رفضه "الانتقالي" المدعوم إماراتيا.. ماذا وراء تأسيس تكتل حزبي جديد باليمن؟
تباينت آراء المحلل بخصوص الهدف من إنشاء "التكتل الوطني" في اليمن
في خطوة تمثل تطورا جديدا على الساحة اليمنية، أعلن 23 حزبا ومكونا سياسيا تأسيس "تكتل وطني للأحزاب" في اليمن، الأمر الذي أثار تساؤلات عن توقيتها والهدف من ورائها، ولماذا رفض المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا الدخول في التشكيل الجديد؟
يأتي الإعلان بعد أشهر من اجتماعات مكثفة عقدتها قيادات في الأحزاب اليمنية بالعاصمة المؤقتة عدن والأردن، ناقشت خلالها الوثائق والأدبيات والنظام الأساسي للتكتل الجديد، والذي يُعد مظلة موحدة للأحزاب والمكونات السياسية المؤيدة للسلطة الشرعية.
"التكتل الوطني"
وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أعلنت مجموعة من القوى السياسية اليمنية، تشكيل "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية" في مدينة عدن، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، رئيس الوزراء الأسبق وممثل المؤتمر الشعبي العام.
ومن المثير أن مؤتمر تشكيل التكتل، جرى برعاية وإشراف المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي، وهو منظمة غير حزبية وغير حكومية.
وأكد التكتل في بيان الإشهار "التزامه بالدستور والقوانين النافذة، والمرجعيات المتفق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق، والشراكة، والعمل بشفافية".
وحدد عددا من أولوياته، وفي مقدمتها استعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد والانقلاب، إلى جانب "حل القضية الجنوبية كجزء أساسي من الحل السياسي الشامل ومفتاح لمعالجة القضايا الوطنية"، ووضع إطار خاص لها في الحل السياسي النهائي.
كما أكد بيان الإشهار الحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية، وسيادة الجمهورية، واستقلالها، وسلامة أراضيها.
ودعا رئيس المجلس الأعلى للتكتل الجديد، أحمد بن دغر، مختلف الأطياف اليمنية إلى الانضمام لهذا الإطار الوطني لتعزيز فرص السلام الدائم والعادل في اليمن، من خلال منصة موحدة للحوار والمفاوضات وفقًا للمرجعيات الوطنية والإقليمية.
والمكونات والأحزاب المؤسسة للتكتل الجديد، هي: "المؤتمر الشعبي العام، التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الناصري، المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، الحراك الجنوبي المشارك، اتحاد الرشاد اليمني، حزب العدالة والبناء، الائتلاف الوطني الجنوبي".
ومن الأحزاب المؤسسة أيضا: "حركة النهضة للتغيير السلمي، حزب التضامن الوطني، الحراك الثوري الجنوبي، التجمع الوحدوي اليمني، اتحاد القوى الشعبية، حزب السلم والتنمية، حزب البعث العربي الاشتراكي، مجلس حضرموت الوطني، حزب الشعب الديمقراطي (حشد)، مجلس شبوة الوطني، الحزب الجمهوري، حزب جبهة التحرير".
وفي المقابل، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، عدم مشاركته في اجتماعات الأحزاب والقوى السياسية اليمنية المنعقدة في عدن، بإشراف "المعهد الديمقراطي" الأميركي.
وذكر بيان للمتحدث باسم المجلس، سالم العولقي، نشره على حسابه عبر منصة "إكس" في 4 نوفمبر، تأكيدهم أنهم تابعوا نشاط التكتل الذي تعمل عليه عدد من الأطراف لإعلانه.
ومن دون كشف الأسباب، أكد العولقي في بيانه أن المجلس الانتقالي الجنوبي، لن يشارك في هذا التكتل أو الأنشطة المرتبطة به، وسيعلن لاحقا موقفه من مخرجات هذا التحالف الجديد.
"تهيئة جديدة"
وعن الهدف من تأسيس "التكتل الوطني"، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "هناك حاجة لهذا التشكيل السياسي الجديد، خاصة مع إشراف المعهد الديمقراطي الأميركي بصفته مؤسسة مختصة بدعم الديمقراطيات خاصة في الدول الانتقالية وفض النزاعات".
وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "خلال السنوات الماضية جرى استهداف السلطة وتآكلت تدريجيا، وأصبح هناك فواعل غير الدولة، ومنهم الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي أقوى المكونات في اليمن، رغم أنهم لا يمثلون مشاريع وطنية جامعة".
وأوضح الخبير اليمني أنه "عندما جرى تأسس مجلس القيادة السيادي، كان مشلولا وغير قادر على ممارسة أمور الدولة والمجتمع، فهو لا يخضع إلى هرمية في السلطة بمعنى (غياب) قدرته على ضبط السياسات وإخضاع جميع الأعضاء إلى رئيس المجلس".
وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، أصدر الرئيس اليمني آنذاك عبدربه منصور هادي، بشكل مفاجئ، إعلانا رئاسيا ينص على تأسيس "مجلس القيادة السيادي"، فوّض بموجبه رشاد العليمي بكامل صلاحياته، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأشار شمسان إلى أن "كل عضو من مكونات مجلس القيادة له انتماءات وأجندة تتبع دول إقليمية، وبالتالي أنشئ الأخير مشلولا، وهو عمل قصدي ومدروس وليس ناتجا عن خطأ، وذلك حتى يأتي القرار والتوافق من دول الإقليم وليس من هذه المؤسسة".
وبحسب قوله، فإنه “عندما حصلت أحداث غزة ولبنان، وتهديد الحوثيين للملاحة الدولية، تحولت سياسات الولايات المتحدة الأميركية إلى إضعاف وكلاء إيران بالمنطقة”.
و"كذلك جعلها تفكر أنها في حال الإجهاز على سلطة الحوثيين فإنه سيجعل الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة هذه الجماعة في حالة غياب السلطة".
وبيّن شمسان أن "أي استهداف أميركي ينهي سيطرة الحوثيين من دون وجود مكون سياسي شرعي هناك، استدعى التحرك إلى عقد جلسة للبرلمان اليمني في الجغرافيا اليمنية وكذلك تأسيس أحزاب سياسية وخلق نوع من التوافق، وربما هذا تهيئة لما سيحدث في المستقبل".
ورأى الخبير اليمني أنه “جرى تأجيل استهداف ينهي سيطرة الحوثيين بهدف ترتيب الحقل السياسي والوطني اليمني”.
أما المجلس الانتقالي، فإنه يتلقى تعليماته وتوجيهاته من الإمارات، بالتالي فإن انخراطه في هذا المشروع يتناقض ويتقاطع مع أهدافه ومشروعه القائم على فك الارتباط مع الجمهورية اليمنية، وفق تقديره.
وأرجع شمسان عدم اندماج المجلس الانتقالي الجنوبي مع التكتل الجديد، إلى أنه "يحمل مشروعا آخر، بل يعتقد ومن يقف وراءه (دولة الإمارات) أن هذا التوقيت المناسب لإعلان فك الارتباط لأن السلطة الشرعية اليمنية حاليا ضعيفة".
وشدد على أن "ترتيب الحقل السياسي اليمني وتجديد شرعية السلطة ومنحها النفوذ واعترافا ووجود مؤسسات حزبية وسياسية من شأنه أن يمهد إلى عمليات ستحدث تحولا كبيرا في الحقل السياسي والعسكري والوطني اليمني في القريب العاجل"، في إشارة إلى إنهاء سيطرة الحوثيين.
وبحسب شمسان، فإن "الذي أعاق إنهاء سيطرة الحوثيين هو ضعف السلطة الشرعية وغيابها وعدم تناغمها في مجلس القيادة، إضافة إلى وجود فواعل مثل المجلس الانتقالي، الذي يأكل الدولة من الداخل".
وأردف: “بالتالي، فإن إنهاء سيطرة الحوثيين يتسبب بفراغ في السلطة بمناطق سيطرتهم، ما يؤدي إلى وجود أكثر من كيان وإقليم في الجغرافيا اليمنية، وهذا له مخاطر”.
ويعتقد أن "هناك ترتيب للمؤسسات السيادية- حتى وإن كانت ضعيفة- لكنها لن تترك المساحة للمجلس الانتقالي وجماعة الحوثي".
"رغبة سعودية"
وفي السياق ذاته، رأى الكاتب اليمني ياسين التميمي خلال مقال نشره "الموقع بوست" في 4 نوفمبر 2024، أن "تحالف الأحزاب، بدا وكأنه يعكس رغبة سعودية لبناء اصطفاف شكلي لتمرير المهام والاستحقاقات التي ثبت أنها لم تكن تهتم بالإجماع الوطني على كل حال".
وأوضح التميمي أن "ذلك يأتي قبل أن يتكرس توجه لتقليل دور الأحزاب وربما تحييدها من جانب دولتي التحالف (السعودية والإمارات)، وملء الفراغ من خلال المجالس الجهوية وتمكين المكونات ذات الأجندات المتصادمة مع الإجماع الوطني".
وتابع: "قبل أن يصبح المجلس الانتقالي الجنوبي جزءا من منظومة السلطة الشرعية، تكفل كل من الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بما يشبه الانعزال الكامل عن الإجماع المفترض الذي كان يمثله موقف أحزاب التحالف من القضايا الوطنية والأولويات المرحلية طيلة السنوات الخمس الماضية".
وأضاف الكاتب أن “موقف الحزبين كان يُفسَّر على أنه ذو منحى تعطيلي واضح يجرى بإيعاز من قوى إقليمية، إلى جانب أنه كان يتقصد التقليل إلى الحد الأدنى من النفوذ السياسي للإصلاح في السلطة الشرعية”.
وهو "هدف كان يتقاطع بالتأكيد مع أطراف خارجية تتبنى عقيدة تقويض الدور السياسي للإصلاح أكثر من القضاء على الحوثيين".
ومنذ بداية الأزمة اليمنية، اتخذ الحزب الاشتراكي اليمني قرارا ضد الحرب التي قادتها السعودية والإمارات في اليمن، كما رفض الانقلاب الحوثي في الوقت نفسه.
أما التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فقد غادر حكومة الوفاق عام 2014، وبعد عام انسحب من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بين القوى اليمنية والحوثيين.
وفي الوقت الحالي أصبح الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري، جزءا من التكتل الوطني الجديد، الذي شكلته الأحزاب اليمنية، في تطور يشير إل احتواء هذين الحزبين ضمن الاتفاق الحاصل برعاية “المعهد الديمقراطي” الأميركي.
وأشار التميمي إلى أن "التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية استوعب المكونات الجديدة والأجنحة السياسية للتشكيلات المسلحة، فيما بقي المجلس الانتقالي بعيدا عن هذا التكتل، ولا أدري ما الحكمة".
وأكد أن "هذا التكتل يتطابق مع التحالف السياسي الحاكم الذي تتشكل منه السلطة الشرعية، أم أنه يكتفي بالدور المعطل لهذه السلطة ولا طاقة له باستيعاب المواقف السياسية للتكتل التي ستدور في الغالب حول الدولة اليمنية ووحدتها وسلامة ترابها الوطني".
وبحسب الكاتب، فإن "المعهد الديمقراطي الذي يقع تحت تأثير الأجندة السياسية للحزب الديمقراطي الأميركي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (حكومية)، عكف منذ سبعة أشهر تقريبا على إنشاء تحالف سياسي تفاوضي".
وبيّن أنه "لم تكن أولويات الأحزاب المشاركة في الجلسات التحضيرية واضحة بقدر وضوح أولويات الجانب الأميركي، الذي يريد موقفا سياسيا يعكس حالة من الإجماع ويتجه نحو الأولويات التفاوضية مع جماعة الحوثي، بحيث تتعطل كل الخيارات الممكنة لاستعادة الدولة".
ورأى أن "المعهد الديمقراطي يعكس إرث الحزب الديمقراطي المتصالح مع الوجود الحوثي في صنعاء وهيمنته على الدولة اليمنية، وأما انخراط الوكالة الأميركية الحكومية للتنمية، فلأنها تخضع حاليا لأوامر الإدارة الديمقراطية".
ووصف التميمي رئيس التكتل الجديد أحمد عبيد بن دغر بأنه "شخصية وطنية جديرة بالاحترام، بالنظر إلى وضوح رؤيته فيما يتعلق بمستقبل الدولة اليمنية الموحدة، ولأنه السياسي الذي لم يتصرف عكس مبادئه السياسية ووعيه الناضج".
وتوصل إلى أن "التكتل الجديد سيكون تأثيره مدمرا على الأدوار السياسية للأحزاب ذات الثقل السياسي والميداني الكبير، والتي يراد لها أن تغرق في بناء التوافقات بين أحزاب ومكونات لم يعد لها تأثير حقيقي على الساحة اليمنية في حين سيتعاظم تخادمها مع اللاعبين الخارجيين الأقوياء".
ووفقا للكاتب نفسه، فإن ذلك سيدفع "الأحزاب الثقيلة إلى تقديم تنازلات تصادر دورها ووزنها وإسهامها المفترض في مواجهة التحديات السياسية والميدانية، وتأمين الضمانات الكفيلة بحماية المصالح الوطنية".
ويعيش اليمن في الوقت الحالي هدنة بين الأطراف المتصارعة منذ 2022، أعقبها في أبريل/نيسان 2023، توجه سفير المملكة العربية السعودية في اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، فيما وصفه بأنه مسعى لـ "تثبيتها".
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2023، وصل وفد من الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض لأول مرة منذ انقلابه على الشرعية، وأجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين بوساطة عُمانية، استمرت 5 أيام.
وصف الوفد الحوثي الذي عاد إلى صنعاء في 19 سبتمبر 2023، محادثاته مع المسؤولين السعوديين في الرياض بأنها كانت جدية وإيجابية على رغم أنه لم يتم خلالها إعلان أي تقدم.
المصادر
- إشهار التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية في عدن واختيار بن دغر رئيساً دورياً له
- تكتل سياسي جديد في اليمن.. مقاطعة داخلية ومخاوف من خطة أمريكية
- قراءة في دوافع ومآلات التكتل الوطني الجديد للأحزاب والقوى السياسية
- بن دغر رئيسا.. "تكتل وطني للأحزاب والمكونات السياسية" في عدن
- خلافا لمسار الرياض.. لماذا طرح قادة اليمن الخيار العسكري ضد الحوثيين؟
- اليمن.. "الناصري" ينسحب من الحوار
- حزب “الناصري” اليمني يعلن انسحابه من الحكومة
- الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني: نحن ضد الحرب والانقلاب، والشرعية أصيبت بأعطاب كثيرة