تركي آل الشيخ يسعى لنقل الدوري المصري للسعودية.. ما أهداف مخططاته؟

12

طباعة

مشاركة

عاد رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ للتدخل في شؤون الكرة المصرية من جديد بعد سنوات على إفسادها بالرشا وخلق العداوات بين الأندية.

أعلن رسميا عن عرض مالي لاستضافة مباريات أكبر ناديين مصريين (الأهلي والزمالك) في دوري الكرة المصري، في المملكة ضمن خطط الترفيه السعودية.

وهو ما فسره رياضيون ونشطاء على أنه عرض لشراء الدوري المصري ذاته للترفيه عن السعوديين وحرمان المصريين منه.

أموال تركي الشيخ للناديين ولاتحاد الكرة وكل الأندية المصرية، والتي تحولت إلى "سبوبة" للمسؤولين الرياضيين في مصر سرعان ما تحولت إلى خناقات كروية بين من يؤيدون العرض مقابل "الرز" (الأموال) ومن يرفضون لعدم حرمان الجمهور المصري من فريقيه وبيع الرياضة المصرية بحفنة ملايين.

وسبق لتركي الشيخ مستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اختراق المجتمع المصري عبر بوابتي الرياضة ثم الفن وحرص على جذب لاعبين ومسؤولين رياضيين وفنانين.

وقرر عام 2018، حين كان رئيسا للهيئة العامة للرياضة في السعودية، الانسحاب بشكل نهائي من الاستثمار في مجال الرياضة في مصر.

ولذلك أثارت عودته إلى ساحة الكرة المصرية، تساؤلات حول الهدف من ذلك؟ وما علاقة الترفيه؟

ماذا يحدث؟

القصة بدأت بكشف رئيس رابطة الأندية المحترفة المصرية لكرة القدم، أحمد دياب، مطلع أبريل/نيسان 2024 تفاصيل عرض سعودي فريد من نوعه بأن يخوض قطبا كرة القدم المصرية، الأهلي والزمالك، مباراتهما في بطولة الدوري هذا العام، على الأراضي السعودية.

دياب قال في تصريحات تلفزيونية: "ما زلنا نبحث العرض ونتفاوض عليه، وسنصل لقرار نهائي خلال 48 ساعة"، مشيرا إلى "عائد مادي لطرفي المباراة بمئات ملايين (الجنيهات) ومبلغ آخر بالملايين لباقي أندية الدوري".

وقد أعلن النادي الأهلي، في بيان، 3 أبريل/نيسان 2024 موافقته من حيث المبدأ على لعب المباراة في المملكة، ويرى في الوقت نفسه أنه: "ليس منوطا بتحديد المواعيد والملاعب التي تقام عليها المباريات".

أيضا أرسل الزمالك خطابا إلى رابطة الأندية، بالموافقة على مواجهة الأهلي في مباراة الدوري الممتاز، بالسعودية.

بيان الأهلي قال: "هذا أمر يخص رابطة الأندية المحترفة بصفتها القائمة على تنظيم المسابقات وإدارتها بالشكل الذي يتفق مع مصلحة الكرة المصرية، وطالما ما ترونه في هذا الشأن يخدم الصالح العام فإن النادي لا يمانع ذلك".

وقد كشف اللاعب أحمد حسن نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر السابق عن بند قانوني يهدد إقامة مباراة الأهلي والزمالك في السعودية.

وهو حصول الاتحاد المصري لكرة القدم على موافقة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) ونظيره الاتحاد الأوروبي من أجل إقامة المباراة هناك.

قال لصحيفة "المصري اليوم" 3 أبريل/نيسان 2024 إنه “لا بد من الحصول على موافقة فيفا والكاف بشكل رسمي على إقامة مباراة الأهلي والزمالك خارج مصر، خصوصا أن هناك اتحادات في أوروبا طلبت أيضا إقامة مباريات خارج بلادها وتم رفضها”، لا سيما أن "السماح بإقامة مباريات محلية خارج البلاد سيفتح الباب أمام جميع الدول".

وانتقد مصريون تحكم السعودية في الأنشطة الرياضية والفنية المصرية وآخرها مباريات الدوري المصري بين الزمالك والأهلي، متسائلين عن سبب دفع "ملايين" لنقل مباريات للمملكة؟ وهل هو للترفيه عن الشعب السعودي؟

ومنذ كارثة بورسعيد عام 2012 ومقتل أكثر من 70 مشجعا من الأهلي، وبعدها مقتل 22 من جمهور الزمالك خارج ملعب الدفاع الجوي عام 2015، باتت الملاعب المصرية شبه خاوية، في حين يكون هناك إقبال كبير على المباريات المصرية في السعودية.

خالد بيومي، المحلل الرياضي المصري بقنوات أبو ظبي، انتقد قرار رابطة الأندية المحترفة، بشأن نقل مباراة فريقي كرة القدم بالنادي الأهلي، ونظيره الزمالك، إلى السعودية، من أجل خوضها هناك.

"بيومي" كتب عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس": "أنا ضد فكرة تهميش الدوري المصري بتاريخه الكبير بإقامة مباراة للدوري خارج الملاعب المصرية، نكتفي بالكأس والسوبر مثل دول العالم".

فتنة كروية

لأن محللين رياضيين منهم "بيومي" أعلنوا رفضهم إقامة ديربي الزمالك والأهلي خارج مصر، حرك المستشار تركي آل الشيخ أزلامه في الوسط الرياضي والإعلامي المصري لمهاجمة تلك الخطوة.

المعلق الرياضي مدحت شلبي، وأحد المقربين من تركي الشيخ تولى هذه المهمة، فهاجم "بيومي" بشدة، بحجة أن الملايين التي ستحصل عليها الأندية المصرية "ستسهم بشكل أو بآخر في تطوير كرة القدم بالأندية المصرية".

وكتب مدحت شلبي، عبر حسابه الرسمي في "فيسبوك"، يقول: "يا اخ خالد لو كان قد تم تكليفك بأي عمل رياضي داخل المملكة، لتغير رأيك تماماً"، أي أنه لم يذق طعم الرز السعودي.

ووجه له نقدا حادا بقوله: "وسيبك انت وبعض من مدعي المثالية الجوفاء من إطلاق الشعارات الرنانة وزغزغة العواطف التي لا تعبر إلا عن ضعفاء النفوس".

وأبدى تركي آل الشيخ، سعادته، برد مدحت شلبي، على خالد بيومي، وكل من يعترض على إقامة مباريات الأهلي والزمالك في السعودية عبر نشر ما قاله.

تحول الأمر لمعركة بين دعاة الوطنية وإقامة المباريات في مصر وعدم الرضوخ لإغراءات رزم الدولارات، وبين من يسعون لإرضاء تركي الشيخ والحصول على جزء من الكعكة التي سيوزعها.

ودافع مصريون عن خالد بيومي وانتقدوا تدخل السعودية في الشؤون المصرية الكروية مجددا.

وسبق لتركي آل الشيخ أن استضاف مباراة الأهلي والزمالك في كأس مصر يوم 8 مارس/آذار 2024 في السعودية وحرم الجمهور المصري من حضور المباراة، واستغلها في إقامة مسابقة مالية رياضية كنوع من الترفيه للسعوديين.

ويبدو أن حلم "الشيخ" في سرقة الدوري المصري للترفيه عن الشعب السعودي قد تفشل في نهاية المطاف.

فقد رفض نادي الزمالك الفكرة، وأعلن أحمد سالم، المتحدث الرسمي لنادي الزمالك، عبر حسابه على فيسبوك، أن مباراة الفريق مع الأهلي ستقام على أرض استاد القاهرة في مصر لا السعودية.

ودفع هذا تركي آل الشيخ للرد أيضا عبر فيسبوك كاشفا أن الفيفا هو الذي رفض لعب أي مباريات للدوري خارج القارة، وقال أن عملية نقل المباريات المصرية للسعودية لم تكتمل بعد.

أيضا قال تركي آل الشيخ لقناة "OnTime Sports" المصرية أنه: "تم إلغاء قرار إقامة المباراتين بين الأهلي والزمالك في السعودية، لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لا يسمح بلعب مباريات الدوري خارج القارة إلا لظروف طارئة".

لكن رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية قال إن "المسؤولين الرياضيين في مصر خاطبوا الفيفا للسماح بإقامة المباراتين في السعودية، لكن نسبة وصول رد إيجابي ضئيلة جداً".

لماذا الآن؟

لعب تركي آل الشيخ دورا كبيرا في التدخل بالرياضة المصرية منذ عام 2018، حين كان مسؤولا عن الرياضة في السعودية، عبر ضخ أموال للناديين الأهلي والزمالك وشراء نادٍ بأكمله وضخ كميات من "الرز" على الإعلام الرياضي كي يسبح بحمده.

وكانت الخسائر المالية التي واجهت أجهزة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الإعلامية، سببا مباشرا لإفساح المجال للاستثمار السعودي في الإعلام المصري عبر آل الشيخ الذي أصبح حاليا ذراع الترفيه لولي العهد، كما يقول إعلاميون مصريون لـ "الاستقلال".

أوضحوا أن: "الشيخ" بعد تعيينه رئيسا لهيئة الرياضة بدأ يتدخل في الرياضة المصرية وأفسد الدوري المصري، وحين تركها وتولى "هيئة الترفيه"، بدأ يتدخل أيضا في الفن المصري.

وقد استفاد من فشل شركة المتحدة التابعة للمخابرات المصرية في إدارة هذا الملف وتكبدها خسائر مالية كبيرة رغم احتكارها السوق.

بينوا أن هذا يفسر أسباب التغييرات في قيادة شركة المخابرات (المتحدة للإعلام) 29 مايو/ أيار 2021، إرضاء للشيخ، واستعدادا لدخول ملاك سعوديين جدد يشترون أسهم الشركة المعروضة للبيع.

لكن ما أغضب القاهرة الرسمية عدم تجاوب تركي آل الشيخ مع هذه الخطوات المصرية وشراء الأسهم المعروضة وعرقلة خطط استكمال هيمنة المخابرات على المنظومة الإعلامية والدرامية كافة في مصر.

وبدلا من ذلك، أغدق تركي آل الشيخ، الملايين وربما مليارات الريالات السعودية على الفنانين والإعلاميين المصريين.

كما استضافهم في المهرجانات بالمملكة ومنح بعضهم الجنسية ليستخدمهم في الدعاية لـ "السعودية الجديدة".

وتمتد العلاقة بين السيسي وتركي آل الشيخ إلى ما بعد انقلاب 2013 مباشرة، وسبق أن نشر المستشار السعودي صورا ودية عديدة مع رئيس النظام المصري خلال الأعوام الماضية. 

واستقبل السيسي آل الشيخ عدة مرات، تارة بوصفه رئيسا للهيئة العامة للرياضة، وتارة كرئيس لهيئة الترفيه ومستشار الديوان الملكي، كما حدثت بينهما لقاءات ودية ضمت مسؤولين سعوديين وإماراتيين.

ويعتقد محللون رياضيون أن "تركي آل الشيخ يريد بهذه الخطوات الأخيرة العودة للتدخل في الرياضة المصرية، في ظل سياسة المملكة الحالية للاستثمار في الرياضة وشراء لاعبين وتنشيط الدوري السعودي.

فيما يرى آخرون أنه لن يعود للرياضة المصرية حاليا بسبب انشغاله بمهمة أخرى في هيئة الترفيه السعودية، وأن الأمر لا يعدو أن يكون "فقرة" ضمن فعاليات هيئة الترفيه التي يتولى آل الشيخ رئاستها.

أي استغلال لعب الفرق المصرية الكبرى في المملكة للترفيه عن السعوديين مقابل ملايين الدولارات للأندية والمسؤولين عن الرياضة بمصر.

دولارات وترفيه

وقد كشف مصدر داخل اتحاد الكرة، لصحيفة "المصري اليوم" مطلع أبريل/نيسان 2024 أن لعب مباراة الأهلي والزمالك في السعودية سيكون هو "الاتفاق الأضخم والأعلى ماليا في تاريخ الكرة المصرية".

وأوضح أن المفاوضات استمرت على مدار الأشهر الماضية بين رابطة الأندية والشركة المتحدة والجانب السعودي، لترتيب المقابل المادي.

وأشار إلى أن الأهلي والزمالك سيحصلان على عائد كبير نظير المشاركة يقترب من مليون دولار، كما أن هناك عوائد مالية لكل الأندية المصرية وليس للقطبين وفقا للاتفاق. 

وكانت حسابات لرياضيين مصريين تحدثت عن اتفاق بين تركي الشيخ ومجلس إدارة "الشركة المتحدة للرياضة" التابعة للمخابرات المصرية حول "الزر" الذي سيوزعه الأول لنقل الدوري المصري للمملكة.

وأكدت أنه سيحصل كل من فريقي الأهلي والزمالك على ثلاثة ملايين دولار عن كل مباراة، وسيتم دفع 3 ملايين أخرى لشركة "المتحدة"، ومليون ونصف لرابطة الأندية المصرية لتوزيعها على بقية أندية الدوري، بمجموع 7.5 ملايين دولار.

وكان رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للرياضة محمد يحيى لطفي، قال إنهم نجحوا في جلب راع للأندية المصرية سيتم الإعلان عنها في الأيام المقبلة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يقصد تركي آل الشيخ.

ووصف "لطفي" المتحدة للرياضة بأنها "شركة مصرية تنافس الشركات العالمية في التنظيم والتسويق للأحداث الرياضية"، حسبما نقل عنه موقع "اليوم السابع" التابع لشركة المخابرات الإعلامية 12 مارس/آذار 2024.

وتدخل تركي الشيخ في الرياضة ثم الفن في مصر ليس سوى جزء من خطة سعودية للحلول محل القاهرة كبديل ثقافي ورياضي بعدما انطفأت الأنوار الثقافية التقليدية التي كانت تميز عواصم مثل القاهرة وبيروت ودمشق بفعل عوامل مختلفة.

إذ سعت السعودية التي كان اسمها يرتبط في الغالب بالنفط والصحراء ومواسم الحج والعمرة بصفتها "بلاد الحرمين"، للتحول إلى مركز رياضي وفني وثقافي في الشرق الأوسط، عبر المهرجانات والفعاليات التي استضافتها على أرضها.

لكن المفارقة أن هذا التحول مرتبط بتغيير في الهوية الإسلامية وبإرضاء الغرب وهو ما اثار انتقادات عديدة أخيرا.