البحث عن الدولار.. لماذا يحرك نظام السيسي أذرعه ضد السوريين في مصر؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار سنوات، شيد السوريون وكثير من المهاجرين الذين جاءوا إلى مصر حياة مستقرة دون عراقيل، خاصة أن إقامتهم كانت على وقع استثمارات اقتصادية، ولم تكن من باب الإعانة أو اللجوء بمفهومه الدارج. 

لكن تلك الحالة باتت مهددة من قبل النظام المصري، الذي بدأ في مطلع يناير/ كانون الثاني 2024، اتخاذ حزمة إجراءات تتعلق بالإقامة ورسومها ضد المهاجرين على رأسهم السوريون. 

وتزامن ذلك مع حملة مريبة، عبر الإعلام الرسمي والخاص التابع للنظام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نالت من السوريين تحديدا، ما دفع بتساؤلات عن الأسباب ومن وراءها.

مستجدات الإقامة 

في 8 يناير 2024، دعت حكومة النظام المصري، أكثر من 9 ملايين مهاجر ولاجئ إلى تسجيل مكان إقامتهم، وذلك ضمن إجراءات مستجدة بدأتها في "تدقيق أعداد اللاجئين لديها وتكلفة ما تتحمله الدولة من خدمات لرعايتهم"، تعد الأولى من نوعها منذ سنوات.

جاء ذلك في بيان لمجلس الوزراء، عقب اجتماع ترأسه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مع وزراء ومسؤولين محليين.

وأفاد البيان بأن "الحكومة بدأت تدقيق أعداد اللاجئين وتكلفة ما تتحمله الدولة من خدمات لرعايتهم"، دون تحديد إطار زمني لإعلان النتائج التي ستشمل زيادة في أسعار الرسوم.

 

وفي 9 يناير أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء، محمد الحمصاني في مداخلة هاتفية، لقناة "صدى البلد" المحلية"، أن الدولة المصرية تتحمل المليارات من أجل اللاجئين، حيث يحصلون على الخدمات كافة في مختلف القطاعات.

وأضاف أن هناك حوالي 9 ملايين لاجئ من 133 دولة يعيشون على أرض الوطن كـ"ضيوف"، مشددا على "ضرورة توثيق مختلف جهود الدولة لرعاية هذه الملايين من الضيوف". 
ويحرص رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، عندما يتحدث عن المهاجرين واللاجئين أن يستخدم كلمة "ضيوف".

وهو نفس المصطلح الذي استخدمه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومعظم الإعلاميين المصريين.

ورغم أن الكلمة تحمل معاني إيجابية في مدلولها، لكن سياق استخدامها مختلف تماما، حيث إنها حجبت الفارق بين مفهوم المهاجر واللاجئ وطبيعة كليهما، ما تسبب في تضارب واختلال التعامل مع حقيقة الوضع. 

فمصر بحسب الأرقام الأممية ليس فيها 9 ملايين لاجئ كما يتم الادعاء بذلك، ففي 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023، نشرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرها السنوي عن أعداد اللاجئين في مصر. 

وأوردت فيه أن مصر تضيف 473 ألف شخص من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين من 62 جنسية.

وذكرت أنه بداية من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددا وبعدها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال، والعراق.

وعدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية في مصر يصل إلى 153 ألفا و756. 

أما المهاجرون السوريون في مصر، وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الهجرة الدولية الصادر في ديسمبر 2023، فيصلون إلى نحو مليون ونصف شخص.


حملة ممنهجة 

ذلك الخلط تسبب في حملة ممنهجة ومنظمة عبر منصات "السوشيال ميديا" من حسابات معظمها غير معروف ومشكوك أنها "لجان إلكترونية" تابعة للنظام. 

ففي 9 يناير 2024 انتشرت هاشتاغات مسيئة تنادي بترحيل المهاجرين من مصر، على رأسهم" السوريون" بالتوازي مع التقارير المحلية بتوجه الحكومة نحو تحديد ما يمكن أن "تتحمله" الدولة من مصروفات لرعايتهم.

ولوحظ انتشار دعوات تطالب بإبعاد السوريين، الذين يعيش العديد منهم في مصر منذ أكثر من 10 سنوات.

لكن خطاب الكراهية المتصاعد ضد السوريين عقب إستراتيجية نظام السيسي، لا يتطرق إلى حقيقة أن قطاعا كبيرا من المجتمع السوري في مصر، يضيف إلى الإنتاج ويضخ أمواله في الاستثمار، ويكفي احتياجاته الشخصية والعائلية بنفسه.

فمثلا كانت التأشيرة الممنوحة للمواطن السوري حتى مطلع عام 2021 تبلغ 1200 دولار.

وبحسب مكاتب سياحية سورية، فإن إصدار التأشيرة المصرية البطيئة للسوري كانت تكلفتها 1050 دولارا، لتنخفض قيمتها خلال فترة العروض إلى 500 دولار، ويستغرق الحصول عليها أقل من شهر، بينما التأشيرة السريعة تبلغ 1400 دولار ومدة إنجازها أسبوع.

ويحصل السوري على إقامة زيارة سياحية إما لستة أشهر أو لشهر، ويجرى التقديم عليها في دائرة الهجرة والجوازات للأجانب في القاهرة، بشرط وجود عقد إيجار منزل ودفع مبلغ 650 جنيها مصريا (نحو 21 دولارا)، وبذلك يحصل الشخص على الزيارة السياحية التي تختم على جواز السفر.

23 مليار دولار

ووفقا لما قاله رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، خلدون الموقع، خلال حديث مع  إذاعة موالية للنظام السوري، في 27 سبتمبر/ أيلول 2021 فإن "عدد الصناعيين السوريين العاملين في مصر يقدر بين 15 و17 ألفا، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفا".

وكشف تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، في 31 أكتوبر 2021،  أن "حجم الأموال السورية في مصر يقدر بـ23 مليار دولار". 

وذكر أن "الاستثمارات والمصانع السورية في مصر تضخ نحو 100 مليون قطعة شهريا من منتجات المصانع".

وكان محمد عرفان، الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية المصرية، قد أدلى بتصريحات في 12 مايو/ أيار 2017 عن حجم الاستثمارات السورية في مصر، وأفاد أن استثماراتهم في المشروعات الصغيرة فقط تصل إلى نحو ملياري دولار.

وأضاف أن هناك 4700 شركة سورية افتتحت في مصر، ووفرت أكثر من مئة ألف وظيفة لعمال وموظفين مصريين.

تلك الأرقام الضخمة للاستثمار السوري في مصر لا تتناسب مع تحميل الحكومة للمهاجرين الأزمة الاقتصادية.

حتى إن بعض الإعلاميين الموالين للنظام المصري مثل عمرو أديب استنكر تلك الحملة.

ومن خلال برنامجه المذاع عبر قناة "MBC" السعودية في 9 يناير 2023، قال أديب: "سؤال مهم.. هل اللاجؤون أو المقيمون سبب الأزمة الاقتصادية في مصر؟ نقطة.. لكنهم شماعات نعلق عليها ما وصلنا إليه".


ونشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريرا عن الاقتصاد في 12 يناير، ذكرت فيه أن "مصر تمر بأزمة اقتصادية عميقة تهدد بتعطيل سياساتها الداخلية والاقتصادية والخارجية". 

وأوردت أن "شح الدولار يعد أحد أبرز التحديات الاقتصادية في مصر حاليا، خاصة أنها تعتمد على الاستيراد، وقد خرج نحو 20 مليار دولار بين يناير وسبتمبر  2022، بعدها بدأت الحكومة بتقييد الوصول إلى العملة الصعبة، وهي سياسة عدها مراقبون محفوفة بالمخاطر". 

وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" إن "نقص الدولار والضغوط على السوق الموازية واقعان دفعا نحو موجة غلاء تزامنت مع ارتفاع نسب التضخم بمعدلات غير مسبوقة.

وهو ما يضع عبئا هائلا على السكان الذين يعيش ما يقرب من ثلثهم بالفعل تحت خط الفقر.

ويضع الحكومة نفسها تحت ضغوطات هائلة في ظل عجزها عن مجابهة تغول الأزمة وتفاقمها.

أصحاب بلد 

وقال المحامي المصري، إسماعيل علي، إن "السوريين في مصر لا ينطبق عليهم صفة لاجئين، وليسوا مهاجرين بالمعنى الدارج، بل هم وفقا للمزاج الشعبي المصري (أصحاب بلد)". 

وأضاف علي في حديث لـ"الاستقلال" أن "ذلك اللفظ يطلق على السوريين بالأخص، لحسابات قومية وتاريخية، حيث كانت الرابطة بين مصر والشام زمن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي سببا رئيسا في فتح بيت المقدس وانتصار العالم الإسلامي على الصليبيين". 

وأوضح أنه "خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شيدت أحلام الوحدة العربية في القاهرة ودمشق، وأسست الجمهورية العربية المتحدة كاتحاد بين مصر وسوريا في دولة واحدة تحت علم واحد ورئيس واحد". 

واستطرد: "الأمر الآخر هو أن السوريين في مصر، ليسوا عالة أو عامل ثقل على كاهل الدولة والاقتصاد، على العكس يمثلون الجالية الأنشط والأكثر إضافة للاقتصاد، حيث قاموا بتأسيس المصانع والمطاعم والأعمال التجارية الخاصة، وكفلوا أنفسهم بشكل كامل، وقاموا بتشغيل عشرات الآلاف من العمالة المصرية بلا ضجيج أو مشاكل".

واستنكر علي، الحملة المفاجئة التي أطلقت ضد المهاجرين والسوريين، ووصفها بـ"حملة الأندال" وأنها "هجمة غير بريئة" لها غرض سياسي وهدفها تحصيل الأموال واستغلال وضع المهاجرين الصعب في عدم قدرتهم على العودة إلى بلادهم. 

وأشار إلى أنه "يوجد خارج مصر 14 مليون مهاجر يساهمون في الدخل القومي بـ22 مليار دولار، ويعيشون في دول شقيقة مثل السعودية والكويت والإمارات، ماذا لو خرجت حملة مماثلة وطالبت بعودتهم تحت أي ذريعة هل يرضى نظام السيسي بذلك، وهل يرضى من يشاركون في تلك الحملات العنصرية بهذه الخطوة".