رغم تنديد الاتحاد الأوروبي.. لماذا أعادت صربيا علاقتها مع النظام السوري؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

اتخذت صربيا الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خطوة متقدمة في العلاقة مع النظام السوري، في إطار جهود تكثيف الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي في الآونة الأخيرة.

وفي هذا السياق، تسلم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، في 3 فبراير/ شباط 2024، أوراق اعتماد محمد حاج إبراهيم سفيرا للنظام السوري لدى بلاده.

صربيا وسوريا

وقالت وزارة خارجية النظام السوري إن رئيس صربيا أعرب خلال استقباله حاج إبراهيم "عن أمله في أن تتغلب سوريا على الصعوبات التي تمر بها، والشروع في طريق التعافي والازدهار، متمنيا عودة سوريا لممارسة دورها المهم في المنطقة والعالم".

بدوره نقل حاج إبراهيم للرئيس فوتشيتش "موقف سوريا الواضح بشأن عد كوسوفو جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصربية، ودعمها سيادة واستقلال صربيا".

ولم تكن هذه الخطوة من بلغراد مفاجئة لأنها سبقت بخطوات عملية لتحسين العلاقة مع النظام السوري على الرغم من تحذيرات الاتحاد الأوروبي.

فقد أعادت صربيا علاقاتها مع نظام الأسد في عام 2021، حينما أرسلت سفيرها مجددا إلى دمشق.

وحينها عد التكتل الأوروبي الذي يرفض التطبيع من نظام الأسد قبل انخراطه في الحل السياسي، هذه الخطوة من بلغراد انحرافا عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بدلا من التقارب الذي التزمت به صربيا في اتفاقيات الانضمام إلى التكتل.

وثمة أبعاد كثيرة تدفع صربيا التي تجمعها علاقات قوية مع روسيا خصم الغرب، في استثمار ورقة التقارب مع النظام السوري حليف موسكو الأساسي في الشرق الأوسط.

إذ إن المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بيتر ستانو، رأى عام 2021 أن قرار صربيا رفع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا إلى مستوى سفير يتعارض مع موقف الاتحاد.

وقال ستانو إن "موقف الاتحاد الأوروبي بشأن تطبيع العلاقات مع النظام في سوريا واضح ولم يتغير، والانتخابات الرئاسية التي نظمها النظام السوري لا يمكن أن تؤدي إلى أي إجراءات للتطبيع الدولي".

وندد بـ"إرسال سفير إلى نظام بشار الأسد المدرج على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بأي شرعية ديمقراطية كرئيس".

ويتلخص التزام صربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في التوفيق التدريجي بين سياستها الخارجية والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد.

لكن صربيا تخالف الاتحاد الأوروبي في كثير من السياسات التي تنتهجها وعلى رأسها الموقف من غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.

وتقيم موسكو وبلغراد علاقات تاريخية فيما رفضت صربيا في الوقت نفسه المشاركة في العقوبات الأوروبية ضد روسيا على خلفية غزو أوكرانيا.

في الوقت نفسه، تراهن بلغراد على دعم روسيا، والصين كذلك، في مجلس الأمن الدولي لمنع كوسوفو، إقليمها السابق الذي أعلن استقلاله في 2008، من الحصول على مقعد في المنظمة الدولية.

وتشهد العلاقات بين كوسوفو وصربيا أزمة تلو الأخرى منذ الحرب بين القوات الصربية والاستقلاليين الألبان التي انتهت في 1999 بتدخل لحلف شمال الأطلسي ضد بلغراد.

وأعلنت كوسوفو التي تضم أقلية صربية من 120 ألف شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 1,8 مليون نسمة، استقلالها عن صربيا في 2008، وهو ما لم تقبله بلغراد.

وسجلت العلاقات تدهورا أكبر مع تعيين رؤساء بلديات ألبان في مايو 2023 في أربع بلدات ذات غالبية صربية في شمال كوسوفو بعدما قاطع الناخبون الصرب الانتخابات المحلية.

ومن هذه النقطة تلعب صربيا على تمتين علاقاتها مع روسيا حليفة نظام بشار الأسد.

وقد رحب الكرملين بإعلان الرئيس الصربي فوتشيتش الذي يتولى منصبه منذ 2017 فوز "الحزب التقدمي الصربي" الذي يتزعمه (يمين قومي شعبوي) في الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر 2023، في اقتراع عد بمثابة استفتاء على شخصه وشابتها عمليات تزوير.

"رغبة روسية"

وضمن هذا السياق، ربطت صحيفة "داناس" الصربية دوافع صربيا من إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، برغبة الحكومة الصربية في "مغازلة" روسيا بالإضافة إلى دوافع أخرى أقل أهمية.

وتنتمي سوريا إلى مجموعة الدول التي لم تعترف بكوسوفو وتحاول الحكومة الحفاظ على علاقات جيدة من أجل الحفاظ على هذا الدعم. 

من ناحية أخرى، تمسكت صربيا بحزمة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا في عام 2012، لكنها بدأت في الانسحاب لحظة تدخل روسيا عسكريا عام 2015 لإنقاذ الأسد من سقوط حكمه نتيجة ثورة شعبية ضده عام 2011.

لكن مع ذلك مرة أخرى، تنفذ صربيا سياسة غير متسقة لتحقيق التوازن بين الشركاء الغربيين والشرقيين، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من تباطؤ التكامل الأوروبي الضعيف بالفعل، كما يقول فوك فوكسانوفيتش، الباحث في مركز بلغراد للسياسة الأمنية.

ويضيف فوكسانوفيتش لصحيفة "داناس" بالقول إن تحرك صربيا السابق بعيدا عن التكامل الأوروبي يعطي الحكومة الصربية الانطباع بأنها قادرة على تحمل مثل هذه التحركات.

وتعتقد الحكومة الصربية أن صربيا بعيدة بالفعل عن الاتحاد الأوروبي، ولا ترى حقيقة المنظور الأوروبي، لذلك تعتقد أنها تستطيع القيام بمثل هذه التحركات، حسب فوكسانوفيتش.

وراح فوكسانوفيتش يطرح تساؤلات من قبيل: "ما الذي يأملون في الحصول عليه من مثل هذه الخطوة؟ هل يتوقعون تسجيل بعض النقاط الثنائية مع نظام الأسد، وماذا يمكن أن يكون ذلك بخلاف عقد مع صناعة الأسلحة التي من المحتمل أن تكون خطيرة للغاية بالنظر إلى كل ما يحيط بهذا النظام؟"

واستدرك قائلا: "من المؤكد أن أحد العوامل بالنسبة لبلغراد هو حقيقة أن سوريا لم تعترف باستقلال كوسوفو، لكنني أفضل أن أقول إن هذا شكل من أشكال الإطراء لموسكو، لأننا لا ينبغي أن ننسى أن موسكو هي الشريك الرئيس لنظام الأسد وأنها السبب الرئيس لعدم الإطاحة به". 

ويشير فوكسانوفيتش إلى أنه "إذا كان للمرء أن يتكهن بالأسباب المحتملة للحكومة الصربية، فهو على الأرجح تأثير موسكو".

تكاد تكون دوافع بلغراد من رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في هذا التوقيت متشعبة.

إذ إن سببا آخر ينظر إليه المراقبون هو تدفق المهاجرين السوريين، الذين تعد مراقبتهم مهمة ليس فقط لصربيا.

حيث تكثف صربيا دورياتها الأمنية في غابات قرب الحدود مع المجر، في محاولة لمكافحة وصول اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وتعد صربيا إحدى دول المرور من الدول الأصلية للمهاجرين من سوريا وغيرها من الدول، باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بلغاريا واليونان والمجر، وهي الدول التي تشكل الجانب الشرقي لأوروبا.

وللتنويه، فإنه مع جمود الحل السياسي في سوريا وعدم رغبة نظام الأسد في البدء في تحقيق انتقال للسلطة، فإن عمليات الهجرة غير النظامية للسوريين القادمين من "جحيم" الوضع المعيشي في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في تزايد.

إذ يوجد في مناطق نظام الأسد شبكات تهريب عابرة للحدود تدير عمليات إيصال اللاجئين إلى أوروبا برا أو بحرا مقابل مبالغ مالية لا تقل عن 10 آلاف دولار.

طوق الكرملين

في الملمح الاقتصادي في العلاقة بين نظام الأسد وصربيا، فإن مجلس الشعب التابع لنظام الأسد صادق في أكتوبر 2020 على العقد الموقع مع شركة صربية لاستخراج الفوسفات من الأراضي السورية.

وبحسب ما نقلت صحيفة "الوطن" الموالية فإن مجلس الشعب أقر مشروع القرار رقم 156 والذي تم توقيعه في شهر يوليو 2020 بين المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة وومكو أسوشيتس دوو الصربية لاستخراج الفوسفات من المناجم الشرقية في تدمر وتصدير المنتج لصربيا.

وقال وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة نظام الأسد بسام طعمة أمام أعضاء مجلس الشعب، إنه يوجد في سوريا ثلاثة مليارات طن من الفوسفات، وهم عاجزون عن تصدير أي طن بسبب العقوبات المفروضة على سوريا.

ومن هنا يتضح الدور الصربي في مساندة نظام الأسد اقتصاديا وتسهيل عمليات بيع الفوسفات للخارج عبر طرق التفافية.

لا سيما أن القسم الأكبر من الفوسفات السوري يصدر إلى عدة دول عن طريق سكة الحديد التي تصل المناجم بمرفأ طرطوس الذي خضع لروسيا منذ عام 2017 بموجب عقد إيجار من نظام الأسد لمدة 49 عاما.

وسوريا كانت تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011.

لكن التطلعات الاقتصادية لروسيا والبحث عن تحقيق عوائد اقتصادية بالقطع الأجنبي جراء إنتاج وتصدير الفوسفات من سوريا، يأتي رغم احتلالها الرتبة الرابعة على مستوى المصدرين العالميين.

ولهذا لم تكن روسيا لتسمح بدخول صربيا بقطاع الفوسفات السوري دون موافقتها كونها وضعت يدها على هذه الثورة بعد عامين فقط من تدخلها العسكري بسوريا.

وعند هذه الزاوية، يوجد تقاطع كبير في المصالح بين بلغراد وموسكو يجعل نظام الأسد يدور في هذه الحلقة، خاصة أن صربيا التي تقدمت بترشحها لدخول الاتحاد الأوروبي منذ 11 عاما، استفادت من علاقاتها الوثيقة مع الكرملين عقب حرب أوكرانيا. 

فقد أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في يونيو 2022 أن بلاده وقعت على تمديد اتفاقية الحصول على شحنات غاز روسي بأسعار مخفّضة لثلاث سنوات.

وأضاف بعد اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إنها "أفضل صفقة في أوروبا على الإطلاق".

وجاءت هذه الصفقة بعد أربعة أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، وبالتوازي مع سعي الاتحاد الأوروبي إلى خفض اعتماده على الغاز الروسي.

وقد دانت بروكسل الاتفاق النفطي مع موسكو، معلنة أنها كانت تنتظر من صربيا ألا "تمعن في تعزيز علاقاتها بموسكو".

وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو "يجب على الدول المرشحة، وصربيا من بينهم، مواءمة سياساتها المتعلقة بطرف ثالث تدريجيا مع سياسات ومواقف الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الإجراءات التقييدية".

ولكن صربيا رغم أنها تتبنى الأهداف الأوروبية كأولوية غير أنها تتجنب اتخاذ أي تدابير مناهضة لروسيا.

ففي العقود الأخيرة، منحت صربيا روسيا تدريجيا شبه احتكار تام لقطاع الطاقة من خلال بناء خطوط أنابيب خاصة بالغاز الروسي وحده، مما منح الكرملين فرصة لرمي حبل غليظ على عنق السياسة الصربية.

وفي سنة 2008، عند إعلان كوسوفو استقلالها، باعت صربيا غالبية حصصها في شركتها الوطنية للنفط لشركة غازبروم الروسية العملاقة. 

وهو قرار ينظر إليه على نطاق واسع على أنه الثمن الذي دفعته بلغراد مقابل حق النقض الذي استخدمته روسيا في الأمم المتحدة.

ومن هنا يظهر بشكل جلي اليد الروسية الخفية وراء تسريع صربيا علاقاتها مع النظام السوري المنهار اقتصاديا وما يزال يعاني عزلة سياسية غربية رغم إعلان جامعة الدول العربية منحه مقعد سوريا في مايو 2023 بعد أن سحب من النظام نهاية عام 2011 لقمعه ثورة السوريين بالحديد والنار.