كابوس الهزيمة.. لماذا يماطل قيس سعيد في الإعلان عن تاريخ رئاسيات تونس؟
“الأقرب هو قيام سعيد بالبحث عن أرانب سباق وديعة يدخل معهم في السباق الرئاسي”
تشهد تونس حراكا متواصلا للقوى المعارضة ضد الرئيس قيس سعيد، خاصة مع تنامي قمعه للحريات العامة، عبر استهداف المعارضين والحقوقيين والإعلاميين والمحامين وغيرهم.
ويرى مراقبون أن تصاعد عنف السلطة في وجه من ترى أنهم معارضون لها، يعكس تخوف سعيد من انتخابات الرئاسة المرتقبة في الربع الأخير من 2024، وكذا سعيه إلى تفكيك هذه القوى وعدم السماح لها بتشكيل كتلة حرجة تهدد حصوله على ولاية جديدة.
استحقاق دستوري
وفي هذا الصدد، نظمت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، مسيرة وطنية في 12 مايو/أيار 2024 بالعاصمة تونس، للتعبير عن التمسك بتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، نهاية العام 2024، بوصفه "استحقاقا دستوريا".
وطالبت جبهة الخلاص في مسيرتها، بتوفير كل الشروط والضمانات التي تتطلبها المعايير الوطنية والدولية، من أجل انتخابات ديموقراطية حرة نزيهة وشفافة.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بالحرية وإسقاط الانقلاب، ورحيل الرئيس سعيد، واصفين إياه بـ"الفاشل"، وكذا إطلاق سراح المخطوفين، وفق تعبيرهم.
وفي كلمته بالمسيرة، قال رئيس جبهة الخلاص، أحمد نجيب الشابي، إن “الوقفة هي للدفاع عن كرامة تونس، وأن يكون المواطن حرا يتمتع بحقوقه وحرياته”.
وأكد الشابي أن تونس تستعد لاستحقاق رئاسي نهاية العام، مشددا على وجوب إجرائه في أجله، وبشروط تضمن الحرية وتكافؤ الفرص، إذ بدونها "لا شرعية لأي فائز".
بدورها، أكدت حركة النهضة، دعمها ومساندتها المطلقة لمطالب جبهة الخلاص الوطني، على مستوى إجراء الانتخابات في موعدها، وفي ظل شروط الشفافية والنزاهة.
وعبرت الحركة عبر بيان نشرته في 16 مايو 2024، عن انشغالها البالغ لما آلت إليه الحياة السياسية في تونس من تجاوزات وانسداد آفاق وتضييق على الحريات ودوس على الحقوق، وتفاقم ظاهرة الاعتقالات والمحاكمات، ومحاصرة الإعلام والأحزاب والجمعيات والمجتمع المدني عامة.
وأدانت حركة النهضة "بقوة وبشكل مبدئي اقتحام مقر هيئة المحامين في 11 مايو، واعتقال محامين باستعمال العنف الشديد والتعذيب تجاه مهدي زقروبة، مما يمثّل سابقة خطيرة وخطوة تصعيدية لفرض إرادة السلطة التنفيذية، في اعتداء صارخ على حقوق الإنسان والذات البشرية، وتجاوز خطير للقانون والمواثيق الدولية".
وأعلنت تضامنها مع "المحامين زقروبة وسنية الدهماني ونضال الصالحي، ومع الإعلاميين برهان بسيس ومراد الزغيدي، مطالبة بالإفراج عنهم وعن باقي المعتقلين من سجناء الرأي والمساجين السياسيين".
من جانبها، طالبت منظمة العفو الدولية، في 12 مايو، السلطات التونسية بإطلاق سراح المحامية سنية الدهماني، وأدانت "اقتحام مقر هيئة المحامين واعتقال الدهماني بالقوة على خلفية مداخلة إذاعية".
ونددت المنظمة بـ"الاعتداءات التي طالت مجموعة من المحامين والمحاميات والصحفيين والصحفيات"، واصفة ما حدث بـ"السابقة الخطيرة في تاريخ تونس"، مقدرة أنها "تترجم تصاعد وتيرة التضييقات على الحريات، وخاصة حرية التعبير".
وانتُخب سعيد، أستاذ القانون السابق البالغ من العمر 66 عاما، رئيسا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بصورة ديمقراطية.
ومع ذلك، ففي يوليو/تموز 2021، أطلق سعيد حملة لتجميع السلطات في يده، وقام منذ ذلك الحين بتفكيك معظم الهيئات الديمقراطية، وهو ما تصفه القوى المعارضة بـ"الانقلاب".
تخوفات سعيد
في تحليله للمشهد، قال الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين السويلمي، إن "تحديد موعد الانتخابات الرئاسية هو بيد سعيد وليس هيئة الانتخابات، نظرا لهيمنة الرئيس المنقلب على كل المؤسسات".
وأوضح السويلمي لـ"الاستقلال" أن هيئة الانتخابات "سبق أن قالت في ثلاث مرات بأنها ستعلن عن موعد الانتخابات دون أن تفعل"، محملا مسؤولية هذا الأمر إلى "سعيد وضغوط محيطه على الهيئة".
وبخصوص تخوفات الرئيس من هذه الانتخابات، قال المحلل السياسي إن "سعيد مرتبك"، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه "صرح بأنه لن يُسلم ولن يتراجع، وأطلق سلسلة من الوعيد والخطوط الحمراء في حق كل من يمكن أن ينافسه".
ونبه السويلمي إلى أن "سعيد ليس بالسياسي المؤسَّس، الذي له مدرسة أو عائلة فكرية أو ماض سياسي، ولذلك من الصعب أن تقرأه أو تتوقع أفعاله، لأنه إنسان عشوائي وعبثي ونرجسي ومهزوز، ودخيل على عالم السياسة"، وفق تعبيره.
وشدد على أن "الأقرب للواقع هو قيام سعيد بغربلة الساحة السياسية، من أجل البحث عن ديكور أو أرانب سباق وديعة، يدخل معهم في السباق الرئاسي، دون أن يكون أمام منافسة حقيقية".
وأبرز السويلمي أن "سعيد يرفض النقد، ويعاني بسببه من إشكال نفسي رهيب، ولذلك لا يريد حملات انتخابية جادة إن ترشحت شخصية قوية، قد تُظهر ضعفه وانتهاكه للحقوق والحريات".
ولذلك، يقول المتحدث ذاته، "سعيد وَضع قوانين انتخابية فضفاضة، والتي يستطيع تمطيطها بما يمكنه من إقصاء كل من يرى فيه أي تهديد جدي لحصوله على الكرسي لولاية ثانية".
وتوقع السويلمي أن يكون العزوف الانتخابي كبيرا في هذه الاستحقاقات، مشددا على أن "كل المؤشرات تبين أن الشارع فقد الثقة في الطبقة السياسية كلها، كما فقد الثقة في سعيد نفسه، بعد أن كان يعتقد أنه سيجد فيه ضالته".
من جهته، رأى عضو جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، أنه "بات واضحا أن التوتر الذي تعيشه السلطة بسبب ضغط الموعد الانتخابي الرئاسي القادم جعلها تضيق ذرعا بكل نقد يوجه إليها".
ولذلك، يردف الشعيبي لموقع "العربي الجديد" في 14 مايو 2024، أن "السلطة نراها اليوم تصعد انتهاكاتها واعتقالات النشطاء والإعلاميين"، مقدرا أن "ما حصل في 11 مايو من اقتحام لمقر هيئة المحامين غير مسبوق رغم عهود الاستبداد التي مرت بها البلاد".
وذكر أن "السلطة تواجه اليوم استحقاقا مصيريا بالنسبة لها، فاهتراء شعبية الرئيس وتردي خياراته، والفشل الذي مُني به مشروعه، لا يؤهله للفوز بالانتخابات القادمة".
وأوضح أن "الانتخابات الرئاسية في تونس تجرى على دورتين، وعجز الرئيس الحالي على الفوز منذ الدور الأول أصبح مؤكدا، الأمر الذي سيفتح المجال لالتقاء الجميع في الدور الثاني لدعم مرشح ديمقراطي، وبالتالي طي صفحة المسار الحالي (...)".
واستطرد: "السلطة تعرف أن هذا السيناريو سيجعل مرشحها غير قادر على تجاوز حاجز الـ40 بالمئة من الأصوات، وعندها ستكون الهزيمة محققة".
وأضاف أن "الأمر تحول إلى كابوس بالنسبة للسلطة وأنصارها، لذلك نراها اليوم تمارس أقصى مستويات القمع وإسكات كل الأصوات الناقدة، وسيتصاعد ذلك حتما بمحاولة المصادرة على كل ترشيح جدي وربما حتى إجراءات تعسفية أخرى".
من جانبه، قال وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، إنه "كلما اقترب زمن الانتخابات ازداد سلوك قيس سعيد عدوانية وشراسة، ولسانه سلاطة، وسيميل إلى استخدام نظريات المؤامرات والمتآمرين، والفساد والفاسدين، والخونة والخائنين".
ورأى عبد السلام في تدوينة نشرها عبر حسابه على "فيسبوك" في 14 مايو، أن "الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وأن أي مرشح جدي في انتخابات تتوفر على الحد الأدنى من النزاهة، يطرحه أرضا ويهرسه هرسا".
وتابع: "لذلك، بدأ سعيد حملته الانتخابية بالتخويف وتكميم الأفواه ومتابعة السياسيين والمحامين والصحفيين والمدونين وكل من هب ودب".
ولفت عبد السلام إلى أن "سعيد يحاول أن يفرض على التونسيين المعادلة القاتلة: إما أن تنتخبوني أو أن أنكل بكم بأدوات الدولة"، مشددا على أن "جواب الشعب واضح وصريح، وهو أنك دخلت بالصندوق، وسترجع إلى دارك بالصندوق".
لجنة الانتخابات
تساؤلات عدة يطرحها الشارع التونسي بسبب عدم وضع أجندة انتخابية واضحة لرئاسيات 2024، مما يزيد الشكوك بخصوص تنظيمها في وقتها وكذا شروط هذا التنظيم.
وفي هذا الصدد، وصف أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة سوسة، أمين محفوظ، عدم تحديد الجدول الزمني والإجرائي للانتخابات بـ"لخبطة قانونية مستمرة".
وقال محفوظ لموقع "الحرة" الأميركي مطلع مايو 2024، إن "عدم تحديد الهيئة المستقلة للانتخابات موعدا واضحا للانتخابات الرئاسية في البلاد أمر غير طبيعي، لأن أي دولة تحترم الدستور والقانون، كان يجب عليها أن تعلن عن روزنامة واضحة للانتخابات سواء كانت برلمانية أو رئاسية".
ويضيف: "مسؤولية تحديد روزنامة الانتخابات الرئاسية تقع على عاتق الهيئة طبقا للدستور، وبخلاف ذلك فهذا أمر غير قانوني".
لكن أستاذ القانون الدستوري لفت إلى أن "دستور عام 2022، لم يمنح الهيئة المستقلة للانتخابات صلاحيات تحديد توقيت واضح للانتخابات الرئاسية، وجعل الأمر في يد رئيس الجمهورية".
وينتقد محفوظ دستور 2022 والذي "لم يضع بشكل واضح مواعيد محددة للانتخابات الرئاسية، لضمان سير العملية الديمقراطية بشكل سليم، كما حدث مع تحديد تاريخ انتخابات المجلس التشريعي".
وأشار إلى أن "سعيد يمارس صلاحيات منصبه كرئيس للجمهورية دون وجود سند دستوري واضح".
وحذر محفوظ من أن "الوضعية القانونية الحالية قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية في تونس وتعقد العلاقات الدولية"، مشددا على أنه "من الضروري إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن لتجنب الفوضى والتوتر الداخلي، مع عدم إضافة شروط جديدة تستبعد المنافسين الجادين".
ودعا إلى ضرورة تغيير سلوك الهيئة المستقلة للانتخابات لضمان حياديتها وشفافيتها، منبها إلى أن "نقاط الضعف في استقلالية الهيئة تتسبب في تدخل رئيس الجمهورية في شؤونها، وهي الصلاحيات التي منحها إياه الدستور الجديد من خلال إمكانية تغيير رئيس الهيئة أو أعضائها".
وفي تفاعله مع هذه الملاحظات التي يعبر عنها الشارع التونسي، أكده الناطق باسم هيئة الانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن "التحضيرات انطلقت مع الإدارة المركزية للهيئة في جميع الاختصاصات من الشؤون القانونية والعمليات والشراءات ويتولى مجلس الهيئة متابعة مخرجات هذه التحضيرات".
وذكر المنصري لموقع "المغرب" التونسي، في 14 مايو، أن "الهيئة سيكون لها لقاءات مع عدة مسؤولين وممثلين في هياكل الدولة من وزارتي الداخلية والعدل، حول قائمة الممنوعين من الترشح، وسيتم تشطيب أسمائهم من السجل الانتخابي على غرار الأمنيين الذين تم انتدابهم حديثا وإدراج أسماء الأمنيين الذين أحيلوا على التقاعد في السجل".
وأشار إلى أن "القرار الترتيبي المتعلق بالترشح قد أشرف على النهاية، وهو حاليا في طور الصياغة بعد التوافق على جميع الشروط"، قائلا "ليس هناك شروط جديدة، وتمّ فقط ملاءمة الشروط مع الشروط المنصوص عليها في دستور 2022 بإضافة 3 شروط أخرى".
وذكر أن هذه الشروط هي "السن 40 سنة، والجنسية تونسية دون سواها، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية".
وفيما يتعلق بالرونامة، أكد المنصري أن الهيئة "مازالت في مرحلة النقاش والتداول وتم الاتفاق على ضرورة أن تحكمها قاعدتين، الأولى أن تكون وفق الآجال القانونية والدستورية أي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية، يعني أنها يجب ألا تتجاوز موعد 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وهو تاريخ أداء اليمين الدستورية".
واسترسل: "وبالنسبة للقاعدة الثانية يجب أن تكون هناك نجاعة في اختيار الموعد، بحيث يتم الأخذ في الحسبان عامل المناخ وتفادي موسم الصيف والاصطياف وعودة التونسيين من الخارج إلى جانب الاستقرار الاجتماعي للعائلة التونسية، عبر الابتعاد عن العطلة المدرسية، فضلا عن ضمان استقرار التونسيين في الخارج إلى أماكنهم".
وأضاف "كما أن اختيار الموعد مرتبط بأمر دعوة الناخبين من رئيس الجمهورية والذي يعد شرطا شكليا، وهذا يستدعي وجود تواصل بين الهيئة ومؤسسة رئاسة الجمهورية حول إصدار أمر دعوة الناخبين".
من جانبه، استبعد الناشط السياسي الأمين البوعزيزي، أن "يعرض سعيد، نفسه في الانتخابات، ويدخل في منافسة مع الآخرين"، مستحضرا تصريحات سابقة له قال فيها "إنه لن يسلم البلاد إلا للوطنيين".
وأضاف البوعزيزي لموقع "أندبندت عربي" في 18 مايو 2024، "رئيس الجمهورية بصدد تهيئة الرأي العام إلى ما يسميه بالخطر الداهم، من خلال إغراق البلاد في أزمات متعددة، حتى لا يتم تنظيم الانتخابات".
ووصف المتحدث ذاته المشهد السياسي الراهن في البلاد بـ"المتصحر" بعد أن "اغتال سعيد السياسيين والمجتمع المدني رمزيا، واتهمهم بالخيانة والعمالة، وهو سياق غير ملائم لإجراء الانتخابات".
وقال أيضا "نسب المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة لم تتجاوز 10 بالمئة"، مشيرا إلى أن "سعيد انقلب على الدستور الذي أوصله إلى الرئاسة".
وأكد أن "رئيس الجمهورية الحالي ليس هو نفسه الذي انتخبه التونسيون بالغالبية في 2019، بعد أن تنكر للدستور ولمكاسب الانتقال الديمقراطي الذي كانت تعيشه تونس".
وعلى رغم إقراره بضعف الأحزاب وتراجع دور المجتمع المدني، أكد البوعزيزي أن "التونسيين الذين ذاقوا طعم الحرية، ليسوا مستعدين أن يتخلوا عنها".