النفوذ والكبتاغون.. هذه مصالح الرياض وأبوظبي في التطبيع مع نظام الأسد
في تطور منتظر، تسلم وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في 30 يناير/كانون الثاني 2024، أوراق اعتماد أول سفير للإمارات منذ عام 2011، في خطوة رفعت بها أبوظبي تمثيلها الدبلوماسي بعد تطبيعها العلاقات مع النظام.
وكانت السعودية قد أعلنت في مارس/ آذار 2023 استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، بعد قطيعة دامت أكثر من عقد من الزمن، على إثر اندلاع الثورة في سوريا وقيام الجامعة العربية بتعليق عضوية النظام بسبب قمعه العنيف للاحتجاجات السلمية عام 2011.
في المقابل، دعمت جهات أخرى نظام الأسد، لا سيما حزب الله اللبناني وحليفته التاريخية إيران التي تدخلت إلى جانبه ودعمته في الصراع الداخلي والمعارك ضد فصائل المعارضة.
ذوبان جليد
وأشار معهد بحثي إيطالي في تقرير تطرق فيه إلى دوافع كل من الرياض وأبوظبي في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلى "وقوف السعودية وقطر إلى جانب المعارضة، وبأنهما كانتا من بين الممولين الرئيسين لها بالمال والسلاح".
وقال معهد "تحليل العلاقات الدولية" إن "العائلة الحاكمة في السعودية كان لها مصلحة خاصة في سقوط الأسد لإضعاف إيران وإعاقة نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط".
وأوضح أن الأزمة السورية "عكست الانقسام العميق بين الفصائل السنية والشيعية في الشرق الأوسط، وهو ما أثر بشكل كبير على العديد من الصراعات في المنطقة".
لكن في السنوات الأخيرة، حدث بحسب المعهد، "ذوبان جليد ملحوظ" في العلاقات بين ما أطلق عليه "المحور السني" ونظام الأسد.
وتوج ذلك بعودة نظام دمشق لشغل مقعده في جامعة الدول العربية في مارس 2023 بعد غياب دام 12 عاما، إلى جانب تطبيع علاقاته مع الرياض أولا ثم أبوظبي وكان ذلك بدوافع مختلفة.
الدافع الأبرز وراء هذا التغيير، بحسب المعهد الايطالي، يتمثل في الرغبة في اكتساب قدر أكبر من النفوذ على سوريا التي تعد حاليا جزءا من الممر الشيعي الذي تسعى إليه إيران.
وبذلك استنتج أن "الجهات الفاعلة السنية قد تسعى إلى ممارسة تأثير إيجابي على ديناميكيات سوريا واستغلال تطبيع العلاقات لتعزيز المصالح المشتركة وتقليل نفوذ طهران".
وأضاف أن هناك دافعا آخر لتطبيع العلاقات بين الطرفين تمليه الحاجة إلى "الحد من الصراعات الداخلية في منطقة هشة للغاية وغير مستقرة بالفعل".
وقال إن هذه الصراعات "تتعقد بسبب المشاكل المستمرة المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وما ينتج عنه من توترات تؤدي إلى العديد من الصراعات الموازية في المنطقة".
لهذا السبب، يقرأ التعاون بين "المحور السني والنظام السوري بأنه يشكل محاولة لتخفيف التوترات الداخلية وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
فيما يتعلق بمصالح الإمارات، أشار المعهد الإيطالي إلى احتمال أن يكون خيار تطبيع العلاقات مع سوريا مدفوعا أيضا بالرغبة في الحفاظ على التوازن مع السعودية في سياق المنافسة الإقليمية المتزايدة.
تمتد هذه المنافسة إلى قطاعات مختلفة، مثل الرياضة والمالية والطيران، لذلك يعتقد أن الإمارات تسعى "إلى زيادة نفوذها في المنطقة من خلال الدخول في ديناميكيات دبلوماسية جديدة".
جرعة أوكسجين
إلى ذلك، يندرج تطبيع العلاقات بين الدولة الخليجية ونظام دمشق ضمن مسار أوسع للتطبيع بين المحاور الإقليمية، يزيد المعهد مستشهدا باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة صينية في مارس 2023.
ويشير هذا إلى "نقطة تحول تسعى من خلالها الجهات الفاعلة الإقليمية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال الحوار والتعاون، رغم أن نتائج هذه الجهود تظل مرتبطة بمتغيرات متعددة".
كما أن الحاجة إلى "السيطرة على انتشار مخدر الكبتاغون تشكل دافعا إضافيا للتقارب الحاصل أخيرا بين بعض الدول، خاصة السعودية، مع النظام السوري".
وقد اكتسبت هذه المادة المخدرة دورا مهما في الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب، حيث ظهرت كنشاط موازٍ يهدف إلى زيادة عائدات الشخصيات المرتبطة بالنظام، وفق معهد "تحليل العلاقات الدولية".
ويُعتقد أن الموالين لرئيس النظام، خاصة شقيقه الأصغر قائد الفرقة الرابعة في الجيش ماهر الأسد، لديهم علاقات وثيقة مع كارتل المخدرات، وقد وجهت إليهم أصابع الاتهام بالتورط في إنتاج الكبتاغون وتوزيعه والاتجار به.
وكذلك الاستفادة منه بتمويل ودعم الجماعات ذات الأهمية الحاسمة لتحقيق الإجماع الداخلي حول النظام وضمان تدفق الإيرادات في سياق اقتصادي شديد المخاطر.
وامتدت ظاهرة انتشار الكبتاغون إلى جميع الدول الخليجية في الشرق الأوسط مما أثر على السياسات الإقليمية تجاه نظام الأسد.
وعلى وجه الخصوص، يذكر المعهد اشتراط السعودية إعادة العلاقات مع سوريا بالقضاء على هذه المشكلة مما يؤكد أهميتها الإستراتيجية.
وأكد أن تطبيع العلاقات "يمنح جرعة أكسجين لنظام الأسد، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الشديدة الناجمة عن الحرب الأهلية المستمرة، وعواقب الزلزال الذي وقع في فبراير 2023.
وقد تسبب كلا الحدثين في دمار مادي واقتصادي كبير في البلاد مما حال دون التعافي السريع.
ولذلك، يرى المعهد أن سوريا "بحاجة ماسة إلى التفاوض مع هذه الدول لجذب استثمارات أجنبية جديدة، خاصة في ظل الموارد المحدودة للحلفاء التاريخيين مثل إيران وروسيا".
وأوضح أن إيران "متورطة حاليا بطرق مختلفة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بالإضافة إلى الصدامات المباشرة التي تخوضها مع إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة خاصة في سوريا والعراق، فيما لا تزال روسيا منخرطة في الحرب بأوكرانيا".
وتحدّ هذه الالتزامات من القدرات الاقتصادية لحلفاء الأسد، مما يجعل البحث عن حلفاء ومستثمرين جدد "أمرا حاسما لمعالجة الوضع الاقتصادي المعقد في البلاد".
وبحسب المعهد الإيطالي، فإن "تطبيع العلاقات مع اثنتين من أهم دول المحور السني والعودة إلى الجامعة العربية يمثلان بداية واعدة لتحقيق هذا الهدف".
واستدرك أن "طريق نظام دمشق نحو إعادة الاندماج في السياق الجيوسياسي الإقليمي والتطبيع مع الدول الأخرى لا يزال طويلا".