الاعتداء على غير المحجبات في إيران.. أمر مدبر لإحداث فتنة أم تكرار لأخطاء سابقة؟
يعد الحجاب الإلزامي رمزا من رموز نظام ولاية الفقيه في إيران، ولهذا اختارت النساء المشاركات في المظاهرات الاحتجاجية خلع الحجاب كوسيلة لتحدي نظام الملالي.
وأكدت صحيفة "ستاره صبح" الإيرانية أنه منذ عام 2022، يدفع النظام الحاكم ثمنا باهظا بسبب قضية الحجاب والسلوك الخاطئ للقائمين على مراقبة رعاية ارتدائه.
فقد لقيت الفتاة مهسا أميني مصرعها في أحد مراكز الاحتجاز بسبب سوء ارتداء حجابها، وهو ما أدى إلى احتجاجات واضطرابات واسعة، أسفرت عن مقتل مواطنين واعتقال آخرين بالإضافة إلى مقتل عناصر من الأمن.
وأخيرا تداول إيرانيون مقطع فيديو يظهر قيام مواطن بمهاجمة امرأتين داخل أحد المحال التجارية من خلال إفراغ سطل من الحليب على رأسيهما، احتجاجا منه على عدم ارتدائهما للحجاب.
وتسبب الحادث في إثارة موجة من الجدل داخل المجتمع حول الحجاب وفرضه بقوة القانون، حيث رأى البعض أن ما جرى أمر مدبر لإحداث فتنة في البلاد.
فيما هاجم البعض الآخر المتشددين، واتهموهم بالتطرف، وشبّهوا الحليب بالأسيد، وقال إن الأمر يشبه رش الأسيد الذي استخدم ضد النساء غير المحجبات قبل سنوات.
جدل كبير
ورأت الصحيفة أن الحجاب قضية ثقافية، ويمكن حلها من خلال المبادئ العلمية والاجتماعية، لا من خلال أي أساليب أخرى.
ولكن البعض، مثل جبهة الصمود (تحالف أصولي متشدد) وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتصرفون بشكل سلبي فيما يخص موضوع الحجاب.
وذكرت أن هناك تيارا فكريا يعد خطة في البرلمان، بموجبها تتم مصادرة جوازات السفر والبطاقات الوطنية لأولئك اللواتي لا يلتزمن بالحجاب وتغريمهن.
والأهم من ذلك هو أن أحد النواب أعطى القضاء مهلة لحل قضية التعامل مع عدم رعاية الحجاب.
من جانبه، حذر عباس عبدي، الناشط السياسي الإصلاحي، المسؤولين، قائلا: "هناك قوى تريد أن تشعل النار في تنور المجتمع وتخبر خبزها فيه، ويدخلون الحكومة مرة أخرى في تحد خطير ضد الشعب والنساء، تحت عنوان مختلق هو مكافحة التعدي على التقاليد والقيم.
فيما غرد محمد رضا جوادي، عالم الاجتماع، قائلا إن الحكومة تكرر أخطاء العام الماضي في قضية الحجاب، مع الفارق، وهو أن الناس أصبحوا أكثر استياء بسبب التضخم، والمتظاهرين لديهم خبرة بحركة واسعة النطاق، وعشرات الآلاف من الشباب يعانون من السجن. ويجب ترك إدارة الاستقطاب الموجود حول الحجاب إلى المجتمع؛ لأن النظام السياسي لا يستطيع حل هذه المشكلة.
الحقوقي محمد برهاني غرد أيضا قائلا إنه وفقا للمادة الثامنة من الدستور وقانون حماية الآمرين بالمعروف، فإنه يمكن لكل شخص أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بلسانه، ولكن المجال العملي هو مهمة السلطة فقط، ولا يجب على الآمرين بالمعروف أن يدخلوا في المجال العملي.
وإذا تجاوز الناهي عن المنكر مرحلة الكلام وتعرض لكرامة الأفراد وحياتهم وممتلكاتهم وخصوصياتهم وحقوقهم، فإن هذا الفعل لا يعد نهيا عن المنكر، وإنما يصبح جريمة، لأنه اعتداء غير قانوني.
وكانت العلاقات العامة في النيابة بمدينة طرقبه قد أصدرت مذكرة توقيف ضد الرجل الذي قام بإلقاء الحليب على رأس السيدتين السافرتين، للتحقيق معه بتهمة إهانة الآخرين والاعتداء عليهم، بالإضافة إلى السيدتين بتهمة ارتكاب فعل محرم، وألزمت صاحب المحل الذي شهد الواقعة برعاية الضوابط الشرعية والقانونية.
وقال مهدي رضائي، سكرتير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة خراسان رضوي، إن طريقة تعامل الآمر بالمعروف غير مقبولة، ولكن يجب التحقيق أيضا في جريمة خلع الحجاب من جانب السيدتين.
وأضاف رضائي أنه يبدو أنه قد حدث حوار في البداية، وأن الآمر بالمعروف قد بدأ في التذكير أولا، ولا يُعرف ما هو الرد الذي دفعه إلى القيام بما قام به.
إغلاق مراكز سياحية
في السياق، سلطت الصحيفة الإيرانية الضوء على ظاهرة إغلاق الأماكن السياحية والعامة بسبب عدم رعاية الضوابط الأخلاقية وخلع الحجاب فيها.
فقالت إن إغلاق بعض الأماكن والمراكز الترفيهية والسياحية والمطاعم قد زاد خلال عيد رأس السنة الإيرانية.
فتم تشميع مجمع ترفيهي سياحي شهير في مدينة آمل بسبب رقص النساء بدون حجاب. وتم إغلاق ثلاثة مقاه ومطاعم كبيرة في مدينة نوشهر بسبب خلع الحجاب والعروض الموسيقية الحية، بالإضافة إلى إغلاق أحد الأماكن السياحية في دزفول بسبب عدم مراعاة الضوابط الأخلاقية.
كما أغلقت ثلاثة مقاه في عبادان لعدم رعاية الشؤون الإسلامية، بحسب إعلان مقر العلاقات العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة.
وكتبت وكالة أنباء فارس، أن أحد متاجر الملابس في مدينة برديس قد أُغلق بسبب عدم التزامه بالضوابط الإسلامية.
وكتبت وكالة مهر للأنباء أن الشرطة قد أغلقت أحد المجمعات السياحية في مدينة كاشان بأمر من السلطة القضائية بسبب عدم مراعاة الشؤون الإسلامية وخلع النساء للحجاب.
كما تم إغلاق فندق سراي بسبب عدم ارتداء السائحين الحجاب وعدم رعاية الضوابط الإسلامية، وذلك بعد تقرير من المسؤولين عن الأمر بالمعروف والنهي عن والمنكر في مدينة كاشان.
وأغلقت أماكن أخرى كثيرة في محافظة جيلان، وهمدان، وبابلسر لنفس السبب.
وكان وزير السياحة، عزت الله ضرغامي، قد انتقد في وقت سابق إغلاق المراكز السياحية والترفيهية وبعض المطاعم، وقال إنهم لا يؤيدون الإغلاق، لأن هذا يتعارض مع الحقوق العامة لأولئك الذين حجزوا في تلك الأماكن وخططوا لقضاء وقت فيها.
وشدد الوزير على أنه لا ينبغي إظهار البلاد وكأنها غير آمنة للسائح الأجنبي، الذي يضيع حجزه في الأماكن المغلقة، وهو ما يتعارض مع مواجهة الإيرانوفوبيا.
موقف الأصوليين
رصدت الصحيفة ردود أفعال التيار الأصولي، فبدأت بما كتبه محمد مهاجري، وهو شخصية سياسية أصولية، في مقال موجه إلى وزير الداخلية، قال فيه: سيدي الوزير، الخطوة الأولى في موضوع السفور هي قبوله على أنه حقيقة.
وأضاف: فبعض المجتمع (بصرف النظر عن العدد) اختار أسلوبا للملابس والمعيشة لا نرغبه نحن المتدينين، ولا يتوافق أيضا مع المعايير الرسمية للبلد. ينبغي أن تكون هذه الحقيقة معروفة جيدا، ويجب استكشافها بعمق.
وحذر مهاجري من ظهور ضحية أخرى مثل مهسا أميني، وحينها سوف يفقد المجتمع أمنه وهدوءه فترة طويلة، خاصة أن الأحداث التي أعقبت موت أميني مازالت تهدد أمن البلاد.
وواصل مخاطبته للوزير قائلا: بصفتك المسؤول عن أمن البلاد، عليك أن تعتقد ولو من باب الاحتياط أن النار ما زالت تحت الرماد، وأن النسيم يمكن أن يزيل الرماد، فيحدث ما حدث من قبل.
وطالبه بمعالجة هذه القضية بشكل علمي، لأن كلمات الترغيب والترهيب أو الخطط المضحكة من جانب نواب المجلس لا تليق بالجمهورية الإسلامية.
ونقلت الصحيفة عن غلام رضا مصباحي مقدم، وهو عضو في جماعة مجتمع رجال الدين، اعتقاده بأن وضع ملابس النساء ليس تحديا، وإنما هو عَرَض. وقد ظهر هذا العَرَض بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وأكد مقدم على وجوب دعوة النساء اللواتي يخالفن الأعراف ولا يلتزمن بالحجاب الصحيح إلى الخير، والدعوة إلى الخير تقتضي التعامل الإيجابي، وليس السلبي، لأن هؤلاء النسوة اللواتي لا يرتدين الحجاب لا يقصدن شيئا سيئا، وإنما يردن الحرية، ولا أحد يعارض الحرية، ولكن البيئة العامة والمحيط الاجتماعي لرعاية الأعراف والتقاليد، وليس لكسرها.
وردا على آية الله الأراكي، الذي قال إن المرأة السافرة ترتبط بشهوة الآخرين ورضاهم، كتب موقع عصر إيران أن هناك الكثير من النساء في العالم، بما في ذلك المسلمات والمسيحيات واليهوديات، لا يرتدين الحجاب، ولكنهن عفيفات، ولا علاقة لهن بشهوة الآخرين أو ورضاهم.
كما كتب محمد علي أبطحي، نائب رئيس الجمهورية السابق، ردا على إمام جمعة لاهيجان، الذي ادعى أن المدينة تتساقط، فقال إن السافرات لسن عدوا خارجيا حتى يسقطن المدينة، فهم أبناء هذه البلاد.
وكتب آذر منصوري، الأمين العام لحزب الاتحاد القومي، في تغريدة: "ما علاقة هذا الإصرار على انقسام المجتمع وتأجيج القطبية بين المحجبات والسافرات وتأليب الناس على بعضهم البعض بالتضامن الوطني؟ كم مهسا أخرى يجب أن تكون ضحية لهذا النهج؟
وختمت الصحيفة برأي حجة الإسلام مصطفى علماء، إمام الجمعة في كرمانشاه، الذي يعتقد أن أولئك الذين يتخذون موقفا ضد رعاية الحجاب، يجب أن يعلموا أنهم يلعبون في ميدان العدو، ولا يسيرون في طريق الله والقرآن.
وأضاف أنه يجب أن يكون هناك قانون فاصل بشأن ارتداء الحجاب، ويمكن نشر هذه القيمة الإسلامية من خلال صناعة ثقافة أفضل.