تعاون وصراع.. هل تتمكن تركيا من شراء مقاتلات "يوروفايتر" من ألمانيا؟
“العلاقات التركية الألمانية مزيج عميق الجذور من التعاون والصراع”
يعتقد الخبراء أن العلاقات الدفاعية بين أنقرة وبرلين ستشهد “بعض التقدم” بعد زيارة الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى تركيا، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة.
ووصف موقع "المونيتور" الأميركي، زيارة الرئيس الألماني، بأنها "شهادة على نضج العلاقات التركية-الألمانية، التي هي مزيج عميق الجذور من التعاون والصراع".
وقال الموقع إن "زيارة شتاينماير الرسمية إلى تركيا في 22 أبريل/نيسان 2024 واستمرت 3 أيام، تصدرت عناوين الأخبار بلحظاتها المرحة أثناء تناول الطعام".
وأوضح أن "ذلك كان بعد أن أحضر الزعيم الألماني سيخا من الشاورما وزنه 60 كيلوغراما، وهو طبق تركي شهير، كلافتة رمزية لطبق ثقافي أصبح مشتركا بين البلدين، بفضل أكثر من 3.5 ملايين تركي هاجروا إلى ألمانيا في الستينيات والسبعينيات".
فرص وتحديات
لكن تركيز محادثات شتاينماير مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، "كان على القضايا الأكثر إلحاحا بين تركيا وأكبر شريك تجاري لها في أوروبا"، بحسب الموقع.
ويتضمن ذلك طلب تركيا شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون"، من كونسورتيوم "يوروفايتر" المصنّع للمقاتلة، وهو تجمع يضم شركات من أربع دول أوروبية.
وأفاد الموقع بأن “برلين عضو بارز في اتحاد الشركات الأربع الذي ينتج الطائرة المقاتلة، وحتى الآن، يبدو أن تركيا أقنعت إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة بالبيع، لكن ألمانيا تقاوم الفكرة”.
وقال أردوغان وهو يجلس بجوار الزعيم الألماني بعد محادثاتهما في أنقرة: "نريد إزالة القيود المفروضة على صناعة الدفاع من علاقاتنا بشكل كامل".
لكن يرى الموقع الأميركي أن "هناك العديد من الفرص والتحديات التي تلوح في الأفق فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية بين أنقرة وبرلين".
ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، كشفت "الخطوط الجوية التركية"، عن أكبر عملية استحواذ في تاريخها، حيث ستشتري أكثر من 350 طائرة من شركة "إيرباص" مقابل ما يقدر بنحو 70 مليار دولار.
والجدير بالذكر أن "إيرباص" مملوكة لتجمع فرنسي وألماني وإسباني.
وبعد أقل من أسبوع من مغادرة شتاينماير أنقرة، وقّع المسؤولون الحكوميون الأتراك والمسؤولون التنفيذيون في "الخطوط الجوية التركية" اتفاقية إطارية مع شركة "إيرباص" وشركة تصنيع المحركات البريطانية "رولز رويس" تتعلق بإنتاج الطائرات الـ350 المخطط لها.
وبموجب الصفقة، ستدعم الشركة التركية لصناعات الفضاء "توساش" المشروع بمكونات وتصاميم تبلغ قيمتها حوالي 20 مليار دولار لإنتاج الأجزاء الرئيسة لطائرات إيرباص.
ضغط اللوبي
وأكد الموقع أن "صفقة إيرباص تعد حاسمة بالنسبة للعلاقات التركية-الألمانية، ليس فقط بسبب ثمنها".
وأوضح: "عندما كُشف عن صفقة إيرباص لأول مرة، طرح الصحفي التركي المقرب من الحكومة، مراد يتكين، أن أنقرة قد تربط شراء طائرات إيرباص المدنية بمقاتلات يوروفايتر تايفون".
ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان المقصود من صفقة إيرباص أن تكون بمثابة حافز لضوء أخضر ألماني محتمل لبيع مقاتلات يوروفايتر.
ولكن وفقا لخبراء الدفاع، فإن برلين لديها أيضا دافع آخر لتوافق على بيع الطائرات المقاتلة لتركيا.
وقال محلل شؤون الدفاع، كوبيلاي يلدريم: "بعيدا عن الحديث عن أية دولة على حدة، فإن جميع الأوروبيين -سواء كانوا ألمانا أو بريطانيين أو غيرهم- يستعدون لدخول الصين إلى سوق الطائرات المدنية".
واستطرد: “وفي هذا السياق، من المهم لشركة عالمية كبرى مثل إيرباص أن تقف تركيا إلى جانبها”.
بدوره، أشار المحلل الدفاعي والكاتب التركي، كوزان إركان، إلى أن “ألمانيا سحبت أخيرا حق النقض على بيع مقاتلات يوروفايتر للسعودية”.
وأوضح إركان أن "برلين وافقت في النهاية على البيع للرياض، ويرجع ذلك جزئيا إلى الضغوط التي يبذلها لوبي الشركات الألمانية".
واتفق معه الباحث التركي، تولغا أوزبك، قائلا إن "المبيعات إلى أنقرة والرياض يمكن أن تُبقِي خطوط الإنتاج مفتوحة حتى أواخر ثلاثينيات القرن الحالي، وهذا يُغري برلين لتسهيل الصفقة".
وبحسب مراقبين، فإن إدراج تركيا في مبادرة درع السماء الأوروبية (ESSI) -التي تقودها ألمانيا- في فبراير/شباط 2024، يُعد علامة مشجعة أخرى على صفقة بيع محتملة لمقاتلات يوروفايتر.
وتشكلت مبادرة "درع السماء الأوروبية" بعد الغزو الروسي والقصف الواسع لأوكرانيا عام 2022، وهي عبارة عن نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل لعموم أوروبا باستخدام منصات مصنّعة في أوروبا وكذلك أميركا وإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تعارض فرنسا المشروع على أساس أنه سيسمح بمشتريات غير أوروبية، وتضغط بدلا من ذلك لإنشاء “كونسورتيوم” يتكون فقط من أنظمة الصواريخ المصنعة في أوروبا.
إدارة الخلافات
وقال موقع المونيتور: "في الواقع، قد يبدو غريبا بالنسبة لتركيا أن تسعى لشراء مقاتلات يوروفايتر، بينما يتكون أسطولها الجوي القتالي بالكامل تقريبا من طائرات إف-16 أميركية الصنع".
واستدرك: "لكن ترى تركيا أن الكونغرس الأميركي يمكنه دائما أن يفرض عليها عقوبات جديدة كما فعل في الماضي".
فعندما اشترت أنقرة نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400"، أخرجتها واشنطن من برنامج صناعة الجيل الجديد من الطائرات المقاتلة طراز "إف-35".
"ومن هنا جاءت الرغبة في الحصول على طائرات يوروفايتر"، يؤكد المونيتور.
وقال أوزبك: "تريد أنقرة أيضا تحسين عملية طرح العطاءات للطائرات المقاتلة الجديدة عبر خلق بيئة تنافسية، حيث يمكن وضع طائرات إف-16 في مواجهة مقاتلات يوروفايتر".
فيما علق الموقع أنه "بصرف النظر عن الخطوات المحتملة في مجال الدفاع، أظهرت زيارة شتاينماير لتركيا “قدرات أنقرة وبرلين على التغلب على الصراعات الثنائية”.
وأضاف أنه "منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، توترت العلاقات السياسية بين أنقرة وبرلين بسبب سلسلة من القضايا، وشمل ذلك الدعم الغربي للتنظيمات في سوريا المصنفة تنظيمات إرهابية لدى أنقرة، فضلا عن الانتقادات الألمانية والأوروبية لوضع الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا".
وقد أدى الدعم الغربي لإسرائيل وسط عدوانها على قطاع غزة، وتأييد أنقرة المتزايد لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) إلى زيادة التوترات، حيث تعد ألمانيا -ومعظم الدول الغربية- حركة حماس "منظمة إرهابية"، بحسب "المونيتور".
ولكن رغم هذه الخلافات، فإن العلاقات التركية-الألمانية “أصبحت اليوم أكثر ندية بكثير مقارنة بالماضي”، وفق توصيف الموقع الأميركي.
وتجاوزت التجارة الثنائية 50 مليار دولار عام 2023.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية، مراد أونسوي، أن "أصالة العلاقات تساعد البلدين على إدارة الخلافات".
وقال أونسوي: "لقد نجح البلدان في فصل العلاقات الاقتصادية والتجارية عن العلاقات السياسية".