15 سنة لإزالة ركام غزة و80 مليار دولار لإعمارها.. ما مدى دقة هذه الأرقام؟

خالد كريزم | منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قبل أن تضع الحرب أوزارها، بدأ حجم الدمار في قطاع غزة يثير فزعا دوليا وتساؤلات لا تتوقف عن مدى صلاحية هذه البقعة الصغيرة المحاصرة للحياة.

ونشر أخيرا العديد من التقارير التي تتحدث عن احتياج القطاع المحاصر سنوات طويلة من أجل إزالة الركام، لكن شكك فيها مختصون فلسطينيون وقالوا إن الأمر يعتمد على المعدات والأيدي العاملة.

فيما ركزت تقارير أخرى على التكلفة المالية الهائلة التي يحتاجها إعادة إعمار قطاع غزة، الذي لم تتوقف الآلة الحربية الإسرائيلية عن قصفه برا وبحرا وجوا منذ أكثر من 10 شهور.

تقييمات سوداوية

كان آخر التقارير ما نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية في 16 أغسطس/آب 2024، من أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض.

ونقلت الوكالة الأميركية عن كبير الاقتصاديين في مؤسسة "راند" البحثية الأميركية، دانييل إيغل، قوله إن إعادة بناء غزة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار، "إذا أخذنا في الحسبان النفقات المخفية مثل التأثير الطويل الأجل لسوق العمل المدمر بسبب الموت والإصابة والصدمات".

وحتى الآن، خلفت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء القطاع، وفقا للأمم المتحدة.

وأفادت تقارير بأن أكثر من 70 بالمئة من مساكن غزة تضررت بجانب المستشفيات والشركات، وهي منشآت استنزفت بالفعل في الصراعات السابقة.

وبحسب "بلومبيرغ"، فإن هذه الأنقاض تكفي لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، (15.3 ألف كيلومتر) وقد يستغرق إزالتها كلها عدة سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار.

وأشارت إلى أن حقوق ملكية السكان والصعوبات في العثور على مواقع للتخلص من الأنقاض الملوثة من شأنها أن تزيد من تعقيد العملية.

وقال أستاذ تاريخ العمارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مارك جارزومبيك، إن ما نراه في غزة هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ التخطيط الحضري. إنه ليس مجرد تدمير للبنية التحتية المادية؛ بل أيضا للمؤسسات الأساسية للحكم والشعور بالحياة الطبيعية".

وأضاف جارزومبيك الذي درس إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، لـ"بلومبيرغ" أن "تكلفة إعادة الإعمار ستكون باهظة للغاية. ويجب أن تكون مواقع البناء بهذا الحجم خالية من الناس، مما يؤدي إلى موجة أخرى من النزوح. وبغض النظر عن ذلك، فإن غزة ستظل تكافح لأجيال".

وفي تسليطها للضوء على التحدي الهائل المتمثل في إعادة الإعمار، توصلت الأمم المتحدة في تقييم لها إلى أن أسطولًا يضم أكثر من 100 شاحنة سيستغرق 15 عامًا لتطهير غزة من حوالي 40 مليون طن من الركام والأنقاض في عملية تتراوح كلفتها بين 500 و600 مليون دولار.

وقالت المنظمة الدولية في تقييمها خلال مايو/أيار 2024: إن 137,297 مبنى تضرر في غزة، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي.

ومن بينها، جرى تدمير ما يزيد قليلاً على ربعها، وحوالي عُشرها تعرض لأضرار جسيمة والثلث تعرض لأضرار متوسطة.

ووجد التقييم أن مواقع دفن النفايات الضخمة التي تغطي ما بين 250 و500 هكتار ستكون ضرورية للتخلص من الأنقاض، اعتمادًا على الكمية التي يمكن إعادة تدويرها.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن إعادة بناء المنازل في غزة التي دمرت خلال الحرب قد تستغرق حتى عام 2040 في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث تبلغ تكلفة إعادة الإعمار الإجمالية في جميع أنحاء القطاع ما يصل إلى 40 مليار دولار.

هذا التقييم، الذي نُشر كجزء من حملة لجمع الأموال من أجل التخطيط المبكر لإعادة تأهيل غزة، وجد أيضًا أن الصراع يمكن أن يخفض مستويات الصحة والتعليم والثروة في القطاع إلى مستويات عام 1980، مما يمحو 44 عامًا من التنمية.

وعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة الغارديان البريطانية  في 15 يوليو/تموز إلى أنه لا يوجد مبنى واحد في خان يونس، جنوبي مدينة غزة، لم يتضرر.

وأضافت “تغيرت التضاريس الفعلية، بسبب القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، أي 907 كيلوغراما، التي أسقطتها إسرائيل”.

وتعرضت المدارس والمرافق الصحية والطرق والمجاري وجميع البنى التحتية الحيوية الأخرى لأضرار جسيمة.

وفي نفس الشهر، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الحرب الإسرائيلية على غزة ألحقت دمارا بمدن القطاع يفوق ما تعرضت له مدن ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

أسباب وتعقيدات

وإلى جانب حجم الدمار وما خلفه من ركام، يتوقع أن تكون عملية إزالة الأنقاض معقدة بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والبقايا البشرية تحت الأنقاض.

فمنذ أكثر 10 شهور لا تتوقف قوات الاحتلال عن قصف وتدمير قطاع غزة البالغ مساحته حوالي 365 كيلومتر مربعا، ويعد من أكثر مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية.

وقلص جيش الاحتلال مساحة المنطقة الإنسانية في القطاع من 30 إلى 20 كلم مربعا أخيرا، ما فاقم الأوضاع الإنسانية وزاد من تكدس النازحين في أماكن محددة، وأفسح له مجالا أكبر لتوسعة رقعة التدمير.

وقسرا، نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، من أصل حوالي 2.4 مليون، من مناطقهم السكنية؛ تحت وطأة تهديدات الجيش الإسرائيلي باستهدافها أو بسبب عملياته العسكرية المدمرة.

وفي 12 أغسطس 2024، أكدت المسؤولة البارزة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، شيتوسي نوغوتشي، على مدى تعقيد عملية إزالة الأنقاض.

وتابعت خلال اجتماع للدول المانحة والمؤسسات الخيرية العالمية بمدينة رام الله إن "البرنامج يتمتع بخبرة واسعة في غزة، لكن بالنظر إلى عدد الجثث المدفونة بين الأنقاض فضلا عن الذخائر غير المنفجرة، فإن هذه المرة مختلفة تماما وتتطلب طرقا جديدة للقيام بذلك".

وفي أبريل/نيسان، قال الرئيس السابق لهيئة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام في العراق بير لودهامار، إن حوالي 10 بالمئة من القذائف، في المتوسط، لم تنفجر عند إطلاقها ولا بد من إزالتها بواسطة فرق إزالة الألغام.

وأضاف أن 65 بالمئة من المباني المدمرة في غزة كانت سكنية، مضيفاً أن تطهيرها وإعادة بنائها سيكون عملاً بطيئاً وخطيراً بسبب التهديد الناجم عن القذائف أو الصواريخ أو الأسلحة الأخرى المدفونة في المباني المنهارة أو المتضررة.

وفضلا عن مشكلة المتفجرات والجثث المدفونة تحت الأنقاض، تبرز أزمة أخرى تتمثل في عدم توفر المعدات والآليات الثقيلة بعد قصف أغلبها خلال العدوان.

وأوضح المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا لـ"الاستقلال" أنه “جرى تدمير أكثر من 126 آلية حتى اللحظة بما يشكل نسبة 80 بالمئة أو أكثر من إجمالي الآليات لدى البلدية”.  

وشدد على أن “القطاع يضم كميات هائلة من ركام المنازل والمباني المدمرة بفعل استمرار العدوان”.

وتابع: “نحن هنا نتحدث عن ملايين الأطنان من الركام وهي كميات مهولة لا يمكن للعقل البشري تخيل وجودها في هذه البقعة الصغيرة من العالم”.

وذكر أن “الدمار يحيط قطاع غزة من كل جانب وفي كل منطقة وزقاق، لذلك عملية إزالة الركام لن تكون سهلة”.

وبين أن الأمر يعتمد على إدخال الوقود وكل ما تحتاجه البلديات خاصة المعدات الثقيلة والآليات اللازمة لعمل طواقهما.

تشكيك فلسطيني

لكن ومع الاعتراف بحجم الدمار الهائل، فإن مختصين فلسطينيين من بينهم عاصم النبيه وهو مهندس ومتحدث آخر باسم بلدية غزة شككوا بالتقارير التي تتحدث عن حاجة القطاع إلى 15 سنة لإزالة الركام وتحدثوا عن مقاييس ومحددات أخرى. 

وقال النبيه في مقطع فيديو نشره على حسابه بمنصة إكس، إن هذه التقديرات لا تراعي جميع العوامل المتعلقة بإزالة الركام وإعادة الإعمار.

وأضاف أن “أحد أهم هذه العوامل هو عدد العاملين في مجال رفع الركام وعدد الساعات اليومية، بالإضافة إلى توافر المعدات والآليات الثقيلة اللازمة”.

وأكد أن عملية إزالة الركام قد تستمر عامًا فقط على أقصى تقدير إذا توفرت المعدات اللازمة والعاملون.

وتابع “تحدثت التقديرات عن 100 شاحنة، وهو عدد صغير ربما تملكه شركات صغيرة. تقديراتي أن عملية إزالة الركام قد لا تصل إلى سنة على أبعد تقدير، إذا توفرت كل المواد والمعدات اللازمة”.

وفيما يتعلق بالأرقام الكبيرة التي تعلنها المؤسسات الدولية بشأن التمويل اللازم لإعادة الإعمار، قال النبيه “في الحقيقة الركام بيجيب فلوس".

وأردف: “في الحروب السابقة كانت لا يتكلف المواطنون ولا شيكل (العملة الإسرائيلية) واحد لإزالة ركام منازلهم”.

وأرجع ذلك إلى أن "العديد من الشركات الخاصة كانت تزيل الركام مقابل الاستحواذ عليه، حيث يمكن أن تتحول العملية إلى مشروع لجلب الأموال أو على الأقل لتوفير الأموال لإعادة إعمار غزة”.

كما رأى فلسطينيون آخرون أن عدد السنوات والتكلفة المالية التي ترد في التقارير الدولية هي جزء من الحرب النفسية ضد الفلسطينيين.

وعلق الباحث علي أبو رزق بالقول: “التقارير التي تتحدث عن 15 سنة لإزالة الركام ليست بريئة أبدا، وهي تحاول زرع هزيمة نفسية أكبر من نفوس الناس وصولا إلى حياة اليأس المطلق".

وبين أن تلك التقارير تريد أن توصل رسالة إلى شباب غزة الذي يشعر باليأس بسبب تخلي الجميع عنه أن الحياة لم تعد صالحة في القطاع "مما يقودهم إلى مرحلة الهجرة الطوعية بعد فشل مخطط التهجير القسري”.

واستدل على ذلك بتقارير في حروب سابقة مثل العدوان على غزة عام 2014 والتي قالت وقتها إن إزالة الركام تحتاج إلى 7 أو 10 سنوات، لكن الأمر لم يكن كذلك.

وأردف: “في تركيا مثلا بعد عام ونصف من الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مدن (وكان مركزه في كهرمان مرعش فبراير/شباط 2023)، أزيل 75 بالمئة من الركام بواقع 150 مليون طن”.

وتابع: “المهم هنا فتح المعابر ورفع الحصار وإدخال شركات عربية للمساهمة بالإعمار وإزالة الركام كما فعلت شركات مصرية بعد العدوان على غزة عام 2021”.

وختم بالقول: "غزة بها آلاف المهندسين والعقول ومئات آلاف العمال ممن ينتظرون إنهاء الحرب لإصلاح ما يمكن إصلاحه والعودة إلى بيوتهم وفتح المعابر وإنهاء الحصار لإعادة إعمار بلدهم وهو ما سيسهم بتشغيل الآلاف وزيادة معدل النمو".