فساد ونصب وتزوير.. تهم تلاحق نواب أغلبية أخنوش في برلمان المغرب
“هذه الأرقام تفرض على الدولة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها"
حملة قضائية قوية ومتواصلة يشهدها المغرب ضد النواب في المؤسسة التشريعية، لامست 30 برلمانيا قابعا في السجون بتهم عديدة، أبرزها الفساد المالي وتبديد واستغلال النفوذ وأيضا الاتجار بالمخدرات.
وفي رقم صادم وغير مسبوق، كشف إعلام محلي عن عدد البرلمانيين في السجون، يتصدرهم حزب “التجمع الوطني للأحرار” قائد الائتلاف الحكومي برئاسة عزيز أخنوش، فضلا عن حزبي الأغلبية، "الأصالة والمعاصرة"، و"الاستقلال".
نخب فاسدة
وقالت صحيفة “الصباح” المغربية في 16 يوليو، إن "عدد البرلمانيين المتابعين بتهم الفساد، والتلاعب في الصفقات العمومية، وتبديد الأموال العمومية، والارتشاء والابتزاز، والاختلاس، وتزوير وثائق، بمختلف المحاكم ارتفع من 30 برلمانيا إلى 34 من مختلف الفرق، أغلبية ومعارضة".
وذكرت أن “المحكمة الدستورية ستبت في باقي ملفات البرلمانيين، الذين ستتم إحالتهم عليها قريبا، لتطبيق القانون في حقهم كي يكونوا عبرة لغيرهم”.
ولفتت الصحيفة إلى أن “المحكمة الدستورية تشتغل ببطء على ملفات البرلمانيين المتابعين قضائيا، إذ جردت فقط 10 من عضويتهم بمجلس النواب (البرلمان)، من أصل 34 متابعا، بعد إدانتهم بأحكام نهائية بتهم الفساد والتلاعب في الصفقات العمومية، وتبديد أموال عمومية”.
من جانبه، كشف الصحفي محمد اليوبي في 20 يوليو عن حصيلة البرلمانيين والمنتخبين والمسؤولين المعتقلين أو قيد المحاكمة خلال سنة واحدة فقط.
وقال اليوبي في منشور عبر فيسبوك: “أقدم لكم الحصيلة السنوية لمقالات جريدة الأخبار، 30 برلمانيا رهن الاعتقال بالسجن، و44 برلمانيا يتابعون أمام محاكم جرائم الأموال”.
ومن بين نحو 34 عضوا بمجلس النواب ، تم إصدار أحكام قضائية في حقهم أو متابعون قضائيا، بينهم من الائتلاف الحكومي 8 من حزب “التجمع الوطني للأحرار” و6 من “الأصالة والمعاصرة” و3 من “الاستقلال”، والباقي من أحزاب أخرى.
من جهته، قال الباحث في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، إن "الملاحظ أن هذه الولاية البرلمانية الحالية من أكثر الولايات التي يتابع فيها نواب في المحاكم بتهم ثقيلة".
وأضاف الإدريسي لـ"الاستقلال" أن "هؤلاء المسجونين وجدوا فرصة الالتحاق بهذه الأحزاب، للاحتماء بالحصانة البرلمانية والاستقواء على السلطات. القضائية لكن الواضح أمامنا أن هناك سياسة جديدة في التعامل مع هذه الحالات".
ورأى أن المملكة ”تشهد حملة لتنظيف المشهد السياسي، ورسالة للمفسدين بعدم الاختباء مستقبلا وراء الأحزاب الإدارية (المقربة من السلطة) لإخفاء جرائمهم المالية".
واستدرك الإدريسي قائلا: "لكن كان يفترض من السلطة القضائية التدخل من البداية أي فترة تقديم الأحزاب التزكيات لهؤلاء الأشخاص للترشيح للانتخابات التشريعية، لأن الواضح جليا أن الهدف (من مدبري الخريطة السياسية) كان هو تصدر هذه الأحزاب لنتائج الانتخابات دون النظر لصورة المؤسسة التشريعية جراء هذه الخطوة غير المحسوبة".
وقال الناشط السياسي، العربي إمسلو: "إذا كان هذا حال أعضاء البرلمان، ممثلي الأمة أو هكذا يفترض، بعد أقل من ثلاث سنوات من انتخابهم، فكيف سيكون حال من دونهم من المنتخبين؟".
وأضاف إمسلو في تدوينة عبر فيسبوك: "مستقبل قاتم تنذر به هذه الوقائع مؤسسات البلد وترهن مستقبله وتدخله في أنفاق المجهول".
وتشكلت الحكومة المغربية، التي تضم 24 وزيرا إضافة إلى رئيسها أخنوش، بناء على نتائج الانتخابات التشريعية، التي جرت في 8 سبتمبر/أيلول 2021.
وحصل “التجمع الوطني للأحرار” (وسط)، في الانتخابات على 102 مقعد برلماني (من أصل 395)، متبوعا بـ"الأصالة والمعاصرة" (ليبرالي) ثانيا بـ86 مقعدا، يليهما "الاستقلال"(محافظ) بـ81 مقعدا.
انتخابات مبكرة
وأمام هذه “الحملة التطهيرية” للبرلمان ارتفعت أصوات تدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة حفاظا على “صورة” المؤسسة والبلاد.
وقال الناشط السياسي محمد عليوي: "في عهد هذه الحكومة رقم قياسي في عدد البرلمانيين المتابعين قضائيا والمحكومين بتهم مختلفة كما هو الشأن للعديد من المنتخبين الكبار (..) ما يعني أن المغرب يحتاج إلى مراجعة شاملة لمدونة (قانون) الانتخابات وإصلاح حزبي من أجل إفراز نخبة سياسية نزيهة قادرة على النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمملكة".
وأضاف عليوي عبر فيسبوك في أن "الأحزاب لم تعد تنتج النخب، ومقراتها مغلقة ولا يهمها التكوين ولا المناضل ولا تأطير المواطنين، ولا يهمها القواعد بقدر ما يهمها المقعد الذي قد يأتي من شخص يشتري الأصوات ويحصل على رقم بأي طريقة يعزز به موقعه في سبورة الترتيب".
ورأى أن “الأحزاب جزء كبير من مشكلة المغرب، فالشعب لا يثق في الأحزاب، لأنها اندمجت مع الإدارة وأصبحت تبحث عن التقرب للسلطة أكثر من تقربها للمواطن”.
ولفت عليوي إلى أن "الانتخابات لا يمكن أن تعطينا أي نتيجة بهذه الأحزاب التي فقدت شرعيتها ومصداقيتها ولا تهتم بهموم ومشاكل المواطنين".
وذكر أن "الانتخابات ببلدنا يقاطعها الكفاءات والأطر بسبب الفساد الذي لا يمكن حجبه بالغربال" .
وقال عليوي: "أعتقد أن المغرب في حاجة الى انتخابات سابقة لأوانها بقوانين صارمة، من أجل انتخابات نزيهة ومراقبة صارمة لكل من يريد إفساد العملية الانتخابية، مع دعوة مصالحة مع الكفاءات والشباب لاقتحام المجال السياسي بضمانات النزاهة".
بدوره، شدد الصحفي اليوبي في تدوينته على أن “هذه الأرقام تفرض على الدولة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، لأن انتخابات 8 سبتمبر 2021 أفرزت نخبا فاسدة لن تصلحها مدونة الأخلاقيات التي أعطى الملك محمد السادس تعليماته لإخراجها (تم المصادقة عليها في 16 يوليو 2024)”.
فيما يرى الباحث في العلوم السياسية، الإدريسي أن “الحديث عن انتخابات مبكرة مطلب سياسي يلقى صدى في الدول الديمقراطية، خاصة في ملفات يكون طابعها الأساسي الفساد المالي والمخدرات”.
وأضاف “نحن أمام حالة استثنائية، لكن طبيعة أحزاب أغلبية الحالية لن تدعو إلى ذلك إلا في حالة واحدة، دعوة من ملك البلاد، وحتى عرف التعديل الحكومي الجزئي منتصف كل ولاية لم يتم مع حكومة أخنوش”.
وفي تقرير نشره موقع "تيل كيل" المغربي أشار إلى أن : "ثلاثين (ممثلا للأمة) سينهون ولايتهم التشريعية داخل السجون أو مروا بها، عوض الجلوس تحت القبة، وآخرون يملؤون قاعة الانتظار حتى تحين ساعة حسم ملفاتهم قضائيا، فيما يترقب البعض الآخر مآل التقارير التي صيغت ضدهم وما هو موضوع فوق طاولات التحقيقات".
وأضاف في تقرير نشره في 20 يوليو "هذا مع دون إغفال أن العدد مرشح للارتفاع، وسباق تحديد المراكز بين الأحزاب يمكن أن يتغير في أي لحظة، خاصة أن المنافسة مستمرة على من سيكون أكثر جشعا من الآخر، ومن منهم سيواصل استرداد أضعاف ما صرفه ليصل إلى شارع محمد الخامس بالرباط (مقر البرلمان)".
وشدد على أن "ما يقلق هنا، أن المشهد السياسي المغربي لا يتزعزع مهما كانت الهزات التي تضرب الفاعلين فيه".
واستطرد: "تخيل لو سقط - من حزب أو أحزاب تقود الحكومة في دولة تحترم قواعد الديمقراطية والمحاسبة واحترام المواطن - هذا العدد من (ممثلي الشعب) في جرائم مرتبطة أساسا بتدبير الشأن العام.. الأكيد أنها ستسقط بدورها، لأن شرعية قيادة الجهاز التنفيذي من شرعية المؤسسة التشريعية".
ورأى أن "ما يقلق أكثر، أن حجم جرائم نهب المال العام واستغلال النفوذ لحصد الغنائم، دليل على فساد جزء كبير من العملية الانتخابية".
وتابع: "وهو مؤشر يؤكد باستمرار أن صفة البرلماني استثمار يدخل فيه الكائن الانتخابي برأس مال، يحرص بكل قوته وتركيزه على أن يتضاعف بسرعة خلال خمس سنوات، بغرض ضمان سيولة مريحة لاستثمار جديد خلال كل محطة انتخابية أو لنقل بصريح العبارة: محطة انتهازية!".
حملة تنظيف
بدوره، قال الإعلامي محمد واموسي: “من الواضح أن هناك توجيهات عليا بعدم التساهل مع الفساد والمفسدين، وهذا ما يريده المغاربة جميعا لما فيه خير لهذه البلاد”.
وأضاف في تدوينة عبر فيسوك في 20 يوليو “لا بد من ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن يخطئ فعليه دفع الثمن. لا تهاون مع المتلاعبين والمقصرين والفاسدين”.
وأفاد بأن "هذه الحملة الإصلاحية ستسهم في بناء مغرب جديد يقوم على الشفافية والنزاهة والعدالة، الشعب يستحق مسؤولين يخدمون مصالحه بصدق ويحمون حقوقه، وأي خطوة في هذا الاتجاه هي خطوة نحو مستقبل أفضل".
ورأى واموسي أنه “مع تزايد حالات المحاسبة والمساءلة، يشعر المواطن بثقة أكبر في نظام العدالة وحماية حقوقه، وهذا التوجه الحازم يعزز الإيمان بأن القانون فوق الجميع وأن الجميع يخضع للمحاسبة بغض النظر عن مكانته أو منصبه”.
وفي سياق المتابعات القضائية التي نالت عددا من النواب بتهم مختلفة، وبهدف تجويد أداء المؤسسة التشريعية، صادق البرلمان في 16 يوليو 2024، على تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب ومن ضمنه "مدونة السلوك والأخلاقيات" الخاصة بنواب الأمة.
وسيكون البرلمانيون مجبرين على توقيع "التزام بالشرف" خلال الولاية التشريعية التي تنطلق في أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يلتزمون من خلالها بالاطلاع على بنود مدونة الأخلاقيات واحترام تدابيرها ومقتضياتها.
وتتضمن مدونة الأخلاقيات البرلمانية وهي عبارة عن قوانين داخلية تنظم سير البرلمان وأداء النواب عددا من البنود التي تستهدف خصوصا البرلمانيين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية تهم المس بالشرف أو الذمة المالية.
وهذه التهم تعني ارتكاب جنح أو جرائم بصورة عمدية تتعلق بالسرقة أو النصب أو خيانة الأمانة أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو اختلاس أموال عمومية أو تبديدها"، وفي المقابل يلغي كل حكم استئنافي بالبراءة جميع التدابير المتخذة.
ومن تلك القوانين التنظيمية التي وردت في مدونة الأخلاقيات، أن "يمتنع أو يتنحى عن الترشح والمشاركة والحضور للمهام والأنشطة البرلمانية كل نائب برلماني صدر ضده حكم قضائي بالمتابعة من أجل جناية أو جنحة عمدية تمس بالشرف أو المروءة".
ووفق مدونة الأخلاقيات يتعين منع البرلماني الذي صدر في حقه حكم قضائي يتعلق بالمروءة والشرف والذمة المالية من حضور الجلستين الافتتاحيتين للبرلمان في دورتي الخريف والربيع، أو اكتساب عضوية في مكتب المجلس أو عدد من اللجان البرلمانية.
وفي ذات الاتجاه يمنع على كل نائب برلماني معني بأحكام قضائية تمس شرفه ومروءته أو أخلاقه وذمته المالية والمعنوية المشاركة في الأنشطة البرلمانية ذات البعد الدبلوماسي، أو المشاركة في الوفود البرلمانية التي تحضر الملتقيات الدولية، ويحظر عليه تمثيل البرلمان في المنظمات الدولية والإقليمية.