رفض خامنئي للتفاوض مع ترامب.. حقيقي تمهيدا للحرب أم مناورة لتحسين الشروط؟

يوسف العلي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أثار الطريقان اللذان رسمهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للتعامل مع إيران، تساؤلات عديدة بخصوص كيفية تعامل طهران مع واشنطن، خصوصا في ظل رفض المرشد علي خامنئي الدخول في أي تفاوض مع الولايات المتحدة.

ومع عودة ترامب إلى إدارة البيت الأبيض بولايته الثانية في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، أعاد فرض سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، والتي تهدف إلى "خفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر" لحين الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ لحل الملف النووي.

طريقان اثنان

في 6 مارس/ آذار 2025، قال ترامب، إن "هناك طريقتين يمكن من خلالهما التعامل مع الجانب الإيراني: إما عسكريا، أو إبرام صفقة. أنا أفضل التوصل إلى صفقة؛ لأنني لا أسعى لإيذاء إيران". 

وأضاف ترامب خلال مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس" الأميركية، قائلا: "أفضل التفاوض على صفقة- لست متأكدا من أن الجميع يتفقون معي، لكن يمكننا إبرام صفقة ستكون جيدة تماما كما لو أنك انتصرت عسكريا".

وأشار إلى أن "أياما مثيرة في الطريق، هذا كل ما يمكنني قوله. أنتم تعلمون أننا في المراحل الأخيرة مع إيران"، من دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.

وأكد الرئيس الأميركي، أنه "بعث رسالة إلى المرشد  خامنئي، يحث فيها بلاده على التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة".

وقال ترامب: "آمل أن تتفاوض إيران" - وقد كتبت لهم رسالة أقول فيها: "آمل أنكم ستتفاوضون"؛ لأنه إذا اضطررنا إلى التدخل العسكري، فسيكون ذلك أمرا فظيعا بالنسبة لهم؛ لأنه لا يمكن السماح لهم بامتلاك السلاح النووي".

وخلال فترة ولايته الأولى، انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما مع إيران، 2005، ثم وجه عام 2020 باستهداف قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، مما أدى إلى مقتله، وهو ما أثار غضب طهران.

من جهته، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بعد اجتماع بين مسؤولين روس وأميركيين في السعودية، أن روسيا عرضت المشاركة في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.

وذكرت وكالة "بلومبرغ" في 4 مارس، أن روسيا وافقت على مساعدة إدارة ترامب في التواصل مع إيران بشأن قضايا مختلفة، منها برنامج طهران النووي ودعمها لوكلاء في المنطقة مناهضين للولايات المتحدة.

ونقل تقرير "بلومبرغ"، عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله: "روسيا تعتقد أن على الولايات المتحدة وإيران حل قضاياهما المشتركة من خلال المفاوضات، موسكو مستعدة لبذل كل ما في وسعها للمساعدة في تحقيق ذلك".

"التصدي للشيطان"

وعلى الجهة المقابلة، قال خامنئي، خلال اجتماع مع مسؤولين إيرانيين كبار إن العرض الذي تقدمت به واشنطن لبدء المفاوضات يهدف إلى "فرض رغباتها"، حسبما نشر على حسابه بمنصة "إكس" في 8 مارس.

وأضاف -دون أن يذكر ترامب بالاسم- أن "إصرار بعض الحكومات التي تمارس البلطجة على المفاوضات ليس لحل القضايا"، مشيرا إلى أن "المحادثات بالنسبة لتلك الحكومات هي سبيل لتقديم مطالب جديدة، الأمر لا يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية فحسب، قطعا لن تقبل إيران رغباتها".

وشدد المرشد الإيراني أن "طهران لن تتفاوض تحت ضغط من دولة متسلطة.. كما أنها لن تقبل أبداً مطالب كبح برنامجها الصاروخي"، مشيرا إلى أن بعض الدول التي وصفها بـ"المتنمرة" تريد فرض مطالبها على إيران.

وفي 7 فبراير، قال خامنئي خلال استقباله حشدا من قادة القوة الجوية التابعة للجيش الإيراني: إن التجربة أثبتت أن "التفاوض مع الولايات المتحدة ليس ذكيا ومشرفا ولا حكيما و إن المفاوضات مع الولايات المتحدة لن تحل مشاكل إيران"، حسبما نقلت وكالة "إرنا" الرسمية.

وفي السياق ذاته، كتب عضو مكتب خامنئي، مهدی فضائلی، في صحيفة "همشهري" في 7 مارس: "نحن وجميع العالم يجب أن نستغل هذه الفرصة لتحديد الشيطان الأكبر والتصدي لجشعه، وإلا فإنه سيصبح أكثر وقاحة ووحشية ويستمر في التهام أنحاء العالم".

من جهته، صرّح خطيب جمعة طهران، أحمد خاتمي، من على منبره إن "المرشد قال إن التفاوض مع أميركا ليس أمرا شريفا ولا حكيما، وبالتالي فإن التفاوض معها ليس في صالح الأمة الإيرانية. بل يعني الإذلال والاحتقار وفقدان الأصالة".

بدوره، أكد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أن بلاده لن تنتظر "رسالة من أميركا"، وأننا على قناعة أن "رفع العقوبات يمكن فقط في حالة أصبحت إيران قوية وتمكنت من إفشال مفاعيل تلك العقوبات".

وأكد قاليباف في كلمة له خلال جلسة للبرلمان الإيراني في 9 مارس، أنه يمكن من خلال استخدام الطاقات الداخلية "العظيمة" وتطوير علاقاتها الخارجية "الوصول إلى مكانة تجبر العدو على رفع العقوبات في إطار استمرار المفاوضات مع الدول المتبقية في الاتفاق النووي".

وشدد رئيس البرلمان الإيراني على أن "سلوك الرئيس الأميركي مع بقية الدول يظهر أن تصريحاته هي خدعة تفاوضية لنزع سلاحنا".

"تجرّع السم"

ومع إعلان خامنئي رفض التفاوض مع الولايات المتحدة، والتلويح الأميركي بالخيار العسكري إذا غابت طاولة المفاوضات، يرى المحلل السياسي الإيراني، جمشيد برزكر، أن الجانب الإيراني اعتاد على مثل هذه المواجهة، وبالتالي سيلجأ فيها إلى ذات الأدوات التي استخدمها سابقا.

ورأى الصحفي الإيراني المعارض خلال مقال نشره موقع "إيران إنترناشيونال" في 8 مارس، أن "الحقيقة هي أنه على عكس ما يقوله قادة النظام الإيراني ووسائل إعلامهم، فقد تفاوضوا دائما بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية".

وأوضح برزكر أن "إيران تفاوضت سابقا مع الولايات المتحدة حول أزمة الرهائن (الأميركيين) في السفارة الأميركية بطهران في الأعوام 1979 إلى 1980".

وأشار المحلل الإيراني إلى أنه "من الأمثلة الأحدث المفاوضات السرية في عُمان أواخر عهد محمود أحمدي نجاد (2005 إلى 2013) وإبراهيم رئيسي (2021 إلى 2024)، وربما تكون مفاوضات الاتفاق النووي استثناءً من حيث إنها لم تكن سرية".

وعلى مدى كل هذه السنوات، يضيف الكاتب، "حاولت إيران في كل ما أسمته دبلوماسية، أن تقدم أعمالها واتفاقياتها في صمت وظلام وخفاء، مثل الاتفاقيات الإستراتيجية التي وقعتها مع الصين وروسيا والتي لا يعرف أحد تفاصيلها".

وبسبب هذه الطبيعة التي يصفها المحلل السياسي الإيراني بـ"الإجرامية"، فإن "طهران لا تريد وتتجنب قدر الإمكان المفاوضات المباشرة والعلنية مع الولايات المتحدة الأميركية".

ورأى الكاتب أنه في حالة "لا تفاوض ولا حرب" التي يريدها خامنئي، فإن الدول الأوروبية قد سئمت وكأس صبرها قد فاض، خصوصا في ظل الضعف غير المسبوق وهشاشة النظام (الإيراني) الكاملة داخليا وإقليميا، والتحرك المتزامن نحو امتلاك الأسلحة النووية.

وعندما يقول ترامب: "يمكننا تحقيق اتفاق جيد مثل الفوز في الحرب. حان الوقت الآن وسيحدث هذا بأي طريقة"، فإن يد النظام الإيراني أصبحت مقيدة أكثر من أي وقت مضى لشرب كأس السم في زاوية مظلمة دون دفع تكاليف مثل هذا الهزيمة والاستسلام في علاقات النظام والشعب، وفقا للكاتب.

وخلص إلى أن "العقدة التي ألقاها خامنئي على هذا الخيط (المفاوضات)، ربما لن تُحل إلا بطريقتين: إما بقبول علني ورسمي لحقيقة أنه لا يمتلك ذكاءً ولا عقلًا ولا شرفًا، أو بفرض تكاليف باهظة وحتى غير قابلة للتعويض على إيران والإيرانيين عبر الحرب وتدمير البنية التحتية".

وفي السياق ذاته، قال سالم العيساوي، الضابط السابق في المخابرات العراقية، ومسؤول الشعبة الأميركية فيها سابقا، عبر منصة "إكس" في 8 مارس، إن حديث خامنئي عن أن "إيران لن تقبل تفكيك برنامجها الصاروخي"، يشير إلى قبول إيران بالتفاوض معها على أساس صفقة تفكيك البرنامج النووي مقابل الإبقاء على برنامجها الصاروخي".