رئيس السنغال ينفذ وعده ويراجع عقود النفط والغاز.. ما السيناريوهات المتوقعة؟
"أصبحت السنغال رسميا ضمن الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية في 11 يونيو 2024"
شرعت السنغال في بعث رسائل مباشرة عن رغبتها في بسط سيادتها على قرارها الاقتصادي، ومعالجة الاختلالات السابقة وبقايا الاستعمار، ومنها ما تعلق بملف النفط والغاز.
ومن آخر القرارات في هذا الصدد، إعلان رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو تشكيل لجنة من خبراء في القطاع القانوني والضريبي والطاقي، لمراجعة عقود النفط والغاز، والعمل على إعادة توازنها بما يخدم المصلحة الوطنية.
ووفق موقع “ أفريكا نيوز”، أمر رئيس البلاد باسيرو ديوماي فاي، الذي هزم مرشح الائتلاف الحاكم بانتصار ساحق في مارس/آذار 2024، بمراجعة قطاعات النفط والغاز والتعدين بعد توليه منصبه، وتعهد بإعادة التفاوض على شروط العقود مع المشغلين الأجانب في البلاد إذا لزم الأمر.
وشدد سونكو في 21 أغسطس/آب 2024 على أنهم ملتزمون بوعدهم للشعب السنغالي "بالعودة إلى هذه الاتفاقيات المختلفة لإعادة دراستها، والعمل على إعادة توازنها، بما يخدم المصلحة الوطنية بشكل واضح".
وأضاف أن اللجنة ستكون لديها الموارد الكافية للنظر في العقود، وتوظيف خبراء من الخارج إذا لزم الأمر، دون أن يحدد الوقت الذي ستستغرقه هذه العملية.
حقبة جديدة
ويأتي هذا القرار بعد أن أصبحت السنغال الآن إحدى الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية، إثر إعلان شركة “وود سايد إنرجي” الأسترالية في 11 يونيو/حزيران 2024 أنها بدأت استخراج النفط من حقل سانغومار، ويستهدف إنتاج 100 ألف برميل يوميا.
وبالإضافة إلى النفط، من المتوقع أن يبدأ استغلال الغاز الطبيعي هذا العام في حقل "السلحفاة أحميم" المشترك مع موريتانيا، الذي طورته شركة “بي بي” البريطانية مع شركة "كوزموس إنرجي" الأميركية والشركة الموريتانية للهيدروكربونات، لإنتاج حوالي 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
وأثار اكتشاف حقول النفط والغاز آمالا كبيرة للدولة النامية؛ إذ تتوقع شركة الطاقة التابعة للدولة “بتروسن” أن يدرّ هذا القطاع أكثر من مليار دولار سنويا على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
وقال المدير العام لبتروسن، ثيرنو لي، في تصريح صحفي سابق، إن "بدء الإنتاج يمثل حقبة جديدة للصناعة والاقتصاد في السنغال"، مضيفا: "نحن في وضع أفضل من أي وقت مضى فيما يتعلق بفرص النمو والابتكار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأمتنا".
يذكر أن العديد من الدول الإفريقية تسعى إلى تنفيذ مشاريع نفط وغاز، رغم الضغوط الدولية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وتعترض هذه الدول على القيود المفروضة، معتبرة أن الغرب جمع ثروات هائلة من الوقود الأحفوري، في حين تعاني القارة الإفريقية من آثار التغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، ما يهدد الصحة والأمن الغذائي والمائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وسجلت الفترة ما بين عامي 2014-2017 ذروة اكتشافات النفط والغاز في المياه الإقليمية للسنغال، بعد رصد احتياطيات هائلة أسالت عروضا من شركات استثمارات أجنبية.
ويعد حقل "السلحفاة-آحميم" البحري المشترك مع موريتانيا من أهم المشاريع، باحتياطيات تقدر بنحو 100 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وقدرة إنتاج سنوية متوقعة بحوالي 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في مرحلته الأولى.
وعند إكمال المرحلة الثانية من تطوير الحقل -المتوقعة بين عامي 2027-2028- سيرتفع الإنتاج السنوي إلى 3 ملايين طن سنويا ليكمل بعدها في مسار إنتاج تصاعدي، بحسب تقديرات رسمية.
أما حقل سانغومار، فيقدر متوسط حجم إنتاج النفط منه بنحو 100 ألف برميل يوميا، ويحتوي على احتياطيات من الغاز تتراوح ما بين 60 إلى 100 مليون قدم مكعبة.
ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج ما بين 60-90 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي ما بين عامي 2026-2027. وسيعمل هذا الحقل مدعوما بمنصة إنتاج وتخزين عائمة تحمل اسم أول رئيس للسنغال ليوبولد سيدار سنغور.
ويشكل حوض "ياكار تيرانغا" الدرة الثالثة في ثروة السنغال الجوفية، باحتياطيات قدرت بحوالي 140 مليار متر مكعب من الغاز.
إعادة تفاوض
وتفاعلا مع هذه التطورات، أكد الخبير الاقتصادي الدولي بابا ديمبا ثيام، أن "معظم عقود التعدين أو الهيدروكربونات يتم إعادة التفاوض بشأنها" على نطاق عالمي، مشيرا إلى أن قرار سلطات بلاده ليس بأمر غريب أو محدث.
واستشهد ديمبا ثيام في تصريح لـ "الاستقلال"، بمثال منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث أوضح أن "40 إلى 92 بالمئة من العقود يتم إعادة التفاوض بشأنها على مدى فترة تتراوح بين سنة وثماني سنوات بعد توقيعها".
وذكر الخبير الاقتصادي أن قرار الحكومة السنغالية يستند إلى الدستور، والذي ينص على أن "الموارد الطبيعية ملك للشعب ويجب أن يستفيد منها".
وأضاف بابا ديمبا ثيام، أنه منذ عام 2021، وبعد انتشار فيروس كورونا، ومع الحرب في أوكرانيا، "تضافرت كل الظروف لتبرير إعادة التفاوض على هذه العقود".
وأبرز أن عملية إعادة التفاوض هذه تعد جزءًا من رغبة السلطة السنغالية الجديدة في الحد من الخسائر المالية المرتبطة بتأخير التشغيل، مشيرا إلى أنه، وكلما طال أمد استخراج هذه الودائع، ضعفت الربحية.
من جانبه، قال الخبير النفطي إبراهيما بشير درامي، الرئيس السابق لشركة بتروسين، إنه "لا توجد بنود صريحة تنص على إعادة التفاوض في عقود النفط"، بل "بنود تنظم النزاعات المحتملة".
وضرب درامي في تصريحات صحفية محلية، مثالا على ذلك، وهو حقل الغاز الطبيعي السلحفاة والذي من المقرر أن تبدأ عملية استغلاله من قبل الدولة نهاية العام، "فهو يذكرنا بحدود إعادة التفاوض؛ حيث يجب علينا حتما أن نأخذ في الحسبان الجانب الموريتاني".
واسترسل، "وبالنسبة لبعض الحقول الأقل تقدما، مثل حقل غاز ياكار-تيرانغا، فإن إعادة التفاوض "أبسط، لأنها في مرحلة التطوير، وأيضا لأن الاستثمارات هناك ليست بالكبيرة".
التزام انتخابي
من جانبه توقف موقع "agenceecofin" عند هذا القرار، مبرزا أن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، وفي اليوم التالي لأدائه اليمين الدستورية في أبريل/ نيسان 2024، تعهد بإجراء مراجعة كاملة لقطاعات التعدين والنفط والغاز.
وأضاف الموقع، حيث أوضح حينها الرئيس الجديد للبلاد، أن "الهدف هو إعادة التفاوض بشأن بعض العقود "غير المواتية" للبلاد".
كما أن الحكومة السنغالية أعلنت في بيان نشرته في 10 يوليو/تموز 2024، عن إنشاء لجنة مراجعة يمكن أن يؤدي عملها إلى إعادة التفاوض على بعض الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الأجنبية في قطاعات إستراتيجية، دون أن تحدد ماهية هذه القطاعات وقتئذ.
وأوضحت الحكومة أن "رئيس مجلس الوزراء أبلغ مجلس الوزراء، بتكليف من رئيس الجمهورية، بمرسوم مؤرخ في 3 يوليو 2024، بإنشاء لجنة لدراسة العقود المبرمة في القطاعات الإستراتيجية".
وأضاف أن "المهمة الأساسية لهذه اللجنة هي تحليل الحضور المركزي للمصلحة الوطنية في العقود المذكورة أعلاه وآليات حمايتها بهدف ضمان تحقيق أهداف التوازن المطلوبة حيثما أمكن".
كما سبق أن أعلن وزير الطاقة والمناجم السنغالي، بيرامي سولي ديوب، في 11 أبريل/نيسان 2024، أن السلطة التنفيذية ستعيد التفاوض، إذا لزم الأمر، على عقود التعدين والنفط والغاز المبرمة مع الشركات العاملة في القطاع الاستخراجي.
وتمتلك السنغال أيضا احتياطيات من المعادن، أبرزها التيتانيوم بعائدات وصلت عام 2022 لأكثر من 157 مليون دولار، والذهب بصادرات تتخطى 960 مليون دولار سنويا، بينما سجلت صادرات الزيركون قرابة 112 مليون دولار.
ويعد قطاع التعدين ثاني مصدر للعملات الأجنبية ويشكل قرابة 20% من مجمل صادرات الدولة، بهامش تحرك ببضع نقاط صعودا وهبوطا، وفق أرقام غير رسمية.
وأبرز المصدر ذاته، أن إعادة التفاوض على العقود المبرمة في القطاعات الإستراتيجية سيكون خيارا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للسنغال، إلى حد أنه يمكن أن يسبب توترات مع المستثمرين الغربيين ويؤثر على جاذبية البلاد.
وكان الرئيس السابق ماكي سال قد قدر بالفعل، في مقابلة نشرتها وكالة بلومببرغ في 19 مارس/آذار 2024، أن إعادة التفاوض على العقود يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد.
وأضاف سال: "يمكن تحسين العقود، لكن بصراحة التفكير في أنه يمكننا تغيير العقود الموقعة بالفعل مع الشركات أمر غير ممكن. سيكون الأمر كارثيا بالنسبة للسنغال".
أما النائب السنغالي السابق عمر سي، فأشاد بقرار إعادة التفاوض على العقود، لكنه حذر من أنها قد تكون عملية طويلة ومليئة بالتحديات.
وقال عمر سي لإذاعة فرنسا الدولية في داكار "إن هذا النوع من العقود ثقيل للغاية ويصعب تغييره، وقد يستغرق الأمر سنوات لتغييره".
ومن الناحية القانونية، يرى مصطفى فال، أستاذ القانون العام في جامعة الشيخ أنتا ديوب بالعاصمة دكار، أن أي نزاع ينشأ عن تنفيذ العقود النفطية، بالإضافة إلى النهج الودي، يتم حله عن طريق التحكيم.
ورأى فال في مقال رأي بالمناسبة نشره المركز البحثي "ceracle"، أنه من الثابت أن التحكيم مكلف بالنسبة للدولة من حيث التكاليف الإجرائية والغرامات المالية بمبالغ فلكية.
وأبرز أن "إجراءات التحكيم طويلة ولا تضمن الشفافية بسبب السرية"، مشيرا إلى أن "البلاد لديها بالفعل خبرة في الدعاوى التحكيمية".
وأوضح فال أن إعادة التفاوض على عقود النفط تضل ممكنة إذا تمَّ تنفيذها بالاتفاق المتبادل، أو إذا رأت الدولة أن العقود تحتوي على بنود غير عادلة أو غير متوازنة بشكل واضح أو موضوعي.
وذكر الأستاذ الجامعي أنه يمكن للدولة أن تتذرع بشكل مشروع بالحجج الناشئة عن الممارسة التعاقدية، لكن يجب أن يرتكز نهجها في ذلك على حسن النية، أي الحفاظ على المفاوضات ومعرفة مصالح الطرف الآخر والسعي إلى حل وسط مقبول، وإلا فإن سمعة البلاد أمام المستثمرين على المحك.
وبشكل عام، يقول فال، إن إعادة التفاوض تتطلب مهارات محددة في القانون والجيولوجيا والاقتصاد والنمذجة المالية لتقييم آثار المشاريع المختلفة على المستوى الضريبي.
وخلص إلى أنه، وقبل الشروع في إعادة التفاوض، يجب على الدولة التأكد من أن الصكوك القانونية المعمول بها تتكيف مع السياق الوطني والدولي، وأن نموذج العقد يوفر جميع ضمانات الشروط القابلة للتفاوض (حصة الدولة، التكاليف القابلة للاسترداد، تسويق الإنتاج، السعر، إلخ).