صفقات بالمليارات.. كيف كشفت فضيحة استيراد الشاي حجم الفساد بإيران؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تتفاعل أكثر فأكثر في الشارع الإيراني فضيحة الفساد في صفقات استيراد الشاي من قبل شركة مقربة من الحكومة قدرت بـ3 مليارات و700 مليون دولار، مسلطة الضوء على حجم هدر الأموال في هذا البلد.

وكشفت هيئة التفتيش العامة في إيران عن قضية فساد واسعة النطاق تتعلق بالآلات المستوردة والشاي التي استفادت من أسعار العملات التفضيلية المخصصة للسلع الأساسية، حسبما ذكرت صحيفة "اعتماد" في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

فضيحة الشاي

وفقا للنتائج التي توصلت إليها منظمة التفتيش، استوردت مجموعة مؤثرة تعمل في قطاع الشاي آلات وشاي بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار بأسعار صرف مدعومة من عام 2019 إلى عام 2022، وقيل إن جزءا كبيرا من هذا المبلغ قد جرى اختلاسه من قبل جهة معينة ومجموعة من المستوردين.

وتشير التحقيقات إلى أن شركة "دبش" المتورطة في هذه الفضيحة والمقربة من الحكومة الإيرانية، باعت العملات الأجنبية في السوق الحرة بسعر صرف أعلى، مما يمثل "أكبر عملية احتيال" في إيران.

وتظهر التحقيقات التي أجرتها هيئة التفتيش العامة الإيرانية أن شركة "دبش" تلقت من المبلغ المذكور حوالي 1.472 مليار دولار من النقد الأجنبي للواردات المخصصة للشركات التجارية من قبل الحكومة بسعر صرف أقل بكثير من السعر الجاري الذي يتم به تبادل الدولار عادة في السوق الحرة بالبلاد.

وحتى عام 2022 كانت الحكومة الإيرانية تخصص العملات الأجنبية بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق لاستيراد السلع الأساسية مثل القمح والشعير والأرز والشاي للحفاظ على أسعار هذه السلع تحت السيطرة في الأسواق المحلية.

وتوقفت هذه الممارسة في مايو/أيار 2022، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار المستمر، وأجبر العديد من الأسر لمواجهة تكاليف عيش باهظة في ظل انهيار العملة المحلية.

في البداية، أشادت الصحف الموالية بالحكومة كونها هي من كشفت الفضيحة وعدتها إنجازا، بينما الصحف الإصلاحية والمعارضة أدانت الحكومة وعدتها ضمن "الفاسدين" المتورطين في هذه الفضيحة وغيرها من الفضائح.

وانتقد البرلماني السابق، حشمت فلاحت بيشه، صمت البرلمان والجهات المعنية تجاه هذه الفضيحة الكبيرة، في الوقت الذي تعاني فيه إيران من أزمة اقتصادية كبيرة، وقال إن التواطؤ بين البرلمان والحكومة دفع بمؤسسة البرلمان أن تلتزم الصمت وتتخلى عن دورها الرقابي.

بدوره، اتهم عباس عبدي، وهو شخصية سياسية بارزة، الحكومة بالمسؤولية، قائلا: "لا يمكن تصديق أن يحدث ذلك دون علم كبار المسؤولين في السلطة به".

كما أعربت شخصيات معارضة عن غضبها، مطالبين النظام القضائي بتقديم الجناة إلى العدالة.

زلزال حكومي

ورأت صحيفة "اعتماد" هذه الفضيحة زلزالا يدمر بناء الحكومة التي تدعي أنها تحارب الفساد وتعمل في سبيل الشفافية، وطالبت المسؤولين بالكشف عن المديرين والمسؤولين المتورطين، موضحة أن هذا الحجم الكبير من الأموال يؤكد أن هناك أطرافا كبيرة ضالعة في هذه الفضيحة.

وسلطت هذه القضية الضوء مرة أخرى على الفساد المنهجي المنتشر في الاقتصاد الإيراني وسط مبادرات الحكومة الجديدة لزيادة الضرائب وتقييد الموارد المتاحة للدعم الاجتماعي للقطاعات الضعيفة في المجتمع.

ولم تمر هذه الفضيحة مرور الكرام في الأوساط الإيرانية، وخاصة من قبل الإعلام الذي ركز على القضية وأبعادها وتفاصيلها الدقيقة.

وبدأت كل يوم تتكشف أبعاد جديدة لفضيحة فساد الشاي التي حاولت الحكومة إخفاءها وإبعادها عن أضواء الإعلام، كما حاولت التملص من المسؤولية عبر اتهام حكومة حسن روحاني السابقة في هذه القضية، مما دفع مسؤولين في الحكومة السابقة بالتدخل ومطالبة القضاء بكشف الحقيقة.

وقالت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية في 10 ديسمبر 2023 إن شركة "دبش" المتورطة في هذه الفضيحة كانت تقوم بوضع ملصقات أجنبية على الشاي الإيراني ثم تزعم أنها استوردته من دول أخرى بعد أن تتقاضى أموالا طائلة من الحكومة.

الصحيفة ذكرت كذلك أن هذه الأموال التي تم الكشف عنها والتي تقدر بـ3 مليارات و370 مليون دولار كعملية اختلاس من قبل الشركة المذكورة لم تكن هي فقط ما حصلت عليه الشركة، وإنما هناك أموال أخرى استولت عليها عبر استلامها قروضا هائلة من 8 بنوك حكومية.

من جهتها، قالت صحيفة "توسعه إيراني"، إن أحد المسؤولين المتورطين في هذه القضية هو الرئيس السابق للبنك المركزي علي صالح آبادي، والذي صادق على تمويل الصفقة المذكورة.

بينما تساءلت صحيفة "جهان صنعت" عن العوامل التي سهلت وقوع قضية الفساد الكبرى والتي أظهرت اختلاس 3 مليارات دولار من قبل شركة شاي واحدة، وأكدت أن الفساد من هذا النوع متجذر في النظام الاقتصادي الإيراني، الذي يقوم على مبدأ الموالاة والعلاقات الشخصية.

ودعت الصحيفة الحكومة إلى "محاكمة المتورطين في هذه الفضيحة إن كانت صادقة في سعيها للشفافية وخدمة المواطنين". 

ولفتت إلى أنه "في تاريخ الجمهورية الإسلامية لم تتم محاكمة مسؤول واحد بشكل علني إلا في ملف كان أحد المقربين للرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني متورطا فيه، وذلك بهدف تشويه سمعة رفسنجاني الذي كان التيار الموالي للمرشد يناصبه العداء ويتربص به".

الصحيفة قالت إن "المواطن يدرك جيدا أن السياسات المتبعة من قبل الحكومة كفيلة بإنتاج الفساد ونشره، وسيظهر فاسدون آخرون أمثال باباك زنجاني (صاحب أكبر عملية فساد في صادرات النفط الإيرانية) بفضل العلاقات الوطيدة التي يملكها هؤلاء الفاسدون مع زملائهم في الحكومة".

وذكرت الصحيفة أن "الشعب الإيراني يدرك هذا الفساد ويراه بأم عينه، وهو غاضب بشكل شديد من الوضع الراهن والفساد المستشري".

وضمن هذه الجزئية، قال المحلل السياسي عماد الدين باقي: "بفضيحة الفساد الأخيرة في استيراد الشاي، فإن إيران في الوقت الحالي قد حطمت الأرقام القياسية في حجم الفساد عالميا"، 

وانتقد باقي في مقال نشره بصحيفة "اعتماد"، تهرب المسؤولين من الشفافية والوضوح أمام المواطنين.

وقال إن "الفساد في إيران كبير، وفي حال انكشف بعض هذه الفضائح يسارع المسؤولون في تبريرها بالقول إن الفساد موجود في كل دول العالم".

وذكّر الكاتب "بسرعة عمل المسؤولين في ملاحقة المتظاهرين أثناء فترات الاحتجاجات في البلاد"، وأردف: "لو لاحق المسؤولون المتورطين في قضايا الفساد كما يلاحقون المتظاهرين لتم استئصال الفساد من جذوره".

وتأتي هذه الفضيحة وسط أوضاع معيشية صعبة يعيشها الإيرانيون منذ سنوات، وسط عجز نظام الملالي في تدارك الفجوة الاقتصادية وانشغاله في التدخل بشؤون دول أخرى وصرف مليارات الدولارت على مليشيات في أكثر من دولة بالمنطقة.

وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "كار وكاركر" العمالية إلى تقرير البنك الدولي حول واقع الفقر في إيران تحت عنوان "الفقر وتوزيع الرفاه"، والذي خلص إلى أن 68 بالمئة من الإيرانيين هم فقراء أو مهددون بالفقر، لافتة إلى أن العقد الأخير كان الأسوأ من حيث تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.

وأوضحت الصحيفة أنه وفق هذا التقرير فقد شهد الاقتصاد الإيراني في الفترة ما بين عام 2011 و2020 أزمة غير مسبوقة، شملت تراجع النمو الاقتصادي والارتفاع الملحوظ في نسب التضخم.

وذكرت الصحيفة أن السبب الرئيس في هذه الأزمة هو الاضطرابات الحاصلة في الصادرات النفطية، حيث لا تزال إيران تعتمد بشكل عام على مبيعات النفط رغم محاولاتها التحرر من هذا القطاع والاعتماد على مصادر أخرى، وبالتالي عند أي أزمة سياسية وتأثر أسعار النفط يتضرر الاقتصاد بشكل سريع.

وانعكست آثار هذه الأزمة الاقتصادية وعجز الحكومة- كما تبين الصحيفة- في توفير ميزانيتها على القدرة الشرائية للمواطنين، مقررة أن كثيرا من المواطنين في إيران باتوا يعتمدون بشكل أساسي على المبلغ المالي الزهيد الذي تقدمه الحكومة ضمن خطة الدعم المباشر.

 اقتصاد الظل

ولعل "فضيحة الشاي" أخذت بالتفاعل أكثر في هذا التوقيت نتيجة للوضع الاقتصادي المتأزم في إيران.

وفي هذا السياق، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "الشعب لا حيلة له تجاه الفساد وحجمه من قبل مسؤولي الملالي".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال" قائلا: "لفهم حجم الفساد في إيران يمكن استعراض بعض الأمثلة، فعلى سبيل المثال فإن رستم قاسمي، وزير الطرق والتنمية، في الحكومة الأخيرة، استقال بحجة المرض، بعد ظهوره بصورة مع زوجته بدون غطاء الرأس في إحدى الدول الأوربية".

ولفت إلى أن "قاسمي متهم بالفساد منذ كان وزيرا للنفط في حكومة محمود أحمدي نجاد، مع منع رفع دعوى بحقه وحق شخص آخر يرتبط معه بالصفقة المشبوهة، نتيجة لعلاقات قاسمي مع الحرس الثوري الإيراني والدولة العميقة في إيران".

ومضى جلو يقول: "ومثال قاسمي يوضح موضوع الفساد وتغطيته في إيران، وتغاضي النظام عن قضايا الأموال المنهوبة من قبل رجاله، وافتراض محاسبته عن حياته الشخصية إن كانت تؤثر على صورة النظام".

وتابع: "كذلك فضيحة وزير الصناعة في الحكومة الأخيرة، رضا فاطمي أمين، أول وزير تم عزله من هذه الحكومة، حيث لم يتم عزله إلا بعد فضيحة ما سمي بسيارات الدفع الرباعي، التي تم تقديمها لبعض أعضاء مجلس الشورى، وأدت بالتالي لتشكيل جبهتين في البرلمان، ضد ومع الوزير في البرلمان".

واستدرك قائلا: "حتى رئيس البرلمان باقر قاليباف متهم بقضايا تتعلق بأراضي لا يعرف مصيرها عندما كان رئيسا لبلدية طهران، مع ذلك يتصدر رئاسة مجلس الشورى، دون محاسبة من أحد".

وشدد جلو على أن "الفساد في إيران مستشرٍ وبشدة، ومعلوم الكثير منه للشعب دون إمكانية محاسبة لرجاله، وفي ظل العقوبات المفروضة وسيطرة اقتصاد الظل واقتصاد المقاومة يتضاعف حجم هذا الفساد وتهدر أموال الشعب، بأيدي الحرس الثوري والشركات الاقتصادية الدائرة في فلكه، دون علم أو دون محاسبة لهؤلاء".