قبل المراجعة الأممية.. هكذا يحاول نظام السيسي تلميع صورة "صيدنايا مصر"

إسماعيل يوسف | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

استعدادا للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، في الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني 2025، وبالتزامن مع حالة قلق من تداعيات انتصار الثورة السورية على مصر، بدأ نظام عبد الفتاح السيسي إجراءات للرد على اتهامات بأن سجونه خاصة “بدر” مثل سجن "صيدنايا" سيئ السمعة في سوريا.

ونشطت دوائر حكومية في تجهيز ردود وملفات استعدادا للاستعراض الدوري أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان، بهدف تسويق خطوات محدودة اتخذتها مصر ردا على أكثر من 200 توصية خلال المراجعة الأخيرة عام 2019، لتحسين سجلها الحقوقي.

وأعلنت السلطات المصرية عن زيارات حقوقية لبعض السجون، وإشادات وهمية بـ"التجربة المصرية الرائدة في إصلاح وتأهيل النزلاء"، كما نظمت البعثة المصرية الدائمة في جنيف لقاءات مع منظمات دولية لشرح بعض "الإنجازات" مثل تعديل قانوني الإجراءات الجنائية وتنظيم السجون. 

وبالمقابل، قدمت منظمات حقوقية مصرية مستقلة تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة، رصدت فيها 35 انتهاكا داخل السجون، وسط تقديرات تشير لأن عدد المعتقلين في مصر 60-80 ألفا.

وبدأ نشطاء سياسيون يتحدثون عن معتقلات "صيدنايا مصر"، خاصة "بدر" و"العازولي" العسكري وما بهما من انتهاكات تنتهي بمقتل معتقلين، ومنع الزيارة عن سياسيين من الإخوان منذ 8 سنوات وتغييبهم عن العالم.

ويعد "الاستعراض الدوري الشامل" من أهم الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان غير أنه ليس لديه سلطة على إجبار أي دولة على تنفيذ توصياتها، لكنه يظل سيفا مسلطا على رقاب الدول يفضح انتهاكاتها لحقوق الإنسان أمام العالم.

إلا أنه في حال قبلت الدولة التوصيات الموجهة إليها بشكل كامل فإن ذلك يحول "التوصية" إلى "تعهد"، ليصبح هناك واجب حقوقي وأخلاقي على الدولة كي تنفذ ما قبلت به من توصيات، ما يعزز التعاون بينها وبين المجلس الدولي لحقوق الإنسان.

تجربة “رائدة”

ضمن الخطوات الحكومية لنفي وجود انتهاكات في السجون على غرار "صيدنايا سوريا"، نظمت وزارة الداخلية زيارة يوم 10 ديسمبر 2024 لوفد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ومنظمات حقوقية، موالين لها، لمجمع سجون بدر، الذي تم تشييده ليكون بديلا لسجن "العقرب" سيئ السمعة، ولا يختلف عنه.

وبحسب بيان "الداخلية"، استهدفت الزيارة "الاطلاع على التجربة المصرية الرائدة في إصلاح وتأهيل النزلاء"، وتضمنت إشادة الوفد البرلماني الحقوقي بنجاحها في تنفيذ "سياسة عقابية حديثة" تقوم على تقديم الدعم والرعاية وتعزيز حقوق الإنسان.

لكن البيان لم يتطرق لتدهور أوضاع الاحتجاز في السجن، والتي سبق أن أشار لها حقوقيون ومحامون.

وجاءت الزيارة، بعد نحو أربعة أشهر من إعراب منظمات حقوقية عن قلقها من تدهور أوضاع الاحتجاز داخل مجمع سجون بدر، وإضراب معتقلين فيه عن الطعام، ومحاولات انتحار، ووفاة أكثر من مسجون، وتكشف فظائع سجون بشار الأسد (صيدنايا) وتشبيه سجن "بدر" المصري به.

وجاءت الزيارة بمناسبة "اليوم العالمي لحقوق الإنسان"، لكن الذكرى حلت وسط انتقادات واسعة للحكومة المصرية بشأن الانتهاكات التي تشهدها البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة على الرغم من مرور 3 سنوات على إطلاق السلطات ما يسمى "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، و"لجنة العفو الرئاسي".

أيضا نظمت البعثة المصرية الدائمة في جنيف، بحضور مسؤولين حكوميين، يوم 13 ديسمبر 2024، لقاء مع عدد المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وبعثات الدول المشاركة في المراجعة الدورية الشاملة، لتسليط الضوء على "التجربة المصرية" في مجالي الحقوق المدنية والسياسية.

وركز وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي "محمود فوزي" على الترويج لتعديلات مصر في قانون الإجراءات الجنائية، المتوقع تمريره قريبا رغم انتقادات حقوقية له، وتقليص الحبس الاحتياطي، وتوسيع نطاق تطبيق بدائله.

كما روج الوزير لـ "الحوار الوطني"، وتعديلات قانون تنظيم السجون، وقانون الجنسية المصرية الذي يضمن المساواة بين الجنسين، وقانون لجوء الأجانب الذي أقره البرلمان، رغم أنها قوانين انتقدتها المنظمات الحقوقية المصرية.

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بتقريرها الرابع أمام "آلية المراجعة الدورية الشاملة" التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وفي التقرير الرابع، عدّدت مصر "إنجازاتها" في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، وأكدت "هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة".

وتشير تقارير صحفية إلى أن الضغط التي سببته تقارير المنظمات الحقوقية والمؤسسات الأممية على الحكومة المصرية، وفضح ممارساتها القمعية، دفع مصر إلى اعتماد المناورات واتخاذ المبادرات والإستراتيجيات وإنشاء السجون الجديدة؛ كي تقول إنها بالفعل تراعي ملفات حقوق الإنسان، وتسعى إلى تحسين أوضاع المواطنين في مصر.

35 انتهاكا حقوقيا

مقابل محاولات النظام في مصر تلميع صورته قبل المراجعة السنوية وعقب الانتقادات وتشبيه سجون مصر بمسالخ سوريا، قدمت منظمات حقوقية مصرية تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة.

وأبدت المنظمات قلقها للأمم المتحدة من تدهور أوضاع الاحتجاز داخل مجمع سجون "بدر"، ما دفع سجناء للإضراب عن الطعام، وجرت محاولات انتحار، ووفاة معتقلين، وسط اتهامان بأن سجن "بدر" لا يختلف عن "صيدنايا" الذي تكشفت داخله فظائع لنظام بشار الأسد في سوريا.

حيث قدمت 10 منظمات حقوقية مصرية تقريرا مشتركا للأمم المتحدة، مبكرا في أغسطس 2024، ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، يؤكد استمرار وتفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر منذ جلسة الاستعراض الماضي في نوفمبر 2019.

ذكرت أنه "من المؤسف أنه لا يوجد أي تحسن ملموس في هذا الصدد، بل على العكس تتصاعد حدة الانتهاكات الحقوقية وفق إستراتيجية ممنهجة تشارك فيها مؤسسات الدولة كافة، مما أدى لتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمصريين".

ورصدت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمنشور على موقعها 10 ديسمبر 2024، عدد 35 انتهاكا وملحوظة على وضع حقوق الإنسان في مصر.

وفي ملف العدالة، أشارت المبادرة إلى طول مدد الحبس الاحتياطي كعقاب أو ردع للمعارضة، وتدوير المفرج عنهم في قضايا أخرى، لافتة إلى سوء الأوضاع في السجون.

وأشارت إلى أن افتتاح سجون جديدة مثل "مجمع بدر" لم يحسن من ظروف احتجاز السجناء، وبعضهم اشتكى من انتهاك خصوصيتهم عبر مراقبتهم في زنازينهم بالكاميرات على مدار الساعة، وحرمانهم من النوم.

وتضمن التقرير الانتهاكات التي شهدتها مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، مثل تزايد الاعتقالات، على نحو فاق العدد المفرج عنهم، واعتقال أي مصري وحتى مستخدمين عاديين للسوشيال ميديا، وتعذيبه بحجة كتابة آراء معارضة.

وأشارت لتدوير المعتقلين في قضايا جديدة، وحصار الحقوق والحريات المدنية للمصريين والانتقاص منها، عبر قانون تنظيم التظاهر الذي يحظر الاحتجاج السلمي، وقانوني "مكافحة الجريمة الإلكترونية" و"الإرهاب" المستخدمين في حصار حرية التعبير وتجريم ممارستها، وحجب 600 موقع إلكتروني.

كما تناول التقرير استحداث قوانين تضمن إغلاق فرص المشاركة في الحياة السياسية على عموم المصريين كقانون الأحزاب السياسية الذي يضع قيودًا واسعة النطاق على الحق في تشكيل الأحزاب وممارسة العمل السياسي، والسماح لأجهزة الأمن بمحاصرة عمل الأحزاب والنقابات.

ورصد التدهور الذي طال الحقوق الأساسية للمواطنين فيما يتصل بالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والحصول على السلع والخدمات الضرورية للحياة كالماء والكهرباء والطاقة، وتآكل الدعم، وتوسع الدولة في "تسليع تلك الخدمات الأساسية".

وأشار التقرير إلى وقوع 3 من بين كل 10 مصريين تحت خط الفقر، بينما وقف ربع المصريين على حافته، وفقا لأحدث الإحصاءات الرسمية المصرية المنشورة حتى عام 2019

لم يروا أسرهم منذ 8 سنوات

وكان الناشط السياسي والمعتقل السابق أحمد دومة كشف في تغريدة نشرها بعض الانتهاكات التي عاشها في سجون نظام السيسي وقال "إنها تحاكي سجون الأسد"، وخاصة سجن "بدر".

قال، "بمناسبة الرعب في سجون الأسد" تفاصيل عن منع الزيارات عن كبار قادة الإخوان لحد أنهم لا يعرفون أن بعض أبنائهم تزوج أو أصبح لهم أحفاد.

وسخر قائلا "ده في سجن بدر اللي الداخلية كانت ناشره صور الرخاء والدلع اللي فيه من كام يوم، واللي الدولة بتباهي به باعتباره جزءا من الانفراجة الحقوقية في البلد".

ووصف ما يحدث في معتقل بدر بأنه "أشبه بمعسكرات الاعتقال وقت الحرب العالمية لمنهجية وبشاعة الإجرام الذي فيه، وكنت واحدا منهم".

وكشف "دومة" أن معتقلي الإخوان "الأكثر أهمية أو خطورة بتصنيف السلطة"، ومنهم الدكتور محمد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق، والدكتور محمود عزت والدكتور محمد وهدان وحازم أبو إسماعيل والدكتور أحمد عبد العاطي وآخرون"، يتعرضون لانتهاكات وعزلهم عن العالم منذ 8 سنوات، حتى إن أغلبهم لا يعرف أن لهم أحفادا.

واشتكت أسر قادة الإخوان، ومعتقلين آخرين من منعهم من رؤيتهم منذ 8 سنوات، حتى إن رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور محمد الكتاتني لا يعلم أن له أحفادا، ولا يعلم آخرون أن بناتهم تزوجن أو أنجبن، وتوفي بعض أقاربهم.

وكتبت زوجة وزير التموين السابق المعتقل "باسم عودة" عبر حسابها على فيس بوك تقول: "7 سنوات لم أرَ وجه زوجي، حسبنا الله ونعم الوكيل".

وعقب انهيار نظام الأسد وكشف الجرائم التي في السجون خاصة سجن صيدنايا، قال نشطاء مصريون أن سجن "بدر" الذي حل محل "العقرب" هو "صيدنايا مصر".

بين مراجعتي 2019 و2024

وكان الاستعراض الأخير للملف المصري في حقوق الإنسان، في 2019، تضمن ما يزيد على 19 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة في أماكن الاحتجاز.

حيث تلقت الحكومة 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بعدم المحاكمات العادلة والمنصفة.

ورفضت مصر 87 توصية أخرى ارتبط بعضها بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، كما رفضت 11 توصية بالإفراج عن معتقلي الرأي وضمان حقهم في محاكمة عادلة.

ويقول مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "حسام بهجت" إن الحكومة لن تتمكن هذه المرة من عزف المعزوفة المعتادة في المرات السابقة الخاصة بـ "انظروا إلى سجلي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولا تنظروا فقط إلى الحقوق المدنية والسياسية".

قال في تصريحات صحفية وتغريدات عبر مواقع التواصل إنه حتى محاولة السلطة بطلب مراجعة "إنجازاتها" الاقتصادية ستفشل، لأن المراجعة ستشمل "سنوات الإفقار التي شهدت اتخاذ إجراءات متتالية وسياسات متعمدة أدت إلى إفقار غير مسبوق لغالبية الشعب المصري".

“والارتفاع غير مسبوق ليس فقط في معدلات الفقر وإنما في معدلات اللامساواة في الدخل والأجور والحقوق الاقتصادية”.

وأوضح أن المراجعة ستكشف أن سجل النظام في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية شهد تدهورًا لا يقل عن التدهور الرهيب الذي شهدته الحقوق المدنية والسياسية "لأن الحقيقة الأرقام مفزعة".