متطلبات الانفتاح.. لماذا تواصل الرياض تجنيس الإعلامين والفنانين المصريين؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

دخل الفنان المصري محمد هنيدي إلى مصفوفة "السعوديون الجدد" عندما غرد عبر صفحته بموقع "إكس" في 25 يناير/ كانون الثاني 2024، قائلا: الحمد لله ربنا أكرمني واتكرمت كتير في مسيرتي الفنية.. لكن أكبر تكريم اني اتشرفت وحصلت على جنسية وباسبور بلاد الحرمين الشريفين".

وأضاف "بالمناسبة بستغرب جدا من اللي بيهاجموا تكريم وتقدير العظماء من الفن.. لذلك شكرا لمعالي المستشار تركي آل الشيخ على تكريمه وتقديره للفن المصري والعربي". 

وكان ذكر هنيدي اسم رئيس هيئة الترفيه السعودية المستشار تركي آل الشيخ، يكمن في أنه السبب الرئيس في منحه وزملائه الجنسية السعودية، وفتح أجواء المملكة لهم من خلال حفلات هيئة الترفيه ومواسم الرياض. 

لكن الأهم أن "آل الشيخ" الذي يعمل تحت إمرة ولي العهد محمد بن سلمان، منح أخيرا بعض الإعلاميين والفنانين المصريين الجنسية السعودية، وباتت المملكة محط رحال لذلك القطاع.

فلماذا تهتم الرياض بمنح تلك الفئة من المصريين الجنسية السعودية؟ ولماذا يلعب تركي آل الشيخ الدور الأكبر في هذه العملية؟

السعوديون الجدد 

ومن أبرز المصريين الذين حصلوا على الجنسية السعودية في الآونة الأخيرة، الملحن خالد عز.

نشر عز فيديو على موقع "انستغرام" قال فيه: "زادني فخرا الحصول على الجنسية السعودية"، وأتبع: "لازم أشكر الأب الروحي لكل من على هذه الأرض وهو الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد وهيئة الترفيه والصديق والأخ العزيز على قلبي جدا المستشار تركي آل الشيخ". 

وكذلك حصل المايسترو هاني فرحات أيضا على الجنسية السعودية وهنأته الفنانة الإماراتية أحلام على المسرح في فعالية من فعاليات الرياض.

وقالت: "أحب أن أبارك للمايسترو السعودي هاني فرحات، وأحب أن أشكر كل أعضاء الفرقة الموسيقية وأشكر المستشار تركي آل الشيخ على مجهوده الكبير". 

وكذلك في 20 يناير 2024، أعلن المايسترو وليد فايد، حصوله على الجنسية السعودية، ووجه الشكر للهيئة العامة للترفيه بقيادة تركي آل الشيخ. 

كما تم الإعلان عن منح المطربة أنغام والمطرب تامر عاشور الإقامة الذهبية، بحسب ما نشرته صفحة "بينش مارك" عبر حسابها على موقع "انستغرام" في 26 يناير 2024.

تغريدة مثيرة 

وكان الأمر الذي أثار جدلا عن هذا العدد الممنوح من الجنسية السعودية لمشاهير مصريين، أن "تركي آل الشيخ" هو العامل المشترك بينهم جميعا.

حتى إنه سئل بشكل مباشر خلال لقائه مع عمرو أديب، على قناة "إم بي سي مصر" عن ذلك، فقال: "مين الفنانين اللي بنشتريهم.. خلال 4 سنوات، إيه اللي استفدناه غير المحتوى المقدم وإسعاد زوارنا من الفنانين".

وأضاف: "لا ترخصوا الناس ولا تحسسوهم أنهم سلعة يُباعوا ويُشتروا.. الناس مش كلهم كده.. لا تكثروا من ثقافة إن الإنسان بيروح علشان الفلوس".

وتابع: "صحيح الفلوس جزء مهم من المعادلة لكن إنت لو اتعرضت لك ربع الفلوس دي هتيجي جري.. بس مش هنعرضلك".

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فاجأ الإعلامي المصري عمرو أديب الجميع، حينما أعلن حصوله على الجنسية السعودية إلى جانب جنسيته المصرية، موجها شكره للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

وقال أديب في برنامج "الحكاية" الذي يقدمه على قناة "إم بي سي مصر": "أخيرا ومنذ فترة تم منحي الجنسية السعودية.. الآن أنا مواطن عندي جنسية مصرية وسعودية".

وأضاف: "لا أعرف أعدادا كبيرة من المصريين حصلوا على هذا التكريم، ولكن أنا سعيد به جدا.. أنا قضيت 30 عاما من حياتي الإعلامية في مؤسسات سعودية".

ومنذ ذلك الوقت دخل أديب في صراعات واشتباكات كلامية بسبب جنسيته السعودية، حتى إنه كتب تغريدة مثيرة في 23 يناير 2024، قال فيها: "تانى هتقولولى سعودى ايوه سعودى وافتخر.. هو انا اخدت الجنسيه الاسرائيلية أنا واخد جنسية بلد الحرمين جنسية الدولة اللى محتضنة ملايين المصريين جنسيه الحكم اللى ما اتخلى عن مصر او اي بلد عربى".

وأضاف: "وبعدين الجنسية مالها ومال الحق مالها ومال الوفاء مالها ومال التقدم والرقى.. سعودى مصري عربى مسلم وافتخر وكفايه تضييع وقت فى امور احنا فى غنى عنها". 

المركب غرقت

وعلق السياسي الكويتي سلطان الحربي، على ظاهرة منح الجنسية السعودية للمشاهير، قائلا عبر حسابه بموقع "إكس"، "بما أن مصر سقطت ومركبها غرق، وباتت الدول تأخذ أفضل وأبرع أبنائها، فإني أقترح أن تأخذ الكويت الطبيب الجراح الساحر الدكتور هاني عبدالجواد ليفتح عيادته عندنا، ونستفيد من علمه وإبداعه الكثير". 

لكن المعارض السعودي تركي الشلهوب ذهب إلى بعد آخر حين قال: "ابن سلمان يمنح الجنسية السعودية والإقامة الذهبية لعدد من الفنانين والفنانات.. ويواصل اعتقال هذين الشيخين الجليلين (سلمان العودة - عوض القرني) والمئات أمثالهما في السجون.. لم تشهد المملكة والجزيرة العربية أخس وأنذل من ابن سلمان". 

وفي 28 يناير 2024، كتب الصحفي المصري الساخر خالد حمزة، لصحيفة "المشهد" المحلية، مقالة بعنوان "الجنسية السعودية حلم المشاهير.. والفقراء سقف أحلامهم عقد عمل".

قال فيها: "لأن البحر بيحب الزيادة تسابق مئات من المشاهير: فنانين ورجال أعمال وخلافه للحصول على الجنسية السعودية؛ أو على أضعف الإيمان، الإقامة الذهبية الميمونة في بلاد الحرمين وثانية القبلتين".

وذكر أنه: "لا يكاد يمر يوم، إلا وتسمع عن واحد منهم، وهو يزف لك الخبر بسعادة وفخر. وعندما يسألونه: ولماذا؟ يجيب في جرأة يحسد عليها: وهو أنا يعني أخدت جنسية إسرائيل ويكتفي آخر بإجابة قاطعة: الجنسية السعودية شرف ما بعده شرف".

وتساءل الكاتب المصري: "هي حرية شخصية أن تختار أن تكون مصريا. وإن لم تكن.. لوددت أن تكون سعوديا، ولكن التساؤلات باقية: لماذا هذا التوقيت بالذات في الجري بسرعة الرهوان؟". 

وأجاب حمزة: "منا من استشرف مستقبلنا ومستقبله بالتبعية في هذا البلد الميمون: مصر، وعرف أن المقبل ليس بالضرورة هو الأفضل فقال: ياللا بقى أقفز من السفينة والحق نفسي، وأعيش لي يومين حلوين". 

ولربما صاغ الكاتب المصري جزءا من أسباب تهافت أولئك المشاهير على الجنسية أو سعيهم لها خفية، لكن أيضا الجانب الأبرز أن تركي آل الشيخ هو من ساهم في حصولهم عليها، وأن هناك أسبابا إستراتيجية جعلت المملكة تمنح هؤلاء تحديدا جنسيتها التي يصعب الحصول عليها.
 

القوة الناعمة 

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، علق الباحث المصري "محمد ماهر"على منح الجنسية السعودية لنخبة من فناني وإعلاميي مصر، قائلا: "الإطار الجديد الذي ترسمه المملكة لنفسها، يجعلها تسعى بقوة لحرق المراحل حتى تتزعم العرب ويكون لها اليد العليا في المنطقة".

وأردف: "عملت السعودية على شراء القوى الناعمة على طريقة المثل المصري الشهير (شراء العبد ولا تربيته)". 

وأضاف: "المملكة في العقود السابقة كانت قوتها الناعمة وتأثيرها يتمحور في الإطار الديني بوصفها زعيمة العالم الإسلامي السني، وكانت تحرص على رعاية وتصدير الفكر السلفي الوهابي إلى دول الجوار". 

وأتبع: "لكن المستجدات قلبت الموازين 180 درجة، حيث إن الاتجاه السائد الانفتاح الكامل نحو الفن والترفيه والرياضة ولا أبعد من ذلك فلا سياسة ولا ثقافة ولا فكر، لأن تلك الأمور مضادة للنظم الاستبدادية الأحادية، لكن لا مانع من الأشياء الأخرى". 

وأكمل الباحث المصري: "من الطبيعي في ظل تلك الأجواء أن تسعى المملكة لامتلاك جيش من الصحفيين والإعلاميين والفنانين يدينون لها بالولاء الكامل".

ومن هنا فقد اختارت مجموعة من أبرز الوجوه ومنحتهم الجنسية، والبقية الباقية أغرتهم بالإقامات الذهبية والأموال الطائلة. 

وأتبع: "ستكون وظيفة هؤلاء الترويج للمملكة دائما وأبدا، وخدمة سياستها وأهدافها والتكلم بصوتها، كما رأينا عمرو أديب الذي تحول إلى منظر ومجادل عن التوجهات السياسية للرياض، أكثر من الإعلاميين السعوديين الأصل".

واستطرد ماهر: "ولا يمكن إغفال مجموعة من الملاحظات عن حملة الجنسية السعودية الجدد، أن جميعهم أشخاص مقربون من تركي آل الشيخ، وجلهم فنانون وإعلاميون". 

ثم ذكر: "لكن الغريب أنه لم يحصل عليها (علماء - أطباء - مهندسون - مدرسون- رجال دين) قضوا جل عمرهم في المملكة وخدموا الشعب السعودي وتطبعوا بطبعه، ومع ذلك مازالوا يجددون إقامتهم، ولم يحلموا بالجنسية لأنهم يعلمون أنها مستحيلة ومستعصية".