على غرار الشيعي.. ما فرص نجاح الحلبوسي بتشكيل إطار سني بالعراق؟
الحلبوسي يسعى إلى نسخ التجربة الشيعة والكردية وتطبيقها على الواقع السني
في خطوة جديدة على الساحة، أعلن السياسي السني رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، أنه يسعى إلى تطبيق ما أسماها "نظرية جديدة" في إدارة المشهد السياسي للمكون، تشبه في واقعها ما هو موجود حاليا لدى المكونين الشيعي والكردي.
"النظرية الجديدة" المطروحة تعتمد على أن من يتزعّم السنة ليس بالضرورة أن يكون صاحب المنصب الأعلى للمكون المتمثل برئاسة البرلمان، وفق العرف السياسي السائد، خصوصا أن المناطق ذات الغالبية السنية تجذبهم السلطة التي كانوا يديرونها قبل عام 2003.
"القيادة للسياسي"
وعن تفاصيل الطرح الجديد، قال رئيس حزب "تقدم" السني محمد الحلبوسي إنه يسعى إلى "تغيير نظرية إدارة المشهد السياسي للسُنة، وذلك بأن يبقى هو يتزعمهم من دون توليه منصبا في الدولة، وإنما عبر العمل السياسي كرئيس لحزبه الحالي".
الحلبوسي، أوضح خلال مقابلة تلفزيونية من جزأين عُرضت في يومي 11 و12 مارس/آذار 2024، أنه حتى لو عرض عليه منصب رئاسة البرلمان مرة ثانية، فلن يقبل به، "لأن إدارة مفاوضات سياسية ومنصب في الدولة معا، أمر مركب يصعب القيام به".
وبناء على ذلك، أكد الحلبوسي أنه "سيتفرع لإدارة الحزب وتحقيق المكاسب في الانتخابات كما يعمل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، وقادة المكون الشيعي، مقتدى الصدر وعمار الحكيم وهادي العامري ونوري المالكي وغيرهم".
ولفت إلى أنه "صحيح أن المكوّن السني تجذبه السلطة ويسير وراء صاحب المنصب الأول، لكنه قادر على تغيير هذه النظرية خلال المرحلة المقبلة، وقبول أن يتصدر السياسي المشهد من دون تسلمه منصبا في الدولة، وهذا ما يعمل عليه حاليا داخل تنظيماته الحزبية".
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أنهت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية بالبلد) عضوية الحلبوسي البرلمانية، وذلك بعد دعوى ضده بتهمة تزوير إقالة عضو في البرلمان.
وتولى الحلبوسي (43 عاما) رئاسة البرلمان في 9 يناير/ كانون الثاني 2022، وهو أول من يعاد انتخابه رئيسا للبرلمان للمرة الثانية منذ عام 2003، وأصغر سياسي عراقي استطاع في غضون سنوات قليلة الدخول لعالم السياسة وحجز مكانة بارزة في المشهد، ولاسيما السني منه.
وفاز برئاسة البرلمان للمرة الأولى في عام 2018 واستمر حتى 2021، إذ جرت انتخابات مبكرة استجابة للمظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقتل فيها نحو 800 متظاهر برصاص القوات الأمنية والمليشيات الموالية لإيران.
كانت أول تجربة سياسية له، حين انتخب نائبا في البرلمان في الدورة البرلمانية 2014 إلى 2018، وشغل عضوية لجنة حقوق الإنسان في 2014 إلى 2015 واللجنة المالية في 2015 إلى 2016، ثم رئيس اللجنة المالية من 2016 إلى 2017.
وفي 29 أغسطس/آب 2017، انتخب مجلس محافظة الأنبار الحلبوسي محافظا خلفا لصهيب الراوي الذي أقيل من منصبه، جرّاء خلافات سياسية بين الكتل المتنافسة في المحافظة.
مهمّة صعبة
ما يطرحه الحلبوسي في الوقت الحالي، تحكم عليه التجارب السابقة بالفشل، وذلك إذا جرت مقارنته مع من تولى رئاسة البرلمان من قادة السنة سابقا، وتراجعت شعبيتهم تدريجيا بعد مغادرتهم المنصب، وباتوا الآن خارج الحسابات السياسية العراقية، لا سيما في الساحة السنية.
الشخصيات السنية التي تولت رئاسة البرلمان منذ عام 2005، حتى وصوله إلى الحلبوسي، هي: حاجم الحسني، محمود المشهداني، إياد السامرائي، أسامة النجيفي، وسليم الجبوري.
وهؤلاء من بينهم المشهداني فقط نائب حالي بالبرلمان، أما الباقون فحضورهم السياسي شبه مندثر.
وكذلك الحال بالنسبة لقادة آخرين تقلدوا مناصب عليا بعد عام 2003، وهم نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، ونائبا رئيس الوزراء، صالح المطلك، ورافع العيساوي، إذ يحاول الأخير العودة للمشهد السياسي، فيما لا يزال الأول مُبعدا من البلاد بعد تلفيق اتهامات له بالإرهاب في 2011.
وتعليقا على ذلك، قال مصدر سياسي عراقي قريب من تحالف "الحسم الوطني" السني، إن "محمد الحلبوسي طموحه زعيم سنّي وراعي لمشروع سياسي مدعوم من الخارج، خصوصا من دولة الإمارات العربية المتحدة".
وأضاف المصدر لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته، أن "الجمهور السني يتبع صاحب المنصب حتى لو كان شيعيا، وعلى هذا الأساس فإنه من الصعوبة بمكان أن يقود الحلبوسي السنّة كلهم، ولكنه سيظل مؤثرا على خصومه بالتأكيد".
من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن "نظرية الحلبوسي الجديدة التي يروّج لها حاليا، سيكتب لها الفشل حتما، خصوصا أن مقارنته بزعامات كردية أو شيعية أمر غير قابل تماما للتطبيق على الواقع السياسي والشعبي السني، لأسباب عدة".
وأوضح العبيدي أن "واحدة من الأسباب، هو أن قادة الشيعية يمتلكون مليشيات وأموال ونفوذ في السلطة منذ عام 2003. كذلك، القوى الكردية، تملك شبه دولة مستقلة في إقليم كردستان، كونهم لديهم قوات عسكرية ومؤسسات مالية وأمنية وسياسية مستقلة تديرها الأحزاب هناك".
ولفت إلى أن "القيادي السني بمجرد خروجه من منصبه في الدولة، فإنه سيصبح شخصية بلا أدوات للمطالبة بحقوق المكوّن، وهذا سيؤدي بالتالي إلى انسحاب تدريجي من الشركاء السنة أولا، ثم الحلفاء الآخرين من الشيعة والأكراد، إضافة إلى سحب الدعم الإقليمي عنه من دول عربية أو غيرها".
الأمر الآخر، يضيف العبيدي، متسائلا: "ما الذي يضمن للحلبوسي إذا قدّم شخصية من حزبه لتتولى رئاسة البرلمان ألا تنقلب عليه وتسعى إلى زعامة المكوّن السني كما فعل هو وغيره ممن سبقوه، خصوصا أن المغريات كبيرة من القوى الشيعية، وحتى دول الجوار سواء إيران أو غيرها".
تجربة سابقة
وفي أبريل/نيسان 2023، قاد الحلبوسي حراكا سياسيا في الساحة السنية، من أجل تشكيل "إطار تنسيقي سني" يوازي ما هو موجود لدى الجانب الشيعي، والذي يضم حاليا كل القوى السياسية الشيعية باستثناء التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر.
وفي الوقت الذي تحدث فيه البعض حينها عن سعي الحلبوسي من خلال تشكيل "الإطار السني" لمواجهة القوى الشيعية والدفع باتجاه تحقيق مطالب السنة التي لم تلزم الحكومة بتنفيذها، فإن مناوئيه يرون أنه حاول إيجاد طوق نجاه بعد تصاعد الدعوات لإقالته من منصب رئاسة البرلمان.
وقالت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 10 أبريل 2023 إن "الحلبوسي وجه دعوة لجميع القيادات السياسية السنية في العراق السابقة والحالية وعلى رأسها سليم الجبوري، أسامة النجيفي، صالح المطلك، خميس الخنجر، رافع العيساوي، جمال الكربولي، مثنى السامرائي، محمود المشهداني، وغيرهم لاجتماع في مقر إقامته ببغداد".
ولفتت إلى أن "الهدف من دعوة الحلبوسي، كانت بحث إمكانية تشكيل (إطار تنسيقي سني) حتى يكون قادرا على مواجهة (الإطار الشيعي) سياسيا وفرض تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية للمكوّن، بعد توحيد بيت السنة تحت سقف واحد، كما عمل على ذلك الشيعة".
وأشارت الوكالة إلى أن "غالبية القيادات السنية البارزة رفضت فكرة تشكيل الإطار التنسيقي السني وأبلغت الحلبوسي بذلك، وأغلبها قاطع الاجتماع، مع استمرار الأخير بإقناع أكبر عدد ممكن من القيادات لتلبية دعوته".
وجاءت مساعي تشكيل "الإطار التنسيقي السني" بقيادة الحلبوسي، في محاولة من الأخير لتشكيل قوة ضغط سياسية تدعمه للبقاء في منصبه رئيسا للبرلمان بعد أن تحدثت جهات سياسية واجتماعية سنية عدة وكتل شيعية ونواب مستقلون عن التوجه لإقالته وقتها من منصبه، وفقا للوكالة.
وقبل ذلك بيوم واحد، غرد النائب السابق مشعان الجبوري، على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، قائلا: "يمكنني تأكيد أن أسامة النجيفي، وخميس الخنجر، ومثنى السامرائي، ورافع العيساوي، ومَن معهم، وبما يمثلونه من عناوين، لن يكونوا جزءا من الإطار التنسيقي السني الذي يسعى محمد الحلبوسي لتشكيله".
وأضاف: "وتقول الشائعات إن محمود المشهداني، وسليم الجبوري، وصالح المطلك، سينضمون له".
وعلى الوتيرة ذاتها، كتب حيدر الملا العضو السابق في حزب "تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي، تغريدة في 10 أبريل، قال فيها إن "الإطار التنسيقي السني المزعوم، رغم التحفظ على كونه ترسيخا للطائفية حال الإطار الشيعي، يمكن القبول به لو كان يستهدف تحقيق المطالب وتطبيق القانون وترسيخ منطق الدولة، وليس طوق نجاة لشخص يغرق على زعامة كرتونية".