متجاهلة تحذيرات أميركا.. لماذا اتفقت الهند مع إيران على تطوير ميناء تشابهار؟
"واشنطن حذرت الشركات الهندية من تعرضها للعقوبات إذا تعاملت مع إيران"
رغم اتفاق نيودلهي وطهران قبل 7 سنوات على تطوير ميناء “تشابهار” الإستراتيجي الإيراني، لكن توقيع البلدين على العقد الذي تصل مدته إلى 10 أعوام لم ير النور إلا في 13 مايو/ أيار 2024، وبقيمة مالية بلغت 120 مليون دولار من أجل تجهيز وتشغيل محطات الحاويات والبضائع.
وبحضور وزير الطرق والتنمية الإيراني، مهرداد بذرباش، ووزير الموانئ والشحن الهندي سارباناندا سونوال، وقع في طهران على اتفاق تطوير ميناء تشابهار مع شركة "آي بي جي إل" (IPGL) الهندية، وذلك بعد توقف تنفيذ اتفاقية سابقة أبرمت بين البلدين عام 2016.
ويقع ميناء تشابهار في مقاطعة سيستان-بلوشستان الإيرانية على الساحل الجنوبي، وبدأ تطويره منذ عام 2016 باتفاق بين الهند وإيران، لكن الأولى تخلّفت بعدما شددت واشنطن العقوبات على طهران بعد انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في 2018.
نقطة محورية
وخلال مؤتمر صحفي مع الوزير الهندي، قال وزير الطرق الإيراني مهرداد بذرباش خلال حفل توقيع الاتفاق، إنه "جرى تعريف العديد من المشاريع لإكمال الممرات، ونحن بلد الفرص اللوجستية والترانزيت، والحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك".
وأضاف: "سعداء بهذا الاتفاق ولدينا ثقة كاملة في الهند كونها واحدة من الاقتصادات الرئيسة في العالم، وتطوير العلاقات معها على جدول أعمال الحكومة الإيرانية".
وأوضح بذرباش أن "هذه الاتفاقية بداية لمزيد من تطوير التجارة بين البلدين ووصول الهند عبر ميناء تشابهار إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وتركيا وأذربيجان وأوروبا سيكون ذا مصداقية".
وأكد أن بلاده اقترحت على السلطات الهندية إطلاق “شركة شحن مشتركة” من أجل تطوير حركة العبور في المنطقة، حسبما نقل موقع "الوفاق" الإيراني في 13 مايو 2024.
ونقلت وكالة "إرنا" الرسمية في 14 مايو 2024، عن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (لقي مصرعه بحادث مروحية في 19 مايو) قوله إن طهران "تعد الهند شريكا موثوقا"، مشددا على “استمرار نهجه للتوصل إلى تعاون طويل المدى مع نيودلهي”.
وقال عبداللهيان: "نهجنا في العلاقات مع الهند هو نهج إستراتيجي، ونحن على استعداد لمواصلة توسيع تعاوننا معها في القدرات الثنائية والمتعددة الأطراف، وفي إطار منظمتي (بريكس) و(شانغهاي للتعاون)".
ولفت إلى أن تطوير موانئ تشابهار وتعزيز التعاون في ممر الشمال-الجنوب "فرصة بالغة الأهمية لتوسيع حجم التبادل التجاري بين البلدين والمنطقة"، معلنا استعداد مختلف القطاعات الحكومية لدعم الهند في تنفيذ الاتفاق.
وعبر تغريدة نشرتها على منصة "إكس" في 13 مايو، ذكرت السفارة الهندية في إيران أن نيودلهي "ستقدم أيضا قرضا بقيمة 250 مليون دولار لتطوير محطة في الميناء".
وعلق الوزير الهندي سونوال على أهمية الاتفاقية، مشيرا إلى أنها "لا تعزز الروابط بين دولتين عظميين فحسب، بل تضع أيضا خطى الهند الثابتة في سلسلة التوريد العالمية والقطاع البحري".
وأكد أن ميناء تشابهار “بمثابة بوابة حيوية للبضائع الهندية للوصول إلى أسواق أفغانستان وآسيا الوسطى عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي يجرى تطويره مع إيران وروسيا ويتجاوز باكستان”، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 13 مايو.
ومن المتوقع أن تمهد الاتفاقية الجديدة الطريق لمزيد من الاستثمارات المهمة في الميناء، كما ذكر وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جيشانكار خلال مؤتمر عقد في مومباي.
وسلط جيشانكار الضوء على صعوبة الاستثمار في ميناء دون اتفاقية طويلة الأجل، وتوقع المزيد من روابط الاتصال الناشئة عن ميناء تشابهار، حسبما ذكرت الوكالة الأميركية.
تحذيرات أميركية
وعلى ضوء ذلك، وجهت الولايات المتحدة الأميركية في 13 مايو، تحذيرا إلى الشركات الهندية من خطر عقوبات تُفرض عليها إذا استثمرت في إيران بعدما وقعت نيودلهي وطهران اتفاقا لتطوير ميناء تشابهار.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، إنه "على كلّ كيان -أيا كان- معني بصفقات تجارية مع إيران أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة التي يعرض نفسه لها والمخاطر المحتملة للعقوبات".
في المقابل، علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر کنعاني، خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، قائلا إن الحكومة الهندية تتخذ خطوات لتطوير علاقاتها مع إيران، بغض النظر عن "العقوبات" الأميركية غير القانونية.
وشدد كنعاني على أن “الدول مستعدة لتجاهل العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة ضد الدول المستقلة وإقامة تعاونهم مع إيران، بما في ذلك التعاون الاقتصادي؛ إن الاتفاق بين إيران والهند يتم بطبيعة الحال مع فهم الأخيرة لطبيعة العقوبات الأميركية غير القانونية والتي لا تقتصر على الهند فقط”.
وتابع: “يظهر الصعيد الاقتصادي الإيراني مع مختلف البلدان، أن العقوبات الأحادية، ورغم القيود الناجمة عنها، لكنها غير رادعة بالنسبة للدول التي تحافظ على استقلالها السياسي وماضية في تعاونها التجاري البناء مع إيران”.
وأردف: "الهند هي واحدة من الدول التي، بعيدا عن الاكتراث بالعقوبات الأميركية، تحاول وتتابع مسار تنفيذ اتفاقها مع إيران. وبطبيعة الحال، لا يمكن للعقوبات غير القانونية أن تكون محور اهتمام المجتمع الدولي، وعلى واشنطن أن تتخلى عن هذه الأداة وتقبل الحقائق بدلا من استخدام أداة العقوبات".
وأفادت وكالة "إيسنا" الحكومية الإيرانية في 13 مايو، بأن توقيع العقد "بداية فصل جديد للتعاون بين البلدين، بعد 7 سنوات من إبرام تفاهم لتطوير ميناء تشابهار بقيمة 500 مليون دولار خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى طهران عام 2016".
ونقلت الوكالة عن المحلل الإيراني نوذر شفيعي، قوله إن "هناك سببين لتعاون الهند وتقاعسها، أحدهما أن نيودلهي لم تكن لديها الرغبة لأنها رأت أن طهران تعمل بسهولة مع بكين، أو أنها على خلاف ذلك، يريدون التنافس مع الصين".
ورأى شفيعي أنه "ربما واحدة من أسباب عودة الهند إلى تشابهار، تعني أن أميركا التي تربطها علاقات وثيقة بالهند ليست لديها خطة لعرقلة التعاون بين البلدين".
تجاوز الخطوط
وقال الخبير في شؤون شبه القارة الهندية، أمين رضائي نجاد، إن "سبب تغيير الهند نهجها بعد سنوات من سياستها الملتوية فيما يتعلق بتطوير تعاون الترانزيت مع إيران، فيبدو أن الجواب يجب أن يُبحث عنه في مكان ما خارج العلاقات الإيرانية الهندية".
ونقلت صحيفة "دنياي اقتصاد" الإيرانية في 13 مايو، عن نجاد قوله: "إذا صنفنا حساسية واشنطن تجاه طهران، فإن الهند تتذيل قائمة استثمارات الدول الصديقة لأميركا في إيران التي تجمعها عداوة مشتركة مع الولايات المتحدة".
ورأى أن “سبب التغير في سياسة الهند التي اتبعتها منذ فترة طويلة، يعود إلى تجاوز إيران أحد أهم الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن وعدم تلقيها أي عقوبات بالمقابل”، في إشارة للقصف الإيراني الأخير على إسرائيل في 15 أبريل 2024.
وأردف نجاد أن “هجوم إيران المباشر على الأراضي المحتلة، والذي يمثل تجاوزا لأحد أهم الخطوط الحمراء للولايات المتحدة، قوبل برد فعل دبلوماسي بحت من الولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن “هذه القضية ألحقت ضررا بالغا بمنظور استجابة الولايات المتحدة، وهنا إيران انتهكت إحدى أعلى درجات الحساسية الأميركية ولم تواجه أي رد فعل”.
ويعود التعاون بين إيران والهند في هذا الميناء الإستراتيجي إلى عام 2003 وفيه زار الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي، نيودلهي. ومنذ ذلك الحين، واجه المشروع عدة تأخيرات، وتأثر بالعقوبات المفروضة على طهران.
ومع هذه التحديات، كان للميناء دور فعال في السنوات الأخيرة، حيث سهّل شحنات مثل 20 ألف طن من مساعدات القمح إلى أفغانستان العام 2023، وتزويد إيران بمبيدات حشرية صديقة للبيئة في عام 2021.
ويعد تشابهار أكبر ميناء بحري في إيران، وجزءا من ممر العبور بين الشمال والجنوب في جنوب شرق البلاد، وجسرا يصل الهند بدول الشمال، وفق ما نقلت وكالة "إيرنا" الإيرانية.
المصادر
- فصل جديد من العلاقات الإيرانية-الهندية في تشابهار
- بعد 7 سنوات من التأخير.. كيف عادت الهند إلى تشابهار؟
- إيران تحض الهند على علاقات طويلة المدى
- الهند توقع اتفاقية مع إيران لتطوير ميناء تشابهار.. وأميركا تحذر
- کنعاني : الهند تواصل تطویر علاقاتها مع إيران على الرغم من العقوبات الأميركية
- هل تستطيع الهند استخدام صفقة ميناء إيران الجديدة لمواجهة العلاقات الصينية الباكستانية المتنامية؟
- توافق 10 ساله ایران و هند