"ستعرفون تركيا بحق".. هكذا تنفذ حكومة أردوغان وعيده للخونة والجواسيس
"انتظروا فهذه خطوة أولى وستعرفون تركيا بحق"
يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته في الآونة الأخيرة على تضييق الخناق على منافذ التدخل الأجنبي في البلاد، وذلك عبر تحديث تشريعات تحصن أمن البلاد بالداخل والخارج.
وفي 20 مايو/ أيار 2024، قال أردوغان، في كلمة ألقاها خلال حفل تعيين القضاة والمدعين العامين: "نحن ندرك جيدا أن الطريق للوصول إلى مئوية تركيا يمر من إزالة أوجه القصور في أداء العدالة".
وأضاف: "يمكننا نقل بلادنا إلى مستقبل مشرق عبر خلق نظام قضائي لا تشوبه شائبة وتجلي القانون بشكل شامل وتعزيز الثقة في القضاء".
وتأتي الخطوة بالتزامن مع تبني حلف شمال الأطلسي “ناتو” إستراتيجية جديدة لمواجهة الجواسيس في الدول الأعضاء، خوفا من التمدد الروسي والصيني.
فضلا عن أن لتركيا خصوما معروفين مثل فرنسا وإسرائيل، وكلاهما يعرف بتأسيس شبكات من العملاء والجواسيس، يحاولون عبرها محاصرة النفوذ التركي.
تشريع جديد
وفي 22 مايو 2024، ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المعنية بشؤون الاستخبارات، أن حكومة أردوغان ستقدم مشروع قانون لتعديل النظام القضائي التركي إلى البرلمان يتضمن بندا جديدا يتعلق بجريمة التجسس.
وأضافت: "بمجرد إدراجه في القانون، سيسمح هذا البند بمحاكمة (عملاء النفوذ) الذين يريدون تأليب الرأي العام ضد تركيا، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي".
وبحسب القانون الجديد سوف تشارك كل من مؤسسات الشرطة وجهاز الاستخبارات في مكافحة التدخل والنفوذ الأجنبي.
فبالإضافة إلى إدراج جرائم النفوذ الأجنبي، ستتضمن الحزمة القانونية الجديدة أيضا عقوبات أكثر صرامة على الأشكال التقليدية للتجسس.
ويعد هذا ضروريا في الوقت الذي تكثف فيه وكالات مكافحة التجسس التركية اعتقالاتها رفيعة المستوى للشبكات التي يزعم أنها تحصل على أموال من الموساد الإسرائيلي أو جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي DGSE.
وتتراوح الأحكام بين 8 و12 سنة سجنا، أو حتى مدى الحياة، حسب التهم الموجهة إلى المتهم في قضايا كهذه.
وتأتي هذه الترسانة الموسعة من التشريعات ضد التدخل في وقت تعد فيه تركيا واحدة من أكثر أعضاء الناتو تشددا في هذا المجال، نظرا لما يحاط بها من مؤامرات مستمرة.
كما أنها تتصدى لشائعات العملاء بأكثر من طريقة، منها أنه لدى الرئاسة التركية وحدة “تفنيد الأكاذيب”. أما الاستخبارات التركية لديها أيضا قدراتها الخاصة في هذا المجال.
تهافت جواسيس الموساد
ويأتي سياق تقديم مشروع قانون تعديل النظام القضائي، في وقت تنشط فيه أجهزة الاستخبارات والأمن والقضاء التركي في تتبع العملاء الأجانب وإسقاط شبكاتهم المعقدة.
ففي 5 أبريل/ نيسان 2024، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، توقيف 8 أشخاص على خلفية عملهم لصالح جهاز الاستخبارات والمهام الخاصة الخارجية الإسرائيلية "الموساد".
وقال كايا في بيان إن العملية تمت بمشاركة مختلف الأجهزة الأمنية، وجرى توقيف المتهمين على خلفية قيامهم بجمع معلومات عن أفراد وشركات في تركيا تستهدفها المخابرات الإسرائيلية، ويقومون بنقل المعلومات والوثائق إلى الموساد.
وأشار إلى أن السلطات القضائية التركية قررت حبس اثنين من المشتبه بهم، ووضع 6 منهم تحت المراقبة العدلية.
وذكر أن الوزارة تتعقب مختلف أنشطة التجسس داخل تركيا، مشددا بالقول: "لن نسمح أبدا بأنشطة التجسس التي تستهدف وحدتنا الوطنية وتضامننا داخل حدود بلادنا".
وأعلنت تركيا في فبراير/ شباط 2024، اعتقال 34 شخصا يشتبه في ارتباطهم بالموساد، واستهداف الفلسطينيين الذين يعيشون في تركيا.
ثم كشف مكتب النائب العام لإسطنبول أن البحث جار عن 12 مشتبها به آخرين متهمين بالوقائع نفسها.
وجاءت عملية التوقيف هذه بعد شهر على توقيف شبكة من سبعة أشخاص، عقب حملة تركية أمنية نشطت منذ بداية 2024 لمكافحة التجسس الإسرائيلي على البلاد.
وكانت محكمة تركية قد أمرت في يناير/ كانون الثاني 2024 بالقبض على 15 شخصا وترحيل ثمانية آخرين يشتبه في أن لهم صلات بالاستخبارات الإسرائيلية.
وفي 7 مارس/ آذار 2024، تسبب إعلان السلطات التركية إيقاف مدير أمن سابق متهم بضلوعه على رأس خلية مرتبطة بجهاز الموساد، في مفاجأة.
وقد اعتقلت قوات الأمن التركي معه، 7 أشخاص آخرين على خلفية ارتباطهم بـ"الموساد"، في عملية مشتركة بين جهاز الاستخبارات التركي ومديرية أمن إسطنبول.
وذكرت وسائل إعلام محلية، على رأسها صحيفة "تركيا" المقربة من الحكومة، تفاصيل أكثر تتعلق بالخلية التي كان يترأسها "حمزة تورهان آيبرك".
وهو مدير أمن سابق فصل على خلفية انتمائه لتنظيم فتح الله غولن المحظور في تركيا، بجانب شكوك تتعلق باستخدامه نفوذه في عمليات تهديد واعتداء.
وقالت صحيفة "تركيا" إن "آيبرك" تم تجنيده من قبل الموساد، بعد إبعاده عن وظيفته عام 2019، عبر وسيطة تدعى فيكتوريا، وأنه خضع لتدريبات سرية خاصة في العاصمة الصربية بلغراد.
صيد ثمين
لكن تظل حادثة إسقاط أحد أهم عملاء الموساد على يد جهاز الاستخبارات التركي، كاشفة على ما تخطط له إسرائيل من صناعة للشبكات والجواسيس المتمرسين داخل تركيا.
ففي 5 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، أماطت أنقرة اللثام عن معلومات جمعتها من استجوابها مواطنا تركيا، كان من عملاء الموساد هو و17 آخرون.
وأفادت المخابرات التركية أن الصيد الثمين يدعى "سلجوق كوجو كايا"، وقد أخبر مسؤولي الجهاز أنه التقى 11 مرة على الأقل بأفراد من الموساد في 10 مدن أوروبية بعد أن وافق على تزويدهم بمعلومات دقيقة مقابل مبلغ مالي.
وأقر أنه طلب منه تحديد نقاط ضعف يمكن من خلالها اتخاذ إجراءات ضد بعض الفلسطينيين في إسطنبول، فضلا عن تجنيد عملاء آخرين يعملون لحسابه ويقدمون له المعلومات التي ينقلها إلى إسرائيل.
أما خطورة هذا العميل تحديدا فتكمن في كيفية تجنيده، التي يظن البعض أنها عن طريق الموساد مباشرة.
لكن المفاجأة أن من قام بتجنيد "كوجو كايا" وربطه بالموساد، هو ضابط عسكري تركي سابق اسمه "سركان أوزدمير جي"، من المنتمين إلى جماعة "فتح الله كولن" والفارين من البلاد عقب الانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016.
ومع ذلك فقد فككت تركيا أكثر من شبكة تجسس أخرى داخل أراضيها تابعة للموساد أيضا.
ففي يوليو 2022، أعلنت تركيا أنها كشفت عن شبكة من 56 عميلا لإسرائيل كانوا يراقبون رعايا أجانب.
وفي ديسمبر 2022، قامت بالقبض على 7 من المشتبه بهم بالتجسس على فلسطينيين لصالح الموساد.
شبكة فرنسية
على جانب آخر تخوض تركيا معركة لا تقل شراسة مع فرنسا، التي تنشط في تدشين شبكات تجسس وصناعة عملاء داخل الأراضي التركية.
وفي 20 فبراير/ شباط 2024، قالت صحيفة "صباح" المحلية التركية إن جهاز الاستخبارات الوطنية التركية تمكن من تفكيك خلية تجسس كانت تعمل لصالح باريس.
وإن تلك الشبكة مكونة من 3 سوريين بينهم أحمد قطيع الذي كان يعرف إعلاميا بـ"الناشط في حقوق الإنسان واللاجئين"، والمسجون منذ فترة في سجن "سيليفري" بإسطنبول.
وذكرت الصحيفة المقربة من دوائر صنع القرار، أن الخلية التي يقودها "قطيع"، قامت بأنشطة تجسس لصالح الاستخبارات الفرنسية (DGSE) مقابل وعود بالحصول على حق اللجوء في فرنسا.
وتبين أن شبكة التجسس العملاء، قامت بتبادل معلومات ووثائق مزيفة تدين تركيا على المستوى الدولي مع المخابرات الفرنسية، فيما يتعلق بما يسمى تعذيب اللاجئين الذين يحاولون السفر إلى الخارج.
وأوضحت صحيفة "يني عقد" التركية أن العملية تمت بجهود مشتركة بين مديرية مكافحة الاستخبارات التابعة لجهاز الاستخبارات الوطني (IKK) ومديرية إسطنبول.
ولم يأت سعي تركيا لإصلاح وتعديل قانون النظام القضائي، حتى يكون أكثر قسوة في تتبع ومراقبة العملاء من فراغ.
ففي 23 يونيو/ حزيران 2020، وقعت أزمة دبلوماسية بين أنقرة وباريس على خلفية الكشف عن شبكة تجسس فرنسية داخل تركيا مكونة من 4 أشخاص بينهم مسؤول تركي.
وبدأت القصة عندما قام الموظف السابق في أمن القنصلية الفرنسية بإسطنبول، متين أوزدمير، بتسليم نفسه للجهات المختصة، بعد خلافات مع المسؤولين الفرنسيين.
وقتها اعترف بأنه رفقة 3 آخرين كانوا يجمعون المعلومات لصالح أجهزة الاستخبارات الفرنسية الخارجية.
وأضاف أنه بناء على طلب من المخابرات الفرنسية، فقد قامت الخلية بجمع معلومات عن الجمعيات المحافظة، وعن أخرى دينية تابعة لهيئة الشؤون الدينية التركية.
وذكر الجاسوس "أوزدمير" خلال التحقيقات، أنه في عام 2013، التقى بشخص يدعى بورنو (اسم رمزي)، على ارتباط بجهاز الاستخبارات الفرنسي، والذي بدوره طلب جمع معلومات في تركيا.
وأكمل أنه قام بمجمع معلومات عن 120 شخصا، بمن فيهم أئمة، مقابل وعد فرنسي، أن يلتحق بفيلق تابع للقوات الفرنسية.
ولفت أوزدمير أنه تواصل مع شخصين آخرين على صلة بجهاز الاستخبارات الفرنسي، وبدأ بتلقي الأوامر منهما بصفته مسؤول "شبكة التجسس"، وتلقى منهما أموالا.
بعدها بأيام في 1 يوليو 2020، أكد السفير التركي في فرنسا (آنذاك) إسماعيل حقي موسى وجود قضية تجسس بين البلدين، وسط أزمة دبلوماسية ثنائية.
أردوغان يتوعد
وفي 10 يناير 2024، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن حكومته ملتزمة بمعاقبة من يقوم بالخيانة والإرهاب.
وعلق على تفكيك الاستخبارات التركية لشبكات تجسس لصالح دول أجنبية: "انتظروا فهذه خطوة أولى وستعرفون تركيا بحق".
وأعلن في كلمته خلال فعالية بالعاصمة أنقرة بمناسبة الذكرى الـ97 لتأسيس جهاز الاستخبارات التركي (MİT)، أن "تركيا ربما تمهل لكنها لا تدع الخيانة والإرهاب من دون حساب".
وشدد: "الجميع يتقبل حقيقة أن تركيا تعزز يوما بعد آخر مكانتها كقوة مؤثرة وصانعة ألعاب على رقعة الشطرنج العالمية".
واختتم بالقول إن بلاده ملتزمة بتجديد وتحديث أولويات أمنها القومي وإعادة تقييم تصنيف التهديدات وفقا للظروف المتغيرة.
المصادر
- Habitual influence wielder Erdogan takes up fight against foreign interference in Turkey
- "يمكننا نقل بلادنا إلى مستقبل مشرق عبر خلق نظام قضائي يعمل بشكل مثالي"
- عميل تركي للموساد يكشف الكثير عن أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية في بلده
- Fransa’nın casusluk hücresine suçüstü
- إعلام تركي: تفكيك خلية تجسس تعمل لصالح المخابرات الفرنسية.. يعمل بها 3 سوريين أحدهم كان ناشطاً حقوقياً
- تفاصيل تجسس مدير أمن تركي سابق لصالح الموساد