رغم وجودهم بسوريا ولبنان.. لماذا يحتشد حلفاء إيران بالعراق على حدود الأردن؟
تصر مليشيات إيران بالعراق على المشاركة في قتال الاحتلال الإسرائيلي عبر البوابة الأردنية، في الوقت الذي تتمتع فيه بعلاقات وثيقة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويوجد العديد منها في سوريا بالقرب من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
إصرار وكلاء إيران على دخول الأردن أثار تساؤلات عدة عن الهدف من اختيار الأخير دون غيره من البلدان المحاذية للأراضي المحتلة في سوريا ولبنان، وخصوصا أنها تنتمي إلى ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وبالتالي هدفهم المزعوم واحد في "تحرير القدس".
ويشير "محور المقاومة" إلى تحالف عسكري- سياسي غير رسمي مناهض للغرب وإسرائيل، بين إيران والنظام السوري وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية، وكذلك المليشيات الشيعية العراقية، والتي هي جزء من قوات الحشد الشعبي المرتبط رسميا بالحكومة.
تدبير إيراني
على ضوء دعوة أطلقها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى أتباعه بالتوجه للحدود الأردنية (غرب العراق) للاعتصام هناك، تضامنا مع الفلسطينيين في غزة ومطالبة بفك الحصار عنهم، خرج المئات من أنصار المليشيات الموالية لإيران إلى ذات المكان واعتصموا هناك.
وبينما كانت المجموعة الأولى من المتوجهين إلى الحدود تضم أنصار زعيم التيار الصدري، فقد ضمت المجموعة الثانية التي توجهت نحو الحدود، أعدادا من أتباع المليشيات الموالية لإيران رغم عدم وجود تنسيق بين الطرفين، لا سيما أن لدى الصدر موقفا منهم ومن قواهم السياسية، المتمثلة بـ"الإطار التنسيقي الشيعي".
ورفض الصدر بعد الانتخابات البرلمانية في العراق عام 2021، التحالف مع قوى الاطار التنسيقي، وأصر على تشكيل حكومة أغلبية سياسية هم ليسوا طرفا فيها.
لكنه بعدما أخفق أمر نواب الكتلة الصدرية (73 نائبا) بالاستقالة من البرلمان، الأمر الذي منح فرصة لغرمائه في تشكيلها برئاسة محمد شياع السوداني.
ودعا الصدر خلال كلمة تلفزيونية في 19 أكتوبر، إلى تنظيم مثل هذه الاعتصامات احتجاجا على ما يجري في غزة، قائلا: "أدعو الشعوب الإسلامية والعربية وكل محبي السلام إلى تجمع شعبي سلمي من جميع تلك الدول، للذهاب من أجل اعتصام سلمي عند الحدود مع إسرائيل، من جانب مصر وسوريا ولبنان والأردن، من دون أي سلاح غير الأكفان".
المليشيات الموالية لإيران استغلت دعوة الصدر، ومنعت دخول صهاريج محملة بالنفط الخام إلى الأردن عبر منفذ طريبيل الحدودي، والتي تحمل بشكل يومي نحو 15 ألف برميل، بحجة عدم سماح عمّان لهم بالوصول إلى حدود إسرائيل، الأمر الذي شكل قلقا لدى السلطات الأردنية.
من جانبه، رأى وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، وجود مليشيات شيعية عراقية تتبع إيران قرب الحدود الأردنية تحركا عدائيا يتستر بغطاء نصرة فلسطين، حسبما نقل موقع "خبرني" الأردني في 26 أكتوبر.
وقال المعايطة إن لدى إيران عقدة نتيجة فشلها في صناعة مخالب وأتباع لها في الأردن، وعليه تحاول التيارات السياسية والمليشيات التابعة لإيران عرقلة أي تعاون يجمع الأردن والعراق.
وأكد الوزير الأردني الأسبق أن "منع مليشيات الحشد الشعبي ومن يواليها عبور ناقلات النفط إلى الأردن يأتي انطلاقا من الموقف الإيراني المعادي للمملكة خلال السنوات الماضية".
ولفت إلى أن "امتناع ناقلات النفط عن العبور إلى الجانب الأردني خوفا من الاعتداء عليها من المليشيات شيء متوقع، لأن الجهات التابعة لإيران ترى في تصدير النفط إلى الأردن أمرا سلبيا لا يجب إتمامه".
وأشار المعايطة إلى أن الأحداث تجري على الأراضي العراقية، وتقع ضمن مسؤولية حكومة بغداد الواجب عليها الحفاظ على سلامة حركة النقل والتجارة بصفتها مصلحة متبادلة للطرفين.
وعقب ركوب المليشيات موجة التوجه للحدود الأردنية بعد دعوة التيار الصدري، أعلن مقتدى الصدر في 21 أكتوبر، عبر وزيره المعرف بـ"صالح محمد العراقي" على منصة "إكس" (تويتر سابقا) أن من "يشارك الفاسدين التجمهر عند الحدود هو ليس من التيار في شيء"، في إشارة إلى إنهاء تواجد أتباعه هناك.
الهدف المخفي
وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، إن "المليشيات الموالية لإيران تحاول استغلال كل حدث من أجل تجييره لصالحها سياسيا واقتصاديا، واليوم تستغل قضية الحرب على غزة أيضا، فهي لا تذهب إلى الجبهات الحقيقية للقتال وإنما تقف على حدود الأردن".
وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "المليشيات الموالية لإيران انسحبت من لبنان بعد قضائها أسبوعا في جنوب لبنان بحجة انتظار الأوامر للمشاركة في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، وروّج إعلامهم للداخل العراقي بأنهم أول الطلائع التي ستعبر إلى الأراضي المحتلة، للدفاع عن الفلسطينيين".
وبيّن الباحث أن "المليشيات الموالية لإيران رغم علاقتها برئيس النظام السوري بشار الأسد كونها قاتلت إلى جانبه ضد المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ويتواجد جزء منها حتى الآن في سوريا بحجة حماية المقدسات الشيعية، لم تطلب منه الوصول إلى هضبة الجولان المحتلة لمقاتلة الاحتلال الإسرائيلي".
وأوضح المساري أن "المليشيات هذه تريد موطأ قدم على الحدود مع الأردن وتحديدا عند معبر طريبيل الحدودي الرابط بين محافظة الأنبار غرب العراق والمملكة، والذي يعد من أنشط المنافذ الحدودية اقتصاديا، وذلك للسيطرة على كل ما يدخل ويخرج منها وابتزاز التجار على تمرير بضائعهم".
ولفت المساري إلى أن "الحكومة العراقية للأسف أسيرة هذه المليشيات ولا تستطيع كبح جماحهم، بل تتحاشى الاقتراب من مصالحهم، رغم كل الحديث عن محاربة الفساد وفرض هيبة الدولة، لأن موانئ البصرة والمعابر الحدودية لا تزال غالبيتها تحت سيطرة هؤلاء".
وأكد الباحث أن "المعابر الحدودية يفترض أن تدخل سنويا إلى الخزينة العراقية واردات تصل إلى 10 تريليونات دينار عراقي (7.64 مليارات دولار) لكنها بفعل سيطرة المليشيات عليها تبلغ إيراداتها 1 تريليون بالسنة (764 مليون دولار)، وبالتالي يذهب في جيوب هذه الجهات".
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، عبد القادر النايل، إن "المليشيات التي توجهت إلى الحدود الأردنية تسعى إلى السيطرة على منفذ طريبيل وأخذ 8 مليارات دينار عراقي (نحو 6 ملايين دولار) موجودة في الخزانة هناك، وهذه معلومات مؤكدة وصلت إلينا".
وحذر النايل خلال مقابلة تلفزيونية في 21 أكتوبر، من "بسط مليشيات إيران سيطرتها على منفذ طريبيل، كونهم ذهبوا خلسة بين أعضاء التيار الصدري ولم يعلنوا عن أنفسهم بشكل صريح، وهؤلاء ليس هدفهم الدخول إلى الأردن وإنما السيطرة على منافذ الأنبار وخنقها والسيطرة عليها".
توعد أردني
على صعيد المواقف السياسية الأردنية، لوّحت شخصيات بارزة عدة بتحشيد أبناء العشائر في الأردن لمواجهة الحشد الشعبي العراقي الذي يتواجد الآلاف من أتباعه وممثليه على الحدود من جهة العراق.
ورأى مازن القاضي وزير الداخلية الأردني الأسبق- وهو أيضا من الزعماء القبليين لمناطق شرق الأردن- أن دخول الحشد الشيعي عنوة و بدون إرادة أردنية أمر لا يقبله الأردنيون.
وشدد القاضي الذي كان أيضا مديرا لجهاز الأمن العام الأردني خلال مقابلة مع التلفزيون الأردني الرسمي في 3 نوفمبر، على أن "الأردن بلد لا يقبل أبناؤه ولا مؤسساته مثل هذه التصرفات".
وألمح القاضي إلى أنه إذا كان الحشد الشيعي يُصر على الدخول عنوة عبر المركز الحدودي، فإنه سيقابل الشعب الأردني ذلك الحشد بحشد من أبناء العشائر الأردنية.
ولفت الوزير السابق إلى أن "مثل هذه المجموعات برأي شعب الأردن هي المسؤولة عن الكثير من الخراب الذي اعترى العراق وسوريا، وبالتالي ليس مطلوبا من الأردني أن يقبل أي مساس بأمن وطنه وبلاده".
وفي السياق ذاته، توعد الناطق الرسمي الأسبق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، الحشد الشعبي العراقي بأن تكون الأردن "مقبرة" لهم إذا حاولوا الدخول له.
بحسب مقطع فيديو متداول خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في 5 نوفمبر، قال محمد المومني: "نقولها مزلزلة لن نسمح بتدنيس حدودنا الأردنية، ونقول لحشود الجيش الشعبي على حدودنا العراقية: اقتربوا منها وسيكون الأردن مقبرة لكم".
وبحسب صحيفة "رأي اليوم"، فإن البرلماني الأردني خليل عطية قد طالب علنا في 6 نوفمبر، من الحشد الشيعي وأي مواطنين عراقيين يحاولون الدخول عبر الأردن، الاشتراك مع فعاليات المقاومة في بلادهم عبر سورية أو لبنان.
وفي 25 أكتوبر، أصدرت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية بيانا، أكدت فيه "عودة عدد من الصهاريج المحملة بالنفط العراقي والمتجهة للأردن إلى منطقة الرمادي في العراق، كان نتيجة للمظاهرات بالقرب من معبر طريبيل الحدودي، وذلك لحماية ولسلامة سائقي الصهاريج".
ومع التزام الجهات الرسمية العراقية الصمت حيال موضوع تلكؤ انسيابية مرور صهاريج النفط حتى يوم 8 نوفمبر، فإن عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في البرلمان العراقي زينب الموسوي، دعت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إيقاف توريد النفط إلى الأردن.
وخلال بيان لها في 8 نوفمبر، اتهمت الموسوي، وهي نائبة عن كتلة "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، الأردن بأن "مواقفه دائما عدائية تجاه العراق خصوصا مع هيئة الحشد الشعبي، وبالتالي لا يستحقون أي مساعدة من العراق".
المصادر
- عراقيون يعتصمون على الحدود مع الأردن للمطالبة بإنهاء الحصار على غزة
- مسؤول أردني متوعداً الحشد: حدودنا ستكون مقبرة لكم
- أنصار الصدر وفصائل مسلحة يعتصمون قرب الحدود الأردنية
- انتقادات حماس تتصاعد.. هل تكتب عملية طوفان الأقصى نهاية “محور المقاومة”؟
- المعايطة: المليشيات الشيعية قرب حدود الأردن تحرك عدائي
- مساع عراقية وأردنية رسمية لتسهيل مرور الصهاريج النفطية “العالقة” إلى الأردن
- برلمانية عراقية تطالب بقطع النفط “المجاني” عن الأردن فورًا