"بوعزيزي جديد" في تونس.. دعوات شعبية تتصاعد لإسقاط قيس سعيد

"الاستبداد والظلم يحرق كل أمل في نفوس المواطن"
"بوعزيزي جديد" لقب بات يطلق على كل من يقدم على تنفيذ فعل مشابه لما فعله البائع المتجول محمد البوعزيزي بإضرامه النار في نفسه في سيدي بوزيد حتى لقي حتفه، وكان سببا في إشعال شرارة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، وإشعال ثورات الربيع.
البوعزيزي أحرق نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2010، احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الفاكهة والخضار التي كان يعيش منها، وتنديدا برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق شرطية صفعته أمام الملأ وقالت له بالفرنسية: "Dégage" أي ارحل.
وفي 7 فبراير/شباط 2025، سكب مواطن (48 سنة) بعد ظهر الجمعة، مادة حارقة على جسده وأضرم النار فيه أمام أحد مستشفيات باب سعدون بالعاصمة التونسية، مما خلّف له حروقا من الدرجة الثالثة.
ونقل إلى مستشفى الحروق ببن عروس لتلقي العلاج وحالته حرجة، ولا تزال الأسباب التي دفعته لإضرام النار في جسده مجهولة.
وجاءت واقعة المواطن عقب إقدام شاب عشريني يدعى أحمد الخلفي، على إضرام النار في جسده أمام مركز الأمن الوطني بحي الرياض بمدينة سوسة في 6 فبراير، ونقل إلى المستشفى الجامعي سهلول في حالة حرجة حتى وافته المنية. بحسب مصادر إعلامية.
فيما تحفظت السلطات التونسية على الشخص الذي وثق الحادثة، بدعوى إعانة شخص قصدا على قتل نفسه بنفسه والتحريض على إشعال النار بمبنى مأهول.
وبحسب موقع "رصد" التونسي، فإن الشاب تعرض لمظلمة فأضرم النار في جسده، مما أدى إلى احتجاجات كبيرة في حي الرياض، أحرق خلالها محتجون مركز الأمن الذي يعتقد المحتجون أنه مصدر المظلمة التي تعرض لها الشاب المتوفى.
فيما نقلت إذاعة "جوهرة إف إم" في 7 فبراير، عن شهود عيان، تأكيدهم أن أحداث شغب جدّت في حي الرياض بسوسة، حيث عمد عدد من الشبان إلى إحراق مركز الأمن.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولتها وسائل إعلام محلية صدامات أمام مقر مركز شرطة بحي الرياض بين عناصر الشرطة ومجموعة من الشباب الذين ألقوا زجاجات حارقة.
ونقلت وسائل إعلامية عن مصدر قضائي تونسي، قوله: إن الشاب العشريني أقدم على إحراق نفسه إثر خلاف مع عناصر الشرطة.
وأفاد المتحدث باسم محكمة سوسة وسام الشريف، أن الشاب البالغ من العمر 26 عاما قدم إلى مقر وحدة أمنية تابعة لمنطقة الأمن الوطني، سوسة الجنوبية، بهدف استرجاع مبلغ مالي محجوز في إطار محضر عدلي حُرّر ضده من أجل شبهة استهلاكه مواد مخدرة حسب المعطيات الأولية.
وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن الشاب غادر مركز الأمن ثم عاد بعد نحو نصف ساعة وفي غفلة من عناصر الأمن عمد إلى إضرام النار في كامل جسده قبل أن تتولى العناصر التدخل لإنقاذه
وقال الشريف: إن "مجموعة من الشباب قامت بإثارة الشغب أمام مركز الشرطة باستعمال شماريخ (أسهم نارية) وبعض الحجارة وقوارير تحتوي مواد قابلة للاشتعال وقد تم التصدي لهم وتفريقهم من قبل عناصر الأمن".
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق إضرام الشاب النار في نفسه، مرفقا بوسوم تطالب بإسقاط رئيس النظام قيس سعيد، وتدعو إلى انتفاضة شعبية تطالبه بالرحيل، مسلطين الضوء على الأوضاع المزرية التي وصلت لها البلاد في عهده.
وعدوا تصاعد حالات الانتحار وما يتبع الوقائع من خروج حشود غاضبة تعكس حجم القهر والذل وفقدان الأمل والغضب الذي يعيشه التونسيون من السلطة الحاكمة وسياساتها الفاشلة، مؤكدين أن المشاهد تعيد للأذهان بداية الثورة التي أطاحت بابن علي.
وتحت عنوان "الانتحار ومحاولات الانتحار أرقام مخيفة"، أشار المرصد التونسي لحقوق الإنسان إلى ارتفاع ظاهرة الانتحار ومحاولة الانتحار بأشكال عدة وأغلبها باعتماد سكب مادة حارقة عام 2024 وبداية 2025.
وأوضح في تدوينة كتبها رئيس المرصد مصطفى عبد الكبير، ارتفاع عدد حالات الانتحار المسجلة لأكثر من 100 حالة بين محاولة انتحار وانتحار باعتماد عدة طرق، مشيرا إلى أن فئة الشباب تعد الأكثر إقداما على هذه الظاهرة بنسبة 55 بالمئة سنة 2024 تقريبا.
وقال المرصد، إن "الأمر المفزع حقا أن نسبة الأطفال تصل إلى 20 بالمئة من جملة محاولات الانتحار أو الانتحار، علما بأن هذه الظاهرة كانت متفشية منذ سنوات عديدة لعدة أسباب".
واستحضر ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #قيس_سعيد، #ارحل #تونس، #سوسة، وغيرها قصة البوعزيزي ورأوا أن الأحداث تتكرر، معددين حالات الانتحار المشابهة التي زاد معدلها بالفترة الأخيرة.
ومن أبرز الصور المتداولة إنفوغرافيك لصحيفة "رصد تونس" عنوانه "10 مواطنين أضرموا النار في جسدهم لأسباب مختلفة في أقل من شهرين".
بوعزيزي جديد
وأعادت ليلى بنساسي، نشر الإنفوجرافيك وعلقت قائلة: "10 بوعزيزي.. التوانسة ولا حس !!!".
كما نشر المدون حسام صعيبي، الإنفوجرافيك ذاته بعنوانه "#أرقام_صادمة: 10 مواطنين أضرموا النار في جسدهم لأسباب مختلفة في أقل من شهرين منهم 4 خلال هذا الأسبوع فقط".
وعلق المغرد فارس على فيديو إحراق الشاب التونسي لنفسه قائلا: "بوعزيزي جديد قربان الحرية للشعب التونسي"، مضيفا: "شهر ربيع الحرية".
وعقب الأكاديمي داتوك أحمد عامر، على وقوع احتجاجات عارمة بمدينة سوسة بعد وفاة الشاب، متسائلا: “هل بوعزيزي من جديد؟ هل ممكن يسقط مجنون تونس؟ ”
وتساءل أحد المغردين: "هل نحن أمام بوعزيزي آخر".
اقتلاع سعيد
وإعرابا عن الغضب والاستياء من تصاعد حالات الانتحار حرقا بتونس ودعوة لإسقاط قيس سعيد، أشار فتحي مراتبي، إلى أن "بعد التلميذة التي أحرقت نفسها في المعهد وبعد الشاب الذي أحرق نفسه بسوسة، كهل يحرق نفسه بباب سعدون".
ولفتت لبنى رحومة، إلى أن "الشاب أحرق نفسه؛ لأن الشرطة أفتكت بدراجته النارية"، مؤكدة أن "الدولة لا توفر الشغل للشباب ولا تكرمه ثم تفتك وسيلة نقله".
وعدت ذلك "إهانة في حق شباب في فورة شبابه بلا شغل ولا طموح ولا دينار في جيبه".
وقال مدون آخر، إن "الاستبداد والظلم يحرق كل أمل في نفوس المواطن"، مذكرا بأن "البوليس (الشرطة) كان أداة ابن علي الأولى لقمع الشعب".
وأكد أن "البوليس لم يتم تطهيره في عشرية الحرية، بل كان التسامح والطيبة هما الغالبين في التعامل معه"، قائلا إن "اليوم عاد نفس هؤلاء لقهر الشعب وإذلاله".
وتساءل فتحي المجري: "هذه النار التي حرقت هذا الشاب كم ستحرق بعد من شاب آخر.. وكم من ثمن يجب دفعه حتى يعلم الشعب التونسي أنه لا خيار له غير اقتلاع قيس سعيد وزبانيته من الحكم في تونس.. وتحرير تونس..".
وأكد أن "الفساد والظلم ستكون نتيجته حتما أكبر من ذلك"، محذرا من أن "الشعب التونسي إن لم يتحرك فستكون الضريبة أكبر مع مرور الزمن".
ورأى عصام عمراني، أن "تونس تعيش معيشة ضنكا وشعبها غلب عليه اليأس بسبب تركه دينه وعدم تطبيق شريعة الرحمن في البلاد وانتشار الربا في المعاملات وحارب شرذمة تدريس وتعليم القرآن ونشر رحمة رب العالمين بين الناس".
وقال: "شباب يترك للمخدرات الحقيقية والفكرية تدمره، شباب يحرق هروبا ويحرق نفسه ويتحول تعبيره إلى ألفاظ نابية وعنيفة لأنه لم يجد قدوة حسنة ترشده وتعلمه، كما أنتم يولى عليكم.. من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا".
وهاجم حلمي بجاوي السلطة الحاكمة في تونس: "نظام الانقلابي الديكتاتور سعيّد أخذ تونس والتونسيين إلى المجهول.. كل يوم حالة انتحار الشعب التونسي مقهور من عودة القمع ودولة البوليس".
وبشر المغرد زيد، بـ"بداية ثورة أخرى في تونس".
تساؤلات واستفسارات
وفي تعجب واستغراب من فعل الشاب وتساؤلات عما يحدث في تونس ويدفع لإقدام التونسيين على إحراق أنفسهم، تساءلت المذيعة رانية الدريدي: ""ما الذي يدفع شابا في مقتبل العمر إلى إضرام النار في جسده، أمام مركز الشرطة؟"
كما تساءل عبدو الإدريسي: "ماذا يقع في تونس قيس سعيد؟"، مشيرا إلى أنه "في الأمس شاب قام بحرق نفسه أمام مركز الشرطة في سوسة، واليوم كهل يحرق نفسه أمام مستشفى في تونس".
ووصف ذلك بأنها "ظاهرة غريبة"، قائلا: "لا يستقيم أن يصل الأمر بالإنسان لحرق جسده نتيجة نوبة غضب عابرة.. ففي نهاية الأمر هو الخاسر".