طالبان تدير أفغانستان عبر حكومة مؤقتة.. لماذا رغم مرور 4 سنوات؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في الذكرى الرابعة لعودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، يعود النقاش مجددا حول طبيعة الإمارة الثانية وديناميكياتها الداخلية. 

فرغم صمود الحركة في السلطة منذ عام 2021 وسط تحديات أمنية واقتصادية ودبلوماسية، فإنها ما زالت تدار عبر حكومة مؤقتة، دون صياغة نظام مؤسسي واضح أو إطار قانوني.

وحسب تقرير للمعهد الإيطالي للسياسات الدولية (ISPI)، يكشف هذا الوضع عن أزمة بنيوية داخل الحركة، حيث تتقاطع الطموحات الشخصية مع الانقسامات الفكرية والقبلية التي أنتجت ثلاثة تيارات رئيسية؛ تيار تقليدي، وديني، وحداثي. 

ويسرد التقرير بعض الأزمات التي نشبت بين هذه التيارات، موضحا بعض آثارها على الإمارة، داخليا وخارجيا.

حكومة مؤقتة

ومنتصف أغسطس/ آب 2025، حلت الذكرى الرابعة لقيام الإمارة الثانية لطالبان في أفغانستان.

وفي هذا الصدد، يقول التقرير: "بالنسبة لحركة طالبان، فإن البقاء في السلطة أربع سنوات على الرغم من التحديات المتعددة يمكن اعتباره نجاحا". 

غير أنه يجب ألا يخفي أن حكومتهم لا تزال حكومة مؤقتة، كما أكدوا هم أنفسهم دائما. 

وأوضح أن طالبان لم تحدد بعد أي هياكل مؤسسية جديدة، ولم توضح الأساس القانوني لحكومتهم سوى أولوية الشريعة الإسلامية. 

وأردف: "في البداية، كان ينظر إلى الحكومة المؤقتة كجسر نحو حكومة موسعة تضم عناصر من خارج طالبان". 

لكن باستثناء بعض الشخصيات الثانوية، لم يحدث أي توسع بعد، بل لم يعد الأمر مطروحا للنقاش بالأساس. 

ومن هنا يتساءل التقرير: “لماذا لم تتمكن طالبان من تجاوز هذه الحكومة المؤقتة؟”

وفي هذا الصدد، يوضح أن "ضبط الأوضاع وتحديد الهيكلية القيادية في فترة ما بعد الحرب مثّل مشكلة كبيرة لطالبان، كما يحدث غالبا للحركات التي تصل إلى السلطة بعد ثورة أو حرب أهلية".

وأردف: "فمن جهة، توجد منافسات شخصية زادت حدتها بسبب أن الأمير هيبة الله آخوند زاده امتلك شرعية ضعيفة منذ وصوله إلى قمة التنظيم عام 2016، بعدما اختارته مجموعة ضيقة من 200 ناخب، دون مشاورات واسعة". 

وأضاف أن "بعض زملائه لم يخفوا أبدا طموحهم في استبداله، خصوصا مع انتشار الشائعات حول حالته الصحية منذ عام 2020". 

وتابع: "ومن جهة أخرى، وسعت حركة طالبان، خلال حرب الجهاد الطويلة (2001-2021)، قاعدتها وأصبحت إلى حد كبير أشبه بائتلاف بين مجموعات غير متجانسة إثنيا وأيديولوجيا وقبليا".

ثلاثة تيارات

وحسب تحليل المعهد الإيطالي للسياسات الدولية، يوجد 3 تيارات رئيسة داخل الحركة.

ويمكن تعريف التيار الأول بأنه "تيار تقليدي"، كان هو "التيار السائد في البداية".

وأوضح أن تكوينه مستمد مباشرة من التوجهات التقليدية الملكية لدى جزء من الحركات المناهضة للسوفييت في ثمانينيات القرن العشرين.

وهؤلاء يتطلعون إلى "إعادة النظام الملكي، لكن دون ملك، ودون تأثيرات (حداثية)". 

وأردف: "فالأمير، بالنسبة لهم، يجب أن يلعب دورا مشابها لدور الملك في عهد ظاهر شاه، أي دون تدخل مباشر في إدارة جهاز الدولة".

أما التيار الثاني، فيمكن تسميته بـ "التيار الديني" أو "التيار الفقهي". ويهيمن عليه عليه من يطلَق عليهم "علماء الديوبندية"، ويشمل هذا التيار الأمير آخوند زاده نفسه.

وهذا التيار يدعو إلى فكرة وجود أمير تتركز السلطة في يده، مع ضمان دور أساسي للعلماء في إدارة الدولة. ومعظم عناصر هذا التيار ينحدرون من الجنوب.

ويسمي التقرير التيار الثالث في الحركة بـ "التيار الحداثي"، مدعيا أنه "نسخة مشوهة من جماعة الإخوان المسلمين".

ويوضح أنه "يتفق مع التيار الأول في كبح نفوذ العلماء ورجال الدين، لكنه يرفض نموذج الدولة الملكية، ويدفع نحو دور أكبر للنخب الإسلامية المتعلمة".

وأضاف أن لدى منتسبي هذا التيار نزعات أممية تفتقدها التيارات الأخرى، وأنهم منتشرون في عدة مناطق، لا سيما في الشرق والجنوب الشرقي والشمال ومنطقة كابل.

وحسب المعهد الإيطالي، يبدو أن "التقارب الظاهري بين التقليديين والحداثيين كان واضحا". 

ولذا، أشار إلى أن الطرفين تحالفا، بين عامي 2021 و2023، ضد التيار الديني وسيطرا على السلطة التنفيذية.

لكنه زعم أن "هؤلاء الحلفاء، نظرا للإحباط الذي شعروا به بسبب مقاومة الأمير وحلفائه، حاولوا الإطاحة بالأمير في فبراير/ شباط 2023، بدعوى عجزه عن أداء مهامه، إذا كان يرفض لقاء القادة الآخرين ويبقى مختبئا في قندهار".

تعزيز نفوذ الأمير

غير أن محاولة الإطاحة به دفعت الأمير آخوند زاده إلى التغلب على تردده والانتقال إلى شن هجوم مضاد. 

"فمنذ فبراير/ شباط 2023، أخذ يعزز موقعه تدريجيا، وتمكن من فرض سيطرته على الوزارات وعلى جزء كبير من القوات المسلحة التابعة للإمارة"، كما أورد التقرير. 

وأضاف: "كما تمكن من تقسيم معارضيه داخل طالبان، فاستقطب بعضهم وأقنع آخرين بالبقاء على الحياد".

وأوضح التقرير أنه "استطاع توحيد معظم القادة العسكريين الجنوبيين خلفه، ما جعل التقليديين جنرالات بلا جيش". 

وتابع: "وحتى الملا يعقوب، نجل الملا عمر، انفصل عن معارضي الأمير وأصبح مؤيدا لاتفاق تسوية بين الجبهتين المتعارضتين".

والنتيجة الآن، أنه بات بإمكان الأمير أن "يعتمد على ولاء جميع قادة فيالق الجيش، والحرس الخاص الذي أنشأه بنفسه، وميليشيات طالبان غير الرسمية في الجنوب، وحتى عدد لا بأس به من ضباط الشرطة، على الرغم من حقيقة أن وزارة الداخلية لا تزال تحت هيمنة خصمه الأول سراج الدين حقاني".

كما يضيف التقرير أن "قوة الأمير ترسخت أكثر بعد محاولة وزير الداخلية سراج الدين حقاني الفاشلة لإثارة أزمة تحشد المعارضة الكامنة ضده". 

ففي يناير/ كانون الثاني 2025، لجأ حقاني إلى دولة الإمارات لمدة سبعة أسابيع، لكن "لم يتحرك أحد لمواجهة الأمير في الداخل"، كما أوضح المعهد. 

وتابع: "وبدلا من ذلك، اعتمد الأمير على أحد الموالين له داخل الوزارة، وهو نائب وزير الداخلية إبراهيم صدر، لتوسيع نفوذه على آخر قوة مسلحة لا يزال معارضوه يهيمنون عليها".

وأردف: "وفي النهاية، اضطر سراج الدين إلى العودة إلى الوزارة لاستعادة السيطرة".

وأضاف: "وفي أواخر مارس/ آذار 2025، دعا الأمير خصمه -الذي خرج مهزوما- إلى اجتماع القيادة العليا في قندهار، فقبل سراج الدين الدعوة لأول مرة منذ فبراير/ شباط 2023، بعد أن حصل على ضمانات بسلامته".

وفي قندهار عُرض على حقاني اتفاق يقضي بأن يعمل الأمير على حل مشكلة المراسيم التي منعت الفتيات من التعليم العالي والجامعي (وهي مراسيم عارضها حقاني دائما)، مقابل اتفاق على تقاسم السلطة يمنح الأمير صلاحيات واسعة.

ورغم أن حقاني رفض العرض، أوضح التقرير أن "هدنة بين الطرفين لا تزال قائمة على ما يبدو، حيث يتجنب حقاني توجيه انتقادات علنية للأمير".

العلاقات الخارجية

ويشير التحليل إلى أن "أحد أبرز أوجه الخلاف بين الفصائل الثلاثة يتعلق بعلاقات الإمارة الخارجية". 

فالأمير -بحسب التقرير- "يروج لمفهوم المصلحة الوطنية أولا، كما يفعل التقليديون وإن بتفسير مختلف". 

وتابع موضحا: "فبينما يرفض آخوند زاده المساعدات التنموية الغربية التي يعدها محاولة لشراء النفوذ داخل طالبان، يميل التقليديون إلى تحسين العلاقات مع الغرب على أمل استعادة تدفقات المساعدات". 

وأردف: "أما الحداثيون، مثل سراج الدين حقاني، فلهم مواقف متذبذبة؛ بعضهم يسعى للتقارب مع الغرب بالتنسيق مع التقليديين، لكنهم، وللمفارقة، الأكثر ارتباطا بالشبكات المسلحة الدولية".

حيث يوضح التقرير أن "حقاني يعد جهة الاتصال الرئيسية مع القاعدة وحلفائها، لا سيما من آسيا الوسطى وباكستان".

وفيما يتعلق بالعلاقات مع المسلحين الأجانب الذين لا تزال طالبان تستضيفهم، فقد اصطدم سراج الدين في هذا الملف مع كلا الاتجاهين الآخرين. 

أما الأمير، فقد أدرك أن "دول الجوار لا تقل قلقا من المسلحين الأجانب عن الأميركيين، لذلك نجح بحذر في عزل المقاتلين الإيغور والأوزبك والطاجيك". 

وفيما يخص العلاقة مع القاعدة، فقد ذكر التقرير أنها "أكثر تعقيدا، لكن ما يسهلها نسبيا هو أن مقاتليها لا يعملون ضد دول الجوار بشكل مباشر".

وأردف: "ولذلك، فهم أقل عرضة لانتهاك القواعد التي وضعها الأمير، والتي تتضمن التزاما بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن عمليات ضد الدول المجاورة".

ويؤكد التقرير أن "الأمير تمكن تدريجيا من فرض رؤيته، فكانت روسيا أول من اعترف بالإمارة في يوليو/ تموز 2025، فيما تفكر دول مثل أوزبكستان وكازاخستان والصين جديا في الخطوة نفسها". 

وتابع: "أما الدول الغربية، فقد تراجعت بعد القرارات التمييزية بحق النساء، حتى أن بريطانيا وكندا أغلقتا مكاتبهما الدبلوماسية في الدوحة الخاصة بأفغانستان".

واختتم التقرير بالإشارة إلى أن "الأمير يحاول حل معضلته مع باكستان، الدولة الإقليمية الوحيدة التي ما زالت معادية بسبب وجود قواعد حركة طالبان الباكستانية على الأراضي الأفغانية". 

وشدد على أن "حل الخلاف مع إسلام آباد لن يكون سهلا، لكنه شرط ضروري لإنعاش الاقتصاد الأفغاني".