"شرارة تشتعل".. هل تتمكن احتجاجات طلاب المغرب من إنهاء التطبيع الأكاديمي؟
في سياق الالتحاق بالركب الانتفاضي العالمي، شهدت جامعات مغربية مبادرات طلابية احتجاجية ضد التطبيع مع إسرائيل، وأبرزها المطالبة بإسقاط “التطبيع الأكاديمي”.
ومع توالي المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، شهدت عدة جامعات، حراكا طلابيا واسعا، حيث احتشد آلاف الطلاب في وقفات ومسيرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتظاهر آخرون خارج أسوار الجامعات رافعين الأعلام الفلسطينية وصور الضحايا.
إلهام الحراك
وفي آخر مبادرة قوية، وجّه نحو 1300 طالبة وطالب وخريجة وخريج من جامعة "محمد السادس متعددة التخصصات التقنية" (تعد من جامعات النخبة) رسالة إلى الإدارة تطالب بقطع العلاقات بين جامعتهم وشركائها الإسرائيليين.
وقال الطلاب في بيان 25 يونيو/ حزيران 2024، إن المبادرة " تنبع من حرصنا على أن تقف جامعتنا في الجانب الصحيح من التاريخ وتستند إلى أننا كطالبات وطلبة وخريجات وخريجين ممثلون للجامعة بالضرورة كما أن الجامعة تمثلنا بدورها بالضرورة. ولهذا فإنه من غير الممكن أن نصمت أمام الوضع غير الطبيعي الذي نعيشه حرصا منا على موقف جامعتنا الأخلاقي والإنساني".
وتتعاون جامعة محمد السادس مع ثماني جامعات ومؤسسات تعليمية إسرائيلية، من بينها جامعة بار إيلان، وجامعة بنغوريون، وجامعة تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس، ومعهد تخنيون، وهي مؤسسات متورطة في برامج عسكرية وتكوين قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وتفاعلا مع ما تعرفه "جامعة محمد السادس"، أصدرت حركة المقاطعة “بي دي إس” المغرب و"الحملة المغربية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل"، بيانا تدين فيه أي تعاون يجمع العالم الأكاديمي المغربي ودولة الاحتلال، وكل الاتفاقيات المشتركة وأشكالها من برامج التبادل الطلّابية والأكاديمية، وأي مشاركات في مسابقات ومحافل تطبيعية.
وعدت في بيان نشرته في 24 يونيو الإصرار على الحفاظ على هذه الاتفاقيات “يمثّل تطبيعاً مع جيش الاحتلال وقتلا للعلم في فلسطين”.
ونبّهت الحركة إلى أنه "لمن كان يتساءل أين هي الجامعات المغربية من توسع الحراك الطلابي العالمي التضامني مع الشعب الفلسطيني وفضح الإبادة الجماعية في غزة، جاء الجواب من ثلاث جامعات على الأقل"، حيث وقّع المئات من الطلبة والطالبات رسائل إلى الإدارات "تطالب بقطع العلاقات بين جامعتهم وشركائها الصهاينة".
وعبر مناهضو التطبيع الأكاديمي عن دعمهم لنضال طالبات وطلبة والمبادرات كافة التي يقودها الطلبة والأساتذة الجامعيون في الجامعات المغربية بمطالباتهم مؤسساتهم بفضّ علاقاتها مع جامعات الاحتلال.
في السياق، أبرزت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أنّ هذا التطبيع الأكاديمي متواصل في الوقت الذي دخلت فيه حرب الإبادة، التي يشنها جيش الاحتلال على 2.3 مليون فلسطيني في غزة، شهرها الثامن وتواصل آلة الحرب الصهيونية تدمير جميع مناحي الحياة في القطاع، بما في ذلك المنظومة التعليمية.
ووجه مناهضو التطبيع دعوة للأكاديميين المغاربة والأساتذة الجامعيين والنقابات الأكاديمية إلى دعم نضال الطلاب والتنظيمات الطلابية والمجالس والأندية وجمعيات الخريجين.
وأكدت أنه “بتكثيف الضغط ستنتهي جميع العلاقات بين الجامعات المغربية والمؤسسات الأكاديمية الصهيونية الخادمة لجيش الاحتلال، وستسقط مذكرة التفاهم بين وزارة التعليم العالي المغربية ونظيرتها الصهيونية”.
ونُظّمت “أيام العمل الطلابية” يومي 27 و28 يونيو 2024، عبر منصة “زووم” حيث تهدف هذه "الأيام"، بحسب منظميها، إلى إلهام الحراك الطلابي المناهض لأشكال التطبيع الأكاديمي كافة في المنطقة العربية، بوضعه في سياقه التاريخي والمرحلي، وخلق مساحة تقاسم للتجارب والتبادل الفاعل بين الأجسام الطلابية المنخرطة في الحراك الطلابي العالمي.
من جانبه، دعا المكتب الجهوي للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بمدينة تطوان، في بيان، كل الأساتذة في مختلف جامعات المغرب، إلى "التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق مؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حرمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية".
مسار رسمي
وبعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل في 20 ديسمبر/ أيلول 2020 بوساطة أميركية، انخرط العديد من القطاعات الحكومية في مسلسل التطبيع، ومن بينها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث استقبل الوزير عبد اللطيف ميراوي، وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيساوي فريج، في يوليو 2022.
ووصل هذا التطبيع إلى العديد من الجامعات المغربية، ففي أغسطس 2021 وقعت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، عقد تعاون، مع جامعتي القدس العبرية وبن غوريون، لتبادل الخبرات ومشاريع البحث العلمي بين الجامعات المغربية والإسرائيلية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2022 وقعت جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، مذكرة تفاهم مع جامعة حيفا الإسرائيلية، تشمل التعاون في العلوم البحرية وفي ميادين الزراعة المائية المستدامة والتكنولوجيات البحرية والبحوث الإيكولوجية.
وفي نوفمبر 2022، جرى التوقيع على اتفاقية شراكة علمية بين الجامعة الدولية للرباط وجامعة بن غوريون ببئر السبع، بهدف تطوير وتكريس التعاون العلمي والأكاديمي بين الجامعتين من خلال الأنشطة الأكاديمية.
وخلال مارس 2023 وقعت الجامعة الأورومتوسطية في فاس، والجامعة العبرية بالقدس اتفاقية بهدف التعاون في مجال التدريب والابتكار البحثي.
ولم تصدر الجامعات المغربية المطبعة، أي موقف مما يجرى في قطاع عزة، ولم تعلن عزمها مراجعة الاتفاقات الموقعة مع الجامعات العبرية، رغم أن بعضها يشهد مظاهرات طلابية داعمة للفلسطينيين.
وقال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" (غير حكومي)، أحمد ويحمان، إن نضال طالبات وطلبة وخرّيجات وخرّيجي جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية لمطالبة مؤسساتهم بإنهاء علاقاتها مع جامعات الاحتلال، هي صرخة أخرى من جامعة النخبة تنضاف لانتفاض الطلاب وأساتذة الجامعة والأطر والموظفين العاملين بها.
وأضاف ويحمان لموقع "العربي الجديد" في 26 يونيو: “تابعنا جميعا، قبل أيام، عريضة لما يزيد على 600 أستاذ وكادر في جامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان يحتجون على رئاسة الجامعة لتوقيع اتفاقية مع جامعة صهيونية ضدا على القانون، وفي غياب مجلس الجامعة الذي عليه أن يصدّق على مثل هذه الاتفاقيات”.
تعهدات أولية
وتحت ضغط الطلاب والأساتذة، تعهدت جامعة تطوان بمناقشة وقف تعاونها مع جامعة “حيفا”.
وفي السياق ذاته، قال أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي، نور الدين المطيلي، منسق عريضة تطالب الجامعة بوقف التطبيع مع جامعة حيفا، إن “العريضة التي قدمت للإدارة قبل شهر، تجاوز عدد الأكاديميين الموقعين عليها الـ700 أكاديمي، وتفاعل معها الطلاب، والذين وقعوا بالمئات على عريضة مماثلة، وقدموها لإدارة الجامعة”.
وأضاف المطيلي، أن “إدارة الجامعة، تعهدت بإحالة مطلب التراجع عن الاتفاقية مع جامعة حيفا على مجلس الجامعة، والذي من المتوقع أن ينعقد في الأيام المقبلة”، معبرا عن أمله في أن يتفاعل المجلس مع مطلب المئات من الأكاديميين والطلبة، و"يتراجع عن الاتفاقية"، وفق ما نقل موقع “صوت المغرب” في 1 يوليو/ تموز 2024.
جامعة عبد المالك السعدي في تطوان، يقول المطيلي إنها “الجامعة المغربية العمومية الوحيدة، التي وقعت وبشكل علني عن اتفاقية شراكة مع جامعة إسرائيلية”.
ورأى أن المستجدات الأخيرة، تثبت ضرورة تراجعها عن هذا المنحى “نظرا للفظاعة التي نتابعها في حق الأطفال والنساء، وأي إنسان يمتلك نزرا من الإنسانية يجب أن يقطع علاقاته بهذا الكيان، ونتمنى أن أي أكاديمي أو مواطن أو مثقف يوقف علاقاته به”.
وقال الطالب محمد معزوز إن "إدارة الجامعات مطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الإسرائيلي، لأنها اتفاقيات باطلة من أساسها ولن تفيد التعليم الأكاديمي المغربي".
وشدد معزوز لـ"الاستقلال" على أن "الطلبة واعون بحقيقة هذا الكيان وما تقترفه يده في حق الشعب الفلسطيني ولا يمكن أن تحجبه مثل هذه الاتفاقيات الفاشلة".
وأوضح أن "الموسم الجامعي نسبيا في عطلة صيفية وعودة الدراسة بعد شهرين سيشعل المدرجات والحرم الجامعي إلى حين التراجع عن ذلك".
ورأى معزوز أن "استمرارية هذه الاتفاقيات والجيش الإسرائيلي المجرم يواصل حربه العدوانية على قطاع غزة لا يستقيم، كما أن هذه الاتفاقيات من الأساس لا أخلاقية، وإصلاح هذه الجريمة هو الإعلان بصوت عالٍ عن إلغائها".