نتائج صفرية.. كيف كشف "أولمبياد باريس" فساد مسؤولين بالمغرب؟
غضب شعبي في المغرب بعد "نتائج صفرية" في عشرات الرياضات بـ"أولمبياد باريس 2024"، وانتقاد للسياسة الرياضية التي أنتجت حصيلة كارثية مخجلة.
هذه النتائج كشفت أيضا عن مسؤولين "استوطنوا" في رئاسات اتحادات رياضية لسنوات طويلة، بـ"صفر" إنجاز أولمبي ودون أية محاسبة.
مسؤوليات بلا إنجازات
وشارك المغرب، في الأولمبياد الذي انطلق في 26 يوليو/ تموز واختتم في 11 أغسطس/ آب 2023، بلائحة تضم 60 رياضيا في 19 رياضية بين فردية وجماعية.
ومن الرياضات التي شارك فيها المغرب بباريس دون نتائج، ألعاب التجديف والكرة الطائرة الشاطئية والملاكمة والدراجات والغولف والجودو والمصارعة والسباحة والفروسية.
واكتفى بذهبية العداء سفيان البقالي للمرة الثانية على التوالي في سباق 3 آلاف متر موانع، وبرونزية لـ"أشبال الأطلس" في منافسات كرة القدم في إنجاز هو الأول مغربيا وعربيا.
بعد ذلك، أثارت هذه النتائج حنق المتابعين وانتقادات للمسؤولين جراء فشلهم في صناعة أبطال لتشريف الرياضة في المحافل الدولية.
وشارك ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أسماء رؤساء اتحادات رياضية استمروا في مناصبهم لسنوات والاستفادة من ميزانيات ضخمة دون نتائج تذكر.
ومن بين الأسماء، كمال لحلو، 37 عاما على رأس الجامعة الملكية لرفع الأثقال، والحصيلة صفر إنجاز رياضي دولي.
جواد بلحاج، رئيس الجامعة الملكية للملاكمة منذ عام 2002، حيث أمضى 22 عاما في هذا المنصب.
خلال هذه الفترة الطويلة، وعلى مدار خمس مشاركات أولمبية، لم ينجح المغرب سوى في حصد برونزية يتيمة عن طريق الملاكم محمد ربيعي.
فيصل العرايشي، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب منذ 2009، آخر دورة أولمبية شارك فيها المغرب كانت في أثينا عام 2004 وغاب بعدها عن كل الدورات اللاحقة، وآخرها باريس أيضا.
والعرايشي، هو أيضا رئيس اللجنة الأولمبية المغربية منذ عشر سنوات، ويتهم بتحمل مسؤولية تراجع الرياضة الوطنية، حيث أن مهمته هذه لم تنعكس إيجابيا على النتائج.
رئيس الجامعة الملكية للدراجات، محمد بلماحي، منذ عام 2008.. وبعد أكثر من 16 عاما، صفر إنجاز أولمبي.
إدريس الهلالي، 22 سنة على رأس الجامعة الملكية للتايكواندو، وصفر ميدالية أولمبية.
شفيق الكتاني يرأس الجامعة الملكية المغربية للجودو وفنون الحرب المشابهة منذ ثلاث ولايات كاملات.
فؤاد مسكوت، 14 عاما رئيسا للجامعة الملكية للمصارعة.
رئيس الجامعة الملكية للسباحة، إدريس حاسا، منذ أكثر من 12 عاما، دون أي إنجاز دولي أو أولمبي.
عبد الصادق بيطار.. 8 سنوات رئيسا لجامعة الجمباز، فيما لم يسبق له تأهيل أي رياضي للأولمبياد.
إخفاق مستمر
وقال الإعلامي إسماعيل عزام، إن “الأولمبياد كشف حقيقة رياضتنا، وزيف كل ما يقال عن نجاعة السياسات العمومية في الرياضة”.
وأضاف عزام في تدوينة عبر فيسبوك في 12 أغسطس، "ميدالية ذهبية بمجهود فردي لسفيان البقالي والدليل أن بقية المشاركين في ألعاب القوى لم يحققوا شيئا، رغم أن المغرب تاريخيا جلّ ما حققه في الأولمبياد كان في هذه الألعاب".
وتابع: "ميدالية نحاسية بمنتخب جل عناصره ولدوا وتكوّنوا في الخارج، وعدد منهم لم يلعبوا مع بعض إلّا مباراة إعدادية واحدة قبل الألعاب".
ولفت عزام إلى أن "النتيجة هي أن المغرب يحتل المركز 60 في الترتيب النهائي، والأخير في شمال إفريقيا، والمركز التاسع إفريقيا، بل إن دولة كناميبيا، أفضل منا في الترتيب".
وشدد على أن "هذا الإخفاق مستمر، فرغم كل الاحتفالات بما حققه بعض العدائين المغاربة تاريخيا، وكثرة تطبيل المعلقين العرب الباحثين عن استمالة الجماهير خصوصا مع انتشار عقدة النقص والبحث الدائم عن مدح الآخر لنا، فعداؤونا ربحوا تاريخيا ثماني ميداليات ذهبية فقط".
واستطرد: "تخيل أن دولة كأوزبكستان حققت هذا الرقم فقط خلال هذه النسخة من الأولمبياد لوحدها".
وقال عزام: "المفروض أن تجرى محاسبة مسؤولي الجامعات وكل قطاعات الدولة المهتمة بالرياضة على سبب هذا الإخفاق، ولكن يجرى تنويم الجمهور بالمبالغة في الركوب على إنجاز البقالي وإنجاز شباب مبدعين أغلبهم تكوّن في الخارج ولم يصرف عليهم (رئيس اتحاد الكرة، فوزي) لقجع درهما إلا بعدما حملوا القميص المغربي".
وتابع: "في النهاية، بعض الكلام الصريح الذي يؤلم، أفضل من الكلام المنمق الغارق في المديح".
من جانبه، رأى الخبير الرياضي، عزيز بلبودالي، أن "بناء إستراتيجية رياضية جديدة حل ضروري في الظرفية الحالية، حيث تغيب هذه السياسة، رغم التطور الكبير الذي يعرفه المغرب".
وأضاف بلبودالي، لموقع "هسبريس" المحلي في 6 أغسطس 2024، أن بناء هذه السياسة يبدأ أولا بـ"ضخ أسماء شبابية على رأس الجامعات، والقطع مع تكرار نفس الأسماء التي عاينت الخيبات في المنافسات الدولية".
واستطرد بأن "بعض المسؤولين عمروا لما يزيد على عشرين سنة في مناصب المسؤولية، والشارع المغربي يشكرهم على تحمل المسؤولية طيلة هذا الوقت؛ لكن الوقت حان ليأخذ الشباب دورهم أيضا".
ورأى بلبودالي أن "هذه النتائج لم تعد مقبولة في المغرب الحالي، الذي وضع استثمارات ضخمة في المجال الرياضي، ويمتلك مؤهلات علمية رياضية مشهود لها، مقابل تحقيق دول ليست لها الإمكانيات نفسها ميداليات في هذه الأيام".
وتابع: "هذه النتائج تضعنا أمام سؤال حول استمرار بعض الوجوه في تسيير بعض الجامعات الرياضية، وكأن المملكة ليست بها كفاءات رياضية علمية"، مؤكدا أن "هذه النتائج المحققة، التي تشبه النسخ الماضية، تبين أن التسيير العشوائي مستمر، ويغيب استحضار المجال العلمي الدقيق لإعداد وتكوين الرياضيين".
ضرورة المحاسبة
من جهته، أشار موقع "العربي الجديد" إلى أن "الرياضيين المغاربة سجلوا نتائج لا ترقى إلى حجم تطلعات الجماهير، رغم استفادتهم من الدعم المالي الكبير المخصص لهم من وزارة الرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول أسباب تراجع أداء الرياضيين المغاربة في الألعاب الأولمبية".
وأشار في تقرير نشره في 10 أغسطس إلى أن "خيوط الحصيلة الصفرية للرياضيين المغاربة في الأولمبياد بدت منذ بداية المنافسات، بعد فشلهم في التأهل إلى أدوار متقدمة في مختلف الرياضات، خصوصا في الجودو وسلاح السيف والسباحة والتجديف والغولف وكانوي كاياك والتايكواندو وركوب الأمواج، وغيرها".
ولفت إلى أن "عددا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بن موسى، بضرورة فتح تحقيق في أسباب الإخفاقات المتتالية للرياضيين في أولمبياد باريس، ومحاسبة مسؤولي الاتحادات المحلية، الذين استفادوا من مبالغ مالية ضخمة، دون أن يظهر ذلك على نتائجهم".
من جهته، شدد “مرصد الرياضة المغربية” على أن "واقع الرياضة المغربية لن يتغير بدون رغبة سياسية كما حدث في كرة القدم، وطرد المسترزقين والفاشلين من مراكز القرار وتحرير الجامعات الملكية (الاتحادات) الرياضية من (مستعمريها)".
ودعا “المرصد” عبر صفحته على فيسبوك في 12 أغسطس، إلى "إلزام الشركات الوطنية بدعم القطاع واحتضان الرياضيين المغاربة والمنتخبات الوطنية، وتقييم وضعية كل رياضة على حدة ومراجعة الأهداف والميزانيات، ووضع إستراتيجية خاصة بالتنقيب حسب خصوصيات كل منطقة".
أضاف "وتشجيع الرياضيين على الاحتراف لتطوير بعض الأصناف التي لا نملك فيها تاريخا أو تقاليد، ودعم وتشجيع الأندية والجمعيات وتأسيس أكاديميات حسب الحاجة، وربط البحث العلمي بالجانب الرياضي، وتكوين الأطر الشابة على المستوى التقني والتسييري وإدماجهم في أسرع وقت".
وفي تصريح صادم وخارج الصدى الشعبي، أعرب المدير التقني للجنة الوطنية الأولمبية المغربية، حسن فكاك، عن رضاه عن نتائج المغرب في أولمبياد باريس.
ووصف فكاك في تصريحات صحفية في 10 أغسطس، النتائج بـ"الإيجابية"، وملمحا إلى تحسنها مقارنة بالنسخ السابقة.
هذا التصريح دفع بطلة العالم مرتين في سباق 400 متر حواجز وصاحبة برونزية "أولمبياد سيدني 2000"، نزهة بدوان، وهي رئيسة الجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع، للرد بالتلميح قائلة: "احترموا عقول المغاربة فهم ليسوا بلداء".
وأضافت بدوان لموقع "هسبورت" المغربي، "أستغرب بعض الأشخاص الذين يُريدون إقناع المغاربة بأن هذه الحصيلة إيجابية، المغاربة ليسوا بلداء، والجميع يعرف الرياضة، ويعرف كيف يُعطي تقييما للحصيلة العامة".
وتابعت: "لا يجب أن نتكلم عن البقالي ومنتخب كرة القدم وننسى باقي الرياضات، علينا أن نُفكر في الحلول وكيف نكون في المستوى، أما النتائج المحققة في هذه الدورة، فكان المغرب حقق أفضل منها منذ سنوات طويلة، وليس من الطبيعي أن أرى شخصا يُحاول الضحك على المغاربة وألتزم الصمت".
من جانبه، قال الصحفي الرياضي خالد الرحالي إن "الإنجاز اليتيم بميداليتين في باريس، يجب ألا يحجب الفشل الذريع في عشرات الرياضات الأخرى، هناك اتحادات قائمة وبميزانيات ضخمة لكن دون ألقاب ولا تأهل للأولمبياد منذ سنوات طويلة، لا كرة السلة ولا اليد ولا الطائرة، وهذا يسائل المسؤولين عن هذه القطاعات حول طريقة تدبيرهم".
وأضاف الرحالي لـ"الاستقلال" أن "المتابع الرياضي له الحق في التذمر والانتقاد والمطالبة بالمحاسبة، حين يرى علم بلاده في أدنى ترتيب تحت دول لا تملك حتى الجزء اليسير من الدعم، فيما عندنا تصرف الأموال دون حسيب ولا رقيب".
ولفت إلى أن "أولمبياد باريس وبعد هذا الاهتمام الكبير من المواطنين، الوزارة المعنية في ملعبها اتخاذ قرارات شجاعة بإقالة كل المسؤولين على إجهاض أحلام المغاربة في رؤية بلدهم في المراتب المتقدمة بالبطولات الكبرى".
وأشار الرحالي إلى أن "هناك رياضيين من دول أجنبية حصلوا على أكثر من ميدالية في نسخة هذه الدورة، فيما بعثتنا المكونة من 60 رياضيا، والوفد المرافق نحو 50 شخصا، فيما رجعنا بميداليتين يتيمتين بمجهود عصامي فردي لم يكن نتاج عمل قاعدي".