إعلان تبون استعداد الجزائر إرسال قوات إلى غزة.. رغبة حقيقية أم استعراض قوة؟

12

طباعة

مشاركة

ضجة قوية أثارتها تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول جاهزيته لإرسال جيش بلاده إلى غزة لدعم القطاع إنسانيا.

وفيما يرى البعض أن هذه التصريحات جادة وقوية وجاءت في وقت حساس لاستنهاض همم الحكام والمسؤولين، يرى آخرون أنها لا تتعدى عن كونها “دعاية” في إطار الحملة الانتخابية.

دغدغة المشاعر

وقال تبون، في 18 أغسطس/ آب 2024، إن بلاده مستعدة لبناء 3 مستشفيات في غزة، طالبا إعادة فتح الحدود البرية بين مصر والقطاع.

وأضاف “لو فتحوا لنا الحدود بين مصر وغزة، لدينا ما نقوم به.. والجيش جاهز بمجرد ما يتم فتح الحدود (معبر رفح)، سنقوم ببناء 3 مستشفيات في ظرف 20 يوما”، ويقصد بذلك المستشفيات الميدانية التي يقوم ببنائها الجيش.

وكان تبون يتحدث بصفته مرشحا لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 7 سبتمبر/ أيلول 2024، وذلك في تجمع شعبي لأنصاره بمحافظة قسنطينة (شرق).

ويخوض الرئيس المنتهية ولايته غمار السباق الرئاسي، إلى جانب مرشحين اثنين، هما عبدالعالي حساني شريف رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي) ويوسف أوشيش السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية (يساري/ أقدم حزب معارض).

وفي تفاعل مع تصريحاته حول غزة، قال موقع “الشرق الأوسط أون لاين” إن “تبون يستغل التطورات في قطاع غزة، وذلك لدغدغة مشاعر الناخبين والتأثير عليهم قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، حيث يتعاطف الشعب الجزائري بشكل كبير مع محنة الفلسطينيين في القطاع”.

وأضاف الموقع في مقال نشره في 19 أغسطس، أن "التصريحات الاستعراضية للرئيس المنتهية ولايته بشأن غزة مرتبط أساسا بالموعد الانتخابي في ظل عدم اهتمام الجزائريين بهذا الاستحقاق لكنها تأتي كذلك بعد رفض السلطة لأشهر السماح بمسيرات مؤيدة لغزة بذريعة مخاوف من تحولها إلى مسيرات مناهضة للنظام الجزائري".

ولفت إلى أن “تلك التصريحات تأتي رغم أن القادة الجزائريين يعلمون جيدا أن أي تحرك في الملف الفلسطيني مرتبط أساسا بالموقف الغربي والأميركي وهي القوى الداعمة لإسرائيل والتي عززت في الفترة الأخيرة من تواجدها العسكري في الشرق الأوسط لحماية الدولة العبرية”.

تصريحات تبون أثارت تفاعلا واسعا، وبينما احتفى البعض بدعوة الرئيس الجزائري لفتح الحدود وعدّوها "رسالة إلى مصر"، حيث اجتزأت بعد الصفحات تصريحاته وأخرجتها من سياقها، وادعوا أنه قال إن “جيشه جاهز للذهاب إلى غزة”، وهو ما أزعج أنصار رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وردوا عليه بمقطع فيديو للرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث قال في مقطع الفيديو قديم متداول: "عايز تحرر القدس، ما تروح يا سيدي وهو حد ماسك إيدك، حررها والله العظيم أخدك بالحضن وأبوسك وأسقفلك روح حررها، هو التحرير بالكلام؟"، مضيفا: "ياجماعة هو التحرير كلام.. بقالنا 43 سنة بنتكلم وغلبنا كلام لما اتقطع نفسنا"، على حد قوله.

ودخل الإعلامي المقرب من نظام السيسي، أحمد موسى، على خط الجدال منتقدا من وصفهم بأنهم "يصطادون في الماء العكر" لإحداث "الفتن".

وقال موسى في منشور على منصة "إكس": "استمعت عدة مرات للفيديو... لم يتحدث فيه عن إرسال الجيش الجزائري لشن حرب ضد الكيان الصهيوني، بل تحدث عن فتح الحدود بين مصر وغزة لكي يرسل أطباء لعلاج المصابين".

ولفت إلى أن الحدود مع غزة "كانت مفتوحة ودخلت عشرات الآلاف من أطنان المساعدات من مصر عبر معبر رفح، كما أرسل كثير من دول العالم شحنات مساعدات تولت مصر مهمة إدخالها إلى غزة". 

حسن نية 

فيما رأت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بمصر، نهى بكر، أن تصريحات تبون “جاءت عفوية في سياق الإحساس باليأس العربي”، مؤكدة أنه أطلقها بـ"حُسن نية تعبيرا عن أماني الشعب العربي كله وليس الجزائري فقط".

وقالت بكر لموقع "الشرق الأوسط" إنه "رغم حُسن نية الرئيس الجزائري، فإن مطالبته مصر بفتح معبر رفح تنطوي على عدم دراية بالوضع في غزة، لأن مصر لم تغلق المعبر، بل ترفض التعامل مع السلطات الإسرائيلية في إدارته".

الرئيس السابق لـ"حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، أشاد في تدوينة عبر فيسبوك في 19 أغسطس، بتصريحات تبون، ووصفها بـ"الكبيرة والمهمة".

وقال مقري "في انتظار فتح الحدود المصرية ليستطيع الجيش الجزائري التدخل المباشر في غزة، فإني أدعو رئيس الجمهورية تبون إلى اتخاذ القرارات التالية التي لا تتطلب فتح الحدود".

ومن ضمن هذه القرارات، دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والمقدرات التكنولوجية، ودعوة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لاتخاذ موقف جماعي لتتحرك الجيوش العربية والإسلامية لدعم غزة والضغط على (نظام) مصر لفتح الحدود.

وكذلك السماح بتنظيم رسمي وشعبي جزائري لجمع المال من أجل شراء المساعدات الإغاثية من مصر وحسب الخبرة والتجربة الحاصلة فإن مرورها إلى غزة سهل في هذه الحالة.

والسماح بتنظيم مسيرات شعبية “ليرى أهلنا في غزة دعمنا لهم فترتفع معنوياتهم وليرى الصهاينة وحلفاؤهم أنهم لا يستطيعون الاستفراد بغزة، والسماح بتنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارة الأميركية ليعبر الجزائريون سلميا عن سخطهم عن مشاركة واشنطن في الجريمة”، يقول مقري.

من جهتها، أفادت صحيفة "الخبر" الجزائرية بأنه “عندما يتحدث تبون عن مساعدة الفلسطينيين، فهذا ليس من باب الدعاية للإنتاج الجزائري ولا من باب استعراض القوة أو الذود عن قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، القضية المركزية بالنسبة لجميع العرب والمسلمين”،

وأضافت في مقال نشرته في 20 أغسطس، أن "تبون يتحدث من باب التأكيد على إسهام الجزائر حكومة وشعبا في تضميد جراح الأشقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في قطاع غزة الذي دمرت منشآته الصحية وخرجت عن الخدمة بفعل العدوان الإسرائيلي المدعوم من بعض الأطراف الإقليمية". 

وعن دخول الجيش الجزائري إلى غزة، قالت الصحيفة “هذا هو الخبل بعينه، خاصة أن إرسال قوات جزائرية خارج الحدود الوطنية لن يتأتى إلا بعد موافقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضائه، على أي مقترح من هذا القبيل، وذلك احتراما لمؤسسات الدولة وتمثيليتها لأغلبية الشعب الجزائري الذي يفوض البرلمان عبر انتخابات عامة”.

من جهته، قال الإعلامي المصري، نادر فتوح: "رغم ما قيل بشأن نوايا الرئيس الجزائري بعد تصريحاته القوية والمباشرة عن مساندة أهل غزة ودعم القضية وإدخال المساعدات وبناء المستشفيات ومطالب مصر بفتح معبر رفح، إلا أنه يبقى من أهم التصريحات الرسمية وأقواها منذ اندلاع الحرب".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 20 أغسطس، أن "المشككين في تصريحات الرجل ذهبوا إلى أنها تصريحات حنجورية وليس لها أي دلائل أو شواهد على أرض الواقع، ولا تعدو إلا أن تكون دعاية انتخابية ولعب على الوتر العاطفي لدى الناخب الجزائري في الانتخابات القادمة".

وتابع: "حقيقة الأمر.. هو تصريح ولكنه تصريح مهم في وقت مهم، ويا ليت كل حكام العرب يخرجون في وقت واحد وفي صوت واحد بتصريحات كهذه!!".

دعاية انتخابية

لكن الأصوات المتحفظة على تصريحات تبون، ترى أنها مجرد دعاية انتخابية، كون الجزائر تمنع وبشدة الوقفات والمسيرات التضامنية مع القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

وقال المحلل السياسي الجزائري، زهير منوري: "أعتقد أن المساعدات الإنسانية التي تحدث عنها المترشح الرئاسي الحر عبد المجيد تبون، تندرج ضمن الدعاية الانتخابية للرئاسيات المقبلة؛ سواء كانت المساعدات المقدمة للبنان (بشأن تزويده بالوقود)، أو غزة".

وأضاف منوري لـ"الاستقلال" أن "الحرب على غزة مستمرة منذ قرابة السنة، لكن تبون اختار هذا التوقيت بالذات قبيل الانتخابات الرئاسية لإطلاق تصريحات بخصوص المساعدات.. ما يعني أنها مزايدات ليس إلا.".

وأوضح أن “الجميع تابع قبل أشهر أن الحدود مع غزة كانت مفتوحة نوعا ما ودخلت شاحنات المساعدات من مصر عبر معبر رفح، وأعلنت دول إرسالها تلك المساعدات، لكن تبون والدولة لم ترسل أي شيء”.

ولفت منوري إلى أن “الشارع محظور عليه الخروج في احتجاجات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، ولم تُنظم أي حملات جمع للتبرعات، بمعنى ليس هناك أي مظهر من مظاهر الدعم الحقيقي للأشقاء الفلسطينيين”.

بدوره، قال الكاتب الجزائري أنور مالك إن "من يسمع هذا الكلام الانتخابي الذي لا قيمة له يعتقد أن التدخل هو عسكري لحماية الفلسطينيين وردع المحتلين، ولكن الأمر ليس كذلك، بل هو لبناء مستشفيات حرم منها الجزائريون أصلا..".

وأضاف في منشور على منصة "إكس" في 19 أغسطس، "في كل العالم تجدون الجيوش للحرب إلا في الجزائر، فجيشها لإطفاء الحرائق وفتح الطرقات عند تهاطل الثلوج ونقل المساعدات الإنسانية وبناء المستشفيات والذي هو من اختصاص حماية مدنية وجمعيات خيرية ومقاولات للبناء ..".

الصحفي المصري، قطب العربي، قال إن "تبون دعا لفتح الحدود والمعابر المصرية الإسرائيلية ليتمكن الجيش الجزائري من تقديم الدعم اللازم لأهل غزة.. حسنا هذه دعوة طيبة نحييه عليها (ولن ندخل في النوايا)".

واستدرك العربي في تدوينة عبر فيسبوك: “لكن إذا كان من المستحيل حاليا تقديم المساعدات الإنسانية أو حتى وصول الجيش الجزائري للقتال بجانب أهل غزة، فهل من المستحيل أو الصعب تقديم مساعدات مادية، والسماح للجزائريين بالتظاهر دعما لأشقائهم؟!”

وتابع مخاطبا تبون: "حتى نصدق دعواك عليك أن تبدأ بما هو متاح وأنت الذي تمنعه".

 ومنذ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل، بدعم الولايات المتحدة ودول أخرى، حربا على غزة، خلفت أكثر من 133 ألف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار شامل.

وتواصل إسرائيل هذا العدوان متجاهلة قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، و"تحسين الوضع الإنساني" بغزة.