثم الإنذار، ثم الإحالة إلى المجلس التأديبي الذي يتخذ العقوبة المناسبة.
وينص الفصل 75 مكرر من "النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية" على أنه "باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن عمله يعد في حالة ترك الوظيفة، ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها هذا النظام الأساسي".
ووضع النص القانوني المذكور جملة من الشروط يتعين تطبيقها قبل توقيف الموظف المعني، حيث يوجه رئيس الإدارة إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة إنذارا لمطالبته باستئناف عمله، يحيطه فيه علما بالإجراءات التي يتعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله.
ويوجه هذا الإنذار إلى الموظف على آخر عنوان شخصي له مصرح به للإدارة، وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسلم.
وبحسب النص القانوني ذاته، إذا "انتهى أجل سبعة أيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله، فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في التقاعد أو العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد وذلك مباشرة وبدون سابق استشارة المجلس التأديبي".
وإذا تعذر تبليغ الإنذار، وفق المقتضى نفسه، "أمر رئيس الإدارة فورا بإيقاف أجرة الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة، وإذا لم يستأنف هذا الأخير عمله داخل 60 يوما ابتداء من تاريخ اتخاذ قرار إيقاف الأجرة وجب تطبيق عقوبة التوقيف، وفي حالة استأنف الموظف عمله داخل الأجل المذكور يعرض ملفه على المجلس التأديبي".