تمتد لـ 10 سنوات.. الصومال يوقع اتفاقية دفاع تاريخية مع تركيا

في 21 فبراير/ شباط 2024، دخل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلي مقر قصره الرئاسي بالعاصمة مقديشو، معلنا لجموع الصحفيين المترقبين، أن "تركيا هي الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها لمساعدة الصومال في حماية مياهه الإقليمية، واستغلال موارده وإعادة تأهيل قواته البحرية".
إعلان الرئيس الصومالي خلال المؤتمر الصحفي جاء بعد ساعات قليلة من توقيع بلاده اتفاقية للتعاون الدفاعي مع تركيا، وصفت بـ "التاريخية".
ووصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري الاتفاق الدفاعي والاقتصادي مع تركيا بأنه "يوم تاريخي للبلاد"، وقال: "سيكون للصومال حليف حقيقي وصديق وأخ على الساحة الدولية".
وجاءت الاتفاقية في توقيت شديد الحرج لمقديشو، التي تعمل على حشد تأييد دولي لموقفها الرافض للاتفاق الموقع (مطلع يناير/كانون الثاني 2024) بين إثيوبيا وصومالي لاند (أرض الصومال).
والاتفاق المذكور يمنح أديس أبابا حق استخدام ميناء بربرة المطل على خليج عدن بالبحر الأحمر وإنشاء قاعدة عسكرية لها هناك، مقابل الاعتراف بها دولة مستقلة، تهدد أمن واستقرار الصومال.
وهو أمر عجل تعاون مقديشو وأنقرة بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعية بين الجانبين، بتقدير أن الصومال قنطرة للعبور نحو إفريقيا بالنسبة لتركيا.
وكان الرئيس الصومالي شيخ محمود قد لجأ إلى عدة دول إقليمية على رأسها مصر، لمساعدته ضد إثيوبيا، لكنه لم يلق نفس الاستجابة.
فما تفاصيل الاتفاقية التركية الصومالية؟ وكيف اختلفت عن الاتفاق المصري الصومالي؟
تفاصيل الاتفاقية
الاتفاقية التي قال عنها وزير الإعلام الصومالي داود أويس جامع في منشور عبر منصة "إكس": "إنها خطوة مهمة جدا في تاريخ العلاقات الدبلوماسية التركية الصومالية"، تمتد لـ 10 سنوات كاملة.
وصادق عليها مجلس الوزراء الصومالي تحت عنوان "اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحليف الوثيق للصومال".
الهدف الرئيس من الاتفاقية هو تعزيز بشكل كبير جهود مقديشو لحماية سيادتها، لا سيما البحرية.
ومن أبرز بنود الاتفاقية أنها تحمل تركيا مسؤولية تأمين المياه الصومالية ومكافحة الجرائم مثل الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر والقرصنة والتدخلات الاجنبية.
وفي حال حدوث أي انتهاك ستدافع أنقرة عن المياه الصومالية بنفس القوة التي تدافع عنها عن مياهها الإقليمية.
كذلك ستؤدي الاتفاقية إلى لعب تركيا دورا رئيسا في تعزيز الاقتصاد الأزرق (البحري) في الصومال، والذي يشمل استكشاف وتطوير الموارد البحرية في البلاد.
إضافة إلى البند المهم الخاص بعمل تركيا على تدريب وبناء القوات البحرية الصومالية، وتعزيز قدرة البلاد على حماية مياهها الدولية.
كما تنص الاتفاقية على حصول تركيا على 30 بالمئة من إيرادات المنطقة الاقتصادية المعروفة بمواردها الوفيرة.
وقال رئيس الحكومة الصومالية حمزة عبدي بري في كلمة أمام الوزراء في تسجيل مصور نشره مكتبه: "الاتفاقية تنهي مخاوف الصومال من الإرهاب، والقراصنة، وإلقاء النفايات في المياه الصومالية ومنع التهديدات والانتهاكات الخارجية في السواحل الصومالية".
وأشاد بري بالعلاقات مع تركيا، لافتا إلى أنها "صديق عزيز وموثوق".
يذكر أن الصومال يمتلك أطول السواحل على مستوى إفريقيا، حيث يبلغ إجمالي طولها 3,025 كيلومتر.
وتمتد المياه الإقليمية الصومالية إلى 200 ميل بحري داخل مياه المحيط الهندي، ما يعطي تركيا مزايا اقتصادية وإستراتيجية متعددة.
ويتمتع الصومال بعلاقات جيدة مع تركيا في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والإنسانية والأمنية منذ إعادة تأسيس العلاقات بين البلدين عام 2011.
أين مصر؟
تعليقا على الاتفاق، قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية إنه يهدف لردع جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر عن طريق منطقة أرض الصومال الانفصالية.
لكن توقيع الاتفاق التركي الصومالي طرح جدليات حول دور القاهرة التي سارعت فور توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، لأن تنتقدها وتلوح باتفاقية الدفاع العربي المشترك.
فلماذا لم تفعل مصر ذلك وهي أولى بالصومال عربيا وإقليميا من تركيا، إذ تقع مقديشو ضمن نطاق أمنها القومي.
ويرى محللون أن لجوء الصومال إلى تركيا ربما جاء بعد خذلان مصر والجامعة العربية للدولة العضو في الأخيرة.
كما جاء بعد اكتشاف رئيس الصومال أن التهديدات الكلامية التي أطلقها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وهو يستقبله في القاهرة، لم تتبعها خطوات فعلية تنفيذية تنقذ الوضع المتأزم
وكان السيسي قد أكد وهو يستقبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في يناير 2024 أن مصر لن تسمح بأي تهديد لدولة الصومال.
وجاء ذلك بعد أن قالت إثيوبيا إنها ستبحث فكرة الاعتراف باستقلال منطقة "أرض الصومال" المنفصلة عن مقديشو ضمن اتفاق سيتيح لأديس أبابا الاستفادة من ميناء بحري.
وقتها قلل المتحدث باسم خارجية إثيوبيا "ميليس آلم" من أهمية بيانات مصر والجامعة العربية بشأن اتفاق "أرض الصومال"، مستشهدا بما حدث في قضية سد النهضة
وذلك ردا على قول السيسي: "الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأي تهديد لها".
وتابع السيسي: "لن نسمح لأحد بتهديد الصومال أو بمس أمنها، محدش يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها، خاصة لو طلبوا منها التدخل".
وتتضمن اتفاقية الدفاع العربي المشترك 13 بندا، تشير إلى أن أي عدوان على أي دولة موقعة على البروتوكول يعد عدوانا على بقية الدول.
كما توضح الاتفاقية أن "أي مساس بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول يعد مساسا صريحا ببقية الدول الموقعة عليه".
ومع ذلك تجاوزت مقديشو 21 عاصمة عربية، ولجأت لأنقرة التي تحركت على الفور لحمايتها، بعيدا عن البيانات والخطابات العنترية.
الثقل التركي
وبالحديث عن مفارقات التحرك بين تركيا ومصر والعرب في الصومال، فإن أنقرة كان لها سبق قوي ودور متصاعد في مقديشو منذ أكثر من عقد كامل.
فـ "السفارة التركية في الصومال" هي أكبر بعثة دبلوماسية لأنقرة بالخارج، وفي أغسطس/ آب 2011، أجرى رئيس الوزراء آنذاك والرئيس التركي حاليا رجب طيب أردوغان زيارة تاريخية إلى مقديشو، مصطحبا معه كبار المسؤولين في الدولة، وأفراد أسرهم، فضلا عن جيش كامل من الأطقم الطبية والهندسية.
رغم أن البلد الإفريقي كان يئن من الصراعات المتتالية، والاقتتال الأهلي، وأوضاع اقتصادية وأمنية سيئة، فإن أردوغان، لم يستسلم لهاجس الخوف آنذاك، وقرر إتمام زيارته.
أردوغان أمر وقتها بتسخير طاقات تركيا لمساعدة الشعب الصومالي، فأرسلت الحكومة المزيد من الأطقم الطبية والتعليمية والهندسية والعسكرية.
وتكفل بتعليم الآلاف من الطلبة وبناء المدارس والمستشفيات والمطارات والموانئ. ولم يكتف بذلك بل درب الجيش والشرطة، وأمر بإصلاح الشوارع والمقرات الحكومية.
وفي يونيو/حزيران 2016، تكررت زيارة أردوغان إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ولكن هذه المرة بصفته رئيسا للجمهورية، وهي الزيارة التي افتتح فيها المقر الجديد للسفارة التركية.
منذ ذلك التاريخ أصبحت تركيا تعني الكثير بالنسبة للصوماليين، فهي التي بسطت لهم يد العون والمساعدة.
كما أن العديد من المنشآت الخدمية والطرق جرى بناؤها بتمويل وتنفيذ تركي، فضلا عن أن أنقرة تخطط حاليا لبناء ميناء على ساحل الصومال المطل على المحيط الهندي ومبنى للبرلمان على الساحل ذاته.
الأهم من ذلك أن الخطوط الجوية التركية كانت من أوائل شركات الطيران التي ربطت الصومال بالعالم، فقد دشنت رحلاتها من وإلى مقديشو منذ العام 2012.
قاعدة عسكرية
أما حماية تركيا للصومال فإنها ليست وليدة الاتفاقية الدفاعية الأخيرة، وإنما تعود إلى مارس/ آذار 2015، عندما شرعت أنقرة في بناء أكبر قواعدها العسكرية على الإطلاق خارج حدودها.
ففي جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، وعلى مساحة 400 هكتار، دشنت القاعدة العسكرية التركية بتكلفة بلغت 50 مليون دولار.
ويمكن لتلك القاعدة أن تأوي حوالي 1500 جندي، وكان هدفها الأساسي تقديم التدريب للضبط والجنود الأتراك والصوماليين، لمساعدة الحكومة الصومالية في التصدي لـ"حركة الشباب" المتطرفة.
والقاعدة العسكرية التركية، قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز.
وفي أغسطس/ آب 2017، أرسلت تركيا نحو 200 مدرب من جيشها وعددا من الآليات العسكرية إلى الصومال لتدريب أكثر من 10 آلاف و500 جندي صومالي رشحتهم الأمم المتحدة.
وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2017 تم افتتاح القاعدة، بحضور رئيس الوزراء الصومالي (آنذاك) حسن علي خيري، ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار (وزير الدفاع)، الذي أعلن، أن القاعدة هي الأكبر من نوعها.
أكدت تلك الخطوة أن الدور التركي المتنامي في الصومال منذ سنوات، اتخذ هذه المرة نقلة نوعية بافتتاح المعسكر التدريبي الكبير، ما يدلل أن أنقرة تنظر إلى علاقاتها مع مقديشو بصفتها إستراتيجية.
تقدم جيوبوليتيكي
وجود تركيا في الصومال لحمايته له أيضا دوافع عدة تتعلق بمصالح أنقرة الواسعة في الخارج وفق ما قال أردوغان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، خلال منتدى في إسطنبول.
وقال أردوغان وقتها: "تركيا لا تتحمل مسؤوليتها في موقعها وجغرافيتها فقط، وإنما في كل أنحاء العالم، ونستخدم كل القدرات الموجودة، ولهذا السبب نحن في سوريا وفي إفريقيا والصومال وليبيا والبلقان وأفغانستان، في جميع أنحاء جغرافيتنا القديمة، لهذا السبب نستجيب لمن يمدون لنا أياديهم".
وتعتمد أنقرة سياسة التقدم الجيوبولتيكي في مناطق إستراتيجية بالغة الأهمية، وتحديدا في القارة السمراء، وعلى ساحل البحر الأحمر، خاصة الصومال، حيث التحكم بالمضائق المائية، التي تمر منها طرق التجارة، بالإضافة إلى الضغط على المتنافسين الإقليميين الذين يحملون العداء لتركيا، وعلى رأسهم دولة الإمارات.
لكن من المهم ذكر أن القوة الناعمة لعبت دورا قويا في بناء ومد جسور العلاقات من أنقرة إلى مقديشو، فاهتمام تركيا بالبعثات والمنح التعليمية للأفارقة ومنهم الصوماليين رسخ قدمها بقوة.
فمثلا وزير الدفاع الصومالي الحالي عبد القادر محمد نور، الذي وقع اتفاقية التعاون الدفاعي الأخيرة مع أنقرة، قد تلقى تعليمه في تركيا.
وفي حديث خاص لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية عام 2020، وصف تركيا بـ "بيته الثاني"، وأورد أنه أمضى 8 أعوام من حياته فيها، تلقى فيها تعليمه العالي.
وأوضح أن تركيا واحدة من الدول الرائدة في العالم في المسائل القضائية والقانونية.
وشدد على أن تركيا شعبا وحكومة تمثل أمل المسلمين في العالم، وأنه لا توجد دولة أخرى تبذل كل ما لديها في هذا الإطار.
ومما يدلل على مدى علاقة وزير الدفاع الصومالي بتركيا أنه كتب مقالة عام 2023 لوكالة الأناضول أيضا، تحدث فيها عن علاقات البلدين الشقيقين ومستقبلها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة.
وبدأ نور قائلا: "اكتسبت تركيا التي تتمتع بعلاقات تاريخية متأصلة مع الصومال، مكانا لا غنى عنه في قلوب الصوماليين بفضل علاقاتها الثنائية المبنية على أسس الثقة المتبادلة والصداقة ومبدأ الربح المتبادل".
وأكمل: "لطالما أعرب ملايين الصوماليين عن امتنانهم للدعم غير المشروط الذي تقدمه تركيا للصومال بقيادة رجب طيب أردوغان".
ثم اختتم: "تركيا القوية التي وقفت إلى جانب الشعب الصومالي في أصعب أوقاته والقادرة على لعب دور حيوي في إحياء مؤسساته، ستواصل لعب دور نشط إقليميا ودوليا في الفترة المقبلة".