قيرغيزستان وأوزبكستان تكشفان عن أنفاق عميقة بين حدود البلدين.. ما القصة؟
"هذه المنطقة هي الأكثر كثافة سكانية في آسيا الوسطى"
في الأيام الأخيرة، كشفت قوات الأمن في قيرغيزستان وأوزبكستان عن أنفاق عميقة في باطن الأرض تربط حدود البلدين.
وأوضحت صحيفة "إزفيستيا" الروسية أن هذه الأنفاق يبلغ طولها مئات الأمتار في المنطقة الحدودية وتستخدم في أنشطة إجرامية و"تجارة الظل".
تهريب عابر للحدود
نقلا عن تقارير استخباراتية، تذكر الصحيفة أن أحد ضباط أمن الدولة في قيرغيزستان وأوزبكستان أجرى عملية كُشف من خلالها عن مجموعة من المهربين.
وتشير إلى أنه في البداية، اعتقل أحد السكان المحليين في مدينة أنديجان على المنطقة الحدودية وبحوزته كمية من الذهب والهواتف الذكية.
ثم بعد ذلك، خلال الأنشطة العملياتية، عثرت قوات الأمن على شركائه وبدأت بتفتيش جميع المنازل والشقق التابعة لهم.
وبحسب الصحيفة، عُثر خلال عمليات البحث على 3.8 آلاف هاتف محمول وأكثر من ألف أداة أخرى، بالإضافة إلى 1.7 كجم من الذهب والمجوهرات.
وفي بيان له، صرح جهاز أمن الدولة في أوزبكستان بأن "القيمة الإجمالية للبضائع تقدر بـ 900 ألف دولار".
وأعلن أن "أنشطة مجموعة إجرامية عابرة للحدود قُمعت، حيث تتكون من مواطنين من أوزبكستان وقرغيزستان وتعمل في مجال التهريب".
وفي وقت لاحق، عثرت القوات الأمنية على نفقين تحت الأرض كان المهاجمون ينقلون عبرهما البضائع بين الدول.
ووفق ما أوردته الصحيفة الروسية، انطلق "المترو" من مدينة خان آباد في منطقة أنديجان في أوزبكستان إلى قرية بيكاباد في منطقة جلال آباد في قيرغيزستان.
وبحسب التقديرات، يقع كلا الممرين تحت الأرض على عمق 20 مترا، ويبلغ عرضهما 70-80 سم وارتفاعهما 180 سم، كما أن طول النفق الأول يبلغ 350 مترا والثاني 135 مترا.
وعلى أثر هذا الحدث، تلفت الصحيفة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلت بشكل كبير مع الأخبار ذات الصلة. حيث أوصى بعض النشطاء بإشراك المسجونين في بناء الأنفاق الجبلية، في حين أبدى آخر إعجابه بعملهم الجاد.
ليست سابقة
وبالإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى، تؤكد "إزفيستيا" أنه "في وقت سابق، عُثر على أنفاق تحت الأرض في وادي فرغانة على الحدود بين أوزبكستان وقرغيزستان".
جدير بالذكر أن هذه المنطقة هي الأكثر كثافة سكانية في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى أن الحدود بين البلدين غالبا ما تكون على مقربة من المناطق السكنية، وفق ما ورد عن الصحيفة.
وفي يونيو/ حزيران 2022، بالقرب من مدينة ريشتان، أوقف حرس الحدود الأوزبكي سيارة مشبوهة، وعثروا فيها على 2.7 ألف هاتف محمول بقيمة 660 ألف دولار.
وبعد ذلك، فتشت قوات الأمن منزل السائق، حيث عثرت على ممر تحت الأرض بين الحدود. وبحسب ما نُشر في ذلك الوقت، حُفر الممر على عمق 10 أمتار وطوله 128 مترا.
وحينها، تقول الصحيفة إن "القوات الأمنية أُعجبت بشكل خاص بالمصعد الذي أتاح إمكانية النزول والصعود من النفق".
وخلال التحقيق، تبين أن أحد السكان المحليين اشترى منزلين على جانبي الحدود، وأحاطهما بسياج عال.
كما يُزعم أنه أنشأ منشأة إنتاج صغيرة في كلا الموقعين، وقد مكنت هذه التدابير من اجتلاب العمال وتحرك شاحنات النقل المليئة بالتراب الناتج عن الحفر.
وبعد افتتاح النفق، بدأ الرجل بتهريب هواتف محمولة وأدوية وأقمشة وبضائع أخرى إلى أوزبكستان.
وفي مايو/ أيار عام 2023، تذكر الصحيفة الروسية أن المحكمة حكمت على منظم مخطط التهريب بالسجن سبع سنوات. كما حُكم على شريكين آخرين بالسجن، وعُوقب ثلاثة أشخاص بالعمل الإصلاحي.
وبحسب بيانات رسمية، فقد حُولت الممتلكات المضبوطة إلى ملكية الدولة، إضافة إلى ردم النفق نفسه.
تاريخ من التهريب
وفي هذا الإطار، يصف خبراء، التهريب بأنه "إحدى المشاكل الرئيسة في آسيا الوسطى". ومن المعروف أن "أحد أكبر طرق تهريب المخدرات في العالم يمر عبر هذه المنطقة".
وتقول الصحيفة إنه "لا تزال احتياطيات كبيرة من المخدرات متمركزة في المقاطعات الشمالية من أفغانستان، حيث تُنقل بطريقة غير مشروعة إلى روسيا والاتحاد الأوروبي".
ومن المعروف أن "حركة طالبان تكافح مع هذا الوضع، وكان أحد التدابير هو فرض حظر كامل على زراعة الخشخاش في البلاد". لكن خبراء يؤكدون أن "الوضع لا يزال صعبا".
حيث يقول أتاجيلدي يازليف، مدير مركز تنسيق مكافحة تهريب المخدرات في آسيا الوسطى: "تشير إحصاءاتنا إلى زيادة في عمليات التهريب. وفي رأيي قد يكون هذا بسبب بيع مخزون الأدوية الموجود".
ووفقا له، واستنادا إلى نتائج التسعة أشهر من عام 2023، فقد ضُبط ضعف عدد المواد المحظورة في المنطقة مقارنة بنفس الفترة من عام 2022.
وبالنظر إلى الاتجاه المعاكس، من الشمال إلى الجنوب، توضح الصحيفة أن "الوقود ومواد التشحيم والمنتجات النفطية تُهرب أيضا".
ففي الشهرين الأولين من عام 2023، مُنعت 288 محاولة لتصدير الوقود بشكل غير قانوني بحجم إجمالي قدره 90 ألف لتر في كازاخستان وحدها.
ووفق ما يقوله الخبراء، فإن التهريب يحقق أرباحا كبيرة، حيث يتضاعف سعر الوقود عندما يُباع مرة أخرى.
ومن بين الأسباب التي تسهم في انتشار التهريب، تسلط الصحيفة الضوء على وجود اقتصاد الظل والفقر والبطالة والاختلافات الملحوظة في الأسعار والضرائب غير المباشرة على نفس السلع.
وسبب آخر -في رأي الصحيفة- هو ضعف مؤسسات الدولة وفساد المسؤولين.
ويلفت الخبير السياسي، ألكسندر كوبرينسكي، الانتباه إلى الأسباب الاجتماعية لتجارة الظل. حيث يقول إن "الناس ليس لديهم مكان للعمل، لكن أسرهم تحتاج إلى الطعام. وفي مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يستمر حفر الأنفاق".
ومضى الخبير يقول إن "المهربين يتعاونون مع المسؤولين على مختلف المستويات"، مدعيا أن "كثيرا من الأنفاق الموجودة تحت الأرض لم تُفتح بعد".