“توحيد” خطبة الجمعة في مساجد المغرب.. توعية أم تحكم؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

انتقادات واسعة في المغرب لقرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، توحيد خطبة الجمعة، محذرين من "الأثر السلبي" للخطوة على حرية الخطباء وأيضا على طبيعة المواضيع التي يمكن لهم التطرق إليها.

وتأتي هذه الانتقادات بعد أن شرعت وزارة الأوقاف، في توحيد خطب الجمعة، ابتداء من جمعة 28 يونيو/حزيران 2024، مما أثار الكثير من التفاعلات.

وبعثت الوزارة، عبر المجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية بالمملكة)، مراسلة إلى رؤساء المجالس العلمية الجهوية، أكدت فيها أن الخطبة الموحدة الأولى تأتي في إطار "خطة تسديد التبليغ".

و"تسديد التبليغ من أجل حياة طيبة" خطة دينية أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف، وتضمنت توحيد خطبة الجمعة بهدف “إصلاحها وتجاوز الاختلالات التي تعتريها” وفق قولهما.

اقتباس تجارب

وفي تفاعله مع القرار، قال الباحث في المقاصد والعلوم الشرعية، محمد عوام، إن توحيد الخطبة لا إشكال فيه من حيث المبدأ، لكن الاختلاف يكمن في تفاصيل القرار، موضحا أن "حمل الناس على توحيد الخطبة من طنجة (شمالا) إلى الكويرة (جنوبا)، يدفع للتساؤل عن دور الخطيب".

وأوضح عوام لـ"الاستقلال"، أن "الخطيب من دوره في إعداد الخطبة أن يراعي مصالح الناس، وما ينبغي في الدعوة والإرشاد والتوجيه، وأن يجيب عن واقع الحال والواقع المعيش، المحلي أو الوطني أو على مستوى الأمة ككل، ذلك أننا لا نعيش في جزيرة معزولة، بل نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية".

ورأى الباحث في العلوم الشرعية أن "اقتباس نموذج بعض الدول التي وحدت الخطبة أمر لا يستقيم، ولا يحقق غايات ورسائل ومقاصد الخطب".

وأكد أن توحيد الخطب "سيجعل من الخطيب مجرد مردد أو قارئ لما يُكتب له، وفي هذا تنقيص للخطيب وإهانة له، وازدراء لعقول الناس".

خلفيات سياسية

وقال عوام إن الوزارة انتقلت من خطبتين أو ثلاث موحدة في السنة، إلى المذكرات التوجيهية للخطباء، وصولا إلى توحيد الخطبة الآن، وهذا يجعل البعض يتحدث عن الخلفيات السياسية للقرار.

وأردف، "كما أن توحيد الخطبة يتعارض مع تنوع جهات المملكة، بل إن أحياء المدينة الواحدة تختلف، ولذلك لابد أن تكون الخطبة الموجهة للأحياء الشعبية مختلفة عن تلك الموجهة للأحياء الراقية، لأن لكل منطقة وساكنة مشاكلها وقضاياها وما ينبغي التركيز عليه في الخطبة بما يحقق مقاصدها الإسلامية".

وخلص عوام إلى أن "توحيد الخطبة يجب أن يكون كاستثناء، خاصة بمناسبة عيد وطني أو قضية الصحراء أو قضية من قضايا الأمة، وهذا لا اعتراض عليه، لكن التوحيد التام فليس في محله وليس له من داع".

ونقل موقع "صوت مراكش" في 28 يونيو 2024، عن أحد الخطباء بالمدينة، دعوته بأن يعاد النظر في تحديد موضوع الخطبة وتوحيدها على الصعيد الوطني.

وذكر المصدر ذاته، أن الخطيب –لم يكشف عن اسمه- أوضح في مراسلة وجهها إلى الوزارة، أن "القرار فيه أولا إسقاط لوصف الخطيب، من كونه خطيبا إلى كونه قارئا فقط، وفي عُرفنا يقال للموظف الذي يوصف بالكتابة إنه كاتب فقط، على جهة هي قريبة من الازدراء، فماذا سيقال عن الخطيب القارئ، والكتابة أشرف من القراءة، فلا تكون إلا بعدها".

ومن جهة أخرى، حسب الخطيب نفسه، "فتحديد الخطبة لا يتماشى مع واقع الناس، حيث إننا نجد أن حيّين متقاربين يعيشان واقعا مختلفا، حيّ يحتاج إلى الحث على الصدقة مثلا، والآخر يفقد حسن الجوار، هذا عن حي وآخر فما بالك بالمدن؟".

ثم إن تحديد الخُطب، يؤكد الخطيب، "يُذهب حلاوة يجدها الناس بفضل كثرة المساجد ببلدنا الحبيب ولله الحمد، وهذا يُعد منقبة من مناقب بلدنا الحبيب، حيث إن الناس تدفعهم الضرورة أو الحاجة أحيانا، إلى التنويع بين الخطباء، فمرة يصلي الرجل الجمعة بمسجد حيّه ومرة بمسجد آخر، فيجد حلاوة في تغير الموضوع وتغير نبرة الصوت وطريقة الإلقاء، فكيف يجد المتلقي هذه الحلاوة بعد التحديد وعدم التصرف".

وختم الخطيب مراسلته "نتمنى أن نحفظ لوصف الخطيب وسمه ورسمه، وأن يبقى المنبر ملاذا يرجع إليه الناس في واقع قطرهم، ومستجد دائرتهم، والله الموفق".

تشكيل العقول

بدوره، قال الداعية والخطيب عبدالله نهاري، إن "هناك جهودا متواصلة من جهات متعددة لأجل إبعاد المسجد عن الأمة والمواطنين، بصفته مؤسسة لتشكيل العقول والشخصيات والأفكار والتوجهات".

ورأى نهاري في مقطع فيديو نشره بمناسبة القرار، أن ما أسمته وزارة الأوقاف بـ"التبليغ والتسديد"، و"كأن خطب الماضي لم تكن مسددة، يدفع للتساؤل إن تم الوصول إلى هذه الخلاصة بناء على دراسة علمية أم أن الأمر تتحكم فيه أهداف مشبوهة؟"، وفق تعبيره.

ورأى أن "في هذا ضرب لوظيفة شرعية عظيمة، هي وظيفة الخطيب الذي يخطب في الناس، وفي هذا إهانة للخطيب، بعد أن يصبح مجرد قارئ لا غير".

ونبه نهاري إلى أن "لكل حد مشاكله، والخطيب يراعي هذا ويبني خطبته على هذا الأساس، ويعالج مختلف المشاكل والإشكالات والقضايا التي تواجه الساكنة المحلية التي يستهدفها أو يتوجه إليها بالخطبة".

وعليه، يتساءل، "أين روح الخطيب حين يخطب بما لم يكتب؟"، ليردف بالقول، “الخطبة ليست كلمة، بل هي موقف لتعليم الناس ودعوتهم وحشد طاقات الأمة في اتجاه محاربة منكر أو نشر خير”.

وذكر نهاري أن توحيد الموضوع “يذهب حلاوة الخطب ورونقها وجمالها، لأن الضرورة تحتم تنويع الخطب، لا أن يتلقاها الناس ويتناقلونها عبر الهواتف”.

وقال إن “في هذا القرار عزل للمسجد والخطبة عن هموم الناس وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، واصفا هذا الأمر بأنه “مطلب ومسعى العلمانيين، أي الهدم المعنوي للمسجد، وإبعاد الناس عن المساجد”.

والتمس نهاري من المجلس العلمي الأعلى أن "يتم مراجعة هذا الأمر، وأن يستشير العلماء، وأن يترك الحرية للخطباء"، مشددا على أن "هذا المسار غير صائب ولا صحيح، وأن عواقبه سيئة".

تفاعلات واسعة

قرار وزارة الأوقاف أنتج تفاعلات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن مختلف الفئات والتخصصات بالبلاد.

وفي هذا الصدد، قال الداعية الحسن بن على الكتاني، عبر فيسبوك في 26 يونيو 2024، إن "توحيد خطبة الجمعة هو قتل لدور الإمام وتدمير لدور المسجد تماما".

بدوره، كتب الإعلامي كمال عصامي، "كان الناس ينتظرون توحيد الصيام، ولكن المفاجأة الكبرى وحدوا خطبة الجمعة".

وأضاف عبر حسابه على فيسبوك في 26 يونيو: "تخيل أننا سنسمع خطبة جماعية، خاصة إن كانت المساجد متقاربة، سيتم توحيد مكبرات الصوت، لنسمع خطبة بقراءة جماعية.. المهم هو التوحيد".

أما الكاتب الصحفي والبرلماني السابق محمد عصام، فكتب بعد استماعه للخطبة، في 28 يونيو، "أنا متذمر.. إن استمرت خطبة الجمعة بهذا النهج، فمن الأفضل أن تقدم لرجال السلطة لقراءتها أو أن يبعثوا لنا بها عبر واتساب".

أما الناشط السياسي محمد جعدي، فكتب عبر فيسبوك، 28 يونيو 2024، "توحيد خطب الجمعة قتل للإبداع المنبري وتنميط للمصلي المغربي".

من جانبه، نقل الناشط عبد العالي هبران، تعليقات بعض المصلين بعد صلاة الجمعة، والذين قالوا إن "الخطيب لم يكن راضيا البتة على الشكل الجديد للخطب... لم يكن متحمسا كعادته.. لم يكن يخاطب الناس بقلبه...".

وأضاف "بعضهم قال أيضا: الخطيب لم يكن يحس أنه يعتلي المنبر نيابة عن الرسول الأكرم.. لم يكن حريصا على تبليغ خطة تسديد التبليغ.. كان لامباليا وهو يقرأ الخطبة بحنق شديد.".

من جانبه، قال الناشط السياسي المرتضى إعمراشا، إن "هذا التوجه يُقيّد من قدرة الخطباء على الاستجابة للقضايا المحلية والتحديات الفريدة لكل مجتمع، فالفقه الإسلامي يشدد على أهمية تأمل الظروف الاجتماعية المحلية وتغييراتها عند تبيان الأحكام الدينية، وهذا الجانب يغيب في حال تبني خطبة موحدة".

ورأى إعمراشا في مقال رأي نشره عبر موقع "حوار بلس" المحلي في 29 يونيو، أن "تعميم الخطبة الموحدة يمثل تقييدا للصلاحيات المحلية، ويمكن أن يكون خطوة نحو ترسيخ سلطة مركزية تسيطر على مضمون خطب الجمعة في جميع أرجاء المملكة، متجاهلة الاختلافات والاحتياجات المحلية المتنوعة".

وشدد على أنه "يجب النظر في خيارات بديلة تعزز دور المجالس العلمية المحلية بدلا من التفكير بإلغائها أو تقليص دورها، بحيث يكون لها دور فعال في تحديد مضامين الخطب بناء على الواقع المحلي والاحتياجات المجتمعية".

واسترسل: "كما يمكن تحديث التوجيهات العامة التي تُقدم للخطباء بدلا من فرض خطب موحدة، مما يسمح لهم بالابتكار في تناول القضايا بأساليب متنوعة ويعزز من قدرتهم على التفاعل مع الجمهور بشكل فعال".

وخلص إعمراشا إلى أن "خطوة تعميم الخطبة الموحدة يجب أن تكون موضع نقاش عام وشامل، يشمل أصحاب المصلحة والمجتمع المدني والعلماء".