"معامل إنتاج".. خطة وزير التعليم العراقي في ضم شباب الجامعات لمليشيات إيران

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

ضمن خطة تهدف إلى ضخ دماء جديدة في المليشيات الموالية لإيران، يعمل وزير التعليم العالي في العراق، نعيم العبودي، على تحويل الجامعات العراقية إلى معامل إنتاج شباب يحمل فكر ولاية الفقيه، بعدما كانت محركا لأكبر احتجاجات شعبية في البلاد. 

في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، تفجرت احتجاجات شعبية هي الأكبر في تاريخ العراق الحديث، كانت مادتها الأساسية طلاب الجامعات والثانويات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، طالبت بمحاكمة جميع الأحزاب التي تولت السلطة منذ عام 2003 وحتى اليوم.

لكن هذه الاحتجاجات- وبحجة أنها مدعومة أميركيا- جوبهت بقمع شديد من الأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية لإيران عبر غرفة عمليات كان يديرها قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، ما أسفر عن مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 25 ألفا.

ثورة مضادة

على مدى عامين من تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، جرى "بيع" وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى إيران، وذلك حسب تصريح أدلى به النائب العراقي، سجاد سالم، خلال مؤتمر ببغداد أقامه "المرصد العراقي لحقوق الإنسان" في 21 يوليو/ تموز 2024. 

وقال رئيس تحالف "قيم" المدني إن "العراق في الوقت الحالي ومع هيمنة إيران عليه كليا، يعيش مرحلة الثورة المضادة (للاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019)، والتي استهدفت كل رؤى وطموحات التغيير، وركزت بشكل أساسي على الجامعات العراقية".

وأوضح سالم، وهو نائب شيعي، أن "الجامعات العراقية كانت حاضنة الثورة (احتجاجات أكتوبر) عام 2019، لكن جرى تسليمها إلى المليشيات والتي باعتها بالجملة لإيران"، في إشارة إلى تسمية القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي وزيرا للتعلم العالي.

وشدد النائب على أن "وسائل وآليات النظام الحالي في العراق لتحقيق العدالة باتت معدومة، وذلك بعد الهيمنة الإيرانية الكبير على البلاد، وعليه فلا بد أن يكون الجهد الدولي حاضرا في التحقيق والمحاكمة، وبدونه لا عدالة ولا عقاب في العراق". 

واتهم سالم من وصفهم بـ"بعض" من يمارس اليوم الطقوس الشيعية في كربلاء بذكرى استشهاد الحسين بن علي (حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) بأنهم هم من قتل المتظاهرين في احتجاجات تشرين 2019.

وعلى وقع هذه التصريحات، شنت وسائل إعلام تابعة للمليشيات الموالية لإيران بالعراق، هجوما على النائب سجاد سالم ووصفته بـ"اللقيط" ودعت الكتل البرلمانية الشيعة إلى التصويت على سحب الثقة منه وإقالته من عضوية البرلمان العراقي.

وفي المقابل، أشاد ناشطون عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي بشجاعة النائب سجاد سالم وقوله ما لم يستطع أحد التصريح به من قبل، وطالبوا بمساندته شعبيا خشية تصفيته على يد المليشيات في البلاد.

وعلق الناشط العراقي، عمار المهندس، عبر تغريدة على "إكس" في 21 يوليو/تموز 2024، قائلا: "الكل سمع حديث النائب الشجاع، سجاد سالم، في خطاب قل نظيره خصوصا في الفترة الحالية نتيجة تخاذل أو انسحاب البعض من نواب وناشطين الحراك فوجب على الجميع دعمه شعبيا وسياسيا ضد الهجمة التي انطلقت عليه من القنوات الولائية (موالية لإيران)". 

"دماء جديدة"

وعلى الوتيرة ذاتها، كشف تقرير صادر عن "معهد واشنطن" في 9 يوليو، أن "المواجهة الحاسمة لاستيلاء أعضاء هيئة التدريس والطلاب الموالين لإيران على وزارة التعليم العالي العراقية، من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على تقويض مساعي المليشيات لتجنيد جيل جديد من المقاتلين".

وأوضح التقرير أنه "منذ تولّي حكومة محمد شياع السوداني (أكتوبر 2022) كان مفاجئا السعي الحثيث لمليشيا عصائب أهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي) لتولّي مسؤولية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تشرف على أكثر من مليون طالب".

رغم من أن الولايات المتحدة أدرجت "عصائب أهل الحق" على لائحة المنظمات الإرهابية، ويخضع زعيمها قيس الخزعلي للعقوبات، إلا أن المليشيا تتمتع بامتيازات قوية ونفوذ واسع ومزايا مالية بفضل نشاطها داخل بعض القطاعات الحكومية العراقية.

وأشار التقرير إلى أن "موقع العصائب في التعليم العالي يعطيهم الفرصة لتعويض النقص الحاصل في الكوادر الشابّة لدى المليشيات، والسعي لتقويض الحركات الإصلاحيّة الشبابيّة والتي تمتلك مواقف إيجابيّة تجاه المجتمع الدولي العاملة بين أوساط طلبة الجامعات".

ولفت إلى أن "مثل هذه الحركات الطلّابية كانت الوقود الأساسي للاحتجاجات التشرينيّة عام 2019، والتي ساهمت بتقويض سلطة الميليشيات ووضعهم في صدامٍ مباشر مع المجتمع العراقي (خاصة في المناطق الوسطى والجنوبيّة ذات الغالبيّة الشيعية) وطموحات المواطنين العراقيين المشروعة بحياةٍ أفضل ودولة خالية من النفوذ الإيراني".

وهكذا، بحسب التقرير، "عملت المليشيات على الحد من تأثير هذه المجموعات الطلابية وتكميم أصواتها من خلال تقديم سرديتها الخاصة".

وتابع: "بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي) في عام 2020، عملت الفصائل على محاكاة النموذج الإيراني المعروف بولاية الفقيه وقامت بتكريس صورة المهندس كبطل وطني في مختلف المجالات العامّة في العراق، بدءًا من الصور في الشوارع والساحات والحدائق العامّة ودوائر الدولة، وليس انتهاءً بقطّاع التعليم".

ونوه التقرير إلى أنه "تم تأسيس ما يُعرف بـ(تجمع أبناء المهندس) الذي يتصدّى بشكل أساسي للعمل في أوساط الجامعات والكليّات ومحاولة كسب الشباب إلى قضايا مشروع ولاية الفقيه المختلفة، وخلق حواضن اجتماعية جديدة للمليشيات المسلحة تحت ذرائع مواجهة الاحتلال الأميركي".

وبيّن المعهد أن "تجمع أبناء المهندس لم يلقَ استجابة بين أوساط طلبة الجامعات، ولا التسهيلات المالية والتنظيمية الكافية للقيام بنشاطاته إلّا بعد تولّي نعيم العبّودي منصب وزير التعليم العالي في عام 2022، ومساهمته في توفير الغطاء الحكومي اللازم لهم، لاجتذاب عناصر جديدة".

وأردف: "يعمد هذا التجمع على تركّيز ترسيخ صورة الحشد الشعبي إزاء بقية مؤسسات الدولة الأمنية، والترويج لأبو مهدي المهندس، وتسويق إيران على أنّها الحامية الوحيدة للمذهب الشيعي وضرورة أن يتعاطف شيعة العراق معها". 

وبحسب التقرير، فإن المناصب العليا للوزارة تشغلها شخصيات ولائية، منهم: "وكيل الوزارة للبحث العلمي حيدر الربيعي، ووكيل الوزارة الإداري علي الشكري، وأسعد غني مدير عام الدائرة المالية، وحازم باقر، مدير عام دائرة البعثات، وحسين علي حميد، مدير التعليم الأهلي".

"تغيير مستمر"

وبخصوص سياسات العبودي في وزارة التعليم، أوضح عبد الله الجاسم، الأكاديمي في إحدى الجامعات العراقية أن "العبودي شخصية مليشياوية لا يستطيع أحد محاسبته حتى رئيس الحكومة، لأن عصائب أهل الحق هي من تدير الوزارة بشكل مطلق". 

وأضاف الجاسم لـ"الاستقلال" أن "انتقاد أو اعتراض الكوادر التدريسية أو الوظيفية على قرارات وسياسات الوزير من شأنه أن يسبب مشكلات كبيرة لهم، أقلها النقل إلى مؤسسات بعيدة، أو تلفيق تهمة الإرهاب، خصوصا إذا كان من المكون السني".

وأوضح الأكاديمي العراقي أن "العديد من عمداء الكليات ينتمون إلى عصائب أهل الحق أو المليشيات الموالية لإيران، وباتت مظاهر الحشد الشعبي شيئا اعتياديا داخل الحرم الجامعي،- الذي هو أمر مخالف للقوانين-، بعدما تخلصنا منها في مرحلة احتجاجات تشرين عام 2019".

وفي سابقة لم تحصل ممن تولى إدارة الوزارة قبله من السياسيين الشيعة في مرحلة ما بعد عام 2003، أقدم الوزير العبودي على إلزام اللجنة العلمية في التعليم العالي على تضمين كتب مراجع شيعة في المناهج الدراسية، وتحديدا محمد باقر الصدر، ومحمد محمد صادق الصدر.

تعرضت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية إلى هزات طائفية عدة في مرحلة ما بعد عام 2003، وكان من أكثرها مأساوية هي حادثة اختطاف نحو 100 موظف من دائرة البعثات الثقافية في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 وسط بغداد، بسيارات حكومية تابعة إلى وزارة الداخلية.

وعلى إثر ذلك، أصدر وزير التعليم العالي عبد ذياب العجيلي في 15 نوفمبر 2006، أمرا بتعطيل الدراسة في الجامعات العراقية "مؤقتا" وإلى حين تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد.

وقال العجيلي، وهو وزير سني وعضو في "جبهة التوافق" السنية آنذاك، إنه كان طلب من وزارتي الداخلية والدفاع توفير حماية أكبر لطاقم وزارته لأنه كانت لديه معلومات أنهم مهددون بهجوم.

وأضاف وزير التعليم العالي أن "ما حدث هو اختراق أمني كبير، خصوصا أن المنطقة التي توجد بها هذه المكاتب تعج بنقاط التفتيش سواء التابعة للشرطة أو للجيش"، مؤكدا أن المسلحين الذين كانوا يرتدون زي الشرطة "زعموا أنهم من العاملين لدى وزارة الداخلية".

وتحدثت تقارير صحفية في وقتها أن أغلب المختطفين من دائرة البعثات هم من المكون السني، باستثناء بعض الأشخاص من الطائفية الشيعية الذين أفرج عنهم بعد ساعات من العملية، فيما فقد أثر الآخرين في حينها.

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2012، كشفت صحيفة "المدى" العراقية نقلا عن مسؤول أمني عراقي (لم تكشف هويته) أنه عثر على مقبرة جماعية في منطقة السدة على أطراف مدينة الصدر تعود لموظفين لدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي اختفوا في 2006.

وأوضح المصدر للصحيفة المحلية أن "قوة أمنية عثرت على 16 جثة دفنت بشكل جماعي في منطقة السدة التابعة لمدينة الصدر في بغداد تعود- بحسب اعترافات أحد المعتقلين- إلى موظفين تابعين لدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي الذين اختطفوا عام 2006".

ومنذ انتهاء مدة تولي السياسي السني عبد ذياب العجيلي منصبه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق، والتي استمرت 4 أعوام بداية من 2006 إلى 2010، لم تمنح الوزارة إلى شخصية سنية أبدا، إذ إنها أصبحت منذ ذلك الحين من حصة المكون الشيعي.