لم تسارع في الاعتراف بنظام الشرع.. لماذا تنظر الصين إلى سوريا الجديدة بحذر؟

مصعب المجبل | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

تواصل الصين السير بحذر في فتح صفحة جديدة مع سوريا الجديدة، على الرغم من قدرة بكين على تقديم ذاتها "كعنصر محوري" في مشاريع إعادة الإعمار في هذا البلد المدمر.

إلا أن الصين، التي أقامت علاقة متينة مع نظام بشار الأسد المخلوع ووفرت الغطاء الدبلوماسي له على مدى 14 عاما، تنظر إلى سوريا الجديدة من زاوية المخاوف والهواجس التي ترى أن حلها أمر يسبق نسج أي علاقة مع قيادة دمشق الجديدة.

شراكة إستراتيجية

لكن في المقابل، فإن حكام سوريا الجديدة، الذين أعلنوا منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 الانفتاح على الدول وتجنب سياسة المحاور أرسلوا عددا من رسائل التطمينات إلى الصين.

وجديد ذلك، لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في مقر الأمم المتحدة في نيويورك المندوب الدائم للصين في الأمم المتحدة فو كونغ، في 28 أبريل/نيسان 2025.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أعرب عن استعداد بلاده للعمل على "تعزيز العلاقات مع الصين" وبناء "شراكة إستراتيجية" مع بكين.

وشدد الشيباني على "موقف سوريا الثابت في تعزيز العلاقات مع الصين"، مشيرا إلى أن"سوريا ستكون شريكا وداعما للصين في مختلف القضايا الدولية"، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية.

بدوره أعرب السفير الصيني عن ثقته بأن "التعاون بين الحكومة السورية والصين سيعزز من العلاقات الثنائية القائمة على شراكة تاريخية تربط البلدين"، معتبرا أن هذه الشراكة ستسهم في "تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات".

ويشير لقاء الشيباني مع "فو كونغ" إلى توسيع دمشق دائرة الاتصال مع الصين التي أعرب وزير خارجيتها وانغ يي بعد أسبوع من سقوط الأسد عن "قلقه البالغ "إزاء الوضع بسوريا، ودعا إلى بذل جهود عاجلة لمنع "القوى الإرهابية والمتطرفة من استغلال الفوضى".

ولا يعد هذا أول تواصل بين البلدين منذ سقوط بشار الأسد، فقد التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع السفير الصيني في دمشق شي هونغوي في 21 فبراير / شباط 2025.

 والصين دعمت نظام الأسد المخلوع سياسيا وبالمساعدات الطبية منذ عام 2011.

وعلى مدى السنوات التي سبقت سقوط الأسد، أبدت بكين دعمها القوي لسوريا بطرق متعددة.

فمن بين الأربعة عشر فيتو التي استخدمتها الصين في مجلس الأمن الدولي منذ عام 2011، كانت ثمانية منها بالشراكة مع روسيا لصالح الأسد.

وفي عام 2017، أعلنت الصين أنها ستستثمر ملياري دولار في سوريا، كما أن وزير الخارجية الصيني قال في نفس العام إن المجتمع الدولي يجب أن يدعم إعادة الإعمار في سوريا.

إلا أن التحديات التي تواجه الشركات الصينية في سوريا، وأبرزها المخاطر الأمنية وتحديات التشريع وعدم الاستقرار السياسي، حالت دون بدء بكين بـ استثمارات حقيقية.

ومما كان يقلق الشركات الصينية في السنوات الماضية هو مسألة الاسترداد المتوقع لاستثمار الصين، "إذ هناك تخوف من ألا تتمكن سوريا من تسديد القروض التي تحصل عليها"، وفق تقرير لمركز "حرمون" للدراسات نشره أواخر يوليو/تموز 2021.

كما تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ  بدعم الأسد ضد التدخل الخارجي، وقطع عزلة دولية فرضت على الأسد لسنوات عندما استقبله وزوجته "أسماء الأخرس خلال زيارة للصين في 2023.

وفي 12 يناير/ كانون الثاني 2022، وقع السفير الصيني بدمشق فينغ بياو، اتفاقا، مع نظام الأسد البائد لمشاركته في مبادرة "الحزام والطريق".

و"الحزام والطريق" مبادرة صينية، تعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الـ21، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلدا، بتكلفة تقدر بـ4-8 تريليونات دولار.

ومع ذلك، فإن حسابات الصين الإستراتيجية منذ عام 2011 في سوريا تغيرت، ولم تغامر بأي مشروع اقتصادي والدخول للسوق السوري المنهك بالعقوبات الغربية.

ووفق خبراء، يعكس انفتاح بكين على دمشق في هذا التوقيت الأهمية الإقليمية لسوريا بالنسبة للصين.

مخاوف صينية

لكن مع ذلك، فإن كثيرا من المراقبين يرون أن العلاقة بين الصين وسوريا الجديدة محكومة بالتوصل لجملة من التفاهمات.

وهنا يؤكد الباحث السوري عمار جلو لـ "الاستقلال" أنه "لا توجد شروط صينية بالمعنى المتعارف عليه مقدمة للحكومة السورية الجديدة، فالصين تعتمد، ولو نظريا على الأقل، نهج عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول".

وأضاف جلو "مع ذلك هناك هواجس ومخاوف صينية تجاه سوريا ما بعد الأسد، وأولها مصير ومستقبل ونشاط الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، بما فيه مسألة تجنيس أفراد/أعضاء الحزب، أو تولي شخصيات منه لمواقع قيادية بالجيش السوري الجديد".

والصين منذ اندلاع الثورة وجذب بعض فصائل المعارضة السورية لمقاتلين من الخارج عملت على مراقبة المواطنين الصينيين الذين شاركوا في المعارك؛ حيث كان العديد منهم ينتمي إلى أقلية الإويغور المسلمة، التي تعرَّضت لقمع شديد في موطنها. 

وتخشى بكين من أن يؤجج وجود مقاتلين من الإيغور في صفوف الدولة السورية “النزعة الانفصالية" داخل إقليم شينجيانغ شمال غربي البلاد الذي تسكنه أقلية الإيغور المسلمة.

وتواجه الصين منذ سنوات انتقادات دولية كبيرة بسبب سياساتها القمعية ضد أقلية الإيغور، وفي السنوات القليلة الماضية، استنكرت منظمات حقوقية احتجاز مليون منهم على الأقل مع جاليات مسلمة داخل معسكرات في إقليم شينجيانغ وتعريض هؤلاء للاضطهاد.

ولفت جلو إلى أن "الصين تنظر بتوجس لعلاقات دمشق الوليدة مع كوريا الجنوبية، وهي مسألة تثير حساسية بكين، نتيجة حداثة العلاقة الكورية الجنوبية مع دمشق، والعلاقات الصينية غير المستقرة مع كوريا الجنوبية، وتوجه الأخيرة أخيرا لتعميق علاقاتها الدفاعية والإستراتيجية مع واشنطن، دون مراعاة مخاوف بكين، وفق ما كانت تعمل عليه سيول سابقا".

ولأول مرة منذ نحو ستة عقود، تسجل كوريا الجنوبية حضورا رسميا في سوريا، مبدية نيتها دعم هذا البلد في إعادة الإعمار والنهوض من جديد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

واستهلت "سيول" مرحلة سقوط نظام الأسد الحليف التقليدي لغريمتها كوريا الشمالية، بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

وفي 10 أبريل/نيسان 2025، زار وزير الخارجية الكوري الجنوبي "تشو تاي يول"، العاصمة دمشق والتقى إلى جانب الشرع، نظيره أسعد الشيباني.

وأفادت وزارة الخارجية الكورية، بأن كوريا سيئول ودمشق وقعتا اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وفتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية للدولتين.

التوجهات الجديدة

وهنا يشير الباحث عمار جلو إلى أن الصين في الوقت الراهن عقب سقوط الأسد، "تود معرفة جدية توجهات الحكومة السورية الجديدة، وإمكانية انفتاحها على الصين، عبر إجراء لقاءات رسمية مع المسؤولين السوريين".

وأردف "وهو ما يشير لاهتمام صيني بالغ بتطوير العلاقات مع دمشق، وعدم إفساح المجال لعلاقات الصين السابقة مع نظام الأسد بإفساد علاقة جيدة ومتطورة مع النظام الجديد في دمشق".

وراح جلو يقول "سوريا عقدة مهمة جدا في مبادرة (الحزام والطريق) الصينية؛ إذ إن الشواطئ والبر السوري عناصر مهمة واقتصادية في هذه المبادرة، إضافة لكون الساحة السورية ساحة مرنة لمواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، بجانب ما تمنحه أي علاقة جيدة مع دمشق في إمكانية ضبط دمشق لعناصر الحزب التركستاني وسواها من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية ذات الأهمية البالغة لدى بكين".

وذهب جلو للقول "يمكن أن تقدم بكين نفسها كعنصر محوري في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، لا سيما في قضايا البنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة أو تزويد سوريا بالسلاح".

لذا “تنشط بكين بشدة في هذه المرحلة لمعرفة توجهات الحكومة الجديدة وموقفها من الحزب التركستاني والعلاقة مع كوريا الجنوبية، بجانب مصير اتفاقية الشراكة الإستراتيجية والاتفاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية المعقودة بين بكين ودمشق زمن النظام البائد”، وفق جلو.

وفي عام 2015، حذرت بكين من أن هؤلاء المقاتلين يتم "تجنيدهم للخروج من الصين بشكل غير قانوني والخضوع لـ"تدريبات إرهابية" في دول مثل سوريا والعراق. 

وبحلول عام 2016 كان المسؤولون الصينيون والسوريون يعقدون اجتماعات شهرية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بهدف تعقب هؤلاء المقاتلين. ومن وجهة نظر بكين، كان المجندون الأويغور "يتحينون الوقت" للعودة إلى بلادهم وتشكيل تهديد محلي.

لا سيما أنه اليوم، أصبح بعض قادة "الحزب الإسلامي التركستاني" الذين تمت ترقيتهم، ضباطا في وزارة الدفاع السورية الجديدة، خاصة أن الصين ما تزال داخل مجلس الأمن تثير ملف "الحزب الإسلامي التركستاني".

فقد قال السفير الصيني فو كونغ في كلمة له بشأن سوريا في إحاطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 25 مارس 2025 "نحث السلطات السورية المؤقتة على الوفاء بالتزاماتها في مجال مكافحة الإرهاب واتخاذ تدابير حاسمة لمكافحة جميع المنظمات الإرهابية المُدرجة في قائمة مجلس الأمن، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية، المعروفة أيضا باسم الحزب الإسلامي التركستاني". 

ويعد استخدام مصطلح "تركستان الشرقية" أمرا حساسا سياسيا بالنسبة للحكومة الصينية التي ترفضه وتربطه بالانفصالية، وتفضل بدله استخدام المصطلح الرسمي "شينجيانغ" الذي يعني "الحدود الجديدة".

وأمام ذلك، تشير هذه المساعي الأولية من الصين تجاه سوريا الجديدة لإعادة بناء العلاقات السياسية وتعزيز المصالح التجارية.

 فبكين ربما تعتمد النهج البراغماتي نفسه الذي اتبعته بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021 وعودة حركة طالبان إلى السلطة.

ومنذ ذلك الحين، كانت الصين أكثر الدول انخراطا سياسيا واقتصاديا مع أفغانستان، على الرغم من أن طالبان كانت في السابق حليفا رئيسا لـ"لحزب الإسلامي التركستاني".