خطوة رفضها الحوثيون.. ما دلالات فتح حكومة اليمن طريقا حيويا يصل بين مأرب وصنعاء؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع خطوة الحكومة الشرعية اليمنية (معترف بها دوليا)، في فتح طريق مأرب- صنعاء المغلق منذ 9 سنوات، برزت تساؤلات عن دلالاتها، ومدى تأثيرها بمسار الحل السياسي في البلاد، أم بالفعل أنها ذات أبعاد إنسانية كما أعلنت ذلك الجهات الرسمية.

ويربط الطريق بين محافظة مأرب (وسط البلاد) التي تدير الحكم فيها الحكومة الشرعية، والعاصمة صنعاء (شمال) الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الموالية لإيران، لكنه ظل مقطوعا منذ بدء الحرب بالبلاد وتدخل التحالف السعودي الإماراتي في مارس/ آذار 2015.

شروط حوثية

الجهات الشرعية اليمنية، بررت خطوتها على لسان عضو مجلس القيادة الرئاسي (أعلى سلطة بالبلد)، سلطان العرادة، بأنها تهدف إلى تسهيل تنقلات المواطنين، داعيا الطرف الآخر (الحوثي) لاتخاذ خطوة مماثلة، حسبما صرّح به لفضائية "اليمن" الرسمية في 23 فبراير/ شباط 2024.

وأكد العرادة، خلال زيارة قام بها إلى طريق مأرب-صنعاء، أن إعلان فتح هذا الطريق "جاء بالتشاور مع القيادة السياسية والعسكرية"، مؤكدا "أهمية فتح جميع الطرقات المغلقة في اليمن، من بينها الطريق المؤدية إلى مدينة تعز (جنوب غرب)، من أجل رفع المعاناة عن المواطنين".

وأضاف: "نأمل من الجميع التعاون في فتح جميع الطرقات الرئيسة في كل المدن من أجل مصلحة الشعب اليمني، وباقي الأمور لها مكانها وشأنها سواء كانت حربا أو سلما".

وفي أول تعليق على خطوة الحكومة الشرعية، قال عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، محمد علي الحوثي، إنه "من الجيد إنهاء الحصار على صنعاء (...) بإعلان فتح طريق مأرب ـ صنعاء".

لكن القيادي الحوثي، وضع شروطا للقبول بها، بالقول إن على الطرف الآخر (الحكومة الشرعية) أولا "فتح المنافذ الأخرى وفك الحصار عن بقية الطرقات في جميع المحافظات وإزالة عسكرة الطرقات".

وتابع: "ندعوهم كذلك إلى الإفراج عن المختطفين من الطرقات التي تم القبض عليهم فيها أثناء العبور وهم مسافرون، لتعزيز ثقتهم بجدية الخطوة في هذه الطرقات"، وفق تصريحه.

جيد إنهاء الحصار على #صنعاء من قبل التحالف الأمريكي البريطاني السعودي الاماراتي وحلفائه
باعلان فتح طريق مارب صنعاء الفرضة
اذا استمر وسمح لليمنيين بالعبور منه مستقبلا
و إن شاء الله نرى ذلك ايضا في المنفذين الآخرين طريق مارب_صرواح صنعاء
و مارب _البيضاء وندعوهم إلىالاستمرار في فك… pic.twitter.com/jvnnEK89lN

— محمد علي الحوثي (@Moh_Alhouthi) February 22, 2024

ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحافظات عدة نهاية 2014، واشتد النزاع منذ مارس 2015، بعد تدخل تحالف عسكري سعودي إماراتي لإسناد قوات الحكومة، في مواجهة المليشيا المدعومة من إيران.

ولأول مرة منذ اندلاع حرب اليمن عام 2014، وصل وفد من مليشيا "الحوثي" إلى الرياض في 14 سبتمبر/ أيلول 2023، بدعوة من السعودية، لمناقشة التوصل إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول".

بدورها، أعلنت الخارجية السعودية، خلال بيان لها في 20 سبتمبر 2023، ترحيبها بـ"النتائج الإيجابية" للنقاشات مع وفد صنعاء لاستكمال جهود مسار السلام في اليمن، مشيدة بمضامين لقاء وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان بن عبد العزيز، بوفد صنعاء (الحوثيين).

ولفتت إلى أن النقاشات جاءت "استكمالا للقاءات الفريق السعودي التي أجراها في فترة سابقة مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وفي صنعاء خلال الفترة من 8 إلى 13 أبريل 2023، والتوصل إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خارطة طريق تتفق عليها الأطراف اليمنية كافة".

"مشروع المظلومية"

وبخصوص دلالة فتح الطريق، قال رئيس مركز "المخا" للدراسات الإستراتيجية في اليمن، عاتق جار الله، إن "خطوة حكومة الشرعية لها أكثر من سبب، أولها هو الضغط الشعبي الذي حصل من ناشطين ووسائل إعلام في إطار المآسي التي يعيشها اليمنيون، لذلك فإنها جاءت لتخفيف المعاناة".

وأضاف جار الله لـ"الاستقلال"، قائلا: "أما الأمر الثاني، فإن حكومة الشرعية نظرت أن هذا الأمر مفروض من الحوثي، فلماذا تتحمل هي الضغط الشعبي، ولذلك أرادت من خلال خطوتها هذه إحراج الحوثيين، وأن توضح لليمنيين أنها ليست هي من تغلق المنافذ والممرات".

وتابع: "البعد الثالث، هو الإشارة إلى دفء العلاقة بين الحوثي والسعودية، لأن العلاقات لو كانت تشهد احتقانا بينهما لما أقدمت الحكومة على فتح الطريق، وبالتالي أستطيع القول إن خطوة السلطة الشرعية هذه هي من القرار القليلة الموفقة تجاه المعركة مع الحوثيين".

ورأى جار الله أن "هناك أخطاء كثيرة ارتكبت، فكان بإمكان السلطة الشرعية أن تعمل مثل هذه الخطوة وتوضح للشعب الحقائق، منها أيضا موضوع المنافذ الجمركية التي يفرضها الحوثيون، وبيع النفط بأسعار خيالية في المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة".

وأشار إلى أن "الحكومة الشرعية لا تهتم بمثل هذه التفاصيل، لكن ربما أن هذا الأمر (فتح الطريق) وقع بيد العرادة، وهو يعد أكثر شخصية فاعلة في السلطة، ويولي اهتماما لمصالح المواطنين، بشكل أكبر من باقي الشخصيات التي تشكّل مجلس السيادة".

وعن رفض الحوثي لهذه الخطوة، رأى جار الله أن "هذا الأمر له أكثر من سبب أيضا، أولها اقتصادي، فهذه المليشيا تريد أن تعدد الطرق والمنافذ والجمارك، وفتح أسواق جديدة باتجاه محافظات البيضاء والجوف، حتى يجعل المواطن يدفع أموالا أكثر، وبالتالي يحافظ على حركة الاقتصاد بمناطقه".

الأمر الآخر، يضيف الباحث، أن "الحوثي يعرف بأن موضوع الحصار وغلق الطرق أمر مترابط مع بعض، لأن عليه بالتالي فتح طريق الحوبان في تعز، وهذا ما يخشى منه".

وبين جار الله أن "الحوثي يخشى من نواحٍ أمنية أيضا، ويريد تشكيل حالة ضغط على اليمنيين، وأن يقدم المأساة أمام المجتمع الدولي، ويقول إن هناك أزمة واختناق، لذلك هو لا يريد أي انفراجة سياسية، فهو تعوّد أن يعمل على عامل المظلومية بشكل كبير جدا".

وأوضح أن "الحوثي دخل إلى صنعاء بحجة مظلومية زيادة أسعار النفط التي صدر بقرار من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، وبعد ذلك أخذ محافظة البيضاء وغيرها تحت عنوان ملاحقة عناصر معينة".

وتابع: "عندما دخل التحالف على خط الحرب في اليمن عام 2015، بدأ الحوثي يعمل بحجة مظلومية هذا التدخل لمدة 9سنوات، وبعدما انتهت هذه، اختلق مظلومية الأحداث في منطقة البحر الأحمر واعتداء القوات الأميركية والبريطانية عليه".

وخلص جار الله إلى أن "الحوثي يعمل على المظلومية بشكل كبير، ويقدّم مناطق سيطرته باليمن على أنها محاصرة، لكن عمليا هي مناطق الشرعية المحاصرة، لأن الحكومة لا تستطيع تصدير النفط من كل الموانئ بأريحية، بينما يستطيع الحوثي أن يستورد ويصدّر ما يريد من موانئ الحديدة".

"محاكمة شعبية"

وعن تفسير خطوة الاتجاه الواحد من الحكومة، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري، إن "فتح الطرقات هو فعل إنساني وضرورة إنسانية ووطنية للناس الذين تكبدوا مشقات الطرقات على امتداد هذه السنوات، وإقدام حكومة الشرعية على فتح طريق مأرب- صنعاء، خط الفرضة- نهم، شيء طبيعي وتأخر كثيرا".

واستبعد البكيري في حديث لـ"الاستقلال" أن "يكون الموضوع بالضرورة خاضع إلى فكرة المناورة السياسية، لأن حاجيات الناس ومصالحهم لا ينبغي أن تبقى رهن المناورات السياسية".

وأضاف: "لا أعتقد أن مسألة التوقيت كانت هدفا بحد ذاتها بقدر ما هي ضرورة تحتمها شدة المعاناة في هذه الطرقات".

وعن تعليق الحوثيين، قال البكيري إن "رفضهم طبيعي اتساقا مع طبيعة هذه الجماعة وتوجهاتها وسياساتها وممارساتها تجاه مصالح الناس وحاجياتها، فهي لا تقيم وزنا لمصلحة أحد سوى مصلحة جماعاتها وماذا سيكسبون ويخسرون من مثل هكذا قرار".

وزع الحوثيون الليلة تعميما على أتباعهم من 5 نقاط بشأن فتح الطريق بعد شعورهم بالانكشاف حتى أمام أتباعهم:
1-مبادرة العرادة مؤامرة أمريكية اسرائيلية
2-طريق نهم لن يستفيد منه الا حزب الاصلاح!
4-فتح طريق نهم سيكشف المواقع والتحصينات
5-توقيت المبادرة مؤامرة.
6-فتح الطريق يحتاج سنوات.

— عدنان الجبرني (@A_ALGABARNI) February 25, 2024

من جهته، قال الصحفي اليمني، عدنان الجرمني، إن "مبادرة سلطان العرادة لفتح الطريق تحوّلت إلى محاكمة شعبية مفتوحة للحوثيين، الهدف والدافع لدى قيادة مأرب هو إنهاء معاناة المواطنين المسافرين بالمقام الأول، لأن معركتها منذ اليوم الأول مع الحوثي غايتها الأساسية الانتصار لمصالح الناس وحقوقهم والطريق حق أصيل لكل يمني".

وأضاف الجرمني عبر منصة "إكس" في 25 فبراير، أن "الحوثيين وزعوا تعميما على أتباعهم من خمسة نقاط بشأن فتح الطريق بعد شعورهم بالانكشاف حتى أمام أتباعهم".

وأوضح أن هذه النقاط هي "مبادرة العرادة مؤامرة أميركية إسرائيلية، طريق نهم لن يستفيد منه إلا حزب الإصلاح (ينتمي إليه العرادة)، فتح طريق نهم سيكشف المواقع والتحصينات، توقيت المبادرة مؤامرة، فتح الطريق يحتاج سنوات".

ارتباك الحوثيين من مبادرة فتح طريق مأرب -صنعاء يدل على هشاشة منطقهم القتالي لدى المتلقي اليمني.

يفطن اليمنيون في الداخل إلى المناورات الخطابية والسياسية التي تتبناها الأطراف المتقاتلة ويفرزون المستوى المحلي وتداخل اسباب الحرب والمركز القانوني لكل طرف والمستوى الاقليمي (الحرب…

— mustafa naji مصطفى ناجي (@mustafaAljabzi1) February 26, 2024

وفي السياق ذاته، كتب الباحث السياسي والناشط اليمني، مصطفى ناجي، عبر "إكس" في 26 فبراير، قائلا: "ارتباك الحوثيين من مبادرة فتح طريق مأرب -صنعاء يدل على هشاشة منطقهم القتالي لدى المتلقي اليمني".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، أعلنت الأمم المتحدة عن توصل الأطراف إلى تفاهمات للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار في عموم اليمن وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية بالبلاد والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة.