قصف ونهب وإعدامات ميدانية.. ماذا فعل حميدتي بقرية "ود النورة" السودانية؟

“أسرع الطرق لإنهاء الحرب في السودان هو إقناع الإمارات بالتوقف عن دعم مليشيا الدعم السريع”
في 5 يونيو/ حزيران 2024، هاجمت مليشيا الدعم السريع قرية "ود النورة" بولاية الجزيرة وسط السودان، فقتلت أكثر من 200 شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنين، وأصابوا قرابة 500 آخرين في مجزرة مروعة مدعومة إماراتيا.
شهود عيان قالوا لـ"الاستقلال" إن المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) قصفت القرية بمضادات الطيران والأسلحة الثقيلة بشكل عشوائي ما أدى لسقوط العديد من الشهداء تم دفنهم في قبور جماعية.
أضافوا أن الهجوم من أعنف هجمات الدعم السريع، وجرى استخدام الأسلحة الثقيلة فيه ضد قرية صغيرة ليس بها قوات عسكرية، كأنه رسالة من حميدتي المدعوم إماراتيا للسودانيين مفادها أن هذا مصير من يرفض التواطؤ معه ويدعم الجيش.
وانضم ضحايا المجزرة إلى أكثر من 15 ألف سوداني دفعوا حياتهم ثمنًا للحرب الأهلية المتواصلة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2023.
كما أن الهجوم هو الأحدث في سلسلة من الهجمات التي تشنها المليشيا على قرى صغيرة في أنحاء ولاية الجزيرة الزراعية، بعد سيطرتها على عاصمتها "ود مدني" في ديسمبر/كانون أول 2023.
وبعدما ارتكبت الدعم السريع مجزرة "ود النورة"، قامت بقصف مدينة "كرري" أيضا شمالي أم درمان بـ 20 قذيفة مدفعية من الخرطوم بحري وقتل قرابة 50 سودانيا، حسبما أعلنت تنسيقية لجان مقاومة كرري.
أيضا قبل مجزرة "ود النورة" بثلاثة أيام هاجمت المليشيا قرية "ود الأمين"، واقتحمت المنازل بغرض النهب، حسب ما أعلنت لجان مقاومة الحصاحيصا بولاية الجزيرة.
وتقع قرية ود النورة مع نهايات امتداد منطقة مشروع الجزيرة وبداية حدود ولاية النيل الأبيض، وترتبط تجارياً مع ولاية الخرطوم.
وترجع أهمية منطقة الجزيرة التي تسعى مليشيا الدعم السريع لتهجير أهلها منها إلى أنها المنطقة المركزية في السودان وهي ملاصقة للعاصمة، وتعد الأغنى والأكثر سكاناً في البلاد، وكانت معقلا للجيش.
لذا تعد الدعم السريع سيطرتها على أجزاء واسعة من هذه المنطقة بمثابة نصر إستراتيجي، نظرا إلى أنها تعد من معاقل الدولة في السودان وبعيدة عن معاقل الدعم السريع الأساسية للمليشيا في غرب البلاد.
ماذا جرى؟
مصادر سودانية أوضحت لـ"الاستقلال" أن مليشيا الدعم السريع هاجمت القرية بحجة أن بها "معسكرات تضم عناصر من الجيش وجهاز المخابرات العامة وكتيبة الزبير بن العوام التابعة للإسلاميين".
لكن الحقائق على الأرض تؤكد أن القرية لم يكن بها سوى قوات مقاومة شعبية ضئيلة من أبناء القرية.
وأوضحت المصادر أن المليشيا كانت تهدف إلى نهب القرية وتهجير سكانها، وتوجيه "رسالة بالدم" لكل القرى الأخرى عبر قتل المئات بالأسلحة الثقيلة ومن مسافة بعيدة.
وأضافت أن المليشيا أرادت من وراء هذه المذبحة نقل رسالة رعب للسكان الذين رفضوا الانخراط في قواتها مقابل أموال تقدمها الإمارات.
وبحسب المصادر، مع بدء القصف المبكر في الصباح، حاول سكان قرية ود النورة المقاومة بالأسلحة الخفيفة، لكن مليشيا الدعم السريع اجتاحت القرية، وأطلقت قذائفها بشكل عشوائي على السكان المتجمعين في مدخلها لحمايتها.
واستباحت المليشيا القرية بالكامل، ونهبت السوق المركزي وممتلكات المواطنين في المنازل، ونفذت إعدامات ميدانية للأهالي عقب الاجتياح بالرصاص والسكاكين.
من جانبه، قال مواطن بقرية "ود الجترة" المجاورة لـ"ود النورة"، في تصريح لموقع "سودان بلس"، متحدثًا عن تفاصيل هجوم الدعم السريع على القرية أن ما جرى هو "إبادة جماعية".
أكد أنه لم يكن هناك صراع بالقرية، كما تزعم مليشيا الدعم السريع لتبرير الجريمة، وإنما قصف مدفعي عشوائي وإبادة جماعية بأسلحة ثقيلة وهجوم قامت به قرابة 140 سيارة تاتشر تحمل مليشيا حميدتي.
وبحسب شهود فإن الهجوم تم على دفعتين، باستخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة منها مضادات الطيران والأسلحة الثقيلة.
ودشن نشطاء وسم #مجزرة_ودالنورة، وتم تداول صور ومقاطع فيديو للضحايا وأدلى العديد من سكان المنطقة بشهادات حول ما حدث، وأكدوا أن مليشيا الدعم السريع قطعت الاتصالات عن المنطقة أثناء الهجوم.
وانتقد البعض موقف الجيش السوداني من المجزرة، وتأخره في الاستجابة لنداءات الأهالي وعدم تحرك قواته.
تداعيات الهجوم
محللون يرون أن هذه المذبحة ستزيد من التفاف كل الشعب خلف الجيش السوداني والمجموعات الشعبية القبلية والإسلامية التي تحارب معه ضد مليشيا الدعم السريع.
وأنها قد تأتي بنتائج عكسية ضد الدعم السريع، لكنهم حذروا من أنها مؤشر لتحول خطير في الحرب الأهلية قد يدفع السودان ليكون "رواندا" ثانية.
فالمذبحة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع تعد مرحلة جديدة في الحرب الأهلية بالسودان قد تنقل البلاد لمستويات أعلى من العنف يقترب من مذابح رواندا التي وقعت عام 1994.
وذلك بسبب انتهاج مليشيا حميدتي المدعومة بمرتزقة وبدعم مالي وعسكري إماراتي أساليب القتل الجماعي للشعب السوداني.
حذروا من أن عواقب انهيار السودان ستكون كبيرة وبعيدة المدى، وقد تمتد آثارها لدول أخرى بعدما عملت الإمارات على مد مليشيا حميدتي بالمال والسلاح والمرتزقة.
المصادر قالت إن تياري "الحرية والتغيير" و"تقدم" اللذين يدعمان مليشيا الدعم السريع سياسيا لديهما "أوهام" أن حميدتي سيسمح بعودة الديمقراطية ويمكنهم من العودة للحكم، دون أن يقرؤوا تاريخ الإمارات.
أشاروا إلى أن أبو ظبي سبق أن خدعت القوى الليبرالية واليسارية التي على شاكلة "الحرية والتغيير" و"تقدم" في بلدان الربيع العربي كي تتخلص من التيار الإسلامي الأقوى ثم استدارت لتبطش بهم.
وأصدر "الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة" بيانا حول مجزرة قرية ود النورة بولاية الجزيرة وقرى ولايات دارفور في 6 يونيو/حزيران 2024، عد فيه ما يجرى نتيجة لدعم تيارات يسارية وعلمانية للدعم السريع.
البيان حمل القوى اليسارية السودانية وجماعة تحالف القوى الديمقراطية (تقدم) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك المسؤولية لدعمهم حميدتي ما شجعه على ارتكاب المذابح في حق الشعب.
الاتحاد اتهم "حركة تقدم" بأنها "تزداد كل يوم عمالة وخيانة للسودان وشعبه"، وتسارع للتقرب من واسترضاء مليشيا الدعم السريع البغاة المعتدين المحاربين الغاصبين".
وأكد أن "هذا القتل الجماعي والعدوان السافر على المواطنين العزل إنما هو بتوجيهات وتمويل ودعم من دول محددة ومفضوحة" في إشارة إلى الإمارات.
قال: "لم يعد خافياً أن ثمة خطوط دعم وإمداد مفتوحة لميليشيا الدّعم السريع من قبل أطراف دولية وإقليمية".
ورأى علماء السودان أن القتال ضد مليشيا الدعم السريع هو "جهاد دفع وهو من باب قتال البغاة الصائلين المفسدين في الأرض من غير شرط ولا استثناء ولا احتراز".
وقالوا إن هدف الدعم السريع من هذه المجزرة "الانتقام وتأديب المواطنين الذين هبوا لنصرة الجيش باسم المقاومة الشعبية، وأفشلوا مشروع اختطاف السودان والعبث بهُويته ونهب ثرواته".
إضافة لبث رسالة مفادها أن الجيش الذي انتفضتم لنصرته ودعمه لا ولن يحميكم، وخلق مبررات لإجبار الجيش على قبول المفاوضات والخضوع لمطالب القوى السياسية المتحالفة مع المليشيا.
قالوا إن ما يؤكد ذلك وجود تحركات دولية يقودها المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرنييلو لإجبار الجيش أن يجلس على طاولة التفاوض عبر منبر جدة، حيث يرفض البرهان استئناف محادثات السلام في جدة
وعقب المجزرة بيوم واحد زار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بلدة المناقل بولاية الجزيرة، وخطب في الفرقة 18 مشاة بكوستي، مؤكدا أنه ينبغي أن تتبدل لغة الكلام بالأفعال ويساند كل الشعب القوات المسلحة والمقاومة الشعبية لوقف انتهاكات الدعم السريع.
وتوعد البرهان، بمحاسبة قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، واتهمهم بالتواطؤ مع الدعم السريع في قتل السودانيين.
"لن تكون الأخيرة"
صحفيون سودانيون أكدوا لـ "الاستقلال" أن المجزرة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في قرية ود النورة بولاية الجزيرة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
أشاروا إلى أن هذه طريقة جماعة متفلته تنتهج سلوكا بربريا في القتال، وتضم قوات مرتزقة من دول إفريقية تدفع الإمارات رواتبهم بغرض السيطرة على السودان وذهبه وموارده الزراعية والمعدنية، وهو يظهر من سلوكهم تجاه السودانيين.
الصحفية "صباح موسى" أشارت إلى أن ما يشجع الدعم السريع على القيام بهذه الهجمات هو تقديم "جهات داخلية وخارجية" لمليشيا حميدتي مبررات وغطاء سياسيا لأفعالهم.
حيث يرفع هؤلاء الداعمون لحميدتي في الداخل والخارج شعارات تزعم أن الدعم السريع "يسعى لتحرير السودان وتحقيق التحول الديمقراطي".
أوضحت أن مليشيا حميدتي لا تحرر السودان ولكنها تنحر السودانيين وترتكب المجازر لدفع الشعب لترك البلاد وإلا فالموت بأيدي الدعم السريع.
لذا يزيد التفاف الشعب حول الجيش الذي مهمته الأساسية في هذه الحرب الدفاع عن الناس وتأمينهم من هذه الوحشية.
وصف الصحفي السوداني، رئيس موقع "قلب إفريقيا" الإخباري، لؤي عبد الرحمن، ما حدث في القرية بأنه "ثاني أسوأ مجزرة بعد التي شهدتها مدينة الجنينة في غرب دارفور"، مضيفا أن حالات نزوح من ود النورة لا تتوقف.
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) التابعة للأمم المتحدة في بيان أصدرته في 6 يونيو، بالتزامن مع هجرة سكان من "ود النورة" عقب المجزرة، أن أكثر من 7.1 ملايين سوداني نزحوا داخلياً في السودان منذ بداية الحرب الأهلية.
وكان لافتا أن ردود الفعل الدولية حملت الإمارات المسؤولية عما تفعله مليشيا الدعم السريع في السودان.
فعضوة مجلس النواب الأميركي "سارة جاكوبس" قالت إن “أسرع الطرق لإنهاء الحرب في السودان هو إقناع الإمارات بالتوقف عن دعم مليشيا الدعم السريع”.
وأضافت عبر منصة "إكس" أن الولايات المتحدة تحتاج إلى استخدام كل نفوذها لإجبار الإمارات على فعل ذلك.
وأوضحت أنها تقود مشروع قانون لحظر مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإمارات حتى تتوقف عن تأجيج الصراع في السودان.
وكانت "جاكوبس" تعلق على تقرير لمجلة "فورين بوليسي" في 5 يونيو، يحذر فيه مسؤول أميركي كبير في إفريقيا من أن "الحرب الأهلية في السودان يمكن أن تتحول إلى صراع إقليمي شامل أو دولة فاشلة في غياب اتفاق سلام دائم".
كما طالب وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، عبر "إكس" الدعم السريع بضرورة التوقف عن الهجمات التي تنفذها، مضيفا أن "العالم يراقب، وسيتم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم"، بحسب تعبيره.