الدعوة الأممية لإجراء انتخابات برلمانية في ليبيا.. تحل الأزمة أم تعمقها؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تفاعلات متضاربة شهدتها الساحة السياسية والحزبية الليبية عقب دعوات المبعوثة الأممية للبلاد لإجراء انتخابات، وقولها: إن المؤسسات القائمة تهددها إشكالية الشرعية.

جاء ذلك على لسان “هانا تيتيه”، المبعوثة الأممية إلى ليبيا، والتي قالت: إن جميع المؤسسات الليبية- بدون استثناء- قد تجاوزت ولاياتها الأصلية المتعلقة بشرعيتها.

وشددت تيتيه في حوار نشره موقع الأمم المتحدة، في 21 أبريل/نيسان 2025، أنه "من المهم ضمان أن يتفهم من يشغلون مناصب إشرافية أن عليهم مسؤولية السماح بإجراء هذه الانتخابات".

وقالت المسؤولة الأممية: إن "البعثة أنشأت لجنة استشارية لتقدم مقترحات لتنظيم الانتخابات". مشيرة إلى أن الأخيرة هدفها "الوصول إلى حكومة مستقرة بتفويض واضح تحظى بثقة شعبها، وبالتالي تكون قادرة على اتخاذ قرارات نيابة عن الشعب".

وعبرت تيتيه عن ثقتها من إمكانية تحقيق ذلك إذا توفرت الإرادة السياسية، مبرزة أن الثقل يقع اليوم على الفاعلين السياسيين الرئيسين، في القيادة، في مؤسسات الحكم اليوم، مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

ويأمل الليبيون في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لإنهاء نزاعات وانقسامات تتجسد منذ مطلع 2022 في وجود حكومتين، إحداهما برئاسة أسامة حماد كلّفها مجلس نواب طبرق (شرق)، والأخرى حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة وتتخذ من طرابلس (غرب) مقرّا لها، وتحظى باعتراف دولي.

تفاعل حزبي

وتفاعلا مع الدعوة الأممية، اتهم التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني، “تيتيه”، بالانحياز لعبد الحميد الدبيبة، بتجاهلها مطالب تشكيل حكومة جديدة، معربا عن قلقه من أن البعثة أصبحت جزءا من الصراع.

وقال التحالف في بيان، وفق موقع "الساعة24"، في 25 أبريل 2025، "نستنكر التجاهل المتعمد لرأي القوى السياسية؛ حيث صرحت تيتـة، بأن مطالب الغرب الليبي يتلخص في الدستور وتوحيد بعض مؤسسات الدولة، في حين أن أبرز مطالب الشرق الليبي هو تشكيل حكومة جديدة".

وأكد التحالف، أن "انحياز تيتيه يثير القلق ويقوض الثقة في البعثة الأممية وفريقها الذي يبدو أنه أصبح جزءا من الصراع، وله انحيازاته ومصالحه المرتبطة بقوى الأمر الواقع، مما يستدعي ضرورة إعادة النظر في تجديد هذا الفريق"، وفق تعبيره.

وشدد التحالف، على ضرورة تشكيل حكومة جديدة، كشرط مسبق لإجراء الانتخابات، كما يراه العديد من الفاعلين السياسيين.

ودعا التحالف، المجتمع الدولي إلى إدراك أهمية الاستماع لجميع الأطراف السياسية، والعمل على دعم الحلول التي تعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي في ليبيا.

بدوره، أكد المعتصم فرج الشاعري، المتحدث باسم التجمع الوطني للأحزاب الليبية، أن المبعوثة الأممية إلى ليبيا أشارت بوضوح إلى أن جميع الأجسام السياسية القائمة حاليا قد انتهت صلاحيتها، وهو ما يُعد السبب الرئيس في تعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى اليوم.

وقال الشاعري، في تصريحات صحفية، إن فقدان هذه الأجسام لشرعيتها هو ما حال دون الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مشددا على ضرورة إيجاد بدائل حقيقية تفتح الطريق أمام انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها.

وأضاف أن الأزمة الليبية تجاوزت أربعة عشر عاما دون أن يتمكن الشعب من انتخاب رئيس للدولة، كما لم تُجرَ انتخابات برلمانية منذ الدورة الأخيرة لمجلس النواب القائم حاليا.

وأوضح أن الليبيين يطالبون بإجراء الانتخابات في أقرب وقت، إلا أن الصراع القائم بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ما زال يشكل عقبة أمام الوصول إلى توافق، بسبب خلافات حول مواد القوانين الانتخابية ومخرجات لجنة “6+6”.

وانتقد الشاعري معارضة بعض القادة السياسيين في المنطقة الغربية لمخرجات اللجنة، ويرى أن هذه المواقف مجرد ذرائع، في حين أن الواقع يشير إلى أن جميع الأطراف تستفيد من استمرار حالة الفوضى في البلاد، ولا يبدون أي استعداد حقيقي للتخلي عن السلطة.

وأشار إلى أن ليبيا شهدت مرور أكثر من عشرة مبعوثين أمميين دون التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ على الأرض، معتبرا أن ذلك غير مقبول بعد سنوات طويلة من التعقيد السياسي والأمني.

وحمل الشاعري التدخلات الخارجية جزءا كبيرا من المسؤولية في إطالة أمد الأزمة، قائلا: إن بعض الدول تتدخل بشكل مباشر في الشأن الليبي، رغم ما تعلنه من دعم لحل “ليبي – ليبي”.

وأضاف: “لو تُرك القرار للشعب الليبي وحده، لكان من الممكن التوصل إلى حل سياسي شامل”.

وختم الشاعري تصريحاته بدعوة صريحة للبعثة الأممية من أجل وضع خارطة طريق واضحة، وحسم مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بصفتها مطلبا شعبيا ملحا.

كما شدد على أهمية تشكيل حكومة موحدة تتولى قيادة البلاد نحو استحقاق انتخابي طال انتظاره.

وفي تصريح صحفي لتلفزيون المسار، قال عضو مجلس النواب علي الصول: إنه لا يحق لرئيس البعثة الأممية هانا تيتيه فرض أي سيناريو دولي لإدارة الأزمة في ليبيا.

وأضاف الصول أن "مجلس النواب هو الجهة التشريعية الوحيدة المنتخبة من الشعب والمخولة بذلك".

خارطة طريق

كما أصدرت شخصيات سياسية وازنة بيانا، في 21 أبريل 2025، قالت فيه: إنه في حال انتخاب برلمان جديد فإن ولايته لن تتجاوز عامين، وفي هذه المدة يمكن استكمال المسار الدستوري، عبر إجراء استفتاء شعبي على مشروع الدستور المنجز عام 2017، ثم يعقب ذلك تنظيم انتخابات عامة.

ووقع على البيان قرابة 300 شخصية حتى الآن، من بينهم رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، إلى جانب عدد محدود من أعضاء مجلسي "النواب" و"الدولة"، بالإضافة إلى وزراء سابقين.

ودعا الموقعون على البيان إلى تشكيل حكومة وطنية، تعمل على توحيد البلاد وتحسين الأوضاع المعيشية، وتهيئة المناخ للاستحقاقات المقبلة "بعيدا عن المحاصصة وسطوة السلاح والمال الفاسد".

ويرى رئيس "لجنة الشؤون السياسية" بالمجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أن "صعوبة التوافق حول شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، واتساع الفجوة بين أفرقاء الأزمة السياسية، لا يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية، أو لقبول نتائجها في حال عقدها".

ودعا معزب، وهو أحد الموقعين على البيان، في تصريح صحفي بالمناسبة، إلى "ضرورة فك الارتباط بين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية".

وأشار إلى أنه "لا توجد خلافات تعوق إجراء الأخيرة"، كما تحدث عن "لقاء ضم عددا من رؤساء لجان مجلسه ونائبة رئيس البعثة الأممية، ستيفاني خوري، قائلا: إن اللقاء ركز على "مخاطر إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل المناخ المتأزم الراهن".

وتنص القوانين، التي أقرّها البرلمان الليبي في أكتوبر (تشرين أول) 2023، على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل متزامن، وهو ما اعترض عليه بعض السياسيين حينذاك، إلى جانب اعتراض آخر على ترشح العسكريين، الذين يحملون جنسيات أجنبية، للانتخابات الرئاسية.

هذا البيان انتقده سعيد ونيس، عضو مجلس الدولة الاستشاري، وأكد أن هدفه هو "التشويش وإفشال أي مخرجات قد تصدر عن اللجنة الاستشارية؛ مما يزيد من ضبابية المشهد السياسي وترسيخ جموده".

وقال ونيس وفق موقع "أخبار ليبيا"، في 24 أبريل 2025، إن البيان "وضع إجراء الانتخابات التشريعية أولوية، وخطوة تسبق تشكيل حكومة موحدة للبلاد؛ والحقيقة أنه لا يمكن إجراء أي استحقاق دون وجود الأخيرة".

ويعتقد ونيس أن داعمي البيان "تغافلوا عما كشف عنه المصرف المركزي أخيرا من توسع في إنفاق الحكومتين المتنازعتين على السلطة، واضطراره لتخفيض قيمة العملة المحلية، وتداعيات ذلك من ارتفاع لعدد من السلع الرئيسة وتزايد معاناة المواطن"، لافتا إلى "المطالبة بإيجاد حكومة موحدة لوضع سياسة مالية ونقدية رشيدة".

كما انتقد ونيس ما عده دعوة البيان "نسف مخرجات اللجنة المشتركة (6+6)، عبر العودة لخيار الاستفتاء على مشروع الدستور"، وقال بهذا الخصوص: "كان من الأفضل انتظار إعلان مقترحات اللجنة الاستشارية المشكَّلة، ومحاولة البحث عن مواءمة بين تلك المقترحات ومخرجات المجلسين".

أزمة شاملة

بدوره، يرى المحلل السياسي إبراهيم الأصيفر، أن "تصريح المبعوثة الأخيرة حول المؤسسات سواء التشريعية أو التنفيذية أو التشريعية وحتى الرقابية، هو عملية وصف واقع لما يجرى على الأرض".

ورأى الأصيفر لـ "الاستقلال"، أن "حقيقة الأزمة وانتهاء صلاحية هذه الأجسام أمر ليس بجديد؛ لأن كل الأجسام الموجودة، خاصة الأجسام التشريعية منتهية منذ قرابة عشر سنوات".

وأردف، "نحن نحتاج إلى إجراء انتخابات برلمانية في البداية، ومن ثم سوف تنطوي تحتها كل المؤسسات الأخرى، وسوف يذوب هذا الإشكال السياسي".

وتابع: "حتى نصل إلى عملية تجديد الثقة وتوحيد الجسم التشريعي نحتاج إلى تهيئة المناخ السياسي وتهيئة المناخ الاقتصادي والاجتماعي والمناخ العسكري والأمني أيضا".

واتهم الأصيفر البعثة الأممية بكونها أصبحت جزءا من المشكلة لا جزءا من الحل؛ لأنها تعرف مكامن المشكلة التي أدت إلى هذا الانقسام، ولكنها لا تعالجها بأطرها وبشكلها وبآلياتها الصحيحة.

وأوضح أن "هذا الانقسام ليس سببه لا موضع دستوري ولا قانوني، ولكن الإشكال سياسي بالدرجة الأولى بمختلف مشاربه ومختلف أشكاله وأنواعه".

وشدَّد المحلل السياسي على أن "المعضلة الكبرى في هذا الإشكال السياسي هو السلاح، والمجموعات المسلحة في شرق البلاد وفي غربها وفي جنوبها؛ حيث تضخمت هذه المجموعات وأصبحت طرفا سياسيا يتمتع بنفوذ وعلاقات دولية وبمصادر تمويل ضخمة جدا".

وبخصوص الحل، قال الأصيفر: إن أساسه هو توحيد السلطة التنفيذية في حكومة موحدة على ليبيا بالكامل، ذلك أن البلاد تعيش فترة انقسام حكومي منذ قرابة 10 سنوات، بوجود حكومة في الشرق وأخرى في الغرب.

وشدد الأصيفر على أنه "يجب أن تكون هناك حكومة واحدة وقوية وقادرة على أن تفرض قراراتها، لا أن تكون تابعة لمجموعات مسلحة بعينها".

وذكر المحلل السياسي أن ليبيا بحاجة إلى إيجاد صفقة سياسية بين الفرقاء السياسيين أو سياسيي الأمر الواقع الموجودين الآن، وأن يتم وضع جميع المشاكل على طاولة حوار واحدة، ومن ثم تهيئة المناخ للانتخابات، ثم الذهاب إلى عملية انتخابية تجدد بها شرعية الجسم التشريعي والحديث هنا عن البرلمان. 

وأردف، ومن ثم يمكن توحيد جميع المؤسسات وحلحلة هذه الأزمة السياسية، ولكن للأسف الشديد البعثة الأممية لا تعالج المشكلة كما أسلفت بآلياتها وبأشكالها الصحيحة، ولكن تكتفي ببعض اللقاءات البروتوكولية مع بعض الشخصيات وبعض المؤسسات. 

وخلص إلى أن "على البعثة الأممية أن تكون جادة، وأن تجمع الفرقاء السياسيين على طاوله الحوار في أسرع وقت حتى نتمكن من عبور هذا الإشكال".