معاناة النازحين بقرى الجنوب.. هل يعود "النفس الطائفي" إلى لبنان؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تتعمق معاناة النازحين اللبنانيين من القرى الحدودية والتي أصبحت خاوية على عروشها.

ومنذ اليوم الثاني لشن "حزب الله" هجمات على شمال إسرائيل المحتل، ورد الطيران الحربي والمدفعي الإسرائيلي بالقصف على قرى جنوب لبنان بدأت حركة النزوح تتزايد شيئا فشيئا.

معاناة النازحين

وتسارعت هذه الموجة بنزوح أهالي الجنوب وغالبيتهم من الطائفة الشيعية إلى بلدات الداخل اللبناني، الأمر الذي عرضهم لمضايقات وصعوبة في تأمين السكن الجديد.

وأعلن وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، مطلع فبراير/ شباط 2024 وجود نحو 100 ألف نازح من الجنوب، نتيجة "الاعتداءات" الإسرائيلية.

وتقدر مؤسسات غير رسمية الدمار في الجنوب بنحو 1400 وحدة سكنية جرى تدميرها بشكل كامل، فيما تعرضت 7 آلاف وحدة سكنية لتدمير جزئي أو لأضرار.

والجنوب اللبناني فيه تنوع في الطوائف والمذاهب، بينما يشكل الشيعة المكون الأكثر عددا، يليهم الموارنة المسيحيون ثم السنة.

لكن ما كان لافتا، هو بروز مضايقات واستغلال مادي لهؤلاء النازحين في مناطق النزوح في الداخل.

ووصل الحال إلى تعرض بعض العوائل للطرد من بعض القرى التي تنحدر من طائفة أخرى ومنعهم من الإقامة فيها أو حتى استئجار للمنازل بمقابل مادي باهظ.

وتعالت التحذيرات من عودة "النفس الطائفي" إلى لبنان الذي شهد في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين حربا أهلية انتهت بمحاصصة طائفية للسلطة، حيث تكون رئاسة الدولة للمسيحيين، ورئاسة الحكومة للسنّة والبرلمان للشيعة.

وأعادت حادثة طرد عائلة من المكون الشيعي من بلدة الغريفة التي يسكنها الدروز في قضاء الشوف، التحذير من الممارسات الطائفية في هذا التوقيت.

وقالت وسائل إعلام لبنانية في 7 أغسطس/ آب 2024 إن صاحب منزل طلب من عائلة نازحة ألف دولار كإيجار شهري، إلا أن العائلة تفاجأت بهجوم عليها من طرف عدد من أهالي المنطقة وتهديدهم بالسلاح وطالبوهم بالمغادرة بشكل فوري من البلدة.

وفي محاولة لتدارك الموقف الذي عده البعض "طائفية ومناطقية" لمنع هذه العائلة من السكن في منطقة تختلف عنهم في المذهب، خرج رئيس حزب “التوحيد العربي”، وئام وهاب، وقدم الاعتذار بوصفه أحد رموز الطائفة الدرزية.

وكتب قائلا: "نعتذر من رب العائلة التي طردت عائلته من إحدى القرى الشوفية.. هذه الممارسات لا تمت لبني معروف بشيء، فلنتذكر سلطان الأطرش الذي أشعل حربا من أجل ضيفه أدهم خنجر.. فبيوتنا مفتوحة وقلوبنا كذلك".

بدوره دعا شيخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان، سامي أبي المنى، إلى "احتضان أبناء الجنوب والضاحية كضيوف مكرّمين في المنازل والبيوت والمؤسسات".

كما أعلن أبي المنى في بيان، رفضه لأي "استغلال مادي من أصحاب الشقق السكنية والمنازل لمن اضطرتهم الحرب لترك منازلهم قسرا".

ولجأت السلطات اللبنانية إلى فتح تحقيق لما دار في بلدة  الغريفة لمعرفة هوية من يقف خلف تلك الدعوات في هذا التوقيت.

آفة الطائفية

وعلقت قناة "الجديد" المحلية على ما حصل في بلدة الغريفة بالقول: "رغم أن البعض لم يستطع الخروج من آفة الطائفية ومن قوقعة المناطقية يسجل للبنانيين تكاتفهم في وجه تهديدات العدو الإسرائيلي". 

وتتعالى المخاوف من تدحرج كرة الحرب في الجنوب لتطال مناطق جديدة في العمق اللبناني؛ مما يوسع من حجم الكارثة الإنسانية التي تؤكد السلطات أنها “ما تزال تحت السيطرة”.

لكن في المقابل، انتشرت مقاطع فيديو للبنانيين يعرضون منازل للإيجار، بمبلغ شهري يعادل 400 دولار، إلا أنهم يشترطون أن يكون المستأجر من أبناء المنطقة في إشارة إلى رفض تأجير المنازل للنازحين اللبنانيين من الجنوب ومن غير مكون الطائفة.

​​وتحدثت وسائل إعلام لبنانية عن حالة الجشع التي يتعرض لها النازحون من الجنوب لقاء حصولهم على منزل يؤويهم ويحميهم من التشرد.

ووصف هؤلاء بـ"سماسرة الحرب" حيث أجرت قناة “الجديد” اتصالات مع أصحاب إعلانات لتأجير المنازل واكتشفت الأرقام الباهظة التي يطلبونها لقاء الإيجار.

وتراوحت الأسعار، بين 800 وألف دولار، وغالبا ما يكون الدفع مسبقا لمدة عام، حيث كان سعر إيجار ذات المنزل 200 دولار شهريا قبل بدء موجة النزوح من الجنوب.

ويشترط أصحاب تلك المنازل على تحديد أعداد القاطنين في المنزل والتعهد في صك الإيجار بعدم إضافة أي شخص جديد حتى لو اندلعت الحرب.

وأمام ذلك، يرى نقيب مقاولي الأشغال العامة والبناء، مارون الحلو، أن "تسارع الأحداث الأمنية في الأسابيع الماضية على صعيد المنطقة العربية وتحديدا الجنوب اللبناني، جعل أهالي المناطق اللبنانية المُعرضة لخطر الاعتداءات الإسرائيلية تعيش حالة خوف ورعب من إمكانية حصول تداعيات لهذه الأحداث، خصوصا مع احتمال اندلاع حرب مدمرة على غرار ما حصل صيف 2006".

ولفت الحلو خلال تصريح صحفي في 7 أغسطس 2024، إلى أن "هذا الوضع المؤلم دفعهم الى النزوح نحو مناطق بعيدة عن رقعة العمليات الحربية، لكن هذا النزوح جعلنا نسمع صرختهم بسبب الانتقال الاضطراري وفرض المالكين أسعارا مرتفعة لإيجارات الشقق رغم الظروف الصعبة والاستثنائية التي يعيشها لبنان واللبنانيون على الصعيد المعيشي والاقتصادي والأمني".

وعزا الصحفي اللبناني، جو القارح، ما يحدث بحق النازحين إلى “الطائفية”.

 وقال القارح، عبر حسابه على منصة "إكس" في 8 أغسطس، إن "ما يحدث مع أهلنا الجنوبيين النازحين ممن تركوا مناطقهم هربا من الوضع الأمني غير مقبول ومعيب وغير أخلاقي.. الله يلعن السياسة والطائفية شو عملت بالناس".

 حتى إن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الشيخ علي الخطيب، دعا في 9 أغسطس إلى "مراعاة ظروف النازحين وعدم الاستغلال لرفع قيمة الإيجار ووضع الشروط التي تُرهق الناس كما تقتضيه الأخوة والمواطنة"، وفق تعبيره.

دعوات للتكاتف

بدوره، انتقد موقع "كورة برس" المحلي اللبناني تعميق معاناة النازحين الباحثين عن شقق في مناطق تعد آمنة، مقدرا أن "مساعدة النازحين واجب إنساني وأخلاقي بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو السياسية". 

وقال الموقع في مقال تحت عنوان "معاناة النزوح وأهمية التضامن الإنساني" إن "هؤلاء الناس هم ضحايا ظروف قاسية فرضتها عليهم الأوضاع الأمنية المتدهورة، وليس من العدل أن نزيد من معاناتهم، بل يجب أن نمد لهم يد العون ونسعى لتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم، فهم جزء من نسيجنا الاجتماعي ولا يمكننا أن نتجاهل آلامهم".

ويطلق سياسيون لبنانيون دعوات إلى سكان المناطق لاستيعاب النازحين من الجنوب، ولا سيما أن موجات النزوح تتزايد كلما فشلت الجهود الإقليمية لمنع اندلاع حرب شاملة في لبنان.

اللافت أن الحكومة اللبنانية لم تعلن عن مدفوعات أو أشكال أخرى من الدعم للأسر التي تأثرت بتبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.

في حين وزع حزب الله بعض المساعدات المالية وسدد الإيجارات عن بعض العائلات، كما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وبحسب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، فإن لبنان "يحتاج لمئة مليون دولار سنويا لسد حاجات أمور النازحين اللبنانيين".

وأكد ياسين، خلال حديث لموقع "صوت لبنان" في 9 أغسطس 2024، "الشح في التمويل من الجهات الدولية التي تبلغ سنويا 25 مليون دولار".

وهناك معاناة شديدة يمر بها نازحو الجنوب في مراكز الإيواء، حيث المساعدات شحيحة وعلى العائلات النازحة الاقتصاد في طعامها.

لكن هذا النزوح تصادف مع ضائقة اقتصادية كبيرة يمر بها لبنان منذ عام 2019 والتي ألقت بـ90 بالمئة من سكان البلاد في براثن الفقر، ولم يخرج منها لبنان حتى اليوم، وهي تعد من أصعب الأزمات النقدية والاقتصادية منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين.

وهذا ما رتب على النازحين الجنوبيين أعباء مالية كبيرة، خاصة أن معظمهم فقد مصدر رزقه نتيجة نزوحهم عن بلداتهم حيث مراكز عملهم ومصالحهم الاقتصادية.