"تكوين" ليس أولها.. لماذا تؤسس الإمارات مراكز تطعن بثوابت الدين الإسلامي؟

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

مؤتمر باذخ شهده "المتحف المصري الكبير" في العاصمة المصرية القاهرة، 4 مايو/أيار 2024، اشتعلت بعده أجواء الرأي العام المصري، وثارت موجة حنق شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كان المؤتمر خاصا بمؤسسة جديدة تسمى "تكوين الفكر العربي"، وعنوانه “خمسون عاما على رحيل طه حسين: أين نحن من التجديد اليوم؟”

وسرعان ما طرحت تساؤلات عن المؤسسة الوليدة، ومن يمولها؟ ومن رئيس مجلس إدارتها؟ فكلها ثغرات بلا إجابة حتى الآن. 

أما الذي ولد الغضب والجدل فهي الأسماء المشبوهة التي تشكله والمعروفة بعدائها وإشكالياتها مع الفكر الإسلامي وأحيانا الإسلام كعقيدة.

ويضم المركز 6 أعضاء يشكلون مجلس أمناء المؤسسة وهم من مصر، الإعلامي إبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، ويوسف زيدان، إضافة إلى الكاتبة التونسية ألفة يوسف، والباحث السوري فراس السواح، والباحثة اللبنانية نايلة أبي نادر.

ومعظم هؤلاء وجهت إليه تهمة ازدراء الدين الإسلامي، مثل إسلام البحيري وإبراهيم عيسى، وبعضهم إضافة لازدرائه الإسلام، اتهم بازدراء المسيحية، مثل يوسف زيدان.

أما النقطة الأخرى المثيرة فهو ذكر الإمارات كطرف أوجد المؤسسة ويهيئ لها أسباب الانتشار والدعم. 

ولطالما شكلت الإمارات على مدار العقد الأخير مراكز هدفها الأول كبح جماح الفكر الإسلامي، والعمل كحائط صد ضد انتشار الإسلام.

الإمارات وتكوين 

وفي 9 مايو نشر موقع "الإمارات 71" المعارض تقريرا تحت عنوان "مؤسسة تكوين.. ذراع أبوظبي الجديدة للتشكيك في ثوابت الإسلام". 

وذكر أنه على الرغم من أن الموقع الإلكتروني لـ"تكوين" لم يكشف مصادر التمويل، إلا أن تصريحات الكتاب في المؤسسة تشير إلى أنه قادم من أبوظبي.

كما أن الرؤية والأهداف تتسق وأهداف مؤسسات مشابهة تدعمها الإمارات، وتركز على "تجديد الخطاب الديني بما يلائم مستجدات العصر" و"مكافحة التطرف".

وفي 10 مايو علق موقع "الإمارات ليكس" على الحدث، قائلا: "شكل إطلاق دولة الإمارات أخيرا مؤسسة (تكوين الفكر العربي) إمعانا إضافيا في جر أبوظبي إلى مستنقع جديد من الفشل وعداء العالم الإسلامي بخطاب مهزوز، يجرد سياسة الدولة من الثوابت". 

وذكر أن الترويج الذي يقوم به المركز المصنوع على عين الإمارات يسعى لتشويه المسلمات الفكرية، وإعادة النظر في الشبهات، والهجوم على رموز الإسلام من الصحابة وكبار التابعين والعلماء دون الأخذ في الحسبان وجود علماء متخصصين، وأكثر من ذلك تجاهلهم لمؤسسة الأزهر الشريف، أكبر جامعات العالم الإسلامي.

ووصل الأمر أن تصدر هاشتاج "أغلقوا مركز تكوين" موقع التواصل الاجتماعي "إكس" لعدة أيام. 

فيما تقدم عضو مجلس النواب المصري هشام الجاهل، بطلب إحاطة موجه لمجلس الوزراء ومشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء.

وأكد أن الأمر وصل إلى حد قيام مجموعة معروف عنها التشكيك الدائم في الثوابت الدينية وإنكار بعضها، بتدشين كيان لها، ليكون إضفاء لمشروعيتها، دون رادع من الدولة ومؤسساتها الدينية.

كما تقدم محامٍ ببلاغ للنائب العام ضد مجلس أمناء المركز، بصفته مشبوها يستهدف "ثوابت الإسلام" بشكل خاص، وطالب بضرورة إغلاقه. 

مؤمنون بلا حدود 

وعلى شاكلة مؤسسة تكوين، أطلقت الإمارات في مايو 2013 منظمة "مؤمنون بلا حدود"، تحت غطاء نشر الوعي في المغرب العربي. 

وعرفت نفسها عبر موقعها الإلكتروني بأنها "مؤسسة دراسات وأبحاث تسهم في خلق فضاء معرفي حر ومبدع لنقاش قضايا التجديد والإصلاح الديني في المجتمعات العربية والإسلامية".

ووفرت أبوظبي لتلك المؤسسة مصادر تمويل ضخمة، حيث أصدرت 4 مجلات، هي "يتفكرون" و"ذوات" و"ألباب" و"تأويليات"، وعمل فيها العشرات من الباحثين والصحفيين المغاربة.

وسرعان ما انتفض علماء ومفكرو المغرب ضد المؤسسة المشبوهة، حيث هاجم الباحث الإسلامي إبراهيم الطالب المؤسسة، ووصفها بأنها تحاول لبس الحق بالباطل وكتمان الحق عن علم ودراية، للوصول إلى هيمنة النظرة العلمانية للكون والإنسان والحياة.

كذلك رأى مدير المركز المغربي للأبحاث محمد الهلالي، أن "مؤمنون بلا حدود" محاولة إماراتية للردة على الربيع العربي.

لكن الهجوم الأشد على المؤسسة الإماراتية كان من نصيب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، القامة التاريخية لإسلاميي المغرب العربي، حيث قال صراحة إنها تؤول إلى الإلحاد.

وفي 6 أبريل/ نيسان 2024، قرر المغرب إغلاق مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" وتجميد أنشطتها كافة على أراضيه. 

وتعليقا على خبر الإغلاق، رأى عبد الرحيم المنار السليمي رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبر تدوينة بموقعه على “إكس” أن المؤسسة ليست بحثية علمية بل ذراع اختراق إماراتي للمغرب وهويته الإسلامية الفريدة.

رؤى تجديدية 

وعلق أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر محمد أبو زيد، على تدشين مركز "تكوين" والمراكز والمؤسسات الإماراتية المشابهة له بالقول إن هذه الإصدارات المشبوهة لنشر الإلحاد ومهاجمة الأديان ظاهرة ليست جديدة في عالمنا العربي والإسلامي، بل قديمة شهدت مدا وجزرا". 

وأضاف لـ"الاستقلال": “في خمسينيات وستينيات القرن الماضي انتشر الإلحاد تحت غطاء الماركسية والشيوعية ومذاهب جاءت من الاتحاد السوفيتي”.

وأردف: "كان هناك أنظمة ترعى تلك المذاهب، ثم اختفى كل ذلك كما حدث مع الاتحاد السوفيتي نفسه". 

واستدرك: "المثير أن تلك المراكز مثل تكوين، وقد بحثت في إنتاجهم الفكري المضمحل، فوجدتهم يتتبعون الشاذ من الروايات فضلا عن التدليس والجهل المتعمد، فيتكلمون في كبار الصحابة مثل ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي". 

وأتبع: "لكن هؤلاء لا يجرؤون على إصدار أطروحات عن الحكم العسكري والأمني؟ فلماذا لا يتحدث إبراهيم عيسى أو إسلام البحيري عما فعله العسكر والحكم الديكتاتوري في مصر خلال عقود؟". 

وتساءل: “لماذا لا يطالبون بمناخ من الحرية السياسية وحق تكوين الأحزاب والتعددية وإرساء قواعد الديمقراطية؟ لماذا لا ينتقدون (رئيس النظام المصري عبد الفتاح) السيسي أو (الرئيس الإماراتي محمد) ابن زايد أو (ولي العهد السعودي محمد) ابن سلمان؟”

وتابع تساؤلاته: "لماذا لا يطالبون بتجديد الخطاب السياسي لابن زايد وأن يتجاوز جمود الديكتاتورية ويسمح بمنافسة على الحكم وإدارة الدولة كما يحدث في أوروبا والعالم الحر الذي يضربون به المثل، فهذا هو عين التجديد والتطوير لبلادنا، لا في مناقشة قضايا قتلت بحثا عند علماء المسلمين من ألف سنة ويزيد". 

عين أوروبية على التطرف

لم تكتف الإمارات بالتشكيك وضرب الثوابت الإسلامية في الوطن العربي، بل امتدت أذرعها إلى أوروبا، حيث يعيش ملايين من المسلمين سواء المهاجرون القدماء أو الجدد.

ففي 28 يوليو/ تموز 2019، رصد "المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط" إطلاق دولة الإمارات، موقعا إلكترونيا يهدف إلى تشويه الدين الإسلامي وعمل الجاليات المسلمة في أوروبا.

وقال المجهر الأوروبي، وهو مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا إن "الموقع يحمل اسم - عين أوروبية على التطرف - تابع لمركز (هداية) الفكري الإماراتي، ويديره بشكل مباشر علي راشد النعيمي أحد أقطاب رجال الأمن والمخابرات الإماراتية وأحد المقربين من ولي عهد أبوظبي (كان محمد بن زايد في ذلك الوقت).

وذكر المجهر أن "عمل الموقع يعتمد على السعودي المثير للجدل كامل الخطي المعروف بمواقفه المعادية للتجمعات الإسلامية غير السلفية، وبهجومه المعلن على عمل الجاليات المسلمة في أوروبا".

وأسندت الإمارات إدارة تحرير الموقع للكاتبة الإيطالية اليمينية "سارة برزوسكيويتش" التي تعرف عن نفسها بأنها طالبة دكتوراه في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلان، وعملت كباحث زائر في برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن. ويقدم الموقع محتواه باللغات الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية والعربية.

وحسب المجهر الأوروبي فإن "الموازنة المخصصة لموقع (عين أوروبية على التطرف) تتجاوز مليون و300 ألف يورو سنويا وتعول عليه الإمارات لتعزيز وجودها في أوروبا ومحاربة أي أنشطة لخصومها فضلا عن تشويه منظمات الإسلام السياسي".

ورغم أن الموقع الإماراتي يقدم سياسته، بأنه لا يتسامح مع أي شكل من أشكال التمييز ضد أي دين، أو جنسية، أو عرق، أو لغة، أو جنس، لكن اهتماماته وتوجهاته جاءت ضد المهاجرين واللاجئين المسلمين في أوروبا.

الإمارات والإسلاموفوبيا 

وفي 29 مارس/ آذار 2019، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن بعض الأنظمة العربية هي المسؤول الأول عن انتشار معاداة الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، بسبب تعاونها مع بعض الأحزاب المتطرفة في دول أوروبية من أجل دعم أنظمتها المستبدة.

وقالت المجلة الأميركية: "إن 3 دول عربية وهي الإمارات ومصر والسعودية دعمت اليمين المتطرف في أوروبا خلال الأعوام الماضية من أجل تخويف الدول الغربية من جماعات الإسلام السياسي الذي تولى الحكم في بعض بلدان الربيع العربي عقب الثورات التي طالت المنطقة في 2011".

وأضافت: "تنفق الأنظمة العربية خاصة الإمارات، ملايين الدولارات على مؤسسات الفكر والرأي والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات الضغط جزئيا لتشكيل التفكير في العواصم الغربية حول الناشطين السياسيين المحليين المعارضين لحكمهم، والذين يعد الكثير منهم متدينين".

وفي 23 مايو/أيار 2019، قال رئيس مجلس الشورى الإسلامي في سويسرا عبدالله نيكولاس، خلال لقاء مع قناة الجزيرة القطرية: "هناك دول عربية من بينها الإمارات تحرض على المسلمين وتعطي معلومات لأحزاب سياسية مناهضة للمسلمين".

يذكر أن رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية "ماريان لوبون" وهي يمينية متطرفة معادية للإسلام والمهاجرين، سبق لها الترشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية، قالت في نقاش تلفزيوني مطلع مايو 2015: "علينا تطوير علاقاتنا مع الدول التي تحارب الإسلاميين مثل روسيا، والإمارات، ومصر وغيرها من الدول".