"تهجير صامت".. هكذا حول الأسد دمشق لأسوأ مدينة للعيش في العالم
"دمشق ترسم صورة جامعة ومصغرة عن أوضاع الأهالي المعيشية الصعبة"
في وقت يجتهد فيه النظام السوري لإعادة تأهيله عبر دعوة اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم، تؤكد تصنيفات دولية أن العاصمة دمشق تتصدر أسوأ مدن العيش في العالم.
لم تعد دمشق مغرية للعيش، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة فيها وازدياد نسبة البطالة فضلا عن انقطاع الكهرباء فيها لـ 22 ساعة يوميا، كما بضطر غالبية قاطنيها الحاليين إلى العمل لساعات طويلة لتأمين أبسط مقومات الحياة من المواد الأساسية.
ويقدر عدد سكان دمشق خلال عام 2024 بنحو 3 ملايين بينهم نازحون من محافظات سورية ثانية، بعدما كان تعدادها قبل اندلاع الثورة في 2011 قرابة 5 ملايين.
مدينة أمنية
حافظت دمشق على مركزها كأسوأ مدينة للعيش في العالم لعام 2024، في ظل تردي أوضاعها الأمنية والاقتصادية كحال مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد، بحسب مؤشر صادر عن مجلة "الإيكونوميست" البريطانية.
واستند المؤشر إلى 5 فئات هي: الرعاية الصحية، والثقافة والبيئة، والاستقرار، والبنية التحتية، والتعليم.
وقد بقيت دمشق وفق التصنيف الذي نشرته المجلة في 26 يونيو/حزيران 2024 في أسفل التصنيف كأقل مدينة صالحة للعيش فيها للعام الـ12 على التوالي.
وسجلت العاصمة السورية درجات منخفضة بشكل خاص في فئة الاستقرار، مما يعكس تأثير حالة الحرب والتردي الاقتصادي على العيش فيها.
وتتزامن تلك التصنيفات حول سوريا، في وقت يدعو فيه نظام الأسد اللاجئين السوريين في الخارج للعودة إلى مدنهم، بينما ترزح عاصمة البلاد تحت وطأة وضع اقتصادي صعب وعسكرة لأحيائها عبر تغليب المليشيات الأجنبية فيها، وتحويلها إلى مدينة "أمنية بامتياز" خالية من أي أصوات مناوئة.
وبمناسبة "اليوم العالمي للاجئين"، أصدر "الائتلاف الوطني السوري" المعارض في 20 يونيو 2024 بيانا أكد فيه أن “سوريا ما تزال غير آمنة وأنه لا توجد بيئة مناسبة لإعادة اللاجئين”.
لا سيما أن مسببات اللجوء ما تزال موجودة، لا بل ازدادت تنوعا وتعمقا وانتشارا، وأهمها استمرار نظام الأسد في منهج القمع والقتل والاعتقال بأشكال وطرق مختلفة، بحسب البيان.
وشدد الائتلاف الوطني، على أن عودة اللاجئين منوطة بتحقيق الانتقال السياسي في سوريا وفق القرار 2254، وتحقيق بيئة آمنة محايدة بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في القرار المذكور الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015.
وتكاد دمشق ترسم صورة جامعة ومصغرة عن أوضاع الأهالي المعيشية الصعبة في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد جراء استمرار الانهيار الاقتصادي وشدة القبضة الأمنية.
فدمشق اليوم، تحول فيها أبناء الطبقة المتوسطة من الموظفين والعاملين في القطاعات العامة والخاصة إلى عوائل تعيش بالمجمل تحت خط الفقر.
إذ يبلغ راتب الموظف في مناطق نظام الأسد 25 دولارا شهريا، في وقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية في العاصمة منذ بداية عام 2023 حتى مارس 2024 لما يزيد على 200 بالمئة بالمتوسط. ويعادل الدولار الأميركي الواحد في سوق الصرف نحو 14500 ليرة سورية.
حياة متردية
حتى إن سكان العاصمة باتوا يعترفون عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي، وعدم مقدرتهم على شراء الخضار أحيانا، علاوة عن العجز التام في تأمين الاحتياجات الضرورية من الطعام.
اللافت أنه منذ مطلع عام 2024 زاد الحديث في وسائل الإعلام المحلية عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في دمشق.
بدأت وسائل إعلام محلية تسليط الضوء على الأزمة المعيشية في دمشق بطريقة "فكاهية" دون الاقتراب من الأسباب الرئيسة؛ خشية لتجاوز الخطوط الحمراء.
ونشر موقع "سناك" في يونيو 2024 تقريرا حمل عنوان "اليوم العالمي للفلافل: كيف انهارت أسطورة الشبع في سوريا؟"، كشف فيه جانبا من الحياة المعيشية المتردية في دمشق.
وقال في التقرير: "لم تعد أكلة الفلافل طعام الدراويش ولا النباتيين كبديل عن اللحوم الضائعة عن موائد السوريين أساسا".
وبيّن أن سعر سندويتش الفلافل يبلغ اليوم في دمشق ما بين 10 إلى 12 ألف ليرة سورية (أقل من دولار) بزيادة عن عام 2023 أربعة أضعاف.
ويكلف تناول سندويتش واحد يوميا ما يعادل 360 ألف ليرة شهريا، وهو رقم يجاوز قيمة الحد الأدنى للراتب الحكومي البالغ 286 ألف ليرة (20 دولارا)، وفق تقرير "سناك".
وأمام ذلك، تعتمد نسبة كبيرة من السوريين في دمشق على الحوالات المالية القادمة من أقاربهم في الخارج لتأمين احتياجاتهم الشهرية.
ومهما حاولت الأسرة تقليص النفقات اليومية والشهرية مقارنة بالدخل المحدود، لا يزال هناك نقص كبير، يعوضونه عبر الاعتماد على أكثر من عمل في اليوم الواحد، أو على التحويلات المالية لهم من الخارج.
فخلال عام 2023، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من أربعة أفراد وتعيش في منزل تملكه في دمشق، لمليوني ليرة سورية (270 دولارا) لتستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية في الشهر الواحد.
تقشف إجباري
وضمن هذا السياق، أكد عمر الخطيب وهو سوري مقيم في الخارج، أنه "لولا المبلغ المالي البسيط الذي يرسله لأبيه وأمه وأخوته في دمشق لماتوا من الجوع".
وأضاف الخطيب لـ "الاستقلال"، أن والده متقاعد عن العمل وأخوته يعملون في اليوم الواحد بوظيفتين من أجل سد الاحتياجات المعيشية.
وأشار إلى أن"سكان دمشق تُرِكوا يواجهون مصيرهم في ظل انعدام فرص العمل وانهيار الليرة السورية وعدم استقرار أسعار المواد الغذائية".
وبين أن "التقشف الإجباري والاقتصاد في المعيشة هي السمة البارزة لسكان دمشق حاليا من أجل مواصلة الحياة هناك".
ويعاني سكان دمشق من نقص المحروقات بسبب قلة الإمدادات النفطية منذ سنوات إلى النظام السوري؛ جراء العقوبات الغربية ومن الولايات المتحدة المرهونة برفعها في حال تطبيق النظام للحل السياسي طبقا للقرارات الأممية.
كما تدلل مشاهد الازدحام أمام مراكز الهجرة والجوازات على أبواب فروعها في دمشق على مدى رغبة الكثيرين من الأهالي في المغادرة للخارج بحثا عن حياة أفضل.
ويرى بعض الخبراء أن رغبة أهالي العاصمة دمشق بالحصول على وثائق السفر بهذه الكثافة، يدلل على وجود ظاهرة "تهجير صامت" لسكانها بسبب العجز المعيشي وفقدان الأمل بتغيير الواقع السياسي وإحلال الإيرانيين مكانهم.
ومن المفارقات الجديدة، أن الغلاء طال أيضا مقابر دمشق مما يضطر الأهالي لدفن موتاهم خارج العاصمة.
وشهدت السنوات الأخيرة سابقة لم تعرفها العاصمة قبل، تتمثل بلجوء العديد من السوريين في العاصمة دمشق إلى بيع قبورهم التي يشترونها سلفا لهم أو لدفن ذويهم.
ويصل سعر بيع قبر في دمشق إلى 80 مليون ليرة سورية (5800 دولار أميركي)، وهو ما يلجأ إليه من يمتلكونها من أجل تأمين تكاليف المعيشة في ظل تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والارتفاع الكبير في الأسعار.