قمة دبي للمناخ.. لماذا لم تناقش إبادة غزة بآلاف الأطنان من المتفجرات؟
رغم أن المناخ الإنساني ملوث بجرائم إسرائيل ومن يشجعها ويساندها، استضافت مدينة دبي الإماراتية قمة المناخ (كوب 28) لمناقشة قضايا روتينية واستقبلت وفدا إسرائيليا كبيرا، دون أن يناقش المجتمعون آثار تدمير غزة على المناخ.
واجتمع أكثر من 180 من رؤساء الدول والحكومات في الإمارات لبحث قضايا المناخ فقط، وتبادل الضحكات، دون أن يهتموا بتعرض أكثر من مليوني فلسطيني للإبادة في غزة.
وألقت الجرائم الإسرائيلية في غزة بظلالها على مؤتمر مناخ الأمم المتحدة، لكن استغلته إسرائيل في الترويج للأكاذيب حول العدوان، فيما تجنب المؤتمر مناقشة الإبادة ولو من زاوية آثارها على المناخ.
مناخ سام
رغم دعوة قادة الدول، للعمل على احتواء آثار تغير المناخ، وحديثهم عن عوامل تلوث الهواء، لم يربطوا بين تدهوره وبين ما يجرى في غزة بفعل أطنان الذخائر والفوسفور واليورانيوم المُنضب التي يلقيها الاحتلال على الأبرياء.
أزعجهم استهلاك الوقود الأحفوري والبلاستيك، أكثر من إلقاء أطنان القنابل والصواريخ والفوسفور الأبيض والأسلحة المُحرمة التي تقتل المناخ، على الأبرياء في غزة.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خرج من اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي بعدما أعطي لهم الضوء الأخضر لاستئناف تدمير غزة وتجويع أهلها، إلى دبي ليقول في كلمته إن "أزمة الغذاء تشكل تحديًّا للعالم مع تناقص المحاصيل".
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي قال قبل قمة دبي بساعات إن شعب غزة "يعيش ظروفا صحية مفزعة" ويشرب مياها ملوثة وحذر من انتشار أمراض وبائية، اكتفى بمطالبة بالدول بإنقاذ الكوكب من "الوقود الأحفوري".
انعقاد قمة المناخ في ظل مذابح غزة كشف حالة الازدواجية التي يعيشها النظام العالمي. إذ استقبلوا رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ الذي تذبح دولته أطفال غزة بقذائف أميركية، لكنهم تناولوا بدلا من ذلك، ضرورة حماية العالم من التلوث.
قادة العالم مجتمعون في الإمارات لإنقاذ كوكب الأرض والحفاظ على حياة البشر ‼️
ويخطب فيهم شيطانهم و يتباكون لنفوق فقمة /دب قطبي في أقاصي الأرض ‼️ وفي الجوار أصوات القذائف وسحابات الدخان السام تتصاعد وأكثر من مليوني إنسان يتعرضون للابادة الجماعية ‼️
#مؤتمر_المناخ#غزة_الآن pic.twitter.com/lq5rD23oBS— Mutaz M. ALMasloukhi (@MutazALMaslokhi) December 1, 2023
دفع هذا ناشطين للسخرية من قادة الغرب والعرب المجتمعين لبحث قضايا روتينية دون النظر لما يجري من إبادة. ودعا بعضهم لإبلاغهم أن سلاحف على شواطئ غزة تعاني أو عصافير تختنق، لعلهم يتحركون.
خبروا جماعة قمة المناخ في الإمارات عن سلاحف على شواطىء غزة تعاني.. أو عصافير تختنق..
قد يوقفون الحرب من أجلها!— Dima Khatib (@Dima_Khatib) December 1, 2023
في الوقت نفسه، كرر حلفاء إسرائيل، مثل رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، الجملة القائلة بأن إسرائيل "لها الحق في الدفاع عن نفسها" للهروب من مناقشة آثار جرائم الاحتلال في غزة.
وتطرق بعض قادة العالم في كلماتهم إلى العدوان الجاري على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن الغالبية تجاهلت ذلك كلياً، وركزت فقط على أمور مناخية.
قادة العالم لم يناقشوا أخطر مسألة تتعلق بزيادة تدهور المناخ وهي الأسلحة التي استخدمت في حرب الإبادة.
أطنان متفجرات
المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أكد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن الجيش الإسرائيلي ألقى 40 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.
كما أكدت وزارة الصحة في غزة أن قوات الاحتلال تستخدم قذائف من النوع المحرم دوليًا، مؤكدة أن الشظايا تخترق الجسم وتحدث انفجارات بداخله، وحروقًا فظيعة تؤدي لإذابة جلود المصابين بها وتسممًا في الجسم وتؤدي إلى الموت.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكد في الثاني من نوفمبر 2023 أن إسرائيل أسقطت ما يعادل قنبلتين نوويتين (أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات).
وهو ما يعني أن ما جرى إسقاطه حتى نهاية نوفمبر 2023 يعادل قرابة 4 قنابل نووية من نوع ما ألقي على هيروشيما.
لم تكتف حكومة الولايات المتحدة بما قدمته من أسلحة محرمة تقتل المناخ والبشر لإسرائيل لمحو غزة من الخريطة، ولكن سلمتها أيضا 100 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الوحدة 2000 رطل متفجرات، لتبدأ بها المرحلة الثانية من عدوانها.
صحيفة "وول ستريت جورنال" أكدت مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023 أن الولايات المتحدة زودت إسرائيل أيضا بـ 15 ألف قنبلة، و57 ألف قذيفة مدفعية وقنابل ثقيلة أخرى لتسقطها على سكان غزة وتقتل الأخضر واليابس، غير مكتفية بقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني حتى الآن.
الإنفاق العسكري ومبيعات الأسلحة، لم يأت على جدول الأعمال الرسمي رغم تأثيرهما العميق والدائم على القدرة على معالجة أزمة المناخ.
وسبق أن سلط تقرير، صادر عن معهد "تي إن أي" ومركز وقف تجارة الأسلحة "ستوب وابنهاديل" الهولندي، وجمعية العدالة الاجتماعية "تيبينج بوينت نورث ساوث" البريطانية، 14 نوفمبر 2022 الضوء على خطورة السلاح على المناخ.
أكد أن الزيادة المطردة في استخدام الأسلحة والمتفجرات تضيف الوقود إلى حرائق المناخ، وتؤجج العنف والصراع، وتزيد من معاناة تلك المجتمعات الأكثر عرضة للانهيار المناخي.
الأمر ذاته أكدته دراسة لـ "مرصد الصراع والبيئة" Conflict and Environment Observatory في 10 نوفمبر 2022، مؤكدة أن جيوش العالم مسؤولة عن تلوث البيئة أكثر من غيرها، وعن 5.5 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية.
وبسبب هذه القنابل والصواريخ، لوثت تل أبيب مياه بحر غزة بسبب تضرر شبكات الصرف الصحي نتيجة القصف المتواصل، كما يقول صحفيون فلسطينيون.
أخبروا المجتمعين في #مؤتمر_المناخ أن دولة الصهيوني المزعومة الذي تستضيفونه الآن لوثّت مياه بحر غزة بسبب تضرر شبكات الصرف الصحي نتيجة القصف المتواصل. pic.twitter.com/99VMu216rt
— أدهم أبو سلمية ���� Adham Abu Selmiya (@adham922) December 1, 2023
وحرمت دولة الاحتلال مواطني القطاع مما نسبته 97 بالمئة من المياه الصالحة للشرب، وباتوا يشربون الآن مياها لا تصلح حتى لري المزروعات، بحسب تحذيرات منظمات دولية.
وأكدت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارجريت هاريس، في 28 نوفمبر 2023 أن عددا أكبر من سكان غزة معرض للموت بسبب الأمراض أكثر من القصف، لأسباب مناخية مثل تضرر النظام الصحي وزيادة الأمراض المعدية.
ذكرت في إفادة صحفية بمقر الأمم المتحدة في جنيف: "في نهاية المطاف، سنرى عددا أكبر من الناس يموتون بسبب الأمراض أكثر حتى من القصف إذا لم نتمكن (معا) من إعادة بناء هذا النظام الصحي"، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية.
لكن قادة العالم حين اجتمعوا في دبي، تحدثوا عن الاهتمام بالسيارات الفارهة التي تسير بالكهرباء بدل البنزين وضرورة خفض استعمال الوقود الأحفوري.
انتقادات خجولة
ركز أغلب القادة الذين شاركوا في قمة مؤتمر المناخ (كوب 28) بالإمارات على قضايا المناخ نائين بالقمة عن موضوع العدوان على غزة.
لكن بعض زعماء العالم انتهكوا اتفاقا غير معلن بالابتعاد عن السياسة في قمم الأمم المتحدة للمناخ، وانتقدوا القصف الإسرائيلي لغزة،، وفق وكالة "رويترز" مطلع ديسمبر 2023.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا اتهما إسرائيل، في كلمتيهما بالقمة، بارتكاب جرائم حرب في غزة، ووصف الأخير ما يجرى بأنه "جريمة حرب يجب أن تنتهي الآن".
وقالت أمينة أردوغان عقيلة الرئيس التركي في ملتقى "سفراء المناخ الشباب" بدبي مطلع ديسمبر 2023: "ليس من حقنا أن نترك للأجيال القادمة عالما ملوثا بالإبادة الجماعية" في غزة
وكان الوحيد الذي ربط موضوع الحرب على غزة بـ "التهديد البيئي"، هو ملك الأردن عبد الله الثاني.
وقال في كلمته بالقمة: "لا يمكن الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية التي نراها حولنا".
وأردف: "في هذه الأثناء التي نتحدث فيها، يعيش السكان في غزة على كميات ضئيلة من المياه النظيفة، والحد الأدنى من الغذاء، وتزيد التهديدات المناخية من فظاعة مآسي الحرب".
وقد حاول ناشطون من المجتمع المدني من دول مختلفة لفت الأنظار لمجازر غزة وآثارها على المناخ.
وهتف متظاهرون في المؤتمر: "فلسطين حرة"، وارتدى بعضهم قمصانا كتب عليها "وقف إطلاق النار"، وارتدى آخرون الكوفية الفلسطينية التقليدية، وجرى عرض معرض لآلاف القتلى في غزة، وفق "وكالة أسوشيتد برس" 3 ديسمبر 2023.
مشهد قمة المناخ في نفس اليوم اللي فيه سماء غزة سودة في عز الضهر بفعل القصف الإسرائيلي والوسائط البيئية مشبعة بالفوسفور الأبيض ومياه غير صالحة للشرب يتناولها الأطفال على بعد كام كيلو من السادة المجتمعين في دبي هو مشهد يذكر الجميع بحتمية إعادة النظر في كل ما يمثله هذا العالم
— أحمد أمين (@Ahmed_Ameen_) December 1, 2023
موقع "بوليتيكو" الأميركي أكد مطلع ديسمبر 2023 أنه رغم محاولة تجاهل غزة في يوم افتتاح المؤتمر 30 نوفمبر 2023، فقد "وصلت الحرب في غزة إلى قمة الأمم المتحدة للمناخ في اليوم الثاني للمؤتمر.
أوضح أن الدبلوماسية الجانبية الغاضبة واللوم الصريح للعنف والمقاطعة الإيرانية أدت إلى دفع ظاهرة الاحتباس الحراري جانباً".
مراسلو الموقع في دبي أشاروا إلى أن محادثات المناخ التي تجريها الأمم المتحدة غالبا ما تتطرق إلى "أحداث خارجية".
ففي مؤتمر شرم الشيخ بمصر عام 2022 دار حديث موسع حول الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، لكنهم في دبي حاولوا التركيز المناخ فقط.